الخليل... بلد الأنبياء والعنب التي تفوّقت على سان بطرس بيرج!


عدسة: محمود تيّم

في الطريق إلى الخليل، أتجاوز القدس، فأمر من بيت لحم مهد المسيح رسول المحبة والسلام، أي مثلث مقدّس هو هذا الطريق وتلك المدن الثلاث!

معروف أن الحجيج قديمًا حينما كانوا ينتهون من مناسك الحج في مكة والمدينة، كانوا يقدسون حجهم في القدس والخليل. وقد صار يقتصر هذا التقليد على الفلسطينيين الذين يستطيعون ذلك، حيث إن معظمهم محروم من الدخول إلى القدس.

وربما تعود عادة تقديس الحج، إلى التاريخ المشترك الذي يتجاوز المدن الثلاث إلى ما هو أبعد، حيث ترتبط الخليل والقدس بالحجاز. أما الخليل، فلأنها بلد إبراهيم الذي قدم من العراق إليها، ثم مضى وابنه إسماعيل وزوجته سارة إلى مكة في أرض غير ذي زرع، حيث تركهم هناك بأمر الله وعاد إلى الخليل في حادثة شهيرة تقوم عليها معظم مناسك الحج، وأما القدس فلحادثة الإسراء والمعراج. ويقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم أقطع الخليل إلى تميم الداري، الذي تنسب له عائلة التميمي العريقة. للمؤمنين هنا أن يشدوا الرحال، فعلى هذه الأرض وفيها تاريخ كبير، أكبر من جغرافيا نقطعها في نصف ساعة من الزمان..!

 

تستقبلنا كروم العنب وبيوت القرويين على الجانبين فنتذكر قصيدة عز الدين المناصرة «يا عنب الخليل»، في ما ينغص مشهد المستوطنات صباحنا، والجيبات العسكرية، عن شمالنا مخيم العروب الذي أنشئ في مطلع الخمسينيات للاجئين الفلسطينيين الذين وفدوا من جنوب فلسطين إلى الخليل، عن يميننا مدرسة ومعهد العروب الزراعي الذي صار كلية تقنية أيضا.

 

نصل حلحول فيلوح إلى الشمال تل النبي يونس، أعلى نقطة في الخليل، أول ما يسقط الثلج عليها وآخر ما يذوب عنها.. وفي القمة بني مسجد النبي يونس عام 1226 ميلادية، حيث يعتقد المسلمون أنه يحوي قبر النبي يونس عليه السلام، بينما يعتقد المسيحيون بأن القبر يعود لسيدنا يحيى المعمدان. وعلى الجهة المقابلة توجد عين أيوب والتي يقال إن نبي الله أيوب عليه السلام اغتسل بها وشفي من مرض جلدي، وتوجد علامات على الصخور يعتقد بأنها بصمات آثار جسده كبصمات قدم السيد المسيح في جبل قرنطل بأريحا.

 

لاحت الخليل

هل من رحالة سلفوا مروا هنا على المدينة؟ ابن بطوطة الطنجي وصف طبوغرافيا الخليل، بقوله: «مدينة صغيرة المساحة كبيرة المقدار، مشرقة الأنوار، حسنة المنظر، عجيبة المخبر في بطن واد، ومسجدها أنيق الصنعة، محكم العمل، بديع الحسن، سامي الارتفاع، مبني بالصخر المنحوت في أحد أركانه صخرة أحد أقطارها سبعة وثلاثون شبرا».. وكان ابن بطوطة قد وصل إلى الخليل قادما من غزة، فكلاهما في جنوب فلسطين، غزة على البحر، والخليل في جبال جنوب فلسطين الداخلية. هنا، توفر المنحدرات الغربية لجبال الخليل مشاهد جميلة باتجاه الساحل الفلسطيني، في حين تطل المنحدرات الشرقية على الصحراء الجافة باتجاه البرية والبحر الميت، حيث المشهد الطبيعي الرائع والذي يدخلك للتاريخ من خلال خيم البدو الذين جابوا هذه الأماكن لآلاف السنين.

 

المكان والأزمنة

أسير إليها داخلا التاريخ، أستطلع المكان في الأزمنة ما وسع المقال، كانت تسمى «كريات أربع» نسبة إلى الملك الكنعاني أربع، ثم سميت بعدها «حبرون» قبل أن تسمى الخليل نسبة إلى سيدنا إبراهيم نبي الله وخليله، والذي جاء إليها قادمًا من العراق، حيث ابتنى معرشا، ثم أقام في منطقة الحرم، بعد أن اشترى المغارة. وقد أطلق الرحالة على مدينة الخليل مسجد إبراهيم، والخليل تعني الصديق أو الرفيق، وهو خليل الرحمن. تعرضت للكثير من الغزوات والهدم على امتداد العصور، وكان آخر من أمر بإعادة بنائها القائد صلاح الدين الأيوبي بعد انتصاره في حرب حطين عام 1187.

 

لكن تاريخها قديم، حيث تعود خرب الكوم وتل القلاع وتل بيت مرسم بالإضافة إلى تل الرميدة إلى العصر البرونزي والعصر الحديدي، بينما يعود تاريخ خربة بيت عينون والكرمل والمورق والسموع والبرج إلى العصر الكلاسيكي الهيليني والروماني والبيزنطي، أما تاريخ البلدة القديمة ويطا والظاهرية فيعود إلى فجر الإسلام والحقبة الصليبية.

 

ندخل الشارع الرئيس، عين سارة باتجاه باب الزاوية، تظهر الخليل أواخر العهد التركي، وعهد الانتداب البريطاني، حيث نرى البنايات المبنية وفق النظام العمراني الكولينيالي، البلدية، مدرسة ابن رشد المشكلة وفق معمار عام 1932، وهو معمار خليط، والإطفائية، مخازن وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين، لوجود مخيمي الفوار والعروب، والإستاد الرياضي الحديث.

 

نصل باب الزاوية، فنلاحظ ما قرأنا عنه، من وجود الحارات المكونة للخليل القديمة، والأحياء وهي منفصلة، لكنها جزء من مشهدها الحضاري والتاريخي، ومنها أحياء باب الزاوية وقيطون وزاوية علي البكاء وقد هدمت ولم يبق منها غير المئذنة المملوكية، ندخل المكان، ونتأمل المئذنة بمعمارها ومقرنصاتها.

 

أما لماذا تمت تسميته بالبكّاء، فحسب تفسير الخلايلة فإن ذلك يعود لزهده وخشوعه، في حين رأت سيدة خليلية أن ذلك بسبب خدمته إنسانا كان يظنه تقيا زاهدا، فاكتشف بعد رحيله كذب ذلك فصدم، وسواء أكان هذا السبب أو ذاك فإن الشيخ علي كان كثير البكاء.

 

تعظ لواحظ أبو الفيلات النساء هنا تطوعا، وتدلنا امرأة على مقام قديم لأحد الأولياء..نتأمل قباب المدينة الكثيرة جدا.. نحن الآن في عين سارة، وسارة هي زوجة سيدنا إبراهيم الخليل، لكن أين عين سارة، لقد درست عين الماء ولم تعد موجودة.

 

H1 و H2

وربما كان لتقسيم الحرم عام 1994 أثر في تقسيم المدينة، فوفقا لبرتوكول الخليل، تم تقسيم المدينة إلى ما عرف لاحقا باسم H1 و H2، اختصارا لـ Hebron. أما القسم الأول فيشكل 85 في المائة، وهو الخاص بالسكان الفلسطينيين، والثاني الخاص باليهود فيشكل 15 في المائة.

