سيارة المستقبل: أحلام تجري في شوارع الغد عزت عامر

سيارة المستقبل: أحلام تجري في شوارع الغد

سيارة المستقبل، ستكون إجابة متطورة على متناقضات عالم السيارات، ففي سوق تصل فيه المنافسة إلى أقصاها، وفي مواجهة الشروط الدولية لمنع تلوث البيئة، تعيد صناعة السيارات تطوير نفسها في كل المجالات، ابتداء من المواد المستعملة، والأبحاث، ونظم تشغيل المصانع، وأساليب الدعاية ومتطلبات السوق، وتقلبات أذواق المستهلكين، وحتى خدمة السيارات وإصلاحها فيما بعد البيع.

ستشارك في صناعة سيارة المستقبل عناصر عديدة، تتسابق منذ الآن بسرعات قصوى لرسم ملامح تلك السيارة التي ستواجه تحدي بداية القرن الواحد والعشرين، فأعلى المنجزات العلمية الحديثة قد وضعت منذ زمن في متناول صانعي السيارات، فالكيمياء تبحث عن بدائل جديدة للوقود، وتطور المواد المستخدمة في صناعة السيارات، بهدف تخفيف الوزن، وعلوم الميكانيكا والإلكترونيات التي تبدأ من وحدات التصنيع والتجميع، باستخدام الروبوت والنظم الأوتوماتيكية المعقدة، وتصل إلى تطوير غرف الاشتعال داخل المحرك، واستبدال نظم كهرباء السيارة بالوحدات الإلكترونية، وعلم الإيروديناميك بتصميماته الجديدة لانسيابية جسم السيارة.

ونتعرض هنا لبعض عناصر التجديد المهمة في مجال التطورات الجارية والمرتقبة في عالم السيارات.

حاسب إلكتروني متعدد الوظائف

وصل التطور في عالم السيارات إلى ما يشبه الانقلاب الصامت، حيث خلق التراكم الكمى المتتالي للابتكارات التقنية الحديثة تغيرا كيفيا، أدى إلى تغيير شامل في تقنية السيارة، وفي تحديد الأعطال وإصلاحها، حتى صار من الصعب على العامل غير المؤهل أن يتصدى بخبراته التقليدية لإصلاح السيارات الحديثة، وصارت هذه المهمة ملقاة على عاتق فنيين متدربين على استعمال أجهزة إلكترونية حديثة.

فالسيارات التي تعمل بالحقن الإلكتروني للوقود مثلا، قد أثبتت مزاياها العديدة عن نظام "الكربراتير" التقليدي، حيث تسمح بمزيد من الدقة في إنتاج نسب خلط وقود مناسبة لأحوال الأداء المختلفة للمحرك، فتقلل بذلك من استهلاك الوقود، خاصة بعد تصاعد موجة المحافظة على البيئة عالميا، وبعد أن صدرت القوانين في عديد من الدول باستعمال البنزين الخالي من الرصاص، وتجهيز الشكمانات بأجزاء تعالج غازات العادم ( Catalyseur) من أول أكسيد الكربون والهيدروكربونات حتى أكاسيد النتروجين.

في هذا الإطار يمكن فهم القرارات الصادرة من السوق الأوروبية المشتركة، بخصوص السيارات المستخدمة في أوروبا، فبجانب قرار جعل تجهيزات معالجة عادم الغازات الملوثة إجباريا، صدر قرار بوقف إنتاج السيارات التي تعمل بالكربراتير للسوق الأوربية وذلك اعتبارا من أول يناير 1993.

وواكب نظام الحقن الإلكتروني للوقود، التحكم الإلكتروني في نظام الاشتعال، حيث يقوم بهذه الوظائف حاسب إلكتروني يتم تغذيته ببيانات عن طريق مجسات وأجهزة حساسة، تقيس سرعة دوران المحرك، ووضع "الكرنك"، ونسبة الخليط الداخل إلى الأسطوانات قبل الحريق، ونسبة الأكسجين في العادم، ودرجة حرارة الهواء الداخل إلى المحرك، ودرجة حرارة المياه التي تحدد الحالة الحرارية للمحرك.

ويستخدم الحاسب الإلكتروني كل هذه البيانات، لتحديد ترتيب وقيم الأوامر التي يصدرها إلى الأجهزة المختلفة المتحكمة في أداء المحرك، فيتحكم في ترتيب وتوقيت الشرارة داخل أسطوانات المحرك، وكذلك نسب الخلط، وتوقيت وترتيب وقوة الحقن، وبالإضافة إلى ذلك يقوم الحاسب الإلكتروني بتبليغ قائد السيارة بوجود مشاكل في أداء المحرك عن طريق المبينات الضوئية في تابلوه السيارة.

