زَيْنبُ وصاحب المكتبة الخضراء

زَيْنبُ وصاحب المكتبة الخضراء

في يَوم الأَحَد وبَعدَما أَنْهَت زَينَبُ جَميعَ واجِباتِها المَدرسِيَّة، قَرَّرَت التَّرفيهَ عَن نَفْسها بِقراءةِ قِصَّة، وبَعدَ بَحثٍ طَويلٍ أثار انْتِباهُها قِصَّةٌ بِغلافٍ أَخْضَرَ عُنْوانُها "دَنانِيرُ لِبْلبة". حَمَلت القِصَّة لغُرفَتِها وما إنْ شَرَعَت في قِراءتِها حَتَّى جَذَبْتَها الأَحْداثَ المُشَوِّقة والأُسْلُوب الممتع وخَيالَها الواسِعِ، فَأَنْهَتها في وَقْتٍ وَجيزٍ، ثُم قالَت بإعْجابٍ مُحَدِّثَة نَفْسها: يا لَها من قِصَّة مُمْتِعَةٍ جِدا!
عادَت للغِلافِ تَبْحَثُ عَن مُؤَلِّفِها فَقَرَأت: القِصَّة مِن تأليفِ يَعقوب الشارُوني.
ثُمَّ تابَعَت كَلامَها بِسُؤال: تَرى مَن يَكونُ يَعقُوب الشَّارُونِي الَّذِي أبْدَعَ قِصَّة دَنانِيرِ لِبْلِبَة؟
وَمَا إِنْ أَنْهت كَلاَمَها حَتَّى لَمَحت القِصَّة تَتَحَرَّكُ، فَخَرجَ مِن بَينِ أوْراقها فَتاةٌ تُشبهُ الخَادمَة لِبْلِبَة المَرْسُومَة فِي أَوراقِ القِصَّة وهي تَحملُ مِكْنَسةً، فَقالَت لَها: أَنَا لبلبة، جِئتُ لأُعَرفَّك بالكاتِبِ الَّذي تَخَيلَني وجَعلَني بَطل قِصَّتِه.  
ظَلَّت زَيْنَبُ مُدَّة مُندهِشةً غَيرَ مُسْتوعِبَةٍ ما تراهُ عَيناها، وبَعد أنِ اطْمَأنَّ قَلبُها، أَمْسكت لِبلِبَة بِيدِ زَيْنَب وحَملَتها علَى مِكنَستِها وطارَت بِها إلَى مَدينَة بِها أَهراماتٌ ومآذنُ كَثيرةٌ وقالت لَها: أَنِت الآنَ فِي مِصر وبالضَّبط داخلَ عاصِمَتها القاهِرَة مَسْقطُ رَأسِ يَعْقوب الشارُوني الذي ولد في العاشِرِ مِن فَبْرايِر سَنة 1931م.
فَسألَت زَينب صَديقَتها: وَماذا كانَ عَملُهُ؟
رَدَّت لِبْلِبَة: تَفَوَّقَ في دراسةِ القانُون والاِقتِصادِ، فتقلد عِدة مَناصِبَ مُهِمَّة في مَجالِ الثَّقافَة، منها مَنصبَ مُديرٍ للشُّؤونِ القانُونِية بِالهَيئةِ المِصريةِ العامَّة للثَّقافةِ ومُسْتشارًا لوَزيرِ الثَّقافَة بِالإضافَة لعَملهِ كَصَحَفي ومُؤَلِّف كَبيرٍ في مَجالِ أدَبِ الطِّفلِ.
وَبعدَ أنْ أَنْهَت لِبْلِبَة كلامَها قالَت لزَيْنَب: هَيَّا ارْكَبي المِكْنَسةَ لآخُذَك لنَقُومَ بِزيارَة خاطِفَة لمَنزِلِهِ.
وَبِسرعَة اسْتَقَلَّت زَيْنَبُ مِكنسَة لِبْلِبَة واتَّجَهت بِها صَوبَ مَنْزلِهِ، واقْتَرَبا مِنَ النَّافذَةِ، فَلَمَحت زَيْنَب رَجُلًا يَكْتُبُ عَلى مَكْتَبهِ فَسألَت زَينَبُ لِبْلِبَة: مَن يَكونُ هَذا الرَّجُل؟
