الجمارك ودورها في تدعـيم سيادة الكـويت

  الجمارك ودورها في تدعـيم سيادة الكـويت
        

          استرعى نمو الكويت وازدهارها البحري والتجاري نظر الرحالة العرب والأجانب الذين توافدوا عليها, أو كتبوا عنها منذ السنوات الأولى من القرن الثامن عشر, خاصة أن الكويت مارست سيادتها على منافذها البرية والبحرية قبل إنشاء الإدارة الجمركية بها بفترات طويلة.

          من الحقائق التاريخية التي تؤكدها الدراسات الحديثة أن الكويت بحريتها التجارية وبأنظمتها الجمركية المعتدلة, قد سبقت بقرون ثلاثة ما يتجه إليه العالم في عصرنا الحاضر من الدعوة إلى تطبيق أنظمة تجارية حرة وتخفيضات جمركية كانت الكويت قد درجت عليها منذ نشأتها.

          وهذه الدراسة الاقتصادية المهمة التي صدرت أخيرا عن مركز البحوث والدراسات الكويتية تحت عنوان (نشأة الجمارك الكويتية ودورها في تدعيم سيادة الكويت على منافذها), وذلك بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس الإدارة الجمركية في الكويت, تركز على تاريخ إنشاء الإدارة الجمركية, والصراعات الإقليمية والدولية المتعلقة بهذا الأمر, وكيف واجهت الكويت الأطماع والمشكلات التي اعترضتها في سبيل تدعيم هذا المرفق المهم, وتأكيد سيادتها عليه.

          ومن المعروف أن الرسوم الجمركية كانت معروفة في الكويت منذ عام 1790م, فحكام الكويت كانوا يفرضون ضريبة على البضائع العابرة لا تتجاوز 1%, ثم ارتفعت تلك النسبة إلى 2% عام 1831م, وهي نسبة ضئيلة لم تستدع إيجاد إدارة منظمة لهذه المهمة.

          وبعد أن تعززت مكانة الكويت في عهد الشيخ مبارك الصباح, وبرزت كقوة تجارية سياسية لها ثقلها, عند رأس الخليج العربي, يقودها حاكم قوي طموح, عندئذ بدأت تظهر محاولات السلطات العثمانية بالبصرة لفرض نوع من الإشراف التجاري والجمركي على منافذ الكويت البحرية, واستمرت تلك المحاولات بصور مختلفة, وكان الرفض هو الرد الطبيعي من الشيخ مبارك الصباح على تلك المحاولات, ثم قام في مايو 1899م بتأسيس إدارة جمركية تابعة له ألحقها بميناء الكويت, وكانت تعرف بقسم (جمارك الشيخ).

          وتعد الدوائر الجمركية بمنزلة السلطة الحكومية التي تشرف على المنافذ البرية والبحرية للإقليم الجمركي, وتستهدف حماية البضائع والمنتجات الوطنية.

          وتؤكد هذه الدراسة المهمة - التي تسهم في إفساح المجال لمزيد من البحوث والدراسات المتخصصة عن كثير من مرافق الكويت الأخرى - أن الكويت مارست سيادتها على منافذها البرية والبحرية قبل إنشاء الإدارة الجمركية بفترات طويلة, إذ تدل كتابات الرحالة وتقارير وكلاء الشركات الأوربية العاملة في الخليج أن الكويت منذ نشأتها, وحكم آل صباح لها في السنوات الأولى من القرن السابع عشر, كانت تمارس سيادتها الضريبية على البضائع الواردة إليها أو المصدرة منها أو العابرة في أرضها وموانيها.

          وتشير تلك الكتابات والتقارير إلى أن حكام الكويت الأوائل - قبل نشأة الإدارة الجمركية الحديثة - كانوا يعهدون إلى ملتزمين أو متعهدين بتحصيل قيمة ما يفرضونه من ضرائب. وعلى الرغم من أنه لم يكن هناك نظام موحد, أو تعريفة موحدة, فإن الكويت قد تميّزت عموما بانخفاض ضرائبها مقارنة بغيرها من المواني أو الأقطار المجاورة لها. وكانت الضرائب المفروضة على الواردات - طبقا للاصطلاحات التجارية المستخدمة آنذاك - تعرف بالإدخالية أو الآمدية, والضرائب المفروضة على الصادرات تعرف بالإخراجية أو الرفدية, وكانت البضائع والسلع المصدرة تعامل معاملة البضائع العابرة (الترانزيت) من حيث تخفيض قيمة الضرائب المفروضة عليها أو حتى إعفائها في كثير من الأحيان.

