كيف نصيد الطاقة في البحار والمحيطات؟ خالد خضير

كيف نصيد الطاقة في البحار والمحيطات؟

تغطي الميا، نحو سبعين في المئة من مساحة الكرة الأرضية، وهذا المسطح الهائل مخزن لا نهائي للطاقة كفيل إذا أمكن استغلاله بحل كثير من المشاكل العالمية بيسر. تشكل للشمس المورد الوحيد للطاقة الكامنة في المحيطات. فهذا الكوكب المنير هو المصدر الأول شبه الوحيد للطاقة الموجودة على سطع كرتنا الأرضية. وترسل الشمس عبر أشعتها نحو 120.000 تيراواط. - التيرا Tira تعادل مليون ميجا - من الطاقة سنويا إلى الأرض، أي ما يعادل 12 ألف مرة من احتياجات العالم من الطاقة التي تعادل نحو 10.000 مليون طن من الفحم.

وعندما يأتي ذكر الطاقة المولدة عن الماء يتبادر للذهن فورا السدود المائية المسؤولة عن توليد خمس احتياجات العالم عن الكهرباء، لكن هذه المقالة معنية بتوليد الكهرباء من نوع آخر من المياه الجارية لا يسقط من المنحدرات كما هي الحالة في السدود.

يحكم كمية الطاقة المتولدة عن جريان المياه عاملان رئيسيان، هما كمية المياه المتحركة ومسافه سقوطها، وهذا العامل الأخير هو الأهم في حالة السدود المائية. وتقول النظرية إن كمية كبيرة من الماء تسقط من مسافة جد صغيرة تولد نفس المقدار من الطاقة الناتج عن سقوط كمية صغيرة من الماء من ارتفاع كبير، ومن هنا نشأت فكرة توليد الطاقة عن أمواج المحيطات والبحار وحركة المد والجزر.

وينبغي أن نشير في عجالة هنا إلى تقنية ثالثة لاستخراج الطاقة من المحيطات والبحار تعتمد على فرق درجات الحرارة بين مستوى سطح الماء وبين الأعماق.

بموازاة خط الاستواء على سبيل المثال تبلغ درجة حرارة السطح نحو 27 درجة مئوية، وعلى عمق 100 متر من نفس النقطة تصل درجة الحرارة إلى أربع درجات مئوية. وفي دائرة ديناميكية حرارية thermodynamic مغلقة فإن الماء الدافئ سينقل حرارته إلى أي مائع ذي درجة غليان أقل من الماء مثل الأمونيا أو الفريون، وهذا المائع يمكن نقل طاقته لتوربينة غازية تولد حركة ميكانيكية، ثم يجري تكثيف البخار بفعل الماء البارد في الأعماق لتكتمل الدورة.

ولكن مقالتنا هذه ستركز على الطاقة المستخرجة من حركة الأمواج والمد والجزر.

الكهرباء الأمواج

تشير الدراسات إلى أن الطاقة الحركية الكامنة في الأمواج في العالم تبلغ نحو ثلاثة تيراواط، وإن كان استغلالها الممكن فنيا واقتصاديا مقصورا على أماكن محدة في العالم.

وليست الطاقة المستمدة من الأمواج بالاختراع الجديد، إذ صممت مئات من ماكينات الأمواج في المئتي سنة الماضية. وعلى سبيل المثال منحت بريطانيا 340 براءة اختراع لماكينات تحصل على طافة ميكانيكية عن حركة الأمواج بين عامي 1856 و 1972.

في عام 1986 قدمت النرويج - وهي دوله غنية بمصادر الطاقة من المساقط المائية إلى النفط والغاز الطبيعي - أول مولد اقتصادي للكهرباء من الأمواج.

وقدمت النرويج نموذجي أبحاث بلغت قدرتهما معا 850 كيلو واط.

والنموذج الأول عبارة عن خزان مساحته نحو 5.500 متر مربع متصل بالبحر عن طريق قناة مخروطية طولها 90 مترا وفتحتها الصغرى ناحية الخزان. وتدفع الأمواج المياه داخل القناة بمعدل تدفق يجعل منسوب الماء داخل الخزان أعلى من البحر بثلاثة أمتار. وعند عودته للبحر يمرر الماء على توربينة مائية hydraulic turbine لتوليد الكهرباء.

والنموذج الثاني يدعى عمود الماء البندولي oscillating وهو عبارة عن أسطوانة مجوفة توضع رأسية في البحر، وعندما يرتفع الماء بتأثير الأمواج داخل العمود المجوف يندفع الهواء المحتجز إلى توربينة غازية فتدور، وعندما تهبط الموجة تسحب معها كما من الهواء من الجو عبر العمود المجوف فيمر الهواء هنا عبر نفس التوربينة التي تدور في اتجاه واحد بغض النظر عن مسار الهواء لأعلى كان أم لأسفل.

وأدى نجاح النموذجين وسهولة مشاهدتهما، إذ تم تركيبهما على بعد 50 كيلو مترا من مطار دولي في النرويج، إلى إقبال دول أخرى على شراء وحدات منهما. وقد تعاقدت البرتغال وإندونيسيا بالفعل على شراء وحدات لتوليد الطاقة بهذه الطريقة.