 

والبلدات ومركز المدن التاريخية في العالم بشكل عام هي في الغالب دخلها مرتفع، إلا هنا في الخليل، فقد أصيبت المدينة القديمة في مقتل اقتصادي واجتماعي منذ الاحتلال عام 1967، وخصوصا في الانتفاضة الأولى، ومجزرة الحرم عام 1994.

 

في مدخل البلدة القديمة -العتيقة، تناولنا طعاما شعبيا، المخ والكبدة، وقد دهشت أنها تقدم مع شوربة لذيذة المذاق، مع بقدونس، الزبائن من محبي هذا الطعام، من أجيال مختلفة، لكن حين سألنا عن محل يشوي «العناقيد» علمنا بأنه انتهى من بيع طعامه الساعة الثامنة، وأن هناك تنافسا على تناولها.

 

حارات البلدة القديمة

الآن سنبدأ رحلتنا في البلدة القديمة، وهنا نحن إزاء مفرق السوق والشلالة، اخترنا طريق الشلالة، وآثرنا العودة من طريق السوق، ويبدو أن الشلالة جاء من شلالات المياه، كون المدينة والطريق تتجه إلى أسفل. لكن لا شلالات هنا ولا ماء.

 

تشكل المباني السكنية 85 في المائة من البلدة القديمة، في ما تشكل المدارس والمساجد والمحلات التجارية النسبة الباقية وهي 15 في المائة.

 

أين القصور والقناطر والسنابك والزوايا والأدراج والحرم..؟ وجدت نفسي أكاد ألتهم الأماكن، نود التوقف في كل مكان والحديث مع كل الناس هنا، فمن أين نبدأ؟ فآثرت أن نسير وندع الحارات تستقبلنا بما فيها من آثار.

 

حارة القزازين، بلا قزار، أو بلا صناعة زجاج، لكنها بقيت تحمل الاسم العتيق نفسه، هناك نسأل عن مسجد القزازين، فنجده على طرف الحارة، أسأل هل اسمه منسوب للحارة أم له اسم آخر؟ فيجيبني المصلون بأن اسمه هو هكذا، نتأمله من الخارج، يبدو عثمانيا، لكن في الداخل بدا لنا مملوكيا، وقد تميز بقبة جميلة وزخارف بديعة، تجعله مضيئا دون إضاءة. تمت إضافة منبر حديث له.. تحته بئر، حيث كان يطلق عليها قديما بركة القزازين كما ذكر المهندس معتز عرفة.

 

وهناك عدد من المساجد كمسجد ابن عثمان وشبلي والزاهد والرشيد والقطون والكيال والأقطاب.. ولو عرفنا أن الخليل كانت في أواخر القرن التاسع عشر 20 ألف نسمة، لاستطعنا تفسير كثرة المساجد نسبيا هنا.

 

وبالقرب منه مسجد القزازين الصغير.. وحين اقتربنا من خان شاهين، أو الوكالة كما يطلق عليها كبار السن هنا، التقينا الشاب نشأت الحسيني، بائع حمام، وحين أسأله عن السعر أفاجأ بالثمن المرتفع، فتهبط عيناي نحو الحمام، فأجد الإجابة، إنه حمام مستورد لم أر مثله هنا، ولا في البلاد التي زرتها من قبل. إنه حمام مختلف في الشكل والرأس واللون، يستورده ويربيه أحيانا ويبيعه لهواة اقتناء الطيور من أهل البلد والزوار، كما يبيع الحمام البلدي بالسعر العادي.. وحين سألته عن اسم الحارة قال إنها حارة الجاج أي الدجاج! سرنا في الحارة الدارسة، محلات مغلقة، بعض المحلات يضع فيها نشأت طيوره، والتي منها البط والإوزّ والطواويس. نشأت سعيد بالبقاء هنا، رغم تكرار اعتقاله دون ذنب، وأنه حرر منطقة صغيرة مغلقة بالشبك عن طريق تركه للطيور تدخل فيها، ويذكر أن أحد ضباط الاحتلال استجوبه، وسخر من بقائه هنا يضيّع وقته.. انظر هناك شارع الشهداء الذي تم إغلاقه، والذي يمكن من خلاله الوصول إلى الحرم وباب الزاوية بدقائق، الآن طال زمن الوصول.

 

مررنا بحارتي السواكنة..والقصبة، وفي حارة العقابة اهتدينا لمسجد ابن عثمان، والتقينا الأهالي الذين يشكون الحياة هنا، فيما شكت زائرات ارتفاع درج البناية.

 

كل حارة مكونة من عدد من الأحواش، والحوش الكبير مكون من أحواش صغيرة، أدخل دهليزا أو رواقا قليل الارتفاع مضاء بالكهرباء، تشجعني إضاءة الشمس في خارجه، وحين أنفذ منه أجد عدة مبان مشرقة بالشمس ومرتفعة، مكونة من طوابق تعلوها قباب مملوكية، أتساءل: هل تتابع سكن الناس هنا من ذلك العهد؟ فكم من نفوس وحكايات مرّت من هنا؟

 

قديما سكنت الأسر في الطوابق العلوية، أما الطوابق السفلية فقد استخدمت لتربية الحيوانات وتخزين المواد التموينية وغيرها.

 

واليوم احتلّ المستوطنون اليهود هذه الطوابق فيما سكن أهل الخليل أسفلها، وباتوا عرضة لنفاياتهم وقاذوراتهم التي لا يحميهم منها سوى شبك هزيل.

 

وفي نظام الحوش تكون المطابخ والحمامات مشتركة تخدم أكثر من أسرة صغيرة. بعد الترميم الجديد لاحظت أن الأسر تسكن في جميع الطوابق، وإن لاحظت سريعا أن السكان يميلون للطوابق العلوية، قد يعود ذلك إلى أنها تاريخيا كانت للسكن، وقد روعي حديثا أن المطابخ والحمامات تخدم عائلة واحدة فقط. أما النسيج المعماري فقد تأثر بالعائلة الممتدة، فالعائلات تسكن في وحدات سكنية صغيرة يتخللها ممر الليوان وتتجمع حوله عدة أحواش. ومعظم العمارة هنا عمارة شعبية والقليل من العمارة الرسمية، وهي بذلك تعكس الانسجام الاجتماعي والطبقي.

 

ندخل الحمام التركي الذي تحول إلى متحف، فنجد أنه ما لبث بعد الترميم حتى صار مهملا، فهو يحتاج إلى خبراء للتعامل مع المقتنيات فيه، وبحاجة لميزانية وموارد بشرية أكثر تدريبا وتخصصا. وأظن أنه يمكن أن يعود لسالف عهده حماما شعبيا رائعا، فليس هناك ما يمنع ذلك، بل إن الشكل المعماري هو شكل كامل للحمام، أما المقتنيات فهي فخاريات وصناديق العروس.

 

وكالات

أطل إلى حوش كبير، فأجد السيد عبدالسميع حسين، يعمل منجدا، وحيدا في الحوش الكبير الذي يصل عمره إلى قرنين ونصف قرن وقد استخدم أحد المحلات التحتية، أتخيل هذا المكان عامرا بالتجار والعمال، إنه مخصص لتجارة الجملة، وقد قسم معماريا لعدد من الطوابق إضافة للفناء المكشوف، الطوابق الأرضية للتخزين، أما الطابق الثاني فكان مخصصا للمكاتب، للتسجيل وعقد الصفقات، الطوابق الأعلى خصصت للسكن. وقد شاهدت مثل هذه الأحواش في كل من عكا ونابلس. ومعنى ذلك عراقة التجارة هنا. ومازال الخلايلة إلى اليوم هم كبار التجار في فلسطين.