نشاط الكويت التجاري

          وقبل أن يعرض الباحث في دراسته للتطور الجمركي في الكويت, يتحدث عن نشاطها التجاري وأهمية موقعها في مجال التجارة الإقليمية والعالمية, فيؤكد أن الكويت اعتنقت منذ نشأتها مذهب الحرية التجارية, قبل أن ينادي به فلاسفة الاقتصاد الطبيعيون في النصف الثاني من القرن الثامن عشر, والذين طالبوا بإلغاء القيود التي تعوق حرية التجارة, وليس من شك في أن ممارسة الكويت للحرية التجارية كانت من أهم العوامل التي ساعدت على نشاطها التجاري وازدهارها الاقتصادي.

          وقد أفادت الكويت من موقعها الجغرافي الذي منحها أهمية كبيرة في مجال الملاحة البحرية والتجارة, حيث ظلت تحتفظ بمكانتها كأهم ميناء بحري شمال إقليم الإحساء.

          وتميز الكويتيون بنقل التجارة بين مواني الخليج وسواحل الهند والشرق الإفريقي, ووصلت أسفارهم إلى العديد من بلدان الشرق الأقصى. وقد أشاد كثير من الرحّالة الأوربيين بالنشاط البحري والتجاري للكويت وبموقعها الجغرافي المتمثل في الإطلالة البحرية التي تجمع بين نهاية الطرق البحرية القادمة من الشرق, وبداية الطرق البرية عبر الصحراء باتجاه بغداد وحلب إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط.

          ومن ثم فإن موقع الكويت الجغرافي كانت له ميزتان رئيستان أفادت منهما كميناء بحري, ثم كمحطة للقوافل التجارية, وبالتالي فإن الازدهار التجاري الذي تمتعت به الكويت كان يعتمد إلى حد كبير على التجارة العابرة عبر منافذها البرية والبحرية.

          وليس من شك - كما يؤكد الباحث - أن أهمية ميناء الكويت ونظمها التجارية الحرة وانخفاض ضرائبها, ومعاملتها السمحة للوافدين إليها, كلها عوامل أدت إلى تحقيقها التفوق والتغلب على منافسيها, وجلبت إليها مئات السفن التجارية, وفضلت على غيرها من موانئ الخليج الأخرى.

          وقد استرعى نمو الكويت وازدهارها البحري والتجاري نظر الرحالة العرب والأجانب الذين توافدوا عليها أو كتبوا عنها منذ السنوات الأولى من القرن الثامن عشر, ومن أوائل الرحالة الذين زاروا الكويت بعد ما يقرب من مائة عام على تأسيسها السيد (مرتضى بن علوان الدمشقي) الذي مر بالكويت عام 1709م-1121هـ, ويتضح مما أورده في تلك الفترة المبكرة أن الكويت كانت عامرة يعيش أهلها في رغد من العيش.

          وذكر البارون (كنيبهاوزن) الذي كان مسئولا عن وكالة شركة الهند الشرقية الهولندية, في تقرير رسمي عام 1754م: (إن الكويت غدت قوة بحرية متنامية لها العديد من السفن المتينة الصنع, والتي تصل إلى ثلاثمائة سفينة, يعمل عليها أربعة آلاف رجل, ويستعملونها في أنشطتهم التجارية والمعيشية).

          ولم يكن تقرير كنيبهاوزن هو التقرير الوحيد الذي أشاد بالكويت, إذ تحفل سجلات شركة الهند الشرقية البريطانية وحكومة بومباي بالعديد من التقارير الرسمية التي تؤكد أهمية الكويت التجارية.

