قامات أولادنا وقوامهم
قامات أولادنا وقوامهم
تبلغ نسبة الإصابة بنقص هرمون النمو في المجتمعات الأوربية واحدا إلى أربعة آلاف, ولذا فليس من المنطقي التعامل مع مشكلة التقزم الناتج عن نقص هرمون النمو باعتبارها مشكلة نادرة خاصة مع التطور العلمي الذي وفر إمكان علاج هذه الحالات بصورة كاملة شريطة تشخيصها بصورة مبكرة. ومن هنا تأتي أهمية إلقاء الضوء على المشاكل والأمراض المسببة للتقزم ذلك الوصف غير المريح والذي جرى الآن استبداله بتعبير قصر القامة من أجل تكوين وعي أسري اجتماعي يمكنه التعرف على المرض قبل ضياع فرصة علاج المرض أي قبل مرحلة البلوغ. وتفرز الغدة النخامية عددا من الهرمونات التي تتحكم في النمو بصورة مباشرة مثل هرمون النمو Growth Hormone أو بصورة غير مباشرة من خلال تحكمها في إفراز الغدد المستهدفة مثل هرمون التحكم في الغدة الدرقية Thyroid Stimulating Hormone TSH أو هرمونات التحكم في الغدد التناسلية (الخصيتين أو المبايض) Gonadotropins وأخيرا هرمون التحكم في الغدة الكظرية Adrenocorticotrophic Hormone ACTH حيث تؤثر هرمونات الغدد المستهدفة مثل الغدة الدرقية والغدة الكظرية في عملية النمو تأثيرا رئيسيا غير أن أهم اللاعبين في ساحة النمو هو التحكم في الغدة الدرقية, ولاشك في أن وجود نقص في هرمون النمو, ويليه هرمون التحكم في هذه الهرمونات يمكن أن يؤدي لتأخر النمو. عن النمو الطبيعي إن أسرع معدل للنمو هو نمو الجنين داخل رحم الأم أما بعد أن يخرج الجنين إلى الحياة فإن المعدل الأسرع لهذه العملية يكون بعد الولادة مباشرة ثم يأخذ المعدل في التناقص ليصل إلى أدنى مستوى له في مرحلة الطفولة المتوسطة ثم يعاود الانطلاق مرة أخرى قبيل البلوغ مباشرة ثم يتباطأ هذا المعدل مع البلوغ نتيجة لوصول العظام إلى طولها النهائي والتحام أطراف هذه العظام.
تلعب عدة عوامل هرمونية ووراثية وغذائية دورا بالغ الأهمية في التأثير على سرعة النمو وعلى الطول النهائي للإنسان أي عند البلوغ. أولا: الهرمونات: 1 - هرمون النمو وعامل النمو المشابه للإنسولين 1- Insulin - Like Growth Factor: يتم إفراز هرمون النمو في الفص الأمامي للغدة النخامية ويتأثر هذا الإفراز ببعض العوامل حيث يتم إفرازه في صورة نبضات و دفقات وبالتالي فإن نسبته في الدم ليست نسبة ثابتة على مدار اليوم وتتجه هذه النسبة للزيادة عند النوم أو عند انخفاض نسبة السكر في الدم. أما عوامل النمو المشابه للإنسولين IGF-1 فهي هرمونات يتم إفرازها من أغلب أعضاء الجسم تحت تأثير هرمون النمو والمنتج الأكبر لها هو كبد الإنسان حيث ينفذ هرمون النمو أغلب مهامه من خلالها. ويشكل نقص هرمون النمو أحد أهم أسباب التقزم أو قصر القامة غير الطبيعي, أما زيادة إفرازه عن المعدل الطبيعي فتؤدي إلى مرض العملقة. 2 - الثيروكسين أو هرمون الغدة الدرقية Thyroxine: نقص إفراز هذا الهرمون أحد أسباب قصر القامة ولا يظهر التأثير السلبي لنقصه على عملية النمو إلا بعد ولادة الجنين مما يؤدي إلى مشاكل جمة فيما يتعلق بالنمو وخاصة النمو العقلي. 3 - هرمونات الجنوسة Sex hormones سواء عند الذكور أو الإناث وهي ذات تأثير مهم على النمو وخاصة في مرحلة ما قبل البلوغ. 4 - الكورتيزول (هرمون الغدة الكظرية) Cortisol ذلك الهرمون الضروري للحفاظ على حيوية الجسم والذي قد تؤدي زيادته في مرحلة ما قبل البلوغ, إما لأسباب داخلية أو نتيجة تعاطيه لعلاج بعض الأمراض المناعية مثل الربو الشعبي المزمن, تؤدي الى وقف النمو عند هؤلاء الأطفال. ثانيا: العوامل الوراثية: تؤثر العوامل الوراثية خاصة طول الوالدين على معدل النمو. ثالثا: العوامل الاجتماعية والاقتصادية: يلعب الفقر وسوء التغذية دورا مهما كسبب رئيسي من أسباب قصر القامة على مستوى العالم كله حيث يكون معدل النمو في الأقطار المتقدمة اقتصاديا أفضل منه في باقي بلدان العالم. وأخيرا, تأتي الأمراض المزمنة كسبب من أسباب تأخر النمو.