 

وهناك وكالات غير مرممة وربما دارسة كوكالة السيد إبراهيم ووكالة الدويك والحصرية.

 

أما الربط والرباطات والتي كانت ثكنات عسكرية فقد درست، كذلك الزوايا مثل زاوية أبو الريش في قيطون، وزاوية الأدهمي (الشيخ كنفوش) وزاوية الأشراف المغاربة، وزاوية علي البكاء التي هدمت ولم يبق منها غير المئذنة المملوكية، حيث تم بناء مسجد وملحقات حديثة.

 

أسواق البلدة

وهي أسواق مسقوفة وغير مسقوفة، كل سوق مكون من صفين من الدكاكين، قديما كان أمام كل دكان دكة لعرض البضائع، الآن بعضها فقط من أمامه دكة. وهناك أماكن مسقوفة بقناطر تحتوي على مجموعة من الكوّات في سقفها لدخول الشمس والهواء.

 

وقديما كان للأسواق أبواب تغلق ليلا، عليها حراس يتقاضون أجورهم من أصحاب المحلات.

 

نهبط إلى سوق الإسكافية، وهي السوق المخصصة لصناعة الأحذية التقليدية وإصلاحها، فحين تأسست كانت الظروف الصناعية تستدعي وجودها، الآن لم يعد لها لزوم سوى في نطاق ضيّق، وهو إصلاح الأحذية والحقائب ولوازم المزارعين، وفي سوق الإسكافية لم يبق غير إسكافي واحد، أغلق محله هذا اليوم.

 

أما سوق اللبن فملاصقة لسوق الإسكافية، السيد الجبريني مازال يتذكر ازدهار السوق التي أصبحت الآن بلا لبن ولا حليب!

 

يتذكر قدوم البدو والفلاحين بحليب مواشيهم وأبقارهم، محملا على الدواب وكيف كانوا يبيتون هنا، ويقومون ليلا بـ «ترويب» الحليب وعمل مشتقاته من اللبن والزبدة والجبن، ليتم بيعه صباحا بالجملة. يتذكر الجبريني طقوس الخض كما يتذكر إنتاج الحويرنة، وهي نبات ذو طعم «لاذع» يخلط باللبن. قلت للجبريني: سوق اللبن بلا لبن.. فأحضر كاسين من اللبن الرايب، شربنا اللبن اللذيذ ومضينا نتأمل في تغير الأحوال.

 

نمر على «الفراء»، فينبئنا أنه غير متخصص بصناعة الجلود، فقط يحمل الفروات أي العباءات، ونسأل عن مبيضي النحاس فلا نجدهم، كم من المهن التقليدية اختفت هنا.

 

نلتقي السيد محمد ناصر، فنراه لا يضع مسئولية تردي الحال على الاحتلال فقط، «بل نحن مسئولون عن الحال، خصوصا هجر البلدة القديمة، يشاركه الرأي الشيخ محمد شديد من دورا، صاحب محل صغير، يعتز ببقائه هنا.

 

التجول في السوق يخلق ألفة وحميمية بين المواطنين الساكنين هنا والزوّار، خصوصا أن الأسقف غير عالية، فيمكن مشاهدة جزء كبير من المحلات، دون الاضطرار للارتفاع، وبصريا يخلق الشعور بالألفة بعيدا عن الاغتراب. هنا الإنسان يشعر بنفسه، ولا يتم تقزيمه أبدا. كما أن الود ظاهر، وتشعر أن هناك علاقة عضوية بين الأهالي والتجار.

 

نمرّ تحت سقف غير مرتفع باتجاه «خزق الفار»، حيث أغلق في سياق محاصرة البلدة القديمة، وهو يعد من الآثار القديمة هنا.

 

في الحرم الإبراهيمي الشريف دخول ببطاقة الهوية!

رابع مكان مقدس بعد مكة والمدينة والقدس، وهو أقدم مكان مقدس مازال مستخدما من القرن السابع عشر قبل الميلاد. نمر عبر الباب الدوار، حيث النقطة العسكرية الإسرائيلية، يتم تفتيشنا آليا ويدويا، ثم على باب الحرم، يتكرر التفتيش، وتفحص بطاقات الهوية ويتم احتجازها، فأسخر من هذه الحال. ندخل ساحة المسجد، فأرى الإضافات التي تمت منذ قرون إلى البناء القديم، ثم أتأمل كبر حجارة البناء القديم، أصعد الدرج، فأواجه بنقطة تفتيش ثالثة، ثم أدخل المسجد، فأشعر براحة روحية، تنسيني ألم الاحتلال قليلا.

 

ترى أين مكان شجرة البلوط المعروفة هنا باسم ممرا؟ إنها الموقع الذي يعتقد أن النبي إبراهيم وزوجته سارة كانا قد نصبا خيمتهما فيه قبل أن يشتري المغارة التي بني الحرم عليها.

 

الكتب تقودنا للأماكن، وهذه تعيدنا للكتب!

هذا مصلى الجاولية الذي بني زمن المماليك، يسمى جامع الجاولية، نسبة إلى بانيه القائد سنجر بن أحمد الجولية، قائد فرقة عسكرية كانت تقيم في الخلة المنسوبة إليه قرب المدينة. أتجول في المصلى الذي يخصص للنساء يوم الجمعة، وأتأمل بديع قبة الجاولية بزجاج المعشق، وحيطانه المبنية من الرخام وشبابيكه بزجاجها الملون..  خطوات ونرى مقام السيدة سارة، نقرأ الفاتحة ونتابع دخولنا إلى القاعة الرئيسية القديمة المسماة بالإسحاقية، نسبة إلى سيدنا إسحق عليه السلام، فنجد مقامي سيدنا اسحق وزوجته رفقة، نصلي في المحراب، ثم نتجول لنستطلع هذا البرج القديم، فلا نرى أي شباك فيه. حين دخل المماليك فلسطين، أمر محمد بن قلاوون بوضع الرخام على الحجارة الكبيرة من الداخل على جوانب المسجد الداخلية، وقد تم بناؤها من اللونين الأبيض والأسود علم مصر في ذلك الوقت. أما كتابة سورة «يس» فتعود للعهد التركي، آخر عهد إسلامي. ومن الآثار والإضافات التركية زخرفة السقف من الداخل.

 

المنبر! يكاد يكون نسخة ثانية من منبر المسجد الأقصى، الذي أحرق عام 1969 على يد المتطرّف غودمان. جيء به من عسقلان هدية للحرم الإبراهيمي بمناسبة تحريره، وهو مكوّن من 4000 قطعة من دون أي مسمار، حيث تم بناؤه وفق نظام التعشيق. نقرأ في المحراب ألقاب التفخيم التركي التي أسبغها الفنانون على السلطان عبدالحميد: الغازي خان.. بن السلطان بن السلطان...».. على الجدار الشرقي نقرأ منحوتة كتبت عليها ستة أسماء بنوا الحرم، ومنهم القديسة هيلانة..ولسماحة المسلمين فقد تركوها ولم يحطموها.

