المسلمون في رمضان والعيد أحمد كمال أبوالمجد
المسلمون في رمضان والعيد
رمضان كريم مع مقدم رمضان من كل عام يتهيأ المسلمون من مشرق الدنيا إلى مغربها لاستقبـال موسم فريد من مواسم الخير والبر.. وتتوجه قلوب مئات الملايين من الناس إلى الحق سبحانه وتعالى متوسلة إليه بطاعتـه، مستعينة على هـذه الطاعة بذكره وعبادته وتدبر آيات كتـابه.. وتستجيب أجهزة الإعلام على امتداد العالم الإسلامي لهذا التوجـه وتشارك فيه.. فتمتلىء برامجها بالأحاديث الدينية والقصص الديني.. وتنقل إلى الصائمين القائمين صورا من حياة إخوانهم المسلمين في أقصى الأرض! وهـم يحيـون الشهـر العظيم بالعبادة والتسابق إلى البر والخـير.. وذلك كله خير لاشك فيـه، لا ينتقص من قـدره إلا متعسف أو مكابر.. ومهما قيل من استيلاء الدنيـا على القلوب ، واشتغال الناس بأمور المعـاش عن أمور المعاد، والحجب الكثيفة التي ألقتها على عقول الناس طبيعة العصر، وضغـوط التنافس المحموم على الأرزاق.. مهما قيل عن ذلك كلـه.. فـلا يزال رمضان يحمل إلى الناس في كل عام ألوانا من الخـير والرحمة والرشد.. فالمساجـد عامرة بالمصلين الذاكـرين القائمين والركع السجـود.. وألسنـة الملايين لا تزال ندية الأطراف بذكر الله وتلاوة آياته.. ولا يزال المسلمون- على ما أصاب الكثيرين منهم من الأثرة والشح- أجود ما يكونون في رمضان.. يعان فيه المحتاج، ويطعم فيه الفقير، ويكـرم المسكـين، وتوصل فيه الأرحـام.. وذلك كله تصديق لقول الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) عن هذا الشهر العظيم إنه شهر: تفتح فيه أبـواب الخـير وتوصد فيه أبواب النار. رمضان وحياة المسلمين ومع ذلك كله فإن الحديث في رمضان لا ينبغي أن يكـون كلـه عن رمضان.. لأن حيـاة المسلمين لا تتـوقف في رمضان ولأن الصوم لا ينتزع المسلم من تيار الحياة، ولأن العلم النـافع- في رمضان وغير رمضان- هو الذي يعالج الهموم الحقيقية للناس، لا الذي يتجاهلها ويكتفي بتوجيه النصائح وسوق موعظات لا تجاوز طـرف اللسان، ثم لا تجاوز بعـد ذلك آذان السـامعين، والله تعالى يقول: لا خـير في كثير من نجـواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس. لذلك نتمنى أن يكسر المسلمون طـوق هذا الذي تعودناه من أسلوب الاحتفال برمضان.. وأن يجعلوا بعض احتفالهم به أن يقفوا مع الإسلام كله وقفة تعلم واعتبار.. لكل أحكامه وشعائره وشرائعه بواقع الناس.. ذلك أن كل حـديث عن الإسـلام- في رمضان أو غير رمضـان- ينقطع عن واقع الناس وهمومهم.. ظلم لهؤلاء الناس وتفريط في حقهم يبرأ منه الإسلام الذي كـان نبيه (صلى الله عليه وسلم) يستعيذ في دعائه من علم لا ينفع.. والذي مازال كتابه الكريم يبرأ من الكلمة التي لا تفتح بابا للخـير ولا تكون مدخلا لما ينفع الناس.. الإسلام وانقطاع الصلة مع الناس والذين يحزنهم اليـوم أن ينصرف بعض الناس من حولهم عن الإسـلام أو عن بعض مبادئه وأحكـامه.. وأن يطلبوا الهداية من غيره، والذين يملأون الدنيا شكـاية وضجيجا من المذاهب والنظريات التي تفتن الناس عن الإسلام ويستولي بعضها على عقول الشباب وقلوبهم، عليهم أن يذكروا أن أجزاء من المسئولية عن ذلك كله تقع علينا نحن حين نعرض الإسلام مقطوع الصلة بواقع الناس إما بحصره في إطار تاريخي محدود ودعوة الناس إلى أن ينفضوا أيديهم من حاضرهم الذي يعرفونه بكل ما فيه مـن خير وشر ومشاكل وآمال.. ليعودوا إلى ماض كانت ترفرف عليه أعلام الإسلام.. وإما بعرضه في صورة