إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي
        

ما بين الحلم والواقع

          لكم أعترف, بأنني كلما تصفحت مجلة (العربي) يخيل إلي بأنها تكاد تكون الساحة الوحيدة التي يلتقي فيها المواطنون في سلام ووئام, في هذا الوطن العربي التعيس, هذا إن لم تكن فعلا هي الساحة الوحيدة. يبين لنا ذلك اننا قد نكون شعب (لسان) أو شعب (قلم وورق), ولكننا قطعا لسنا شعب فعل وتطبيق.

          (فالعربي) تحلق بنا كل شهر مرة, في موقع ما بين السماء والأرض, نترك على الأرض خلافاتنا وما يلحق بها وما تحتويه من مشاعر سلبية تصل إلى حدود الغيرة والحسد والأنانية.. إلخ التي تأخذنا إلى نحر الواحد منا للآخر. ثم نقذف بالأمل في الفهم والتفاهم إلى السماء حتى يبقى معلقا هناك لا نطاله. ذاك الأمل بالوحدة العربية ذات الظل الظليل التي تستوعب الطاقات المتناثرة من فكر وعلم وفن لتستثمرها بناء لثقافة اليوم وحضارة الغد.

          لكن (سكاكين) السياسة المصنوعة من المصلحة المغرقة في ذاتيتها (فرداً أو أسرة أو فخذا أو قبيلة, أو جماعة أو ملة أو حزبا أو طائفة) تقف بالمرصاد لذلك الأمل. هذه السكاكين الحادة هي التي تعمل في تلك الطاقة تفتيتا, حتى يبدو كل إنجاز عربي يحمل في طياته نقصا ما, فلا المكاسب السياسية تكتمل ولا الاقتصادية ولا الثقافية ولا حتى المكاسب الاجتماعية. فهناك دوما ـ في منتصف الطريق أو في نهايته ـ نقص ما, هناك خلل, نفطن له أو لا نفطن ولكننا نتعهد للتاريخ بعدم تكراره واننا سوف نتجاوزه في المرة القادمة ولكننا لا نفعل. وبتكرار التجربة تصبح هذه عادة, والعادة تتحول إلى سمة عصر تصل في نهاية المطاف إلى ثقافة عامة تعم المجتمع.

          لذلك, فإن الأمور عندنا تقفز إعلاميا أو إعلانيا ما بين التميز ـ غير ذي المثيل ـ وما بين الإخفاق ـ وأيضا غير ذي المثيل ـ دون توقف عند الجودة فعلا بدرجاتها المختلفة.

          إذ إن السلطة, ظاهرة كانت أو خافية,تفرض (التميز) حكماً على أمر ما, كما أنها تفرض أىضا الإخفاق حكما على أمر آخر, باستخدام وسائل الإعلام والإعلان المملوكة لها كلية. فالتميز كائن لكل ما يحقق المراد, والإخفاق كائن لكل ما لا يحقق هذا المراد.

          في جو كهذا يصبح طبيعيا أن يغيب النقد العلمي والموضوعي للأحداث فهو محرم على المستوى السياسي, مقيد على المستوى الاقتصادي, ذاتي النزعة على المستوى الثقافي, مرفوض على المستوى الاجتماعي. ونأسف, فقط نأسف على وضع لا يجد فيه النقد مكانه رغم ضرورة وجوده للأمم الراغبة في الحياة. أما نحن فيحلو لنا أحيانا أن نتصور بأننا واحدة من تلك الأمم, لكن يبدو أن حلمنا بالتقدم الذي نلهج به شفاهة ونسطره بالقلم على الورق تحريرا لا يلبث أن يتصاعد إلى السماء غيمة تنتظر ريحا عاتية تسقطها علينا مطرا يمتزج بدمع أمة لاتعرف أين تتجه وتلتذ بالبكاء على أطلالها معلنة وبصراحة قاتلة عجز الحاضر أن يصل ما بين الماضي التليد والمستقبل المجهول.

          لذلك ـ أعترف ـ بأنني كلما أمسكت بمجلة (العربي) ـ المواطن العربي الوحيد في هذه الأرض الذي يتجول بحرية ما بين الخليج والمحيط ـ شعرت بأنني أقف وسط واحة ندية تستقر وسط صحراء قاسية تمتد ما بين الكويت والمغرب العربي, صحراء ولكنها زاخرة بنباتات برية غير ذات جذور وغير قابلة لإعادة الإنبات, يغيب فيها معنى التنمية الحياتية ويغيب عنها.

          أتصور, أنه ولهذا السبب تغيب الابتسامة عن وجه العربي لأنه لا يكتفي بحمل همه الشخصي كما يفعل الإنسان في الأمم المتقدمة بل إنه يحمل ـ مضطرا ـ همه فوق هم الوطن فوق هم المواطن. ينوء بحمله ـ المسكين ـ ويعجز عن الإنتاج فيعجز المجتمع ـ بالتبعية ـ عن التطور وتعجز القيادة السياسية عن القيادة نحو التشريع التنموي والتنفيذ.وهكذا نحكم على أنفسنا بالجلوس على مقاعد محطة قطار العالم الحديث, نشهد مروره, يروعنا صوته, نفزع, ثم ندعك آذاننا وننتظر القطار التالي.

          أي بَلاَدة هذه!!

 

فاطمة حسين