 

المنبر! ترى كم خطيبًا اعتلاك؟

هنا أجلس، قرب باب المغارة، أو الغار الشريف، حيث قبور الأنبياء، فتحة في الصخر تم إغلاقها، لها درج فيه 72 درجة، بواقع 18 مترا.. إبراهيم وإسحق ويعقوب، سارة ورفقة وليقة، أما قبر سيدنا يوسف فيقع خارج سور الحرم، حيث تم نقل جثمانه من مصر إلى الخليل. أتأمل جمال السقف، فأقرأ وصف ابن بطوطة «مسجدها أنيق الصنعة محكم العمل، بديع الحسن، سامي الارتفاع، مبني بالصخر المنحوت، في أحد أركانه صخرة أحد أقطارها سبعة وثلاثون شبرا».. أبحث عن الصخرة فلا أجدها. دكة المؤذنين، وهي أكبر من دكة المسجد الأقصى، تقابل المنبر، وأقيمت سنة 732هـ على عمد من الرخام، وهذه قبة الغار الشريف الصغيرة، ونقشت عليها أحرف تظهر السلطان قلاوون ودوره في بنائها.

 

لقد تعرض الحرم الإبراهيمي إلى مراحل مستمرة من الترميم والإضافة، ومن هذه الإضافات ما تم في عهد بني أمية، فقد بنى الأمويون سقف الحرم الإبراهيمي، والقباب التي على قبور الأنبياء، ولما أفضت الخلافة إلى المهدي العباسي فتح باباً في السور من الجهة الشرقية، وأدخل على عمارته إصلاحا كثيراً.

 

البناء القديم

بنى البرج، أي القاعة الرئيسية، بيتار الأدومي ملك الأدوميين العرب، والذي كان أجداده من الأنباط، الذين بنوا البتراء. يحيط بالحرم جدار ضخم يرجح أن أساساته بنيت في عصر هيرودوس، وهو مستطيل طوله 65 مترا وعرضه 35 مترا، ويبلغ سمكه مترين ونصف المتر، أما الارتفاع فيصل إلى 16 مترا، بني من حجارة ضخمة أكبرها يصل إلى سبعة أمتار طولا وعرضه متران. ولكبر هذه الحجارة تمت نسبة البناء للجن. ويقال إن هيرودوس بنى هذه القلعة غيرة من تعظيم الناس لسيدنا إبراهيم، لذلك لا يوجد فيه أي شباك... كان ذلك عام 1700 قبل الميلاد. ولا يوجد أثر للمدخل الرئيسي، لأنه بني ليكون برجا.

 

وقد تم نقل الحجارة الكبيرة من خلال الزلاجات المصنوعة من جذوع النخيل بواسطة البغال والثيران، وهي نظرية استقدام حجارة بناء الأهرام. وقد تم بناء 13 مدماكا. أما الحجارة الضخمة فقيل إنها من خلة بني سعير وبني نعيم، أو من أكناف المدينة.

 

في عام 332م، أمرت الملكة هيلانة بسقف البناء ليصبح كنيسة. وفي عام 615م هدم الفرس السقف، وحينها جاء البيزنطيون فأعادوا بناءه. وفي عام 634 بعد معركة أجنادين فتحت الخليل، وتم بناء محراب في الجدار، وهو بعمق مترين ونصف المتر باتجاه القبلة وصلى العرب المسلمون فيه ووضعوا المشاهد على قبور الأنبياء.

 

حتى كان ما كان من احتلال عام 1967، وفي عام 1980، فتحت سلطات الاحتلال باب المغارة، ودمرت الكثير من الآثار الإسلامية.

 

عشرون عامًا على المجزرة

وحين نذكر الحرم الإبراهيمي يصعب ألا نذكر المجزرة التي حدثت قبل عقدين من الزمان في 25 / 2 / 1993.

 

بداية نذكر أن الحرم ظل بعد احتلال عام 1967 مكانا للصلاة، وظل مفتوحا للزوار ومنهم يهود ما عدا وقت الصلاة. وأذكر في أواخر السبعينيات، أنه كانت توضع ستارة خفيفة في جزء من المسجد كي يصلي فيه اليهود. لكن بعد مجزرة عام 1994 على يد المتطرّف باروخ جولدشتاين من مستوطنة «كريات أربع» فقد تم تقسيم الحرم.  ويروي الشيخ مصدق وزوز من حراس الحرم الإبراهيمي وقائع المجزرة «كان جولدشتاين قد تردد على الحرم وخطط لجريمته، حيث في الوقت المحدد ارتدى زيا عسكريا. كان من المفترض أن يدخل من أحد الأبواب، وينفّذ جريمته ثم يخرج من الباب المقابل للمحراب والمنبر، لكنه فوجئ به مغلقا. وقف جولدشتاين عند باب فتحة الغار الشريف، وأطلق النار على المصلين وهم ساجدون، حيث وقف وراءهم، ولم يشعر المصلون إلا بزخات الرصاص تنهمر عليهم، فامتلأ المسجد بالدم».

 

لقد تمترس خلف أحد أعمدة الإسحاقية، وانتظر حتى سجود المصلين، وعندها فتح عليهم نيران الحقد الأعمى، واخترقت الرصاصات والشظايا رءوس المصلين ورقابهم وظهورهم، في جريمة هزّت الرأي العام العربي والعالمي وحتى الإسرائيلي.

 

يفترض في الطبيب أن يعالج الإنسانية، فكيف بهذه الجريمة في حضرة سيدنا إسحق وزوجته رفقة عليهما السلام!  وعلى إثر الجريمة شكلت الحكومة الإسرائيلية لجنة شمغار، التي أوصت ظلما بتقسيم الحرم إلى قسمين، الأكبر لليهود ويفتح الفاصل بينهما في أيام الأعياد الإسلامية فيكون للمسلمين، واليهودية فيكون لليهود. وقد وقع مقاما النبي يعقوب ولائقة (ليقة) في القسم اليهودي. وصار المكان دائرة تلفزيونية مغلقة.  كان عدد المصلين 750 مصليا، في ليلة النصف من رمضان، صلاة الفجر، حيث تم قتل 29 مصليا وجرح 170 مؤمنا كانوا بين يديّ الله..

 

لقد تم تقسيم الحرم منذ عشرين عاما، ولربما أغرى هذا الواقع الإسرائيليين بتقسيم المسجد الأقصى، من فوق للمسلمين ومن تحت لليهود، حدث ذلك مثلا في مسجد النبي صموئيل في القدس، حيث يصلي المسلمون في الطابق الثاني من المبنى المملوكي، في حين جعل المستوطنون الطابق الأرضي كنيسا! هنا نسير في جنبات المسجد ونرى آثار الرصاص عليها..جدران المسجد تعيدنا إلى التاريخ ثانية، فنمسح دموعنا ونبتلع ما تبقى من ريق.

 

المسكوبية

- أين شجرة البلوط؟

 

- تقصد ممرا، الموقع الذي يعتقد أن النبي إبراهيم وزوجته سارة كانا قد نصبا خيمتهما فيه حين قدما من العراق؟

 

- ...........

 

إنها هناك عند دير المسكوبية، حيث أقام الروس كنيسة عام 1871 بالقرب منه، يقيم في الدير عدد قليل من رجال الدين الأرثوذكس، وهي غنية بالايقونات.

 

- وبركة السلطان؟

 

- جفت..

 

شوكة المستوطنات

يذكر محافظ الخليل كامل حميد أن أول قرار مصادرة كان في الخليل، في 27 / 9 / 1967.. فقط بعد ثلاثة أشهر من احتلال عام 1967.. حيث صدر قرار بناء مستوطنة كفار عتصيون. والآن فإن مجمل المستوطنات بلغت 34 مستوطنة، أشهرها كريات أربع.

