أسيموف: رحيل أشهر كتاب الخيال العلمي رؤوف وصفي

أسيموف: رحيل أشهر كتاب الخيال العلمي

في شهر أبريل الماضي، رحل أسيموف، وهو أحد ثلاثة كتاب يطلق عليهم عمالقة الخيال العلمي الحديث، بقي منهم على قيد الحياة راي برادبوري وأرثر. سي. كلارك. لكنه كان بينهم الأشهر والأغزر.

يعد إنتاج أسيموف وافرا شديد الخصوبة، إذ ألف ما يقرب من أربعمائة كتاب ومئات المقالات، وبعيدا عن قصص وروايات الخيال العلمي التي حققت له شهرة عالمية، فإنه كتب أيضا روايات بوليسية وكتبا تاريخية ومعجما للسير وموسوعات ثقافية وكتبا دراسية وأكاديمية وقائمة ضخمة من الكتب في مجالات علمية متعددة علاوة على سيرته الذاتية بقلمه من جزأين.

أسيموف والخيال العلمى

يرى كثير من النقاد أن اسم "اسحق أسيموف" ومصطلح "الحيال العلمي" مترادفان، والحق. أن أسيموف هو الخيال العلمي، ونقاط ضعفه وقوته هي نفس نقاط ضعف وقوة أدب الخيال العلمي ذاته، ورغم أنني لا أعتقد في صحة هذا الرأي في أيامنا هذه، إلا أنني أظن أن ذلك كان صحيحا في الفترة ما بين عام 1941 عندما أصدر قصة "هبوط الليل" NIGHT FALL وعام 1959 عندما كتب مجموعته القصصية "أيام الغد التسعة" Nine Tomorrws ولد أسيموف في بلدة بتروفيش جنوب غرب موسكو بروسيا، في 2 يناير عام 1920، ثم هاجر مع والديه إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهو في الثالثة من عمره، ونشأ في بروكلين حيث ذهب إلى المدرسة الابتدائية، وفي الثامنة من عمره حصل على الجنسية الأمريكية، وساعدته ذاكرته الجبارة على إنهاء دراسته الثانوية قبل أن يبلغ السادسة عشرة، ثم التحق بجامعة كولومبيا وقرر أن يصبح كيميائيا ، وفعلا تخرج في قسم الكيمياء حصل على الدكتوراة عام 1949، وتأهل كمدرس في الكيمياء الحيوية بكلية الطب جامعة بوسطن ، ثم أصبح أستاذا مساعدا عام 1955 يقوم بالأبحاث عن الحامض النووي. لكن ضغوط الأبحاث في الكتابة في مجال الخيال العلمي ، ومن ثم فقد تقاعد في عام 1958 وتفرغ للتأليف لكن مع بقاء علاقته بالجامعة.

قرأ أسيموف أول قصة من أدب الخيال العلمي، عندما كان في التاسعة من عمره، وهي قصة "جزيرة بارتون " تأليف هارل فنسنت في عدد أغسطس عام 1929 من مجلة "القصص المدهشة"، وفي الحال أصبح معجبا ولوعا بمجلات الخيال العلمي. وبدأ أسيموف سجله المتألق المتفرد ككاتب للخيال العلمي عام 1939 بظهور قصته القصيرة "هاربا بعيدا عن فستا" وبعد ذلك أصبح مشاركا منتظما في مجلات الخيال العلمي البارزة وقتئذ بما فيها "الخيال العلمي المذهل" و "المجرة". وقد نال أعظم جائزتين في مجال الخيال العلمي، فقد حصل على جائزة "هوجو" ثلاث مرات، وجائزة "نيبولا" مرة واحدة.

