«رأس بيروت» المنفتحة على العرب والعروبة

النوم ما بين حلوه واضطراباته
        

          لقد أدى التطور الحضاري والعلمي والتكنولوجي إلى إيجاد تقنيات أدت إلى راحة الإنسان جسدياً وبالرغم من ذلك التطور إلا أن ظروفاً متعدده أثرت على صحة وسلامة الإنسان ومنها: اضطرابات النوم.

          إن النظريات القديمة كانت تقول بأن النوم هو حالة من الغيبوبة تتعطل فيها أعضاء ووظائف الجسم ويتوقف نشاطه الدماغي. وأما البعض فيعرفه بأنه وظيفة حيوية يقوم بها الكائن الحي ليقي نفسه من حلول التعب. وهذا ليس بقدرة الإنسان وانما بقدرة الله الذي خلق الإنسان وأودع فيه الأعصاب والشرايين والاوردة والتي تعمل بأمرٍ من الله تعالى وليس بقدرة الإنسان. وأرى بأن النوم هو توقف عمل بعض أجهزة الإنسان كالحركة والسمع والبصر عن العمل نتيجة الإرهاق الجسمي أو الفكري لفترة محدودة مع العلم بأن باقي أجهزة الإنسان تعمل كالدماغ والقلب.

أشكال النوم

          للنوم شكلان أحدهما عميق والآخر خفيف حيث تتحرك عينا الإنسان وعضلات وجهه ويظهر كأنه غير نائم ومن السهل إيقاظه من النوم. فعندما ينام الإنسان نوماً عميقاً فإنه يكون مسترخياً وهادئاً ولكنه بعد فترة من النوم ينقلب من جنب ٍ لآخر وبعد تسع دقائق يتغير نشاط دماغه حيث تبدأ عيناه بالتحرك السريع وتظهر قسمات وجهه ويدخل في مرحلة النوم الخفيف وإذا أيقظناه من منامه بدون إرادته فإنه سيعود للنوم من جديد ليعوض ما فقده من النوم.

          النوم الكلاسيكي (البطيء): يتميز هذا النوع من النوم بسرعة التنفس والسرعة في ضربات القلب وفي انخفاض الدم وفي هبوط درجة حرارة الجسم ولذلك يكون الاحتراق الداخلي لجسم الإنسان بطيئا وهذا النوع لا ترافقه حركات العين السريعة ويحدث هذا النوع بكثرة في أول الليل.

          النوم النقيضي (الحالم): ويسمى بذلك لأنه تحدث فيه الأحلام حيث يتذكر الإنسان عندما يستيقظ من النوم أنه كان يحلم سواء استيقظ لوحده أم أيقظناه، ويتميز هذا النوع بحركات العين السريعة ويرافقه نشاط ٌ في كل أجزاء الجسم من ضغط ٍ للدم وزيادة في نبضات القلب وفي حركات التنفس ويحدث هذا النوم كل تسعين دقيقة مرة ويستمر حوالي عشرين دقيقة في كل دوره ونسبة هذا النوم للإنسان هي 25%.

الهدف من النوم

          يهدف النوم إلى: 1 ترتيب المعلومات المكتسبة خلال وعي الإنسان في النهار والليل فالدماغ يتكون من أجزاء فلكل جزء وظيفة معينة فبعضها يحفظ الصور وبعضها مسؤول عن الانفعالات فخلال النوم يتم فرز هذه المعلومات المكتسبة خلال الوعي.

          2 إعادة تصليح وتأهيل بعض الخلايا العصبية التي أنهكت خلال نشاط الإنسان نهاراً وليلاً وهو في حالة الوعي.

          3 إعادة توزيع المواد الكيميائية بين الخلايا العصبية وبين وسائط نقلها في الدماغ.

          4 من أجل التزود بالطاقة التي استهلكت خلال وعي الإنسان.

