رد على التعقيب على مقال: حسين فوزي وذكريات موسيقية سمحة الخولي

رد على التعقيب على مقال: حسين فوزي وذكريات موسيقية

اطلعت على تعقيب د. ثروت عكـاشة في عدد أكتوبر سنة 1992 من مجلة العربي ردا على مقالي د. حسين فوزى ذكـريات وملامح موسيقية المنشور في عدد العربي أغسطس 1992.

وجاءت أحداث الزلزال فطغت على كل ما عداها وشغل الناس بعدها بأمور حياتية أخطر وأبعد أثرا وربما كان من ميزات تلك الفترة أنها أتاحت لي الفرصة لكي أستجمع قدرا كافيا من التسامح وجعلني أتغاضى عن كل ما جاء في تعقيب د. ثروت عكاشة من مساس وعنف والآن فقد تهيأت للرد عليه، من منطلق هادى ومتسامح أساسه الاعتراف بقيمة إنجازات د. ثروت عكاشة الثقافية وهو ما أشرت إليه في مقالي المذكور مرتين الأولى صفحة 154 " ثم استمر في عمله فيها ( وزارة الثقافة) لفترة بجانب وزيرها الفنان د. ثروت عكاشة في العصر الذهبي للثقافة المصرية " والثانية في موضـع آخـر من نفس المقال ص 158" وهو قد مارس هذا الدور، ليس بجانب د. ثروت عكـاشة في العصر الذهبي لـوزارة الثقافة فحسب بل، وعلى مدى حقب ثلاث تقريبا ". . .

ولقد استشهد د. ثروت عكـاشة نفسه في تعقيبه علي بخطـاب أرسلتـه لـه في 10/ 4/ 1982م (بعـد أن توليت مسئولية رئاسة أكاديمية الفنون) جـاء فيه "إنه ليطيب لي، من مـوقعي الجديد في أكاديمية الفنون أن أسجل تقديري وتقـدير المثقفين المصريين لجهودكم التأسيسية القيمة التي أدت إلى إنشاء معاهد أدخلت لمصر فنونا جديدة تماما على حياتنا الثقافية. . " إلى آخر ما جاء في ذلك الخطاب التلقائي السابق الذي أورد. د. عكاشة في تعقيبه للتدليل على أنه هو الذي أنشأ أكاديمية الفنون لأول مرة. . وأنا متمسكة بكل ما كتبته في هذا الخطاب نصا ولو كتبته الآن لما غيرت حرفا واحدا منه.

ولعل محور الخلاف بيننا أن هدفي من مقالي عن د. حسين فوزي لم يكن التأريخ لإنجازات وزارة الثقافة في عهد الدكتور/ ثروت عكاشة ولا في العهود الأخرى بل كـان هدفي الواضح هو محاولة إطلاع القارئ على ذكرياتي وتجاربي الإنسانية والفنية مع الدكتور/ حسين فوزي في محاولة لإنصاف رجل من كبار قادة الثقافة والفكر في مصر، رجل نادر في إنسانيته وكفاءته وبعد نظره، رجل لم ينل بعض ما يستحقه من التكريم بعد رحيلـه رغم كل مـا بذل في سبيل تأصيل الثقافـة الموسيقية ونشرها بإصرار، ورغم جهوده الجادة في إرسـاء دعـائم التعليم الموسيقي في مصر على أسس راسخة واضحة المسالك.

أما ما أغضب د. ثروت عكاشة كل هذا الغضب، فهو تصوره أنني أوحي بأن الدكتور عبد القادر حاتم أو د. حسين فوزي أنشأ أكاديمية الفنون لأول مرة: " من الذي أنشأ أكاديمية الفنون لأول مرة، هل هو د. عبـد القـادر حـاتم أو د. حسين فوزي كما تـوحي سيادتها. . . أم من؟. . . ) صفحة 181 من التعقيب.

وليس في مقالي أي إيحاء بهذا المعنى من قريب أو من بعيد، فتاريخ قرار إنشاء الأكاديمية معروف وقد تداولته أثناء رئاستي لها عشرات المرات، وكل ما فهمه د. عكـاشـة على أنه إيحاء هـو أنني ذكـرت أن د. عبدالقادر حـاتم (أثناء وزارتـه الممتدة حتى 1966 ) استدعى د. حسين فوزي من بيته (حيث لم يكن له أي وضع رسمي حينـذاك) لكي يشرف على لجنة قـانونية لوضـع مشروع قانون يهدف لضـم المعاهد الفنية (كما كـانت تسمى في إطار واحـد تحت تسميـة " جـامعة للفنون "، ولكن د. حسين فوزي- وهذا بيت القصيد في هذه الفقرة من مقالي- أصر على تجنب تسمية " جامعة " لأن طبيعة دراسات الفنون التعبيرية تختلف كثيرا عن إطار التعليم الجامعي المألوف في مصر- وهي نظرة ثاقبة تحمد للدكتور فوزي- أشرت إليها في هـذا المجـال للدلالة على بعد نظره وفهمه العميق لطبيعة دراسات الفنون التعبيرية. . . وهذه اللجنة حقيقة واقعة حضرت أنا شخصيا بعض جلساتها للمشاركة بالرأي حـول أمور تتعلق بأوضاع معاهد الموسيقى ونوعية امتحاناتها وشهاداتها باعتباري من الأعضاء المصريين الأوائل في هيئة التدريس بالكونسرفتوار.

