كتاب الشهر: القارة السابعة في زمن الموارد ديبورا شابلي

كتاب الشهر: القارة السابعة في زمن الموارد

عرض: رجب سعد السيد

يحاول هذا الكتاب أن يجيب عن سؤال واحد: ما الذي سيحدد ملامح المستقبل للقارة القطبية الجنوبية. سابع قارات الأرض والوحيدة بينها التي لم ينل منها- بعد- غول التلوث واستنزاف الموارد الطبيعية؟

مـؤلفة هذا الكتاب (ديبورا شابلي) صحفية تكتب في أكثر من مجال: الشؤون العامة، تبسيط العلوم، الأمن القوفي الأمريكي، وتحاضر في مركز جامعة جورج تاون للدراسات الاستراتيجية والعالمية. ويغطي هذا الكتاب- كما سنرى فيما يلي- كل اهتمامات المؤلفة، فهو مزيج من الشؤون العالمية العامة، والكتابة العلمية التي تخاطب القارئ العادي- كما تفيد الباحث المتخصص في الوقت نفسه- ومناقشة لمسألة حيوية تمس الأمن القومي الأمريكي. فالقارة القطبية الجنوبية تمثل في هذا الصدد مخزونا هائلا للموارد الطبيعية.

يحمل الكتاب عنوانا له مغزاه: القارة السابعة. . أنتاركتكا في زمن الموارد. ويتأكد هذا المغزى إذا علمنا أن دار النشر التي تلقفت هذه الدراسة لتقدمها لنا، اسمها: مصادر للمستقبل.

إن قضية الموارد الطبيعية هي المفتاح إلى رسم صورة مستقبل هذه القارة البكر. تـؤكـد على ذلك مؤلفة الكتاب، وهي تتتبع- خلال فصوله- تاريخ هذه القارة منذ المحاولات الأولى لاستكشافها وارتيادها، مرورا بفترة النشاط العلمي العالمي المكثف المعروفة في تاريخ القارة باسم (العام الدولي للدراسات الجيوفيزيقية)، وهي فترة امتدت لأكثر من عام، شهدت خلالها القارة الجديدة اهتماما علميا تمثل في العديد من الأبحاث والدراسات الجيولوجية والفيزيقية، قامت بإجرائها مجموعات من العلماء من مختلف الجنسيات بغرض التعرف على طبيعة القارة الجليدية.

صراع على القارة

وفي تقديمه للكتاب، يقول مدير قسم الطاقة والمواد في دار النشر التي أصدرت الكتاب، إنه دراسة شاملة جـاءت في وقت تتصارع فيه أمم عديدة لإيجاد وضع قانوني لاستغلال موارد هذه القارة التي يحلو للبعض أن يشير إليهـا على أنها إرث عـام للبشريـة. ومن غير الصعب أن تشعر بالتهكم الواضح في العبارة الأخيرة.

ويعود مقدم الكتاب فيشير إلى أن ثمة نغمة تسري عند الحديث عن شؤون القارة السابعة هذه الأيام، وهي الملكية العامة للقارة. لقد تجدد الاهتمام بالقارة القطبية الجنوبية ومواردها الطبيعية البكر هذه الأيام. إن ذلك يرتبط بسؤال مهم جدا، هو: من يملك السيادة على أرض القارة الجليدية؟. إننا نقترب من نهاية القرن العشرين، وقـد تخطى البشر في سعيهم إلى الموارد الطبيعية الجديدة، حدود الكـوكب، فامتدت أنشطتهم ومساعيهم إلى الفضاء الخارجي، وتبقى القارة القطبية الجنوبية لم تمس تقريبا، ولا يكاد النشاط الآدمي فيها يتعدى حدود الدراسات الحقلية والبحث العلمي.

تقول المؤلفة في مقدمة الكتاب: إن الهدف من هذا الكتاب هو تقديم تصور شامل لوضع القارة السابعة بالنسبة للشؤون العالمية في الوقت الحالي. لقد شهد عقد السبعينيات اهتماما كبيرا بالقارة، والمتوقع أن يتزايد هذا الاهتمام خلال عقد التسعينيات.

تشابك الصراع السياسي

ويضم الكتاب ثمانية فصول:

تعطي المؤلفـة في الفصل الأول وصفـا مختصرا لجغرافية القارة، وسردا سريعا لتاريخها، ثم تبدأ المؤلفة في تناول القضايا المختلفة المتصلة بالقارة السابعة في الفصول من الثاني حتى الثامن.

وتعـرض المؤلفـة في الفصل الثـاني للـروابط بين الولايات المتحدة الأمريكية والمنطقة القطبية الجنوبية. وترى أن ذلك ضروري لتفهم قيمة الصوت القوي الذي كان للولايات المتحدة الأمريكية في كل ما تم من جهود دبلوماسية متصلة بقضايا القارة.

وتعتمد المؤلفة في هذا الفصل على الوثائق الأصلية الموجـودة في القسم القطبي بالسجـلات القـومية الأمريكية. وفي هذا الفصل يتأكـد اختلاف هذه الدراسة عن سابقاتها التي انصبت على حكـايات المغامرين والمستكشفين والكتب المصورة للحياة البرية وللطبيعة في القارة. إن التوجه في هذا الكتاب سياسي بالدرجة الأولى. وتشير المؤلفة إلى أن موضوع ( الأرض) هو المبحث الأساسي في قـائمة اهتمامات الـولايـات المتحدة الأمريكيـة بـالقارة في الماضي والحاضر والمستقبل، وهي تغطي هذا المبحث بالمناقشة من وجهة نظر الدبلوماسية الأمريكية والأمن القومي الأمريكي.