أولا: قياس طول القامة: تعتمد هذه الطريقة على قياس طول الصبي أو الصبية ومقارنته بالطول المتوقع على خريطة النمو بالنسبة لسنه فإذا تبين أن الطول أقل مما هو متوقع (مع مراعاة متوسط طول الوالدين) وخاصة إذا ترافق ذلك مع بطء سرعة النمو growth velocity أصبح محتما على الطبيب إجراء مزيد من الفحوص لمعرفة السبب الحقيقي لقصر القامة. ثانيا: قياس عمر العظام: وذلك من خلال عمل أشعة سينية عادية لعظام الركبتين والقدمين ومقارنتها بأطلس نمو العظام ومن خلالها يمكن التأكد من وجود تأخر في النمو. أسباب قصر القامة أو التقزم 1 - الأسباب الجينية أو الوراثية: هناك بعض أنواع الخلل الجيني التي تؤدي لحدوث التقزم مثل حالات (التيرنر) وهو عبارة عن نقص تكويني يؤدي إلى غياب أحد الكروموسومات ويحدث عادة في الإناث حيث يكون تكوينهن 45XO بدلا من التكوين الطبيعي للإناث وهو 46XX ويعاني هؤلاء بالإضافة لقصر القامة من بعض الاختلالات الوراثية الأخرى وخاصة عدم تكون الرحم والمبايض. 2 - الأمراض المزمنة مثل الربو الشعبي والفشل الكلوي وتليف الكبد. 3 - نقص التغذية أو سوؤها نتيجة الإصابة بالطفيليات مثل الإسكارس والإنكلستوما والتي تصيب الأطفال نتيجة نقص العناية بالصحة العامة. 4 - بعض العقاقير الطبية وخاصة الكورتيزول. 5 - وأخيرا التقزم الناجم عن نقص هرمونات النمو. قلنا من قبل إن نقص هرمون النمو ليس بالحالة النادرة وبالتالي ينبغي دائما التنبه لوجود هذا الاحتمال. أيضا, فإن التطور العلمي الكبير الذي جرى في العقدين الأخيرين أدى إلى توافر هرمون النمو بكميات تفي بالحاجة إليه وخاصة بعد نجاح العلماء عام 1986 في تصنيعه عبر الهندسة الوراثية (وهي التكنولوجيا المستخدمة لإنتاج إنسولين له مواصفات الإنسولين البشري نفسه), حيث كانت الكميات المتوافرة منه محدودة للغاية نظرا لأن المصدر الوحيد الذي كان يجري من خلاله توفيره كعقار للحقن كان من الموتى المتبرعين حيث جرى الربط بينه وبين ظهور حالة تصلب خلايا المخ وهو خطير غير أن سببه الحقيقي يبقى مجهولا حتى الآن. من المهم أيضا أن نؤكد أهمية الاكتشاف المبكر لحالات التقزم المحتمل في سن الطفولة حيث يمكن في هذا الوقت الاستفادة الكاملة من العلاج بهرمون النمو وربما تلافي المشكلة بالكامل. ومن المفيد أيضا أن نذكر أن توافر هرمون النمو ونجاح استخدامه في علاج هؤلاء المرضى قد فتح الباب لتجربته واستخدامه في علاج بعض حالات التقزم الناتجة عن أسباب وراثية مثل حالات التيرنر والحالات التي يحدث فيها التقزم بسبب الأمراض المزمنة مثل الفشل الكلوي المزمن لدى الأطفال.