          وقد توالى ازدهار الكويت التجاري - كما تشير الدراسة - في القرن التاسع عشر, استنادا إلى ما سجله الرحالة الأجانب والمقيمون البريطانيون في الخليج, الذين قاموا بزيارات لها خلال ذلك القرن, فالرحالة (جيمس بكنجهام) الذي زار الكويت عام 1816م ذكر أن القرين - الذي يعرفه العرب بالكويت - ميناء عظيم الشأن, معظم سكانه من التجار. وفي تقريره أورد الكابتن (بروكس) من ضباط البحرية البريطانية في الهند عام 1829م: أن الكويت هي الممول الرئيسي لشمال وأواسط الجزيرة العربية بالقمح والسلع الغذائية الضرورية, وكان مما استرعى نظره أسطولها التجاري الكبير الذي يعمل في الخليج والبحر الأحمر وشرق إفريقيا وسواحل السند.

الحرية التجارية

          وقد استرعت الحرية التجارية وقلة المكوس التي كانت تفرضها الكويت على التجارة القادمة إليها نظر الكثيرين من الرحّالة والمقيمين البريطانيين في الخليج, في تقرير بعث به الكولونيل (هنل) المقيم البريطاني في الخليج إلى حكومة الهند عام 1842م, ذكر فيه أن شيخ الكويت, وكان في ذلك الوقت الشيخ جابر الصباح المعروف بجابر الأول 1813-1859م, لا يتحصل على عوائد على التجارة باستثناء ضريبة ضئيلة كانت تفرض على السلع التي يأتي بها البدو إلى الكويت, وأن الدخل الذي كانت تحققه الكويت من وراء فرضها لتلك الضريبة كان لا يتجاوز ثلاثة آلاف ريال سنويا, أما ميناء الكويت فقد وصفه بأنه ميناء حر لا قيود فيه.

          وفي عام 1863م زار الكويت الرحالة الإنجليزي (وليم بالجريف) ووصفها بأنها أكثر مواني الخليج نشاطا وحركة, وأرجع نشاطها التجاري إلى قلة ما يفرضه حكامها من مكوس جمركية لا تتجاوز 2% من قيمة التجارة الواردة إليها.

          ويتضح مما أورده الرحالة الأوربيون وغيرهم مدى التطور التجاري الذي أحرزته الكويت خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر, وهو تطور يعزى إلى مجموعة من العوامل ارتبط بعضها بظروف النشأة وارتبط بعضها الآخر بموقع مينائها المتميز على رأس الخليج , وعلى مدخل الطريق الصحراوي الذي يصلها إلى بلاد الشام.

          وقد أفادت الكويت فائدة كبيرة من موقعها الجغرافي ومن أنظمتها التجارية الحرة, ومن ضآلة ما تفرضه من مكوس على التجارة الواردة إليها.

من الأطماع إلى السيادة

          وبعد حديثه عن نشاط الكويت التجاري وما شهده من تطور خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر, ينتقل الباحث في دراسته للحديث عن جمارك الكويت في مواجهة الأطماع العثمانية, فلاشك أن الازدهار التجاري الذي تمتعت به الكويت قد أدى إلى محاولات متعددة من جانب السلطات العثمانية في العراق للنيل من سيادة الكويت الداخلية, ففي عام 1866م قام (نامق باشا) والي بغداد بمحاولة لإدخال إدارة عثمانية في الكويت وفرض نوع من الإشراف التجاري والجمركي على منافذها البحرية, وانتهت هذه المحاولة بالفشل الذريع, نتيجة مقاومة الكويت للإجراءات التي اتخذها الباشا, وظلت تتمتع بكيانها السياسي والاقتصادي, كما استمر ميناؤها حرا.

          وبعد نامق باشا جاء مدحت باشا عام 1869م, ووضع تنظيمات إدارية استهدف بها فرض الهيمنة العثمانية على الساحل الغربي للخليج, إلا أن هذه التنظيمات لم تستطع النيل من كيان الكويت, أو تمس سيادتها الداخلية, ولم تؤثر في نشاطها التجاري, ولم يجد مدحت باشا بدّا من الاعتراف بأن الكويت تتمتع بكيان خاص, وقرر استثناءها من جميع التكاليف العثمانية, وذلك بعد أن أبدى الكويتيون صلابة في رفض تغيير وضعية إمارتهم خشية تحملهم الرسوم الجمركية أو القيود التجارية التي كانت تفرضها السلطات العثمانية في العراق.

