حلم السيد موهوب

حلم السيد موهوب

ذات مساء، صحبني أبي لمشاهدة عرض مسرحي، كانت المسرحية جميلة جدًا، سعدت بها كثيرًا، وفي نهاية المسرحية أخذ الجمهور يصفق بحرارة شديدة للممثلين، وخاصة بطل المسرحية الذي استمر التصفيق له وقتًا أطول من غيره، لحظتها تمنيت لو كنت مكان بطل المسرحية؛ ليصفق لي الناس هكذا.
في اليوم التالي ذهبت إلى مدرستي كالعادة، لكني اتجهت إلى مسرح المدرسة على غير العادة، وطلبت من معلم النشاط المسرحي المشاركة في المسرحية التي سيقدمونها في حفل ختام النشاط المدرسي، رحب بي المعلم كثيرًا، وأعطاني دور حارس الملك الذي لم يكن يقول سوى جملة واحدة طوال المسرحية، هي: "أمرك يا مولاي".
رفضت الدور بالطبع؛ لأني كنت أريد الحصول على دور البطولة كي يصفق لي الجمهور فترة طويلة، مثل بطل المسرحية التي شاهدتها، حاول المعلم إقناعي بقبول الدور، وأخبرني أني مازلت في البداية، ومؤكد سيكون لي دور أكبر في مسرحية العام القادم، لكني رفضت، فهل مازلت سأنتظر عامًا كاملًا حتى يصفق لي الجمهور؟!
في المساء ذهبت مع أمي إلى النادي كالعادة، لكني لم أذهب إلى المكتبة؛ لأقرأ القصص والأشعار التي أعشق قراءتها كالعادة، بل اتجهت إلى ملعب كرة القدم، حيث كان يلتف الكثير من أعضاء النادي حول الملعب يشاهدون أطفالًا في مثل سني وهم يلعبون، ويصفقون بقوة كلما أحرز أحد الأطفال هدفًا.
طلبت من هؤلاء الأطفال أن أشاركهم اللعب، فوافقوا، ولعبت معهم، لكني لاحظت استياء كل فريقي مني؛ لأني أهدرت الكثير والكثير من الفرص السهلة، فكانت كلما تأتيني الكرة أركلها بسرعة تجاه مرمى الفريق المنافس آملًا في إحراز الأهداف؛ ليصفق لي الحضور، رغم أنه كان بإمكاني تمرير الكرة لأحد زملائي في الفريق، فيحرز الهدف بسهولة.
في اليوم الثاني ذهبت إلى مدرستي كالعادة، لكني ذهبت مبكرًا جدًا على غير العادة، وطلبت من مشرف الإذاعة المدرسية أن أقوم بالغناء أثناء الطابور، ورغم نصح المعلم لي بأن أقرأ على زملائي أهم الأخبار الواردة بالصحف هذا الصباح؛ لبراعتي في القراءة، إلا أني كنت مُصرًا على الغناء، مؤكد عرفتم لماذا كنت مصرًا على الغناء؟ نعم؛ ليصفق لي زملائي في الطابور.
وافق المعلم وجعلني أغني في الإذاعة، وبمجرد أن بدأت في الغناء أخذ زملائي يضحكون؛ لأن صوتي كان سيئًا للغاية، وبدلًا من أن ألوم نفسي لأني لم أستمع لكلام معلمي، ولأني قررت الغناء رغم علمي أني لا أملك موهبة الصوت الحسن، أخذت ألوم زملائي؛ لأنهم ضحكوا علي.
دخلت فصلي حزينًا، وزاد حزني حين دخل مشرف نشاط المكتبة ليسألني عن المقال الذي وعدته بتقديمه له اليوم؛ للاشترك به في المسابقة الأدبية التي تنظمها الإدارة.
اعتذرت لمشرف النشاط، وأخبرته أني لم أكتب المقال، ولن يمكنني الاشتراك في المسابقة، فابتسم المشرف وأعطاني ورقة، وطلب مني كتابة المقال الآن، فأخبرته أن الوقت ليس كافيًا، فابتسم قائلًا: أثق أنك تستطيع كتابة المقال في وقت قصير؛ نظرًا لمهارتك الأدبية، وأسلوبك البليغ الذي اكتسبته من كثرة اطلاعك وجلوسك في المكتبة.
تحمست جدًا من كلمات معلمي، وكتبت المقال، وسلمته إليه. مرت أيام وأيام، وفوجئت في طابور الصباح بمدير المدرسة يعلن فوزي بالمركز الثاني في المسابقة الأدبية على مستوى الإدارة، أخذ جميع زملائي وأساتذتي يصفقون لي بقوة، لحظتها أدركت أني أضعت الكثير والكثير من وقتي في فعل أشياء لست موهوبًا فيها لمجرد رغبتي في أن يقدرني الناس، وأني لو كنت ركزت في البداية في فعل ما أجيد لكنت حصلت على المركز الأول. 
نسيت أن أخبركم أني قابلت ذلك الممثل بطل المسرحية التي شاهدتها مع أبي... ليس هذا فقط بل وقفت بجواره على خشبة المسرح، وأمسك بيدي وأخذنا نحيي الجمهور سويًا، وأخذ الجمهور يصفق لنا بقوة... لم أكن أمثل معه دور البطولة في المسرحية كما تتخيلون، بل كنت أنا مؤلف تلك المسرحية التي أعجب بها الجمهور.