 

في البلدة القديمة، هناك أربع بؤر استيطانية: تل الرميدة والدبويا وأسامة بن منقذ والحرم الشريف، حوالي400 مستوطن يحرسهم من 1500 جندي إلى 2000! دخل المستوطنون فندق النهر الخالد كسواح، وحاولوا البقاء فيه، وكان ذلك بقيادة الحاخام موشيه ليفنجر. وبعد ذلك سمح لهم بإقامة مستوطنة كريات أربع، حيث يوجد فيها الآن سبعة آلاف مستوطن. وفي عام 1979 بدأت محاولات الانتقال بقوة للاستيطان في البلدة القديمة بعد إنشاء مستوطنات حول المدينة. وفي عام 1983 تم الاستيلاء على جزء من السوق لإقامة حارة ابراهام ابينو. تلاها مصادرة مدرسة أسامة بن منقذ، ثم تل الرميدة وهو تل كنعاني من العصر البرونزي الوسيط.

 

تقع مستوطنات البلدة القديمة على طول شارع الشهداء الذي أصبح مغلقا منذ سنوات بوجه الخلايلة.

 

أما الحرم، فقد تدرجت عملية الاستيلاء والتقسيم، في البدء عام 1972 كان يسمح لليهود بالصلاة في غير أوقات صلاة المسلمين، ثم صارت في أوقات صلاتهم، وتم إدخال الكراسي والطاولات للصلاة وخزائن للتوراة. وسمح لهم بالصلاة في رواق إسحق الأوسط وهو القاعة الرئيسية، بعد تقسيمها من خلال ستارة.

 

الوجود اليهودي الطبيعي والاحتلالي!

معروف أن وجود اليهود في فلسطين كان في وقت لاحق للوجود العربي، حيث يعتقد أن الملك داود اتخذ من الخليل عاصمة أولى حوالي عام 1000 قبل الميلاد وحكمها سبع سنوات، قبل ان يجعل القدس عاصمة له. وبعد الفتح البابلي عام 586 قبل الميلاد تم نفي عدد كبير من سكان الخليل إلى بابل، ثم أعيد استيطانها من قبل الأدوميين. وبعد استيلاء الفرس على بابل، عاد بعض اليهود إلى الخليل عندما سمح لهم كورش العظيم بالعودة عام 537 قبل الميلاد.

 

وفي أواخر القرن الخامس عشر سمح لجماعة السفاردين اليهودية المطرودة من إسبانيا بالاستقرار في الخليل. وقد سكنوا في حارة اليهود، واندمجوا في مجتمع الخليل، كما اندمجوا في بلاد أخرى، وظل الأمر قائما بشكل طبيعي حتى أواخر عشرينيات القرن العشرين، حيث اضطروا للمغادرة على إثر المشكلات والاصطدامات، بسبب الأفكار الصهيونية الوافدة. فليست المشكلة هي في الوجود نفسه، لأنه كان من قبل، لكن أسلوب تهويد الخليل واستلاب أكثر من نصف الحرم، وتعكير صفو البلدة القديمة وجعلها كالسجن، واستمرار الاعتداءات على الخلايلة هو الأمر المرفوض، كونه يتم تحت سلطة الاحتلال. وقد مأسست سلطات الاحتلال التهويد، وتوجت ذلك بتقسيم الحرم الشريف.

 

بعثة الوجود الدولي TIPH

وعلى إثر تقسيم الخليل إلى منطقتين فلسطينيةH1 وإسرائيلية H2 ، فقد اقترح المجتمع الدولي إيفاد بعثة الوجود الدولي المؤقت في الخليل TIPH كبعثة وجود مدني، مهمتها الرئيسية هي «المساعدة في رصد والإبلاغ عن الجهود الرامية إلى الحفاظ على الحياة الطبيعية في مدينة الخليل، وبالتالي خلق الشعور بالأمن بين الفلسطينيين في مدينة الخليل. وهي تراقب الوضع في الخليل وسجلات انتهاكات القانون الإنساني الدولي، والاتفاقات بشأن الخليل بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وحقوق الإنسان، وفقا للمعايير المعترف بها دوليا. كما ترصد المستوطنين، وتهدف إلى مساعدة الفلسطينيين». ويعمل بالمركز أفراد من الدنمارك، إيطاليا، النرويج، السويد، سويسرا وتركيا. وقد التقينا بعضهم وكانوا من أصول عربية، من لبنان والعراق. أهمية وجود أفراد البعثة هي محاولة التخفيف من الاحتقان في البلدة القديمة، وجعل عنف المستوطنين تجاه أهالي البلدة القديمة في حدوده الدنيا. إنها ليست بعثة مساعدات لكن وجودها يعمل على تعزيز التطور والنمو الاقتصادي من خلال دعمها للعديد من المشاريع التنموية والإنسانية.

 

مخنوقة

لكن مازالت الخليل مخنوقة بسبب الحواجز الحديدية والبوابات الدوارة والأسلاك الشائكة والكتل الإسمنتية.

 

نرى هنا إلى الأعلى فوق رءوسنا أسلاكا شبكية لحماية الفلسطينيين من استفزازات المستوطنين المتمثلة برمي النفايات والقاذورات والحجارة باتجاه المارة، حيث يتمركز المستوطنون في الأدوار العليا من البيوت التي استولوا عليها بشكل غير قانوني، وقد تم وضع 26 جهازا للمراقبة عام 1994. وفي الخليل الآن 207 حواجز، 102 منها في البلدة القديمة.

 

فوجئت بشيء من الحزن حين علمت أن هناك شبابا لم يزوروا الخليل القديمة خوفا..! السبب وسائل الإعلام التي لا ترى في البلدة القديمة العريقة إلا جنود الاحتلال! ولا تقدمها إلا في هذا السياق، علما أن الخليل أروع كثيرا من صورتها الإعلامية.

 

التكايا

قريبا من الحرم توجد تكية سيدنا إبراهيم، وهي تقدّم شوربة إبراهيم الخليل المصنوعة من القمح المطحون المعروف بـ «العصيدة»، ويرجّح أن هذه العادة بدأت في زمن الفاطميين.

 

عُرف عن الخليل أنها المدينة التي لا يعرف أهلها الجوع، ويعود تاريخها إلى القرن الرابع الهجري / التاسع الميلادي عندما أنشئت لتقديم الطعام إلى فقراء المدينة، وأهل العلم فيها وضيوفها، إكراما لسيدنا إبراهيم عليه السلام الذي عرف بكرمه الشديد.

 

تأملنا كبر القدور، والعاملين حيث أعلمونا أن هناك أهل خير من الخليل ومن الدول العربية يقدّمون معونات لاستمرار هذه العادة الكريمة، وهي تقدّم للفقراء والقادرين وللزوار، فقد ارتبطت قديما بالحركة العلمية وطلبة العلم. وكان في الخليل حركة علمية وثقافية واضحة المعالم، فقد كانت من الحواضر العربية والإسلامية التي وفد إليها العلماء بل ونشأوا فيها، وظهرت فيها علوم الفقه والقراءات والأدب واللغة، ونشأت فيها مؤسسات تعليمية، وعرفت فيها عائلات علمية مثل الجعبري والندوي والقيمري والمقدسي والتميمي.

 

تناولنا «العصيدة» اللذيذة ومضينا سعداء بأن هناك مشروعا لترميم التكايا والزوايا كما علمنا من لجنة إعمار الخليل.

 

حلقوم أبو علاء

أبو علاء سدر هو أشهر صانعي حلوى الحلقوم، وتعد هذه الصناعة مهنة تراثية لدى عائلة سدر، أما محله فهو الأقدم في البلدة القديمة.