- يلاحظ على هؤلاء الأطفال قصر القامة.. ميل نحو السمنة.. بطء عام في النمو.. كما يلاحظ لدى هؤلاء الأطفال خاصة الذكور صغر حجم الأعضاء التناسلية خاصة إذا ترافق هذا مع انخفاض نسبة هرمونات الذكورة. ويمكن أن يعتري هؤلاء الأطفال نوبات من انخفاض نسبة السكر في الدم مما يؤدي لحدوث تشنجات صرعية. يتعين أيضا على الطبيب استبعاد وجود نقص في هرمون النمو في الحالات الآتية: 1 - إذا لوحظ وجود ضمور في العصب البصري. 2 - وجود تشوهات في خط الالتحام الأوسط مثل الشفة الأرنبية أو وجود فتحة في سقف الحلق. 3 - الولادة المتعسرة مثل الولادة بالمقعدة خاصة إذا تعرض الوليد لنقص الأوكسجين. 4 - الحالات التي يوجد فيها تاريخ عائلي للإصابة بنقص وراثي لهرمون النمو. نقص هرمون النمو العارض لدى الأطفال: وهو أمر ليس بالمستبعد ويمكن حدوثه للأسباب الآتية: 1 - إصابات الرأس نتيجة السقوط أو حوادث السيارات. 2 - تعرض الرأس للعلاج الإشعاعي أثناء علاج السرطانات المختلفة. 3 - بعض سرطانات الدم يمكنها أن تمتد لتدمر الغدة النخامية. 4 - بعض الالتهابات المناعية للغدة النخامية. كيف نتأكد? قلنا من قبل إن هذا الهرمون يجري إفرازه في الدم في صورة نبضات أو دفقات على مدار اليوم وبالتالي فإن عينة واحدة من دم المريض لن توفر لنا صورة حقيقية لحالة الهرمون وهل هي حالة طبيعية أم غير ذلك. وفي هذه الحالات يتم التعرف على الصورة الحقيقية لحالة الهرمون من خلال الوسائل التالية: 1 - قياس نسبة الهرمون أثناء النوم حيث تكون نسبته في الحالة الطبيعية أعلى من نسبته أثناء النهار. 2 - قياس الهرمون في الدم بعد استثارته عن طريق تخفيض نسبة السكر في الدم من خلال إعطاء المريض جرعة من الإنسولين في الوريد مباشرة وتعد هذه الطريقة حجر الزاوية في تقييم وظائف الغدة النخامية عامة وهرمون النمو خاصة, وبالرغم مما يمكن أن تسببه من قلق للمريض ولذويه فإنها آمنة تماما إذا أجريت في مكانها الطبيعي وهو المستشفى تحت الإشراف الكامل للأطباء والتمريض الكفء ويحدد الأطباء المتخصصون نسبة 10 ng/ml كحد أدنى يتعين أن تتجاوزه نسبة الهرمون في الدم حتى يتسنى استبعاد وجود خلل في استجابة الغدة النخامية وقدرتها على تلبية مطالب مرحلة النمو المقبلة. 3 - قياس الهرمون بعد ممارسة الرياضة سواء في الدم أو في البول. العلاج يتوافر الهرمون في حقن يتم إعطاؤها تحت الجلد ثلاث مرات أسبوعيا وتحدد جرعتها وفقا لوزن المريض وحالته حيث تكون الجرعة في حدها الأعلى في حالات نقص هرمون النمو الوراثي.
- يتعين بدء هذا العلاج مبكرا أي فور تشخيص وجود نقص بهرمون النمو حتى تتاح الفرصة الكاملة للمريض للوصول للقامة الطبيعية له وينتفي عنه وصف التقزم ولا شك في أن الاكتشاف المتأخر لهذه الحالة لن يكون مجدياً بأي حال من الأحوال
|