الطريق المناسب للسيارة الذكية

تزداد نسبة الدورات والأنظمة الإلكترونية في السيارة، حتى صار متوقعا نقل أكبر قدر ممكن من الذكاء الاصطناعي إلى تقنيات أداء السيارة، وما يلزم ذلك من تغيير في طبيعة وتجهيزات الطرق، لتساعد السيارة على اكتساب مزيد من الأمان.

في هذا الإطار اشتركت أربع عشرة شركة أوربية منتجة للسيارات في برنامج موحد للأبحاث، سمي ببرنامج بروميسيوس Prometheus لتقييم التجديدات المزمع إجراؤها في مجال السيارات، وكانت إحدى ثمار هذا البرنامج توصيل السيارة بإشارات، تأتي إليها على هيئة معلومات من الطريق بواسطة أشعة تحت حمراء أو موجات صوتية،. تعطي علامة أمام السائق "توقف" أو "منحنى خطر"، ويتم ذلك بتحويل المعلومات إلى رموز عن طريق مستقبل داخل السيارة، وباستقبال بيانات عن سرعة ووزن السيارة وحالة الفرامل، يتلقى حاسب إلكتروني هذه البيانات، ويعطي إشارات ضوئية أو أرقاما في تابلوه السيارة، بل ويعطي إشارة صوتية في حالة الأخطار المتوقعة، فإذا لم يستجب لها قائد السيارة، فإن الحاسب يصدر أمره للفرامل الأتوماتيكية بالتوقف.

وفي نظام أشمل بمراكز ثابتة تخدم السيارات تقوم شبكة ألمانية للمعلومات بإعطاء البيانات المطلوبة في مدى 3000 كم، مستعينة بمحطات صغيرة تنتشر على جوانب الطرق، وتعطي الشبكة طوال وقت البث صورة حية عن طبيعة مرور السيارات في المنطقة، ومن خلالها تصل إلى سائق السيارة بيانات تساعده على تجنب، الأماكن المزدحمة.

مرشد سياحي إلكتروني

تم تنفيذ نظام إلكتروني في اليابان، لم ينتشر بعد نظرا لتكلفته العالية، عبارة عن شاشة بالألوان تعطي بيانات رقمية أثناء السير، بعد أن يكون قائد السيارة قد بين موقعه الذي بدأ منه، وهدف رحلته، والأماكن السياحية التي يختارها على الطريق، ويعرض الجهاز خريطة للمنطقة، محددا أيضا بها موقع السيارة وقت عبورها، ويوضح الاتجاه عند كل تشعب للطريق، وينصح أيا بالطرق المختصرة والبديلة.

امتصاص صدمات الطريق إلكترونيا

تمنع الأجزاء الممتصة للصدمات انتقال عدم استواء الطريق إلى جسم السيارة على شكل اهتزازات، وكان مصمم السيارة يجد نفسه دائما أمام طرفي نقيض، فإما اختيار ممتص صدمات مرن (لضمان راحة الركاب) أو استخدام ممتص صدمات متين الضمان الاتزان على الطريق، وبالتالي ضمان أمان الحركة) حتى أمكن أخيرا الحصول على الميزتين معا، بواسطة تجهيز السيارة بحاسب إلكتروني، يتلقى عددا من البيانات، ويصدر عددا من الأوامر، وذلك للمحافظة على الامتصاص المستمر للصدمات في كل أحوال الطريق بمساعدة عدد من المجسات الكهربائية، تعطي للجهاز الإلكتروني بيانات عن سرعة السيارة، والضغط على الفرامل، ووضع التعجيل (الاكسلاتير)، ومجسات في العجل لمعرفة حالة الطريق، وميل السيارة في المنعطفات، وبمساعدة كل هذه المعطيات، يمكن للجهاز الإلكتروني تحديد درجة المرونة المناسبة لممتصات الصدمات، ويتم تغيير هذه المرونة خلال عدد من الميللي ثانية.

أمان ضد الحوادث

تهتم شركات صناعة السيارات دائما بتحسين أمان السيارات بكل الطرق، فبالإضافة إلى أحزمة الأمان، والقربة الهوائية، و الفرامل الأتوماتيكية، والزجاج الذي لا يتناثر عند الاصطدام، يتم بشكل مستمر إجراء تجارب معملية لحالات تصادم فعلي، ودراسات ميدانية لحوادث الطرق في السرعات وزوايا الاصطدام المختلفة، وتم بناء على ذلك تصميم أجزاء ميكانيكية خاصة لامتصاص الصدمات، وتصميم مقدمة السيارة بطريقة وأنواع مواد تسمح لها بامتصاص أكبر قدر من طاقة الاصطدام.