وتواصلت الأبحاث في دول أخرى ووصلت إلى المستوى العملي في عدد منها، لعل أبرزها اليابان التي تمد عدة مئات من الشمندورات البحرية بالطاقة اللازمة للإضاءة والتشغيل عبر مولدات من حركة الأمواج.

الكهرباء من المد والجزر

والاستفادة من حركة المد والجزر هي الأخرى ليست بالجديدة، فمنذ القرن الحادي عشر استفاد سكان سواحل أوروبا وأميركا الشمالية منها في تدوير طواحين الغلال، ولكن تحويل هذه الطاقة المجانية المصدر إلى كهرباء لم يلفت الباحثين سوى في العقود الأخيرة.

تقوم النظرية الرئيسية لتوليد الطاقة من المد والجزر على إقامة سد عبر فتحة خزان على الشاطئ، وعندما يعلو مستوى سطح البحر مع المد تفتح بوابات تسمح بمرور المياه للداخل، فقط، وبعد وصول المد إلى ذروته تغلق البوابات ويوجه الماء الخارج من الجزر عبر ممر يؤدي إلى توربينة مائية.

وتتناسب الطاقة المولدة من قوة المد والجزر مع مربع مساحة احتجاز المياه، ولذا فإن مدا يغطي ثلاثة أمتار مربعة يولد تسعة أمثال الطاقة المستمدة من مد يغطي مترا واحدا.

مازالت طاقة الأمواج والمد والجزر في طور الأبحاث بصورة عامة، ولكنها دخلت في بعض المناطق إلى ساحة الاستغلال الاقتصادي التجاري.

وفي شمال فرنسا في مصب La Rance توجد محطة تعمل بقوة الأمواج قدرتها 240 ميجا واط ( الميجا Miga تساوي مليون وحدة) وقد ظلت أكبر محطة لتوليد الكهرباء من طاقة المد طوال عقدين من الزمان وتعمل هذه المحطة الآن بصورة تجارية.

وفى الصين محطة طاقتها 10 ميجا واط تعمل مع شبكة الكهرباء الموحدة منذ عام 1986 وفي مورمنسك في روسيا محطة أبحاث صغيرة طاقتها 400 كيلو واط.

وفي بريطانيا يفكر العلماء في استغلال مصب سيفرن Severn Estuary في مشروع ضخم لتوليد الطاقة من المد والجزر ، بامتداد 16 كيلو مترا، بتكلفة تبلغ نحو أربعة بلايين دولار. ويحوي المشروع المقترح 192 مولدا تنتج 7000 ميجا واط من الكهرباء، أي نحو 5 % من احتياجات هذا البلد من القدرة الكهربية بمطلع القرن الحادي والعشرين.

وأثبت مسح للمواقع المقترحة في العالم أن نطاق المد الأدنى اللازم لتوليد طاقة مجدية اقتصاديا يتراوح بين ثلاثة وخمسة أمتار. ولذا فإن أكثر المواقع جاذبية على سطح الأرض يقع في خليج فوندي Fundy Bay في كندا حيث يبلغ مدى المد بين 10 إلى 12 مترا.

وتدرس كندا الآن مميزات وعيوب بناء محطات تزيد طاقتها على 1000 ميجا واط في هذا الخليج.

سلبيات طاقة الماء الحركية

أهم سلبيات الطاقة المنتجة من المد والجزر حال استغلالها على نطاق تجاري واسع هو انخفاض متوقع لمعدل المد، مما قد يؤدي إلى جفاف جزء من محيط الخليج المقامة فيه المحطة. وقد يقلل هذا من تدفق تيارات المد.

كما قد يؤدي بناء محطات ضخمة إلى تغير في منسوب البحر. وتقول دراسات كندية حول خليج فوندي إن مناسيب البحر قد تتغير جنوبا حتى رأس كيب كود Cape Cod في ولاية ماساتشوستس أقصى شمال الولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى احتمال انقراض أنواع من الأسماك المهاجرة.

والمشكلة الثانية هي الطبيعة الدورية للمد والجزر ، إذ إن أكثر محطات هذا النوع من، الطاقة اقتصادية لا تمنح طاقة إلا في أوقات انحسار المد.

ليس من غير المجدي أن نلحق بسلبيات الطاقات المتجددة الأضرار الماثلة أمامنا من الاعتماد المطلق على المصادر التقليدية.

يؤدي احتراق الوقود النفطي إلى انبعاث 4.5 بليون طن من الكربون في الهواء كل عام، كما يتسبب اقتلاع الغابات لاستغلال أشجارها في الحصول على الطاقة واستغلالات أخرى في إخراج نحو 2.6 بليون طن أخرى من الكربون، ولذا فإنه ليس بالغريب أنه منذ عام 1960 حتى عام 1988 زاد تركيز ثاني أوكسيد الكربون فى الهواء بنسبة 9% .

وهذا الأوكسيد سيئ السمعة مسؤول بصورة رئيسية عما يعرف بأثر الصوبات الزجاجية، وهو ارتفاع درجة حرارة الأرض.

 

خالد خضير






كيف نصيد الطاقة في البحار والمحيطات؟





من البحار يمكن اصيطاد طاقة هائلة نفيسة كالذهب الكامن في الأعماق