 

يستخدم أبو علاء آلة بسيطة لخلط المقادير التقليدية من نشاء وسكر وماء الورد، حيث يطبخها على النار مدة سبع ساعات حسب الكمية، حتى يصبح الخليط متماسكا وبعد تبريده يقوم بتقطيعه إلى قطع صغيرة ويغطيها بالسكر الناعم مضيفا إليها قطعة من الليمون أو بعض المكسرات. سادة باللوز، أو بالفستق أو بالكاشو، أو بجوز الهند، وطريقة الصنع أصلية تحتفظ بالمذاق الطبيعي من دون موادّ كيماوية حافظة.

 

بدأ المصنع عام 1820، وكان سدر الأول قد زار القاهرة وأسس مصنعا هناك، ثم عاد إلى القدس، وكان المصنع قرب بركة سيدنا إبراهيم، إلى أن انتقل إلى السوق قبل 65 عاما حيث كان أبو علاء طفلا صغيرا. ويحب الناس تسمية حلقوم أبي علاء بحلقوم الحرم.

 

حدثنا أبو علاء عن حريق عام 1990 الذي أتى على المصنع، والذي قام به مستوطنون من الخليل. دعانا أبو علاء لتناول الحلقوم، تناولت واحدة ومضيت وبي أمل أن يعود المكان آمنا كما كان. ولا أدري لمَ وجدت نفسي أعبر إلى «خزق الفار»، لأتأمل عتمته وضيقه.

 

خلال التجول كنا نلقي السلام على كبار السن الذين يرتدون «الحطّات» الكوفيات البيضاء و«القنابيز» الفلسطينية وغيرها، وأكثرهم الآن يرتدون الزي الحديث، بدلات وأربطة عنق، لكن بوجود «الحطة»، أتأملهم مصغيا للهجة الخليلية المميزة، التقينا الحاج يوسف المحتسب تاجر تنقل وسافر إلى  بلاد عدة، ابتسامته جميلة وحديثه عذب، ويقيم علاقة حميمة مع شباب الحيّ الذين يستمتعون بحكاياته، وخصوصا رحلته إلى مصر. ويلاحظ على التجار انفتاحهم وحيويتهم وثقافتهم التي كونوها من خلال السفر.

 

نصل إلى بائع «الكسبة»، وهي مطحون السمسم، يتم عجنه بالسكر، وهي حلوى اشتهرت قديما، وظلت حتى السبعينيات، لكن خفّ الطلب عليها، وخصوصا مع رحيل مستهلكيها من كبار السن. نتناول علبة صغيرة ونحن نتأمل مشهد الخليل القديمة والحديثة، ونمضي متأملين عادات البشر في الطعام والشراب والكلام والأحلام.

 

لجنة إعمار الخليل

أبحث عن المباني القديمة المحيطة بحديقة الصداقة، كنت قد رأيتها من قبل، وتشكل حارة عريقة، سلسلة من البيوت بطوابق متعددة وقباب، أجدها ونصورها. إنها حاضرة عامرة، على مدار قرون، نقترب من واحد، فأكتشف أن هناك تشابها بين تلك البيوت بأحواشها، ولابدّ أنها كانت بيوت أسر ميسورة في ذلك الزمان.

 

أسأل عن قصر الدويك ذي الطبقات الثلاث، وهو قصر بني في بداية القرن التاسع عشر على طرف حارة العقابة، فاكتشفت أنني أجلس في الطبقة الثانية منه، إنه قصر جميل تم ترميمه أخيرا، مكون من غرف وفناءات وفضاءات مسقوفة وغير مسقوفة، ويبدو أنه دافئ شتاء بارد صيفا، كحال هذه البيوت، مميز بتهويته وإنارته. مائتا عام مضت لم تسلبه جماله وبهاءه.وقد اختارت لجنة إعمار الخليل قصر الدويك ليكون مقرّها بعد أن أشرفت على ترميمه.

 

تأسست لجنة إعمار المدينة عام 1996 بهدف إحياء البلدة القديمة عبر ترميم مبانيها وإعادة استخدام المهجور منها، وتأهيل بنيتها التحتية والحفاظ على تراثها الثقافي والحضاري، جنبا إلى جنب بهدف تحسين ظروف سكانها، وتنشيط الحركة التجارية والاقتصادية والحركة السياحية. وقد فازت اللجنة بجائزة الآغا خان للعمارة لدورة عام 1998م، تتويجاً لإنجازاتها. ويذكر السيد عماد حمدان مديرها العام، أن لجنة الإعمار على مدار السنوات السابقة استطاعت ترميم وإسكان معظم المباني في محيط البؤر الاستيطانية، وقد تم ترميم 800 بيت من بيوت البلدة القديمة، كذلك بعض الأسواق التجارية والطرقات بطول خمسة كيلومترات، كما أضيئت الأحواش، والمدارس وتتم إعادة أجزاء البناء من النسيج العمراني بالمواد والطرق التقليدية نفسها. كما قدمت اللجنة تسهيلات للسكن في البلدة القديمة حتى زادت من 400 مواطن عام 1996 إلى 4500 الآن... كما تم إنشاء حدائق أطفال وعامة تقام فيها نشاطات ترفيهية، ورعت اللجنة الرحلات المدرسية لزيادة وعي الطلبة، كما تم إنشاء 14 مكتبا حكوميًا. وتتبع الأكاديمية الإسبانية للتدريب المهني لجنة الإعمار، التي تركّزت خلال السنوات السابقة في التدريب على إعداد عمالة مؤهلة قادرة على العمل في مجالات الترميم المختلفة، من أجل المساهمة في الحفاظ على الإرث الثقافي والحضاري، ومن هذه المجالات: الترميم وصيانة الحجر، وتمديد الكهرباء والماء وأعمال النجارة المختلفة، والتوثيق وعمل النماذج المعمارية المختلفة. وقبل عامين عقدت لجنة إعمار الخليل مؤتمرا حول تنمية المراكز التاريخية. وقد ذكرت ميسرة صلاح ميسرة النشاطات في اللجنة، وأن خريجي الأكاديمية يرممون مدرسة شجرة الدرّ.

 

الطابع المملوكي

من يتأمل حارات البلدة القديمة يجد أن طابعها مملوكي، فمازالت الآثار المملوكية العمرانية جليّة في مدينة الخليل، عبر تشييد القباب فوق الأسطح المختلفة للمساجد والمنازل، وقد تجاوز الطابع المملوكي في العمران إلى الحياة الاجتماعية، فما زالت مدينة الخليل تعيش بعض العادات والتقاليد التي أدخلها المماليك للمدينة، مثل تقديم الحلوى في الأعياد، وزيارة المقابر بعد صلاة العيدين، والاحتفال بختان الأطفال، والدعوات لتناول طعام الإفطار في رمضان، والدق على الطبول في ليالي الصيام، وإقامة بعض الاحتفالات الخاصة بالمولد النبوي الشريف، والاحتفال ببعض المواسم، مثل: موسم النبي صالح وموسى، ومازالت هذه الزيارات مستمرة، وكذلك الأكل من ضيافة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهي ما تسمى بـ «التكية»، وهي عادة تدل على التضامن الاجتماعي مع الفقراء.

 

الخليل الجديدة القديمة وصناعة الزجاج

رغم وجود حارة القزازين الشهيرة والكبيرة في الخليل العتيقة، فإنه لم يعد فيها أي صانع زجاج، وعند السؤال علمنا بوجود ثلاثة مصانع في الخليل الحديثة، منها المصنع الذي زرناه وهو على أبواب الخليل، عند بلدة حلحول التي صارت لكبرها مدينة أيضا. ولما كانت مهنة صناعة الزجاج مهنة عائلية تتوارثها الأجيال من العائلة نفسها، فإن السيد فارس النتشة ورثها عن والده الذي ورثها عن جده.