* ولست أرى أي تعـارض أو تنـاقض بين لجنـة تبحث في فكرة أو مشروع ضم المعاهد الفنية معا وبين التاريـخ التالي لذلك أي تاريخ استصدار القرار الجمهوري بإنشـاء أكـاديمية الفنـون- أم أن مجرد الشروع أو التفكير في عمل بناء في مجال ضم المعاهد أمر غير وارد إلا في ظل وزارة معينة وتحت قيـادة ثقافية معينة؟! وهل مجرد الإشارة إلى هذا يصبح خروجا عن الجادة؟.

وربما كـان الخطأ في مقـالي أنني حين أشرت لإيفاد وزارة الثقافة لحسين فوزي إلى فرنسا وروسيا ( لاختيار من يقود عمل الكـونسرفتوار) لم أكن أتصور أن مهمة د. حسين فوزي في هذا المجال إنه " مجرد ساعي بريد" ، أرسله د. ثروت عكـاشة بخطابات إلى مـالرو، وفورتسيفا " بل تصورت أن د. عكاشة اختاره لكفاءته الشخصية المتميزة ولسعة أفقه الثقافي مما جعل منه سفيرا ناجحا في مثـل هذه المهمة الدقيقة، مهمة اختيار من يقود التعليم الموسيقي المصري المتخصص في الاتجاه الصحيح.

وإذا كان هناك إيحاء فهو ما جاء في تعقيب د. عكاشة الذي يوحي بأن الدكتور فوزي لم يكن على مستوى المسئولية حينما عرض عليـه د. ثروت منصب مدير الأكاديمية فأراد أن يحتفظ بمنصبه في الأهرام بجانبها، ولذلك عين د. عكاشة أ. د. مصطفى سويف بدلا منه لأنه يرى " أن من يتولى الأكـاديمية عليه أن يتفرغ تماما لها ". . . وقد يكون من المفيد هنا أن نستعرض الأساتذة الأفاضل الذين أداروا الأكاديمية في آواخر الستينيات وأوائل السبعينيات: فمن منهم تفرغ كلية للأكاديمية ؟ لقد كان أغلبهم أساتذة جامعيين، فالدكتور حسين فوزي إذن ليس وحيدا في موقفه في هذا الصدد، ولعل حرصه على وضعه في الأهرام كان تحسبا لما قد يعترض صفو علاقات العمل بينه وبين د. ثروت عكاشة، وهو ما حـدث فعلا فقد ثار بينهما الخلاف في العمل، وهو خلاف أدى بحسين فوزي للاعتكـاف في داره شهورا ...

فليهدأ بال د. ثروت عكاشة فلا أنا ولا أحد غيري يريد أن ينكر إنجازاته المهمة- مثل الأكاديمية وغيرها- وهي أوضح من أن تحتاج لكل هذا التأكيد، وأنا لم أتصد أصلا لا للتأريخ لها ولا لمحاولة المساس بدوره فيها، فهي جزء مـن الإنجازات التعليمية الكثيرة التي يحفل بها تاريخ هذا البلد منذ عهد على مبارك وكل ما في الأمر أنني تصديت لواجب أدبي هو محاولة إنصاف حسين فوزي أحد الأعلام الشامخين في الثقافة المصرية بأن أطلع القارئ العـربي علي فضله في نشر الثقافة الموسيقية وعلى متابعاته الدءوب الصادقة- بعيدا عن المظهريـة أو الأنانيـة- لمشاق الإنشـاء والتقويم والإصلاح لأحد المعاهد الموسيقية الكبيرة، ثم جهوده التنظيمية الرشيدة في مجال تكوين الفنانين المتخصصين وفضله العظيم في إصدار الكتب الموسيقية والثقافية والتي تابعها ووجهها بوعي ثقافي رفيع.

* وفي النهاية فإنني أتمنى أن نتخلص أخيرا- وبعد قرابة ثلث قرن- من تلك الحساسية المفرطة بين قطبي الثقافـة والإعلام (في عهد الرئيس عبـد الناصر) لكني تتاح للأجيال التالية نظرة مـوضوعية متوازنة لشؤون الثقافة في تلك الفترة من منظور تاريخي رشيد. . . فهل حقا كل ما حدث في الفترات التي ترك فيها د. ثروت عكاشة وزارة الثقافة كان " تدهورا" (ص 180) " وخرابا " (ص 181) من التعقيب "؟. . . . ولنترك التاريخ ليقول كلمته.

 

سمحة الخولي