رَمضان في السُّودان للتَّضامُنِ والكَرمِ والإِخاءِ.. عنوان

 رَمضان في السُّودان للتَّضامُنِ والكَرمِ والإِخاءِ.. عنوان

  رَمَضان في السُّودان مُتَمَيِّز جِدا في عاداتِهِ وتَقاليدِهِ وطُقُوسه الدِّينِية، فَرَمضان بِالنِّسبَة لساكِنةِ السُّودان يَبدأ من شَهرِ شَعبان والَّذي يُسميهِ السُّودَانِيون بِلهجتهم المُتَداوَلة “قَصِيرْ"، وذَلكَ للمَكانَةِ الَّتي يَحتلُّها الشَّهْرُ الفَضيلُ في قُلوبِهِم، ولِلدَّلالَةِ عَلى اقْترابِ رَمَضان.
خِلالَ شَهر شَعْبان تَشرَعُ الأُسَرُ السُّودانِيةُ في شِراء وَتَخزينِ كُل ما يَحْتاجُونَهُ مِن مَواد غَدائِيَة أَساسِية حَتَّى يَسهُلَ عَليْهم الحُصول عَليْها أثْناءَ تَحْضِير المَأكُولاتِ والمَشرُوباتِ وهَذهِ العَمَلِيَّة يُسَمِّيها السُّودَانِيُون مُويَةُ رَمَضَان.
يَشْرَع الشَّعبُ السُّوداني خِلالَ شَهرِ شَعْبان بِتَحضيرِ العَديدِ مِنَ المَشروباتِ اللَّذيذَةِ والأَكلاتِ الشَّهِيَّة، وَيكونُ الفُولُ السُّوداني أَحدَ المُكَوناتِ الرَّئيسيَةِ فِيها، ومِن بَينِ هاتهِ المَشروبات نَجِدُ مَشرُوب الأَبْرِي أو عَواسَةُ الأَبْرِي وَهُوَ مَشروبٌ شَعْبي قَديمٌ فِي السُّودان وَهُوَ يُحَضر مِن مَجموعَةٍ مِن التَّوابل والفَواكِهِ الجافَّة ودَقيق الذُّرة والفُول السُّوداني كَعُنْصُران أَساسيانِ، وعِندَ تَحْضِيرهِ يُطلقُ رَائحَةً زَكيَّة يُمكنُ لِلحَيِّ كُلِّه أنْ يَشْتَمَّ رَائحتَهُ وَيَتِمُّ تَناولُ عَواسة الأَبْري في جَلسةٍ اجْتماعِية في الغالِبِ تَكونُ نِسائِية خَالِصة رُفْقَة أطْفالِهن الَّذينَ يَستَمتعونَ بِشربِ الأَبري الَّذي يَكونُ مَذاقُهُ حُلوا مَع قَليلٍ مِن المَرارةِ.
وَمن َالعاداتِ الَّتي تُمَيِّز رَمضانَ في السُّودانِ هِي ظاهِرةُ المُورْكِي والَّتي تُتَرجَمُ للعَربِيَّة بِالتَّعاونِ في السَّراء والضراءِ فَكلُّ بَيتٍ يُقَدِّم ما عِندهُ للمُحتاجِينَ بَلْ وَتصبحُ ضِفَّة نَهرِ النِّيل قِبلَةً لتَقديمِ الفُطورِ الجَماعي الَّذي يَجدُ فيهِ المُحتاجُ المكان الاِجْتِماعي للإفْطارِ في جَوِّ الرَّحْمَةِ والوِدِّ والأُلْفَة، فَتُقَدَّمُ لضُيوفِ الرَّحمانِ أَكلَةُ الدِّبَّةِ الشَّهيرةِ في السُّودانِ وهِي أُكلةٌ مَكونَةٌ مِن القَرعِ المَسلُوقِ واللَّحمِ والحُمّصِ والأُرْزِ، وَهذهِ الأَكْلةُ هِي رَمزٌ مِن رُموزِ إكرامِ الضَّيف والتَّعبيرِ عَن حُبِّهم لِكُلِّ ضَيفٍ يَحُلُّ بَيْنَهُم.
  وَمِنَ الطُّقوسِ الرَّائعةِ الَّتِي تُمَيِّز رَمَضان في السُّودان هَو لَيْلَةُ الإِعلانِ عَن رُؤيَةِ هِلالِ رَمَضان، فَفي تِلكَ اللَّيلَة يَجتَمعُ رِجالُ السُّودانِ في جَماعاتٍ كَبِيرَة ويَتَجولُونَ في الأَزقَّةِ والشَّوارعِ وهُم يُكَبِّرونَ الله إِيذاناً بِقُدومِ رَمَضان.
وَبِانْتِقالِنا لمَائدَة الإِفطارِ السُّودانِيَةِ فَإِنَّنا نَجِدها تَعُجُّ بِالأَطْباقِ الشَّعبِيَةِ المُتَوارَثَة والَّتِي لَم يُفَرِّط فِيها أَهلُ السُّودانِ، وفي مُقَدِّمة هَذهِ الأَطباقِ العَصيدَةُ، الَّتي تُحَضَّر بِالسَّميد والعَسلِ.
أَما المِسَحَّراتي السُّوداني فَهُوَ بِدورهِ مُتَمَيِّز، فَفي السُّودان لا يَكونُ المِسَحَّراتي رَجلًا واحِدًا، بَل فَريقٌ مِن الرِّجال يَتَجَولُّون في الأَزِقَّة والشَّوارعِ، أَحَدُهم يَحملُ طَبلًا كَبيرًا والباقي بِالدُّفوفِ، بَل الجَميلُ في المَسَحَّراتِيَة أنَّ النَّاس يَجتَمعونَ حَولَهُم وَيَرقُصونَ على نَغماتِ الطَّبل والدُّفوفِ مُشَكِّلينَ لَوحةً فُلكلُورِيَة شَعْبِيَةً جَميلَةً، بَل هُناكَ مِن الأَطْفالِ مَن يَستعينُ بِأدَوات مَطْبَخٍ رَنَّانَة ويُوظِّفها كَآلةِ إِيقاعٍ ويُرافق المِسَحَّراتِية في تِجْوالِهِم بِالأَزِقَّة وهُم يُوقِظونَ الناسَ لتَناوُل وجْبةِ السُّحورِ.
  وَالجَميل عِندَ أَهل السُّودان أَنَّهم يَتناولُون السُّحورَ في فَناءِ المَنازلِ حَتَّى يُصبِحَ في مَقدُورِ كُل شَخْص مَر بِحَيٍّ ولاَ يَملكُ مَا يَأكل في السُّحور مُشاركَةَ أهلِ الدارِ في الأَكلِ ولا يُحِسُّ بِأَنَّه أَقل شأنا من باقي أَفْراد المُجْتَمعِ.
أَما في لَيلةِ القَدرِ فَيرتدي الكِبارُ والصِّغارُ اللباسَ السوداني التَّقليدي ويقْضونَ اللَّيلةَ كامِلةً في الصَّلاة والذِّكر وقراءةِ القرآنِ، فالنِّساءُ يَرتَدينَ ما يُسَمُّونَهُ بالدارِجَةِ السُّودانِيَة "التُّوب السُّوداني"، والذُّكور يَرتدونَ الجِلبابَ والعَمامةَ السُّودانِية.