الحياة الأدبية.. لكاتب عظيم

ومن السهل أمامنا أن نقسم مسار حياة أسيموف كمؤلف إلى خمس مراحل رئيسية، تبدا المرحلية الأولى بقصة "هاربا بعيدا عن فستا" عام 1939 حتى" هبوط الليل" عام 1941. وفي هذه المرحلة المبكرة ألف أسيموف العديد من القصص حتى يبعها بانتظام إلى جون كامبل ناشر مجلة " الخيال العلمي المذهل" الذي لم يتحمس كثيرا لقصص أسيموف ومن ثم فقد نشر البعض منها فقط، وفي هذه المرحلة تعرف أسيموف على ناشر آخر هو فريدريك بوهل، الذي أعطاه من التشجيع الفوري والعملي أكثر مما حصل عليه من انتظار واقفة كامبل على قصصه ، ومن هنا يحق لبوهل أن يفخر بأنه هو الذي دفع أسيموف في بدء حياته أكثر مما يستحقه عادة أي كاتب مبتدئ . وقصة "هبوط الليل" التي تنهي هذه المرحلة هي التي رسخت شهرة أسيموف ككاتب رائد مبتكر في محلات الخيال العلمي، إذ إنها تطرح فكرة كونية: ماذا نكون وكيف نفكر؟، وهي أمور تحددها البيئة التي تربينا فيها ، حتى لو كانت تطل عليها ست شموس ، وحيث يأتي الليل مرة كل 2049 عاما !

وتمتد المرحلة الثانية من بعد "هبوط الليل" مباشرة إلى مجموعته القصصية "أنا روبوت" عام 1950 وطوال هذه المرحلة كان أسيموف عضوا له قيمته في مجموعة الكتاب الذين يتعامل معهم كامبل أشهر ناشر للخيال العلمي في ذلك الوقت . وفي هذه السنوات كتب مجموعة القصص والروايات التي تشكل حجر الأساس في شهرته ككاتب للخيال العلمي . وأقصد بها قصص "الروبوتات"Robots ورواية "المؤسسة"Foundation وحقق ما كان يعمل من أجله . وأصبح أسيموف كاتبا بارزا في مجلات الخيال العلمي، لكن مثل هذا التأليف لم يكن مجزيا له، ولذلك بعد حصوله على الدكتوراة في الكيمياء من جامعة كولومبيا ، قبل وظيفة مدرس للكيمياء الحيوية بجامعة بوسطن .

أما المرحلة الثالثة في التاريخ الأدبي له فتبدأ برواية " بلورة صخرية في السماء" عام 1950 حتى "الشمس المجردة" عام 1957 ، وفي هذه الفترة حدث تغير رئيسي في حياته ككاتب ، فمن ناحية اتسع سوق الكتب مما زاد من دخله كمؤلف ، حتى أنه قبل عام 1957 كان يكسب ما يعادل مرتين ونصفا قدر دخله من التدريس في الجامعة ، كما أنه بدأ يكتب في غير مجال الخيال العلمي ، فقد وجد أنه من المتعة أن يكتب مباشرة في العلم بدلا من الطريقة غير المباشرة التي يعوقها احتياجه للحبكة القصصية وتصوير شخصيات الأبطال واللجوء إلى الحوار ، كما حدث في روايات "النجوم كالتراب" عام 1951، "وتيارات الفضاء" عام 1952، و"نهاية الأبدية" عام 1955.

وفي عام 1957 أطلق الروس القمر الصناعي "سبوتنيك" فتوقف أسيموف عن التدريس في الجامعة ، وأخذ يعيد النظر في إنتاجه من الخيال العلمي ، وكرس نفسه تماما للمساعدة في سد الثغرة العلمية التي كشف سبوتنيك عن وجودها.

أما المرحلة الرابعة ، فتبدأ من قصة "الأرض مكان يكفي " عام 1957 حتى عام 1972 بنشر رواية "الآلهة نفسها" وفي هذه السنوات ركز أسيموف كل طاقاته في التأليف العملي ، كما حضر العديد من مؤتمرات الخيال العلمي والندوات الجامعية وكان يحفى به كليهما. ولإحدى المجموعات القصصية التي نشرها كمحرر، أهمية كبيرة في سجل حياته ، هي "الحاصلون على جائزة هوجو"، المجلد الأول ، عام 1962 فقبل هذه المجموعة كان أسيموف يجمع قصصه شخصيا بدون أي تعقيب أو شرح ، ولكن في هذا الكتاب الأخير ، تحدث باستفاضة ومتهة عن القصص وبأسلوب رائع متميز، لدرجة أنه منذ عام 1962 ، أخذ يزود مجموعاته القصصية بمعلومات كثيرة وطريفة في شكل تعقيب أو تفسير.

