لوسي وذات الضفائر الحمراء في الجملونات الخضراء

لوسي وذات الضفائر الحمراء في الجملونات الخضراء

ولدت الكاتبة المغمورة لوسي مود مونتغمري سنة 1874 في جزيرة الأمير إدوارد، وتعتبر واحدة من أعظم الكتاب الكنديين. ألفت عددا من قصص الأطفال أشهرها سلسلة روايتها الأولى "آن في المرتفعات الخضراء"، التي تحكي عن آن شيرلي الفتاة اليتيمة التي وبشكل غير متوقع، ستضفي البهجة والأنس إلى حياة الأخوين ماريلا وماثيو كوثبرت، عندما سيتبناها للعيش ببيتهما ذي الجملونات الخضراء. وهذا الأخير ليس وحيًا من خيال الكاتبة، بل هو منزل حقيقي ذو مزرعة كبيرة يعود في الأصل لأقربائها، فكان والمناطق المحيطة به مصدر إلهام لأحداث روايتها.

طفولة بخيال جامح
اتسمت طفولة لوسي بالوحدة بعدما توفيت والدتها وهي في سن صغير، فعاشت عند جديها الصارمين اللذين قلما أظهرا مشاعرهما نحوها، فلجأت لمخيلتها كملاذ لفك عزلتها بالغوص في قراءة كميات وفيرة من الكتب، ما جعلها تكتشف عوالم جديدة وتوسع من آفاقها. ولم تر لوسي في نفسها إلا كاتبة بالمستقبل رغم أن جديها لم يشجعاها على ذلك، لكنها كتبت الشعر والمذكرات وهي في التاسعة، وفي المراهقة نشرت قصصا قصيرة في الصحف المحلية تحت اسم مستعار، قبل أن تبيعها للمجلات في كل أنحاء أمريكا الشمالية، فنالت إقبالا كبيرا.

رواية ملهِمة للأطفال
عندما فرغت لوسي من كتابة قصة آن سنة 1905 لم تكن مجرد رواية، بل تحفة أدبية تأخذ القارئ في رحلة فريدة لعوالم خيالية ولحظات لا تنسى تملؤها المغامرات. لقد استوحت قصتها من باقي روايات الأطفال مثل "أليس في بلاد العجائب"، إضافة إلى خبر طالعته بالجريدة عن زوجين اتخذا إجراءاتهما في تبني ولد صغير لكنهما توصلا بفتاة عوضًا عنه. رفض الناشرون مخطوطتها في البداية، لكنها أبت أن تثبط عزيمتها عن تحقيق هدفها بأن تصبح كاتبة بارعة، فعادت بعد سنوات لتجرب حظها، لتنجح أخيرًا في توقيع عقد نشر، وأصدرت الرواية في يونيو 1908.

آن ذات الضفائر الحمراء
لم تتميز البطلة آن بشعر أحمر فقط، بل بشخصية أخاذة تأسر القلوب بطيبتها وذكائها ونظرتها المتفائلة المفعمة بالأمل حتى في أصعب الأوقات. ثم إنها فتاة مغرمة بالطبيعة، تسرح بخيالها وتعيد تسمية الأماكن لتجعلها تبدو أكثر شاعرية. فمشاهد الحقول الزراعية المتموجة والبساتين والممرات المشجرة كانت عزيزة على آن مثلما عزيزة على لوسي نفسها التي استحضرت حياتها الشخصية وعكستها في روايتها، إذ حكت من خلالها طفولتها كما كانت تحلم بها في ريف الجزيرة الساحر.

بيت الجملونات الخضراء
أصبح بيت الجملونات الخضراء مزارا للسياح بعد تعيينه معلما أدبيا ومبنى تاريخيا من قبل الحكومة الكندية. يقع المبنى المشيد في ثلاثينيات القرن التاسع عشر تحديدا في بلدة كافنديش، فتم تجديده في السبعينات ليحاكي شكله في الرواية تماما. هناك يمكن مشاهدة غرفة آن بأثاثها، وغرفة الطعام والصالون وغرفة الخياطة وباقي غرف النوم. وتعرض فيه معلومات غنية حول لوسي ويضم متجرا للهدايا التذكارية مختلفة الأصناف. وقد تعثر بالاستقبال على فتاتين تجسدان آن شيرلي وصديقتها ديانا باري لأخذ صورة لطيفة معهما.

نجاح عابر للأزمنة
في سنة 1942 توفيت لوسي وفي جعبتها عشرين رواية وكتابين من القصص القصيرة وديوان شعر وسيرة ذاتية وعديد من القصائد والقصص والمقالات التي كتبتها للمجلات طيلة حياتها. عادة ما تناولت لوسي مواضيع متعلقة بالأطفال اليتامى أو المتخلى عنهم أو من آبائهم منفصلين، كما كانت تركز على قيمة تعليم الفتيات.
توجهت لوسي للأطفال بروايات أخرى كـ "إيميلي فتاة القمر الجديد"، لكنها تألقت بشكل خاص برواية آن التي بيع منها حوالي 50 مليون نسخة حول العالم، ولا تزال تحتل مراتب جيدة بين أفضل روايات الأطفال وروائع الأدب العالمي بشكل عام. وترجمت إلى 36 لغة على الأقل وحولت إلى لغة برايل، كما تم إدراجها في المناهج الدراسية لعدد من الدول، وتم إنتاجها كأفلام ورسوم متحركة دبلجت للغة العربية تحت عنوان "شمّا في الواحة الغناء". ولعلها الرواية التي لن ينساها الأطفال، إذ ترسم الابتسامة على وجوههم وتعلمهم أن الحياة هي مغامرة جميلة تستحق العيش والتذكر. وقد وصف مارك توين، الكاتب الأمريكي، آن شيرلي بأنها "الطفلة الأكثر جاذبية، والأكثر إلهامًا، والأروع منذ أليس الخالدة".