          وتعد الفترة من 1896 إلى 1915م فترة متميزة في تاريخ الكويت, لعب خلالها الشيخ مبارك الصباح, بما عرف عنه من دهاء سياسي, دورا كبيرا في تثبيت أركان الكويت, وتأكيد سيادتها على منافذها البرية والبحرية, مما جعله يعد بحق واحدا من أبرز مؤسسي الكيان السياسي والاقتصادي لدولة الكويت الحديثة, وكانت الاتفاقيات والتعهدات التي وقعها مع الحكومة البريطانية خلال الفترة من 1899إلى1914 الأساس الذي استندت إليه وضعية الكويت الإقليمية والدولية في تلك الفترة حتى حصولها على الاستقلال الرسمي في يونيو 1961م.

          وقد كان الشيخ مبارك حريصا على تكريس سيادة الكويت والوقوف بصلابة ودهاء ضد محاولات الدولة العثمانية وسلطاتها المحلية في البصرة وبغداد المساس بالاستقلال التقليدي الذي كان يمارسه حكام الكويت منذ نشأة إمارتهم في السنوات الأولى من القرن السابع عشر.

          وكان الشيخ مبارك يتوجس من استمرار محاولات الدولة العثمانية وسلطاتها المحلية في العراق السيطرة على تجارة الكويت, وكان بعيد النظر في اتجاهه لإفشال محاولاتها حين بادر في مايو 1899م بتأسيس إدارة جمركية تابعة له ألحقها بميناء الكويت, واعتبرت قسما من أقسام الميناء, وظلت تعرف حتى بداية التنظيمات الجمركية الحديثة بقسم جمارك الشيخ. وكان الشيخ مبارك حريصا على إدارتها إدارة جيدة بحكم الإمكانات المتاحة آنذاك.

          وأمام المحاولات العثمانية المتكررة لإخضاع الكويت لسلطتها, والسيطرة على موانيها وإدارتها سعى الشيخ مبارك لتوثيق علاقته بالحكومة البريطانية, وقدم لها مجموعة من التعهدات التي استطاع بواسطتها الوقوف أمام الدولة العثمانية والقوى الأوربية المساندة لها.

          ومما يلفت النظر أن الشيخ مبارك في إنشائه الإدارة الجمركية في الكويت لم يواجه صعوبة في إدارتها, إذ إن الخبرة التي تميز بها الكويتيون في مجال التجارة والمحاسبة, جعلته يسندها إلى أحد الكويتيين. وتعترف الوثائق البريطانية بأن الإدارة الجمركية في الكويت كانت تسير سيرا مرضيا, وأن ترتيبات رسو السفن على أرصفة الميناء كانت تقع على عاتق إدارة الجمارك, وذلك على الرغم من كثرة عدد تلك السفن والازدحام الشديد الذي كان يشهده ميناء الكويت بالقياس إلى الموانئ الأخرى في الخليج.

          وتعترف جميع شركات بواخر الشحن بأن بضائعها كانت تفرغ بسرعة في ميناء الكويت, بالإضافة إلى قلة الاختلاسات والسرقات التي عادة ما تقع أثناء نقل الحمولة من السفن إلى الشاطئ وإلى الجمرك.

صراعات

          ويقف الباحث في دراسته عند الصراعات الإقليمية والدولية وآثارها على الإدارة الجمركية في الكويت خلال الحرب العالمية الأولى وما بعدها, نتيجة دخول الدولة العثمانية الحرب إلى جانب دول الوسط ضد بريطانيا وحلفائها, وكانت فترة الحرب من الفترات العصيبة التي مرت بها الكويت, نتيجة سعي بريطانيا للسيطرة على منافذها البرية والبحرية لقطع الإمدادات والمؤن التي تصل إلى الدولة العثمانية, وقد أدت هذه الإجراءات البريطانية إلى أضرار فادحة باقتصاديات الكويت وحرية تجارتها, فضلا عن الانتقاص الشديد في مواردها الجمركية.

