فطور داخل فانوس

فطور داخل فانوس

حين اقترب شهر رمضان سألت أبي، لماذا لا نصوم كل الشهور؟ قال أبي: يا معاذ، شهر رمضان يتميز بأن فيه أبواب الخير تتعدد وتفتح أبواب الجنة، والأجر فيه مضاعف للصلاة والصيام والدعاء والأعمال الصالحة، وفيه ليلة خير من ألف شهر وهي ليلة القدر، قلت له: يا أبي أنا أعشق شهر رمضان وأتمنى أن تكون كل الشهور رمضان، ابتسم أبي وقال: نحن جميعًا نحب شهر رمضان.
كان عمي سليمان يسكن في نفس البيت هو وزوجته وأولاده أحمد وعماد لأن المنزل كبير وبه حديقة واسعة تملؤها الأشجار. قبل رمضان بثلاثة أيام وضع أبي وعمي سليمان فانوسًا ضخمًا وبه مصباح كبير أمام المنزل وكنت أنا وأخي خالد وأولاد عمي نساعد في قص الزينة الملونة التي تم وضعها على جدار المنزل، وفي اليوم التالي اشترى أبي لكل منا فانوس رمضان، فهو يعلم أننا نحب الفوانيس ونلعب بها بعد الفطور، ورغم أن أخي خالدًا أصبح في الصف السادس الابتدائي إلا أن أبي اشترى له فانوسًا، أما أولاد عمي.. فأحمد في الصف الأول الابتدائي وعماد في الصف الثاني وأنا في الصف الثالث الابتدائي. 
جاء رمضان ومرت الأيام ونحن في سعادة، وكانت الأسر تتزاور مع بعضها البعض، وكل يوم بعد الفطور نلعب أنا وخالد مع أولاد عمي سليمان بالفوانيس، مر شهر رمضان سريعًا ونحن لا نشعر، وقضينا العيد في فرح وسرور. وذات يوم ليلًا سمع أبي صوت بكائي فدخل حجرتي مسرعًا فوجدني أبكي وأنا أحتضن فانوس رمضان، فاحتضنني وقال: لما كل هذا البكاء يا معاذ؟ قلت له أبكي لأني كنت لا أرغب في انتهاء شهر رمضان، فقال أبي: ما رأيك أن تصوم معنا يوم الإثنين والخميس من كل أسبوع حتى تشعر بأجواء رمضان، قلت له: نعم سأصوم معكم.
اتفقت مع أخي خالد وعماد ابن عمى على أن نصوم مع الكبار يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع، فوافقا على الصيام معي أيضًا.
اقترب عيد ميلادي التاسع، فطلبت من أبي أنا وخالد أن نزور عمتي سهام لمدة أسبوع ونعود ليلة عيد الميلاد، وافق أبي وذهب معنا أحمد وعماد أولاد عمي سليمان.
عدنا ليلة عيد ميلادي مع زوج عمتي وكان والدي وعمي ينتظرانا عند باب المنزل، فقال أبي: هيا سريعًا إلى شقة أخي سليمان، دخلنا شقته ولا نعرف السبب، وفجأة أطفأ أبي نور المنزل كله وأخذنا لننظر من الشرفات، فإذا بنا نرى في الحديقة فانوسًا ضخمًا جدًا تشع منه أضواء مختلفة الألوان، فصرخنا فرحًا وسألت أبي: ما هذا، قال أبي حجرة كبيرة على شكل فانوس رمضان لنفطر فيها، وهذه هدية عيد ميلادك يا معاذ، ذهبنا جميعًا إلى الحديقة فإذا بها حجرة كبيرة زجاجية رائعة بها أضواء كثيرة على شكل فانوس فأسرعنا أنا وخالد وعماد وأحمد إلى الداخل فإذا بمكان واسع به جزء مخصص لتناول الطعام وجزء به مكتب صغير عليه كتاب قرآن وبعض الكتب الدينية وجهاز صوتي عليه بعض الأدعية وأغان خاصة برمضان، فشغلت أغاني رمضان وأخدنا نرددها أنا وأولاد عمي ونحن في غاية السعادة.
كان اليوم التالي هو يوم الاثنين، وصمت أنا وخالد مع أبي وأمي وعمي سليمان وزوجته وعماد، وصام أحمد ابن عمي معنا لأول مرة في حياته يومًا كاملًا، وقضينا اليوم في الفانوس، ما بين سماع القرآن والأدعية وسماع أغاني رمضان حتى انتهت أمي وزوجة عمي من صنع الطعام وعاد أبي وعمي من العمل وكان الفطور داخل فانوس رمضان.