          5 من أجل ضبط الساعة البيولوجية في حياة الإنسان إذ يوجد نوعان من الهرمونات وهما Melatonin وCortisol، وهذان الهرمونان يفرزهما الدماغ في الليل أكثر من النهار وفي الليل تبدأ درجة حرارة الجسم بالانخفاض لان الإنسان يبذل خلال العمل في النهار طاقة مما يؤدي لرفع درجة حرارة الإنسان فالساعة البيولوجية تؤدي لتكيف الإنسان ولذلك نجد الكثير من الناس يعانون من صعوبات كبيرة في العمل خلال الليل فنجد أن نسبة العاملين في الدول الغربية في الليل 20% لان الإنتاج بحاجة لجسم يتحمل ولكن تحمل الإنسان أثناء النهار يكون أكثر من الليل ولا ننسى أن تراثنا مليء بالأمثال والأقوال التي تحثُ الإنسان على الاستيقاظ والدراسه مبكرا فيً بداية الصباح أكثر من الليل.

أهمية النوم

          تكمن أهمية النوم في الساعة البيولوجية التي خلقها الله سبحانه وتعالى في جسم الإنسان فالنوم أهم من الطعام والشراب أحياناً حيث يستطيع الإنسان أن يصبر عليهما أكثر من النوم ولذلك حتى تهدأ العمليات الحيوية بالجسم وتزول آثار التعب لا بُد للإنسان من أن يستريح وينام، فالنوم ضروري لجسم الإنسان وهو ضروري لجميع الناس من أطفال وشباب وشيوخ ذكوراً وإناثاً فهو يحافظ على الوظائف المناعية للجسم ويزيد من كفاءة العقل ويضبط سلوكيات الإنسان ويقلل من حدوث الشيخوخة ولكن النوم ليس كما يريد أن ينام الإنسان في أي وقت سواء أكان في النهار أم في الليل حسب إرادته كأنه يعمل على الكمبيوتر بل توجد ساعة بيولوجية داخلية موجودة في «الهيموتلامس» في قاع المخ فهذه الساعة هي التي تحدد أوقات النوم.

معدلات النوم

          يقضي الإنسان ثلث عُمره تقريباً في النوم ولكن تختلف فترة النوم لدى الإنسان فالطفل الوليد ينام تقريباً كل يوم عشرين ساعة، أما الأطفال الكبار فيحتاجون إلى ما بين 10 - 12 ساعة للنوم يومياً، أما المراهقون فيحتاجون إلى تسع ساعات يومياً، أما الشباب والكبار فيحتاجون إلى ثماني ساعات يومياً ولا ننسى أن هذه الاحتياجات اليومية قد تكون تامة أو على مراحل ومما يجدر الإشارة إليه أن فترة النوم يؤثر عليها التعب الجسمي والفكري والطعام الزائد.

أنسب أوقات النوم وأفضل أوضاعه

          إن أفضل أوقات النوم هو الليل حيث يعمل هرمون النمو على الإفراز بغزارة في بداية الليل ولذلك ينام الإنسان نوماً عميقاً ومن أنسب ِ أوقات النوم أيضاً فترة القيلولة.

اضطرابات النوم النفسية

          هناك أسباب تؤدي للاضطراب في النوم:

          1- الطعام والتغذية: يوجد اثنان من الأحماض الأمينية (التربتوفان والتروسين) يلعبان دوراً مهماً في الرغبة للطعام والاستجابة المزاجية فالحمض الاميني التربتوفان يتحول إلى مادة السيروتونين والتي تعتبر المادة الاساسية التي يستعملها المخ في تصنيع الناقلات العصبية المهدئة والذي يحصل عليه الإنسان من الاطعمة وهذا يساعد الإنسان على النوم.

          أما تناول المواد الكربوهيدراتية بكثره وخاصة قبل النوم فيؤدي لزيادة إفراز الأنسولين بكثرة من البنكرياس وكثرة إفراز الأنسولين تؤدي إلى نقص الأحماض الدهنية ولذلك يجب التقليل من الدهنيات وخاصةً قبل النوم. ولذلك يفضل تناول الأطعمة التي تحتوي على الكالسيوم لأنها تساعد في استخدام التربتوفان في عملية تصنيع الميلاتونين.

          2 الأرق اليومي الأولي: ويتمثل في عدم القدرة على النوم بسرعة عند النوم في الفراش أو مواصلة حالة النوم بشكل مستمر وهذا ليس في يوم واحد وانما يستمر إلى أكثر من شهر. والأرق يؤدي إلى خلل إكلينيكي عضوي وهذا يقود بدوره إلى الاكتئاب والتغيب عن المناسبات الاجتماعيه مثلاً.

