مساحة ود

  مساحة ود
        

الليل والقمر

        كان الليل في قديم القديم من الزمان أبيض ناصعاً. وفي إحدى ليالي الربيع الجميلة أحيا سلطان الكروم العظيم حفلاً باذخاً، دعا إليه حشداً من عناصر الطبيعة وكائناتها المختلفة أحيائها وجمادها. واشترط أن يكتسي المدعوون إلى الحفل ملابس داكنة.حين وفد الليل على حديقة الكروم في بستان السلطان المترامي الذي يحيط بقصره الكبير، شغفته الموسيقى التي تنبعث منه، فتهز الأرجاء بأنغامها العذبة. كما ملأت خياشيمه الروائح الزكية التي تضوع فتشمل الفضاء، وتتوزعها الأنسام عطراً ندياً فوّاحاً، فيما الأضواء تتلألأ بين الأشجار، فتغمر المدى بأنوار خلابة تخطف الأبصار.

        قدم الليل يمشي في مهابة وخيلاء إلى بوابة قصر السلطان، حيث اصطف الحرّاس بأزيائهم الزاهية، رآه كبير الحرس، فتقدم إليه مبتسماً مرحّباً به باحترام، وحيّاه بإجلال، ثم استوقف الليل بأدب جمّ. وذكره بعبارة منمّقة حذرة أن جلالة السلطان اشترط أن يرتدي المدعوون إلى الحفل ملابس داكنة. وبذا أمر الحراس ألا يتساهلوا في هذا الشرط إن وجدوا أحداً من المدعوين قد غفل عنه أو تجاهله.

        وبكل التهذيب، أشار كبير حرس قصر السلطان إلى الليل بأنه قد غفل عن الشرط! أكمل عبارته وانحنى بتحية الوداع لينصرف إلى استقبال المدعوين الذين بدأوا يتوافدون تباعاً.

        انسحب الليل منكسراً، وعاد أدراجه وقلبه مثقل بالهم، وغشيه حزن عميق، وتوارى عن الأنظار زمناً طويلاً حتى انحسر عنه بهاؤه، وكساه السواد والشحوب لحرمانه من حضور حفل السلطان البهيج، إلا من نقاط تلمع في وجهه هي دموع حسراته عرفت فيما بعد بالنجوم التي تنتشر في السماء بعد غروب الشمس. وأمسى الليل يأتي ويذهب كما نعرفه ونراه طوال الأزمان.

        وفي العزلة الطويلة التي قضاها الليل يكابد مرارة أحزانه، أنجب القمر الذي نعرف تعويضاً عن البهاء الذي فارقه، ليطل على الدنيا بأطواره المتعددة، ويغمرها بضوئه الهادئ الجميل، فيسحر العيون ويبيت قبلة للعاشقين ورفيقاً للشعراء والمحبّين؟.

 

زين السقاف