مجموعة من النصوص التي تحمل على أجنحتها صورة الحيـاة المثاليـة الكاملـة، ومطالبة الناس- بعد ذلك- بأن يقفزوا قفرا خارجين من مشاكل واقعهم وما فيه إلى حيث هذا الكمال المطلق الذي تمثله أوامر الدين ونواهيه... إن الفصل بين الإسلام والحياة يبدأ عادة في عقول وقلوب الداعين إليه، قبل أن يقع في حياة النـاس وأنظمة المجتمعات. وهو يبدأ حين تعزل النصوص الـدينية عن مصالح النـاس، وحين تنحصر مهمة الدعاة والعلماء في عرض النصوص بلا زيادة ولا نقصان دون محاولة لوصلها بواقع الناس... ولقد فتح لنا القرآن الكريم طريق المنهج الصحيح في إصـلاح الناس والمجتمعات.. وهو يصف هذا الشهر العظيم بأنـه شهر رمضان الذي أنزل فيـه القرآن. هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. والهدى هو رشد القلوب والجوارح حتى تستقيم على الخير، وتتوجـه إلى البر، وتستوي على قيم الحق والعدل والرحمة وصلاح ذات البين.. والبينات هي الآيات والشواهد التي تعرف بها حكمة الله في خلقه، ونواميسه في الكون، وما بثه من سنن تضبط حركة الحيـاة والأحيـاء لا يتخلـف حكمهـا، ولا ينقطع جريانها ما بقيت الحياة... هل أصبح المسلمون محجوبين عن الإسلام؟ ولقد كنا نقول مع الإمام محمد عبده " إن الإسلام محجوب عن الـدنيا بـالمسلمين ".. ولكن الأخطر من ذلك والأجـدر بـالتأمل في رمضـان.. أن المسلمين أنفسهم قـد صاروا محجـوبين عن الإسلام.. وصار الإسلام محجـوبا عنهـم بما تعرضوا له من تغـريب قطعهم عن أصول حضارتهم، وما استقر في حيـاة الكثيرين منهـم من تعطيل للعقـول.. ومصـادرة لملكات النفوس.. وحجـر على روح البحث والإبداع والتجـديـد.. ثم بـما تـوطن في مجتمعـاتهم من قيم التخلف، ومـا انتحلـوه لكثـير من هـذه القيم من شعارات ينسبها البعـض- زورا وبهتانا- للإسلام.. وبهذا الحجاب المزدوج بـين الإسلام والمسلمين فاتهم الهدى وغابت عنهم البينات. أفلا يجعل المسلمون من رمضان موسما لتجديـد الاتصال الواعي بـأصول هذا الدين وقيمه ومعالم حضارته... وللتأمل الموضـوعي فيما آل إليـه أمر المسلمين.. والبحث الجاد عن أطـراف الخيوط التي تعينهـم أفـرادا وأممـا على الخروج من التخلف، والانطلاق على طريق الإحياء والانبعاث.. ولو فعلوا لفهموا حقيقة قول الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) لـو تعلم أمتي مـا في رمضان من الخير لتمنت أن تكون السنة كلها رمضان. وداعا رمضان.. ماذا عن العيد وتمضي بالمسلمين أيام رمضـان ولياليه.. ولا تكـاد قلوبهم تأنس إليه، وتعتاد عليه.. حتى يـؤذن مـؤذن بالوداع، وتستقبل الأمة يوما سعيدا من أيامها هو يوم العيد.. والأمة التي تعيش في رمضـان- معركـة الصبر والانضباط وكف اللسـان والجوارح كلها عن الأذى والشر. وتخرج من ذلك كله برصيد من طاقة الخير، وعزيمة الرشد ومضاء الإرادة، هي وحدها الجديرة بأن تصحو صبيحة العيـد طليقة النفـوس.. منشرحـة الصـدور.. مقبلـة على استئناف الحياة. أمـا الذين استقبلوا رمضان كـارهين.. ولم يحيوه بغير الإسراف والنهم، واستطالة اللسان على عباد الله، والتكاسل عن أداء الواجبات.. فلا يدري أحـد بماذا يحتفلون.. وبأي شيء في أيام العيد يفرحون. ولقد كانت لأيام العيد- ولا تزال- فرحة تملأ قلوب الصغار والكبار في دنيا المسلمين.. وكـانت- ولا تزال- لشعوب الإسلام عاداتها وأعرافها في احتفالها بالعيد.. فالصغار يمرحـون ويغوصون في ألوان من البهجة لا تكاد تعرف الحدود.. والكبار يتزاورون ويتبادلـون التهنئة.. ومنهم من لا يكـاد يؤدي حقوق الجوار بقية العـام.. والحرص على لبس الجديد مع إشراقـه شمس العيـد إقبـال على الحيـاة يحمل معنى الأمل والبشرى وحسن استقبال نعم الله.. ولقد أضافـت الشعوب إلى العيد ألوانا من ألوان إحساسها بالجـمال وتعبيرها عنه..