 

ينفخ الصانع والمبدع يعقوب النتشة في أسطوانة رفيعة وطويلة في اللدائن التي يصنع منها الزجاج، وهي محمرة في النار، ينفخ كأنه عازف ناي..حين ذكرت له الوصف قال أعزف على العود.. يذكر العازف-النافخ أن هذه الأدوات قديمة، وأنهم تقريبا ما زالوا يستخدمون التقنيات القديمة التي تصل لآلاف السنوات لا المئات.

 

أي عراقة هذه!

ومعروف أنه لا توجد مدارس لتعليم هذه الصناعة، إنما يتم تعلمها في الورش والمصانع.

 

لا بد من درجة حرارة عالية جدا، فقط 4000 درجة! انتهى فارس النتشة من تدريب فوج من طلبة الجامعات حضروا لعشرة أيام للتعلم.

 

الخليل متفوقة على سانت بطرس بيرج

 الصديق معتصم الأشهب من الخليل، الذي ترجم أدبيات الخليل في أدب الرحالة الأوربيين في القرنين الثامن والتاسع عشر، ذكر أنه لا يخلو أي تقرير من تقارير الرحالة الذين زاروا مدينة الخليل من الحديث عن صناعة الزجاج في المدينة، ويقتبس الأشهب من نص للرحالة تومسون في كتابه حول هذه الصناعة «منذ فترة قصيرة زرت مصانع الزجاج الكبيرة جداً في مدينة سانت بطرس بيرج، وعندما زرت مدينة الخليل كنت مدفوعاً بفضولية كبيرة جداً للتعرف على صناعة الزجاج فيها ومقارنتها بما كنت قد شاهدت، وما أعظم الاختلاف والتقدم اللذين تيقنتهما في الخليل. ففي مكان قديم كان يوجد ثلاثة أو أربعة أفران للصهر مصنوعة من الطين، في جميع هذه الأفران كان وهج المواد المصهورة براقا. والرجال العاملون هناك يصنعون الخواتم والحلقات التي ترصع الأساور، ملبين بذلك حاجة السوق في القدس». ويصف تومسون عملية التصنيع بأنها عملية سهلة ولكن في المحصلة يقول «إن منتجات صناعة الزجاج في الخليل واسعة ومتعددة وتفوق تلك التي شاهدتها في مدينة سانت بطرس بيرج ولا مجال للمقارنة».

 

كما يقتبس من نص للرحالة أورليش جاسبر شيتزن في بداية القرن التاسع عشر للحديث عن صناعة الزجاج: «شاهدت في المدينة العديد من مصانع الزجاج، في أحد تلك المصانع كانت تجري صناعة ثمانية أنواع مختلفة من الزجاج المجوف. وكانت تباع المائة قطعة بمبلع عشرة قروش، أو مائتي قطعة بالسعر نفسه، إذا شملت ثلاثة أنواع من الحجم الصغير». يشتري تجار الزجاح في العادة قطعاً من جميع الأنواع الثمانية وجميعها من اللون الأخضر باستثناء صنف واحد فقط لونه أحمر ناري. تختلف مصانع الزجاج في المدينة عن بعضها البعض، إذ تصنع فيها الأساور الزجاجية والخواتم والمرجان الزجاجي وغيرها، وهو ما يضفي صبغة احتراف صناعة الزجاج على المدينة. يعمل العديد من صغار السن في هذه المصانع التي هي أشبه بالأكواخ. ولا أحسب الحال تغيّرت قليلا، حينما تجولنا في معرض فارس النتشة قرب المصنع، فقد وجدنا ما صنع مثله قديما، وما تمت صناعته ليلائم أزياء العصر وأنماطه الجمالية والثقافية والمعيشية في البيوت.

 

صناعة الخزف

يضم مصنع فارس النتشة جناحا لصناعة الخزف، يصف الفنان عبدالمجيد التميمي (35 عاما في المهنة) عملية الصناعة بدءا بعمل المجسمات، والرسم عليها كما يفعل، ثم رشها ببودرة الزجاج المغموسة بأكاسيد المعادن كالنحاس والبوتاس والحديد، ثم تغمس بالماء الذي يشربه الفخار. ثم تبدأ عملية الشوي في الفرن لثماني ساعات، على درجة حرارة ألف درجة مئوية، حيث يتم التدرج في رفع الحرارة وفي التبريد. وفي النهاية تكتسب المظهر البراق اللامع.

 

نور بدر تعمل في الورشة، وقد تعلمت صناعة الخزف في كلية الفنون، حيث توجد أماكن لتعليم الخزف على عكس صناعة الزجاج.

 

من الصناعات القديمة الحديثة صناعة الأحذية، وهي صناعة منافسة ذات جودة، لكنها مع الأسف في آخر عقد انحسرت لمصلحة البضائع الصينية..!

 

من المصانع الشهيرة هنا، مصنع قبّانات نيروخ، للموازين، وقد دهشت من أن الأحفاد حافظوا على صناعة القبّانات المعدنية، وأضافوا إليها ما يحتاج إليه العصر! إنها عبقرية الخليلي الصانع والتاجر!

 

سينما لا مسرح نعم

تجولنا في الخليل الحديثة، فمررنا بوسط المدينة حيث المحال الكبيرة والجديدة والأنيقة، التي تناسب العصر. مررنا برابطة الجامعيين التي كان لها دور ثقافي وتعليمي ووطني في سنوات السبعينيات والثمانينيات.توجد في الخليل جامعتان هما جامعة الخليل وجامعة البوليتكنك، بالإضافة إلى فروع جامعة القدس المفتوحة، وقد شهدت الأولى مذبحة عام 1983 حيث قام ستة إرهابيين من المستوطنين بمهاجمة الجامعة بالأسلحة النارية، فبلغ عدد الشهداء ثلاثة طلاب وجرح 38 آخرون. وتعدّ الخليل مركز بيع الكتب في فلسطين، ومن أهم دور بيع الكتب مكتبة دنديس، التي يقصدها التجار والطلبة، حيث تستورد المكتبة مباشرة من كبار دور النشر في بيروت والقاهرة، وهي تحتوي على الكتب والأقراص المدمجة.

 

سينما لا

لا يوجد فيها سينما، كانت المدينة الفلسطينية الوحيدة التي لم تتأسس فيها دار سينما نظرا لأن الأهالي محافظون.

 

مسرح نعم

بالقرب من فندق الخليل لفت انتباهي يافطة تحمل اسم مسرح «نعم»، خطوات وإذا بنا نتحدث مع مديره محمد عيسى، فعلمنا أنه في عام 2007، تم تأسيسه، على يد مجموعة من المسرحيين للارتقاء بالحياة الثقافية والفنية والتربوية في المدينة، من خلال إنتاج وتنفيذ أنشطة درامية وأعمال مسرحية يعبّر من خلالها الكبار والأطفال عن أنفسهم، عن طريق طرح مشكلاتهم الحياتية وقضاياهم الاجتماعية أمام الجمهور بما يشبه مسرح المنبر الذي أسسه المسرحي البرازيلي أوغسو بوال.

 

خليلي يا عنب

تتميز المدينة بأن زراعة العنب لا تقتصر على القرويين حولها، بل نراه داخل المدينة كروما ومكعبات أمام البيوت. وتشتهر إذن بالدبس الذي يتم إنتاجه بطريقة غريبة، حيث يصفّى بواسطة حجر الجير، إضافة إلى الزبيب والملبن.