          3 فرط النوم الأولي: وهذا يحدث عندما يشعر الإنسان بالنعاس المستمر أو ينام نوماً لفترة طويلة حيث ينام في النهار عدة مرات أو ينام متأخراً في الليل ويستمر إلى ما بعد ظهر اليوم التالي وهو نائم وأما بعض الأفراد فينام نوماً يدعى بالنوم الانتيبابي حيث ينام يومياً عدة مرات ولا يمكنه مقاومة تلك النوبات وينتج عن فرط النوم الأولي الانفعال الشديد وتتكرر حركة العين السريعة ويكون الإنسان ما بين النوم واليقظة.

          4 - أمراض الجهاز التنفسي: إن هذه الاضطرابات مرتبطة ببعض الأمراض العضوية وتتمثل هذه الاضطرابات ما بين النعاس المفرط أو العكس حيث يشعر الفرد بالأرق ولا يستطيع النوم ومن هذه الاضطرابات انقطاع التنفس المركزي حيث يشعر الفرد بالاختناق ولا ننسى أن هذه الاضطرابات ترهق الجسم.ومن أمراض الجهاز التنفسي الأخرى مرض الربو.

          5 المهنة: إن المهنة لها دور مهم في حدوث أو وقف اضطرابات النوم، فالعاملون في نظام الورديات الليلية أو رجال الأعمال الذين يسافرون ويضطرون لليقظة ليلاً هذا يؤثر عليهم ويظهر عليهم التعب.

          6 الكوابيس الليلية: وخاصة المرتبطة بأشياء مخيفة حيث تتكرر اضطرابات الفرد وتزيد دقات قلبه وتزدادُ سرعة تنفسه ويتعرق ويصحو خائفاً مرات عديدة في الليل.

          7 المشي أثناء النوم: بعض المصابين باضطرابات النوم يقومون من فراشهم ويمشون في الغرفة أو داخل المنزل وأحياناً في الشارع ولا توجد أشياء تدل الآخرين على أنهم نائمون ولا ننسى ماذا ينتج عن المشي أثناء الليل حيث يضرُ الفرد بنفسه وبالآخرين.

          8 شلل النوم: لا يستطيع الفرد أن يقوم بأي حركة إرادية كتحريك اليدين أو الرجلين ويشعر بأن وزناً كبيراً على صدره فلا يستطيع أن يتحرك أو أن يتكلم ويشعر بانقطاع النفس أيضاً ولا يستطيع أيضاً أن يصرخ أو أن يتكلم.

          9 الاكتئاب: إن الأفراد المكتئبين في العادة يبدون اضطرابات خلال النوم وتتضح هذه الاضطرابات من خلال حركة العين السريعة وهذا ربما ناتج عن خلل في الناقلات العصبية وخاصة «السيراتونين والنورادرينالين» والتي تؤدي لاضطرابات في النوم.

          10 ضحايا العنف والجريمة: فهولاء يصابون بالصدمة والتي تؤدي إلى صعوبة في النوم أو الدخول في الكوابيس الليلية والتي يتعرض الضحية خلالها لما أصابه من ضرب أو حادث سيارة أو اغتصاب أو غير ذلك.

          11 القلق.

          12 تناول المشروبات الكحولية وتعاطي المخدرات والإدمان عليهما.

          13 التدخين والإفراط فيه.

          14 الإكثار من شرب الشاي والقهوة لأنهما مادتان منبهتان وتحتويان على الكافيين.

          15 العادات والتقاليد الاجتماعية: من خلال زيارة بعض الأفراد لزملائهم وقضاء وقت طويل عندهم وإرهاقهم من التعب وهذا يؤدي لتعب الجسم وعدم الرضا عن الزائرين داخلياً وإظهار الحب لهم وهذا هو إرهاق للجسم مما ينتج عنه اضطراب في النوم.

          16 الفراش غير المناسب كالفرشة والغطاء والمخدة (الوسادة) وخاصة التي مضى عليها زمنٌ طويل وبعضها تحتوي على مواد صناعية فهذه تثير الحساسية لدى الإنسان.

 

 

 

محمد مصطفى العمري