أما الفصلان الثالث والـرابع، فإنهما يصفان نشأة ونمو العمل السياسي المتصل بأوضاع القارة السابعة، ووجهة نظر المؤلفة حـول تشابك المفاهيم السياسية المتصارعة التي عملـت على إضعاف قيمـة وكفاءة معاهدة الانتاركتكا. وتعتمد المؤلفة في مناقشـة هذا الموضـوع على أوراق لم تنشر بعـد، وهي محاضر الجلسات التي شهدت المفاوضات بين الدول الموقعة على تلك المعاهدة.

والمعروف أن معاهدة القارة القطبية الجنوبية قد أبرمت في عام 1959 بـين 16 دولة، هي: الأرجنتين، أستراليا، بلجيكـا، البرازيل، شيلي، ألمانيا، فرنسا، الهند، اليابان، نيوزيلندا، النرويج، بـولندا، جنوب إفريقيا، الاتحاد السوفييتي، إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية.

وقد اشتملت المعاهدة على بعض البنود المهمة، منها: الاستخدام السلمي للقارة- حرية البحث العلمي وتبادل المعلومات حـول القارة- عدم الاعتراف بادعاءات الملكية الحالية، وعدم السماح بادعاءات أخرى في المستقبل- حظر التفجيرات النووية ومنع استخدام القارة كمستودع للنفايات النووية، بالإضافة إلى بعض الأحكام التنظيمية.

وترى المؤلفـة أن تلك المعاهدة ولـدت ضعيفة قاصرة، وهي ترد هذا الضعف وبعض أوجـه القصور فيها إلى التحسب لظروف التوتر السياسي بين بعض الدول التي لها أطماع في القارة، وإلى حرص المشاركين في التوقيع على المعاهدة على تحقيق التوازن السياسي بما يضمن للمنطقة البقاء في أمان وسلام.

وتتساءل المؤلف: إلى أي مدى سيظل هذا التوازن قـائما؟ وهل ستبقى الدول النـامية بعيـدا، أم أنها ستسعى إلى أن يكـون لها نصيبها في القارة الجنوبية، اعتمادا على أحكام قانون البحار؟

وتعتقد المؤلفة أن تلك المعاهدة، برغم القوى السياسية التي تدعمها وتوليها اهتماماتها، يجب أن تخضع لعملية تطوير لتتناسب ودخـول العديد من الـدول والمؤسسات والتنظيمات إلى دائرة الاهتمام بالقارة القطبية الجنوبية. إن هذا التطوير- في رأيها- يضمن لها استمرار الفعالية.

وتحلل المؤلفة سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في تأمن استقرار المنطقة، وتقدم توصياتها الداعية إلى التأكيد على الدور القيادي للولايات المتحدة الأمريكية في إدارة شؤون تلك القارة البعيدة.

الموارد الطبيعية والحية

وفي الفصلين الخامس والسادس، وصف للموارد الطبيعية الحية والتعدينية في القارة. وفيهما إشارات إلى بعض الاتفـاقيات التي تمت بين بعـض الـدول في السبعينيات من هذا القرن لاستخدام الأقمار الصناعية للتحكم في أنشطة صيد الحيتان وغيرها من الثدييات البحرية، بالإضافة إلى المنتجـات البحرية الأخرى، ومن أهمها (الكريل) وهو نوع من القشريات البحرية غني بالبروتين، وتشتهر المياه المحيطة بالقارة القطبية الجنوبية بإنتاجه بغزارة.

أما الموارد التعـدينيـة، فترى المؤلفة أنها ليست كالأسماك طليقة في مياه المحيط، متاحة لمن يرمي شباكه أولا، كما أنها ليست قادرة على تجديد تجمعاتها ومخزونها. فالمعادن تكمن في باطن الأرض المغطاة بجبال الجليـد، ويصعب تحديـد ملكيتهـا، بل إن استغلالها يكـاد يكـون مستحيلا بوسائل التعدين التقليدية المعروفة حاليا.

وتعود المؤلفة في الفصل السابع إلى قصة الولايات المتحـدة الأمريكية والقارة، حيث تعرض للبرامج العلمية التي نفذها الأمريكيون، أو يضعونها حاليا من أجل رسم صورة متكاملة عن طبيعة القارة. ويتضمن هذا الفصل أيضا مناقشة لبعض الخيارات السياسية الأمريكية تجاه القارة في المستقبل.

وفي الفصل الثامن، تتعـرض المؤلفة لاهتمامات بعض دول العالم الثالث، مثل الهند وماليزيا، بالإضافة إلى الجماعات والمنظمات العـالميـة والأمم المتحـدة وحركات أنصار البيئة بالقارة السابعة. وكلها يطالب بأن يكون له صوته فيما يختص بشؤون القارة.

الأفق الجديد

وبالرغم من أن القارة السابعة قد حظيت- كما سبق أن أشرنا- بالعديد من الدراسات، وألف عنها الكثير من الكتب، إلا أن هذا الكتاب يعد أول محاولة تحليلية جادة تحيط بالعوامل التاريخية والقانونية والتقانية والسياسية التي تجعل من القارة السابعة أفقا جديدا. وأخيرا يواجه العالم كله بالتحـدي المتمثل في هذا السؤال المركب الذي تطرحه المؤلف:

هل نتوقع بعض النتائج البيئية الخطيرة يتسبب فيها النشاط القائم الآن، والآتي مع المستقبل لاستغلال الموارد الطبيعية في مياه القارة القطبية الجنوبيـة، وفوق رصيفها القاري، وعلى القارة نفسها؟ وهل تكفي المعاهدات والاتفاقيات القديمة لصون هذا المكـان الوحيد النظيف في عالمنا؟.

 

ديبورا شابلي







ديبورا شابلي





غلاف الكتاب