وتم تصميم جهاز القربة الهوائية لحماية قائد السيارة، حيث تخرج من عجلة القيادة بعد 45 ميللي ثانية من الحادث، لحماية رأسه وصدره من الاصطدام بعجلة القيادة و"البرابريز" الأمامي، وذلك بأن يستقبل حاسب إلكتروني الإشارات الكهربائية القادمة إليه من أجزاء حساسة للحركة، مركبة على جانبي مقدمة السيارة، ثم يقوم بإرسال إشارة إلى كبسولة غاز ليندفع الغاز داخل القربة، نافخا إياها لتخرج القربة من مكمنها ولتكون حائلا بين جسم السائق وعجلة القيادة.

الفرملة الأتوماتيكية

لمنع آثار الفرملة المفاجئة في السرعات العالية، وعدم السيطرة على السيارة خاصة في الطرق المبتلة، تم تصميم أجهزة مثل نظام الفرامل ABS وهو نظام ذو مجسات تعطيه بيانات عن سرعة السيارة وقوة الفرامل، ويمكنه التحكم في الفرامل ليجعلها تعمل جزئيا بطريقة متقطعة تحافظ على استقامة اتجاه السيارة واتزانها وعدم انزلاقها جانبيا أو دورانها.

السيارة تدخل عصر المواد البلاستيكية المركبة

لن يتوقف زحف المواد البلاستيكية لتحل محل نظائرها من المواد المعدنية في السيارة، فإغراء استخدام المواد البلاستيكية لا يأتي فقط من أهمية تقليل وزن السيارة، بل يرجع أيضا إلى سهولة تشكيل البلاستيك في أشكال تسمح باستخدام أقل حيز ممكن، وفتح الباب أمام الاستغناء عن مواد عديدة، كانت تتسبب في تعاظم عدد الأجزاء المكونة للسيارة، فقد أعلنت كل من شركتي "نيسان" و"تويوتا" عزمهما على تقليل عدد أجزاء السيارة بنسبة 30%، مما يعكس الضرورة الاقتصادية لزيادة سرعة التجميع، وسهولة توفير قطع الغيار، والتسهيلات المرتقبة في مجالي الصيانة والإصلاح، ولم تتوقف استعمالات البلاستيك في السيارات عن الزيادة المستمرة منذ ثلاثين عاما، فتدرجت من نسبة مئوية صغيرة إلى نسبة بين 10 إلى 12% من الوزن الكلي للسيارة، وستصل إلى نسبة 15% خلال عدة أعوام.

السيارة الكهربائية

الحلم الأخضر، بعد الموجة العالمية لحملات المحافظة على البيئة، وهي سيارة لا بد أن تستجيب أيضا لمتطلبات المستهلكين المتوافرة في السيارة العادية، وتبقى دائما مشكلة البطاريات، رصاص/ حامض، نيكل/ كادميام، فالنوع الأخير مثلا يتم إعادة شحنه بعد 8 ساعات من الاستعمال في السيارات الصغيرة، ويتم الشحن بجهاز خارجي لمدة ساعتين.

وتسير السيارة بسرعة قصوى 120 كم/ ساعة، لكن الفكرة قد أوحت بإمكان استخدام النظامين معا، النظام العادي والنظام الكهربائي، ففي إيطاليا أتوبيس يستعمل الكهرباء والديزل معا، فيعمل المحرك الكهربائي في المدينة حيث الازدحام على أشده وتشغل بطارياته حجما يبلغ 2 م 3، وفي الطرق خارج المدن، يتم تشغيل محرك الديزل الذي يقوم أيضا بشحن البطاريات.

أحلام سوف تجري في شوارع المستقبل

قد يحتاج ابتكار نموذج Prototype جديد لسيارة عدة سنوات، حيث يدخل في ميدان الأبحاث والتجارب، بعد أن يكون قد استقر الأمر على المكونات الميكانيكية المتطورة للسيارة الجديدة، ويتم إدخال كل البيانات في أجهزة الكمبيوتر للحصول على عدد من التصميمات المقترحة التي قد تصل في مرحلة التنفيذ إلى أكثر من نموذج تجرى عليها اختبارات إلكترونية، ثم تجربة طريق، ليستقر الاختيار على النموذج النهائي.

 

عزت عامر







نموذج HP-X تصميم شركة هوندا اليابانية





بعد 40 ميللي ثانية تخرج القربة الهوائية من مكمنها لحماية رأس وصدر السائق





بيانات الكترونية لمتابعة أحوال الطرق





المواد البلاستيكية تزحف إلى مكونات السيارة





الحاسب الألكتروني يقوم بوظائف عديدة





زووم