 

وقد ذكره الرحالة بشيء من التفصيل كما حدثني معتصم الأشهب، الذي ذكر إدوارد روبنسون، وهو أحد الرحالة الذي زار مدينة الخليل في عام 1838، فقد أشار إلى «وادٍ صغير تملأه أشجار الزيتون وكروم العنب المسورة»... و«تملأ أشجار الكرمة المنطقة المحيطة بالخليل برمتها، والعنب هناك هو الأفضل في فلسطين قاطبة».

 

يتعرض إدوارد روبنسون إلى البحث بشكل تفصيلي في وصف خصائص زراعة العنب في مدينة الخليل فيقول: «تجري زراعة الكرمة بشكل منفرد وفي صفوف مستقيمة، حيث تبعد الواحدة مسافة ثماني أو عشر أقدام عن الأخرى. تنمو شجرة الكرمة حتى تصبح على ارتفاع ست أو ثماني أقدام، وبعدها يتم تثبيتها على عمود قوي بشكل يجعل ما يزيد على هذا الارتقاع يتجه إلى الانحدار. ثم تنمو البراعم من كل كرمة باتجاه الأخرى حتى تتكون هناك شبكة ممتدة من الأغصان المترابطة. وفي بعض الأحيان يكون هناك صفان من أشجار كرمة العنب ينحدر كل واحد منهما باتجاه الآخر لتكون الأغصان على شكل سقفية أو عريشة (معرش). ويتم تقطيع (قطف) هذه الثمار في فصل الخريف».

 

في نهاية وصفه للعنب يقول روبنسون «يعتبر موسم قطف العنب موسم الفرح والمرح والسعادة للجميع، حيث تُهجر المدينة ويتجه سكانها إلى الكروم ويعيشون في أكواخ وخيم. إن شهرة هذا العنب تمتد إلى جميع أرجاء فلسطين، ولا تتم هناك صناعة النبيذ أو العرق من هذا العنب إلا من قبل بعض اليهود وحتى ذلك يكون بكميات قليلة. ويمتاز العنب بالجودة العالية، فحبات العنب الجيدة والجميلة يتم تجفيفها لعمل الزبيب والأخرى المتبقية يتم عصرها لتصبح عصير عنب يطبخ لكي يصبح محلولا شبيها بالقطر يدعى الدبس وهو منتشر كنوع من الحلويات يتم تناوله مع الوجبات. والدبس شبيه بالقطر غير الكثيف إلا أن طعمه أطيب بكثير...».

 

لقد دهشت لهذا الوصف الذي فاق قدرتي، على الرغم من كوني مزارع عنب.

 

«يا عنب الخليل» لمناصرة

 

وعنب الخليل المميز يقودنا نحو قصيدة شهيرة للشاعر الخليلي عز الدين المناصرة، وهذه مقتطفات منها:

 

خليلي أنتَ: يا عنب الخليل الحرّ

الخليل تفضلهُ في الصباح زبيباً ودبسا،

إذا كانَ مَلْبَنُهُ صافياً كبنات الشآم.

سُكّراً كبياض خليليةٍ مثل شمس تغار من الشمسِ،

كي لا تغار من الورد، من حمرة الوجنتينِ،

ولين القوامْ.

عنبٌ دابوقيٌ كرحيق النحل على يافطةٍ بيضاء

عنب دابوقيّ يتدلّى من عُبّ الدالية كقرط الماسْ

عنب دابوقيٌ لا يشبهه أحدٌ في الناس

عنب دابوقيٌ يصهل مثل مغنية خضراء

عنب دابوقيٌ يتمدد كامرأةٍ في شمس المسطاح.

للخليل سحرها الذي لا يقاوم..

 

تابعت مشواري إلى الخليل إلى مصنع قديم، فوجدت المصنع مغلقا، سألت عن بيت صاحب المصنع فقيل لي إنه يسكن بالقرب من الحرم الإبراهيمي، ذهبت إلى هناك وسألت عن بيته، فأشاروا إلى باب بيت صغير تصله بدرج، طرقت الباب الخشبي للبيت، فُتح الباب وظهرت فجأة فتاة شقراء من داخل العتمة المظلمة... بشرتها متوردة ذات عينين زرقاوين.. وابتسامة على شفتيها تصل بسرعة إلى القلب، وقفت مشدوها لجمالها الفاتن من خلال ظلمة البيت القديم، استجمعت قواي وقلت وأنا أود لو يطول سؤالي ولا ينتهي: هل الحاج موجود؟

 

- ذهب للصلاة وسيعود بعد قليل...

 

عدت إلى الحرم، وصورتها لا تفارق مخيلتي، وقررت الذهاب إلى بائع خيال عطريّ آخر، وأنا في صلاتي لا أنتهي! هل كانت الخليلية البيضاء في قصيدة يا عنب الخليل..

 

استعرت شيئا لقلمي.. وعظّمت من بقي يسكن في ذلك البيت القديم قليل الإنارة سوى من ذلك القمر الذي أطل في رابعة نهار الخليل!

 

لا بدّ أن والد هذا القمر له حكمة من الإقامة هنا، لربما هو مجاور لإبراهيم الخليل أبيهم وأبينا.

 

ربما عرف عمق إقامة أبيه إبراهيم الذي رغم زيارته لمكة كأقدس مكان في الأرض، إلا أنه عاد منها وظل في الخليل وتوفي فيها..

 

سأصغي لهمس الأنبياء هنا، فهنا مروا، وكانوا، كان إبراهيم وسارة وإسحق ورفقة ويعقوب وليقا ويوسف أيضا.. ولهم هنا مقامات أربعة.. وهاجر وإسماعيل.. فإسماعيل خليلي الجنسية.

 

سأطيل التأمل في الجانب الآخر غير النمطي الذي لا يظهر في الإعلام شادي وجميلة ودينا والبيوت القديمة، والأطفال بباب تكية سيدنا إبراهيم يحملون أوعيتهم لملئها من شوربة العصيدة.

 

أخيرا يحق للخليل أن تكون دولة..

 

وفي فلسطين تنتشر النكات على الخلايلة، والخلايلة تجار ماهرون وصلوا إلى الصين، ومن كثرة ترددهم إلى هناك، ظن الصينيون أن هناك دولة اسمها الخليل، ولعلّ وجود مؤسسة الخليل- فرنسا يؤكد ذلك.. لأن الأصل أن تكون الجمعيات من مدينة إلى مدينة أو من دولة إلى دولة.

 

 

صورة الغلاف

 

 

الحرم

 

خبز الشراك

 

الفنان عبدالمجيد التميمي

 

تركيز الرسام

 

انتهاك براءة الأطفال

 

يعقوب النتشة اشهر صانع زجاج

 

جمال الخزف والزجاج

 

الفنانة نور بدر

 

في السوق

 

قنطرة في البلدة القديمة

 

أطلال وكالة قديمة

 

قديم وحديث

 

المنجد وحيدا على الاطلال

 

نور وظلام

 

قنطرة بالقرب خان شاهين

 

الفرّاء

 

داخل إحدى البقالات

 

بائع الحمام يتوسط صديقيه

 

سوق

 

عراقة

 

ثلاثة طوابق قديمة

 

طفولة

 

حكايات

 

بانتظار التوزيع

 

أسرة خليلية تزور

 

معتصم الأشهب

 

مدير مسرح نعم

 

تراث

 

مسرح نعم