وهي إضافـات يتجلى فيها الإسلام ثقافة وحضارة وفنا، كـما تجلى- قبل ذلك ومعه- عقيدة وسلوكا وعلاقـات بين الناس. وليت أحدا لا ينكـر علينا في يـوم عيـدنا ما نراه من مظاهر الفرحـة والبهجة وأسـاليب الاحتفال.. نعم.. لقد أضيف كثير من ذلك مـع تعـاقب العصـور منذ عصر الرسول (صلى الله عليه وسلم).. ولكننا نقول، فيما لا معصية فيه، "نعمت البدعة هـي "، ما دامت لا تضيف شعيرة إلى شعائر الإسلام، ولا تنتهـك حرمة من حرماته.. دعوا النـاس يفرحـوا.. فإن هذه الفرحـة جلاء للقلوب.. وتحريك لحوافز الخير.. ورسول بصلـة القربى والرحم، وسفير مودة بين الجـيران والأصـدقاء.. أم هل يراد للمسلمين أن تكون حياتهم مجدبة من الفرحـة، محروقة من الجمال؟ نعـم.. فلنفـرح.. ولنبهتج.. وليحتفل صغارنا وكبارنا بالعيد.. فرحة يشوبها الحزن ولكنها- والحق أحق أن يقـال- فـرحة تشوبها في عيدنا هذا شوائب حزن وأسى.. وبهجة تداخلها غصة ومرارة.. فأحـوالنا- نحن المسلمين- تتحدث عن نفسها حـديثا تـوشك معه القلوب أن تغوص بين الضلوع.. وتكـاد البسمة معه تضل طريقها إلى الشفاه والوجوه. فالمسلمون بين جناح مهيض في مـواجهة عدوان هنا وغزو هناك.. وبأس شديد يتبادله المسلمون بينهم، بما لا يتبادلون مثله مع عدوهم.. وما لنا لا نسمي الأشياء بأسمائها؟ أليست أرض فلسطين مغتصبة.. يزداد مغتصبوها استقرارا عليهـا يوما بعد يوم.. ويخرجون منها مئات من أهلها إلى حيث لا وطن لهم ولا مستقر؟ ألم ينطلقوا من بيوتنا فيها إلى بيوتنا في لبنان فقتلوا الحياة، وخربوا الحضارة.. ولا يزالون يصبون عليها قنابلهم وقذائفهم كل حين؟ أليس أهلنا في الصومال يموتون جوعا.. كـما لا يموت أحـد في هـذا القرن العشرين.. ثم يتقـاتل زعماؤهم بينهم لتزداد المجاعة، ويعم الخراب وتموت مئات جديدة من الآلاف؟ أليس رجالنا يقتلون ويعـذبون ويطردون.. ونساؤنا يغتصبن ويقتلن.. في قلـب أوربا التي تـرفع أعـلام الحضارة وتملأ الدنيا بكلام كثير لا ينقطع عن حقوق الإنسان؟ المسلمون والحزن الصامت أليست الجفوة والمخاوف المتبـادلة والتربص عبر الحدود قائما بين شعوب عربية مسلمة في إيران والعراق وسائر دول الخليج؟ أليس بأسنا بيننا شديدا على امتداد أقطارنا؟!.. وقد أمرنا ربنا أن نكون أشداء على الكفار رحماء بيننا، فوضعنا الندى في موضع السيف، ووضعنا السيف في موضع الندى.. ولكننا- من وراء ذلك كله- نسمع في يوم عيدنا نداء النبي (صلى الله عليه وسلم): استعن بالله ولا تعجز وخير ألف مرة من الحزن الصامت المكتوم أن نـمارس الفرحـة، وأن نمارس معها التمرد على الواقع الحزين.. ولنجعل من ثمرات صيامنا وقيامنا في شهر القرآن أن نبيع أنفسنا لله، وأن نسمـع النـداء المتـردد من بيـت الله الـحرام إلى المسجـد الأقصـى الـذي بـارك الله حـوله.. نـداء " واإسلاماه " وليكن مع صدى هـذا النداء يوم العيد أن نقول: لبيك ربنا لبيك.. تلبية صدق وعمل وبيعة على الجهاد.. قبل أن يأتي عيد ولا عيد، وتقام مراسم الزينة على ساحة من الخواء.. ولنجعل فرحتنا في هذا العيد فـرحتين فـرحـة رضـا وشكـر على نعمـة الله علينا في رمضان الذي نودعه، وفرحة أمل معقود على بذل بغـير حدود.. وعطاء لا يعرف النفاد.
|