أَجابَتها بِصوتٍ خافِتٍ: إنَّه يَعقوبُ الشارُوني يَكتُبُ قِصَّةً. لَقد كَتبَ أكْثَر مِن أرْبَعمِائةِ كِتابٍ للأَطفالِ وَعشراتِ الدِّراساتِ الأَدَبيَّةِ الخاصَّةِ بِأدَب الطِّفل وأَشْهَرُ مَجموعَة هي قِصَصُ المَكتبةِ الخَضراءِ، الَّتي عَرفَت شُهْرةً مُنقطعَةَ النَّظيرِ في العالَمِ العَربي بِأسْرِهِ.
أَجابَت زَينَبُ: جَميلٌ جِدًا، ولَكن لاحِظي يا لِبْلِبَة غُرفتُهُ مُؤَثَّثَةٌ بِالعديدِ مِن الدُّروعِ والشَّهادات التَّقديريَةِ.
أجابَتْها لِبْلبَةُ: إنَّ الأَديبَ يَعقُوب الشَّارُوني حَصلَ عَلى العَديدِ مِن الجَوائزِ أبْرَزُها الجائِزَة الأُولى فِي مُسابَقة المَجلسِ الأَعْلى للفُنُونِ والآدابِ، وفي سَنةِ 2002 فازَ بِجائِزَة الآفاقِ الجَديدَة بالمَعرضِ الدَّولي لِكتابِ الطِّفل بِبُولُونْيا الإِيطالِيَة، والَّتي تَمنَحُ لكاتِب واحِد عنِ القاراتِ الخَمسِ آسْيَا وأَمريكا وأُسْتراليَا وإِفْريقْيا وأُورُبَّا، وحَصلَ علَى الجائِزةِ الأُولى عَن عَملهِ المَسرَحِي "أبْطَالُ بَلَدنا" منَ المَجلسِ الأَعْلى للفُنونِ والآدابِ بِوزَارةِ الثَّقافَة المِصْرِيَّةِ.
وَفجأةً قَالت زَينبُ للِبْلِبَة: إنَّ الأديبَ يَعقوب الشاروني قَد غادَرَ مَكْتَبهُ.
فَقالَت لِبْلِبَة لزَينَب: هَيَّا لنُلْقِي إطلالَةً على مَكْتَبَتِهِ.
دَخلتا لمَكْتَبتهِ فَوجَدتاها تَعُجُّ بالكُتُبِ، فَبَدأت زَيْنَب تُمعن النَّظر في مُؤَلفاتِهِ. فقالت لِبْلِبَة: هُناك كُتُبٌ عَناوينُها مَكتوبةٌ بِلغاتٍ أَجنَبِيَّة غَير العَربِيَّةِ.
أَجابَتْها: لَقد تُرجِمت كُتبهُ لخَمس لُغات عالمِيَةٍ.
فَالتَقطت زَينبُ مَجَلَّة بِها مَقالةٌ كَتبها يَعقوبُ الشَّارُوني ثُم قالَت: إنَّها إحْدى مَقولاتِ يَعقوب الشَّارُونِي يَقولُ فِيها: نُريدُ من كلِّ طفلٍ وطفلةٍ أن يُصبحَ مواطنًا يؤمنُ بالجُهدِ والعلمِ والتجربةِ والتحصيلِ سبيلاً للتطوُّرِ والتقدُّمِ، مُتَّخِذًا من القِيَمِ الروحيةِ والإيمانِ بالعلمِ سبيلاً للتقدُّمِ.
وَفَجأة سَمِعتا أَحَدًا يَفتَحُ البابَ فَطلَبَت لِبْلِبة مِن زَينَب المُغادرة بِسُرعَة، لَكن زَينَب أمامَ ارْتِباكِها لَم تَسْتَطِع رُكُوبَ المِكنسَةِ بِشَكلٍ سَوي فَسَقطَت وصَاحَت: أَنْقذُوني... أَنْقِذوني...
فَفَتَحت عَيْنَيْها وأُمُّها تَقولُ لَهَا: هَيَّا ابْنَتي انْهَضي كَفاكِ نَوما وَضَعي قِصَّتك فَوقَ مَكْتَبتَكِ فَالعِشاءُ جاهِز. 

●توفي رائد أدب الطفل يعقوب الشاروني في 23 نوفمبر2023.