          ونتيجة لما عانته الكويت من ضائقة اقتصادية بسبب تشدد السلطات البريطانية في عمليات الحصار والمراقبة طيلة سنوات الحرب, قررت بريطانيا دفع تعويضات مالية لتجار الكويت بلغت 487 ألف روبية, وأسقطت عن الشيخ سالم دينا كان قد اقترضه الشيخ مبارك لإقامة محطة لتكرير المياه في الكويت, وقررت في 3 نوفمبر 1918م سحب قواتها العسكرية من الكويت, وفك الحصار الذي كانت قد فرضته على منافذ الكويت البرية والبحرية.

          ويستعرض الباحث في نهاية دراسته الجهود التي بذلها حكام الكويت لتطوير الإدارة الجمركية, والاتفاقيات الإقليمية والدولية التي أبرمت لتحقيق هذا الغرض, فيشير إلى أن الشيخ أحمد الجابر كان حريصا على استقلالية الإدارة الجمركية باعتبارها رمزا من رموز السيادة الوطنية للكويت, فقد استمر إسنادها إلى أبناء الكويت الذين تمرسوا على إدارتها, وتؤكد الوثائق البريطانية رفض الشيخ أحمد الجابر عرضا بريطانيا بتعيين مستشار بصفة مؤقتة أو دائمة للمساعدة في تنظيم الإدارة الجمركية وذلك عام 1939م.

          وقد شهد عهد الشيخ أحمد الجابر 1921 - 1950 تنظيم الإدارات الحكومية بصفة عامة, وإدارة الجمارك الكويتية بصفة خاصة في اتجاه التحديث والتخلص مما علق بها من أنظمة تقليدية, ولعل أهم ما يميز التطور في نظم الإدارة الحكومية إنشاء العديد من المجالس المحلية المتخصصة التي كان الثقل السياسي والاقتصادي فيها للتجار الذين تحملوا الأعباء المالية للكويت آنذاك, واعتمدت العديد من الإدارات الحكومية على الموارد الجمركية التي كانت تشكل دخلا رئيسيا للكويت قبل تدفق الثروة النفطية بها.

          ولقد أسهمت الموارد الجمركية في وضع أسس النهضة التعليمية التي شهدتها الكويت في حقبتي الخمسينيات والستينيات, وما لبثت هذه النهضة أن شهدت طفرة كبيرة بعد تدفق موارد النفط, والتخلص من القيود المالية المحدودة التي كانت مفروضة على ميزانية التعليم.

          كما ساعدت الموارد الجمركية على تطوير المرافق العامة والخدمات الصحية, إذ كانت هذه الموارد الجمركية تشكل الدخل الأساسي للكويت في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية.

          ونتيجة لبعض جوانب القصور في الإدارة الجمركية حرص الشيخ أحمد الجابر على القيام بالعديد من الإصلاحات الإدارية, فألغى الضرائب الجمركية التي كانت مفروضة على الصادرات, والتي كان يتم تحديدها بشكل عشوائي, ووضع اللوائح المالية, وتخلص من الموظفين المنحرفين من رجال الجمارك, ومن سلطات الجباة الجائرة التي كانت في غير صالح التجار, إلى جانب إلغاء الامتيازات والاحتكارات التي منحت للقلة بينما حرم منها عموم التجار. كما اهتم بإنشاء مبنى جديد لإدارة الجمارك يليق بمكانة الكويت التجارية.

          وكانت الجهود التي بذلها الشيخ أحمد الجابر في تطوير الإدارة الجمركية بصفة خاصة والإدارة الحكومية بصفة عامة, مقدمة للتطور الكبير الذي أحدثه الشيخ عبدالله السالم الصباح 1950 - 1965م في التنظيم الحكومي, وبعد استقلال الكويت عام 1961م برزت الدعوة إلى قيام وزارات مسئولة ومؤسسات دستورية, ومن ثم أنشئت وزارة الجمارك والموانئ التي تعتبر أقدم الوزارات في تاريخ الكويت.

          ومع تدفق الثروة النفطية في عهد الشيخ عبدالله السالم, تم تخفيض الضريبة الجمركية إلى معدلاتها الطبيعية التي اعتادتها الكويت, بعد أن تعرضت لعدة زيادات في فترات مختلفة لمواجهة الأعباء المالية للإدارات الحكومية المختلفة, ولا شك في أن السياسة الجمركية المنخفضة كانت عاملا مهما من عوامل النمو المطرد لحجم التجارة الخارجية, وزيادة حجم الواردات.

          وقد حرص الشيخ عبدالله السالم منذ توليه الحكم على وضع أول نظام للجمارك في 15 مايو 1951م, والذي حدثت به العديد من التطورات, من أبرزها:

          - ظهور أقسام جديدة ألحقت بجمارك الكويت, من بينها قسم الخفر الجمركي لمكافحة التهريب, الذي احتوى على فرق خاصة لحراسة الشواطئ ومراقبة السفن والبواخر وتأمين الحدود البرية ومراقبتها من مهربي المخدرات أو من الانتهاكات الحدودية.

          - ظهور العديد من المراكز والدوائر الجمركية نتيجة التطور الذي حدث في الكويت, ومن بينها جمارك المطار والأحمدي.

          - إنشاء مراكز جمركية على الحدود بين الكويت وجارتيها العراق والمملكة العربية السعودية, بعد تعيين هذه الحدود.

          - تطوير المراكز الجمركية بإنشاء مكاتب لوكلاء التجار وساحات ومستودعات كبيرة أعدت لتخزين البضائع, إضافة إلى الحجر البيطري على الماشية ومراكز للخفر.

          - تزويد المراكز الجمركية بمكاتب خاصة بالحجر الصحي, حيث تقوم تلك المكاتب بتنفيذ الإجراءات الصحية التي تضعها منظمة الصحة العالمية, واتخاذ الإجراءات الوقائية بشأن القادمين والمغادرين عن طريق منافذ الكويت البحرية والبرية والجوية.

مقاطعة إسرائيل

          وقد قامت جمارك الكويت بدور إيجابي في مقاطعة إسرائيل إذ كانت الكويت من أوائل الدول العربية التي تجاوبت مع القرارات العربية التي اتخذت بشأنها مقاطعة إسرائيل, وفرض الحصار الاقتصادي عليها ومن ثم زودت المراكز الجمركية عن طريق مكتب مقاطعة إسرائيل, الذي أنشئ في الكويت, بأسماء الشركات التي تتعامل مع إسرائيل ووضعها في القائمة السوداء, ووقف التعامل معها, أو مع بواخرها أو طيرانها, إلى جانب مصادرة المطبوعات أو الأفلام التي تحتوي على دعاية لإسرائيل, وقد لبّت المراكز الجمركية ذلك بمنع دخول البضائع الإسرائيلية, وذلك بالتدقيق في تصديق غرفة التجارة والصناعة على شهادة المنشأ لمواجهة الحيل التي اعتادت إسرائيل القيام بها من أجل إدخال منتجاتها.

          ولا شك في أن استقلال الكويت عام 1961م كان منطلقا مهما خطت الكويت على أثره خطوات أكثر إيجابية في نهضتها الحديثة, واستطاعت تحقيق تطور ملحوظ في إدارتها الجمركية التي رسمت في إطار الخطة العامة للتنمية الاقتصادية. وحرصت الكويت على المشاركة في الاتفاقيات الاقتصادية العربية والإقليمية والدولية, فضلا عن الاتفاقيات الثنائية التي عقدت بينها وبين بعض الدول المجاورة لها, كما ارتبطت بالاتفاقيات الاقتصادية لمجلس التعاون الخليجي, وانضمت لاتفاقية الجات ولمنظمة التجارة العالمية, لتعزيز فرص النمو الاقتصادي لديها, ودخول أسواق الدول المتقدمة والنامية دون قيود

 

جمال زكريا قاسم