وتستمر المرحلة الخامسة منذ عام 1972 حتى وفاته ، وفيها أسس مجلة للخيال العلمي باسمه وكتب عدة روايات منها "مقدمة للمؤسسة" و "روبوتات الفجر" و "الهدف العقل" و "الروبوتات والإمبراطورية"، كما جمع كل ما كتبه عن الروبوتات في مجلد واحد ، كما أصدر مجموعتين جديدتين هما " أحلام الروبوت " و "أزازيل " وتتميز هذه المرحلة بغزارة إنتاجه سواء في أدب الخيال العلمي أو تبسيط العلوم، كما في كتب "الوحش دون الذري" و "الشمس تضيء بإشراق" و "المجهول" و "الحضارات الغربية" وعن إنتاجه الأدبي يقول أسيموف : "إن الخيال العلمي هو أكثر أشكال الكتابة التي مارستها احتياجا للبراعة والحنكة ، لأن الكاتب يجب أن يخلق بيئة مقنعة بديلة للبيئات الواقعية ، وجعل هذه البيئات مقنعة هو بمثابة تحد هائل للخيال".

قوانين الروبوتات

وأسيموف متفائل بالعلاقة بين الإنسان والآلة ذات الذكاء الصناعي "الكمبيوتر والروبوت" وقد أطلق على الخوف المرضي من الآلات "عقدة فرانكشتين"، ومن ثم فقد صاغ ثلاثة قوانين للروبوتات بحيث تتحكم في أدائها للأعمال ومساعدة الإنسان. وهذه القوانين هي:

  • يجب على الروبوت إلا يؤذى الإنسان مباشرة أو من خلال تراخيه وكسله.
  • يجب على الروبوت أن يطيع أوامر الإنسان التي يصدرها له ، عدا الأوامر التي تتعارض مع القانون الأول .
  • يجب على الروبوت أن يحافظ على وجوده ، ما لم يتعارض هذا مع القانونين الأول والثاني .

ومن الوهلة الأولى - في قصص أسيموف - نجد أن الروبوت يشبه الإنسان ، إلا أن التقصي العميق للأمور يكشف لنا الفرق بينهما ، فالإنسان يمتلك خصائص فريدة. وأول قصه له عن الروبوتات، "روبي" وهو روبوت صنع في نهاية القرن العشرين لكي يعمل "كمربية" للأطفال ، ونقطة الانطلاق هذه تذكرنا بروبوتات كارل تشابيك ، إلا أن روبوتات أسيموف تختلف تماما عن تلك الروبوتات التي تتمرد وتقضي على البشرية وتسيطر على كوكب الأرض.

إن روبوتات أسيموف في كل قصصه مبرمجة حسب القوانين الثلاثة، فمثلا "روبي " الذي يعمل كمربية لفتاة عمرها ثماني سنوات تدعى جلوريا، وبالرغم من أن والدتها تكره الروبوت ، إلا أن "روبي" في النهاية يهب لنجدة جلوريا وينقذها من موت محقق. وتصور لنا مجموعات أخرى من قصص الروبوتات لأسيموف، حياتها في الفضاء، فبعد زيادة الشعور المعادي لها في الأرض، تم نفيها إلى الفضاء. وفي هذه القصص يقوم مهندسان هما باول ودونوفان بحل مجموعة من المشكلات والألغاز المحيرة بمساعدة الروبوتات التي تنفذ وظائف مختلفة، فهي تساعد في تشغيل وصيانة محطات الفضاء، وتقوم بعملية استخراج الخامات من الكويكبات السيارة بين كوكبي المريخ والمشتري. كما تقود سفن فضاء لاستكشاف كوكب المشتري ، ولأن أحداث القصص تدور في الفضاء وليس على الأرض، لا يحدث سوى القليل من الصراع بين الإنسان والروبوت ، ففي بيئة الفضاء القاسية والمعادية للإنسان، يكون الذكاء الصناعي للآلة حيويا له ، ولذلك نجد أن الإنسان يرحب بوجود الآلة .

وفي قصة "الدليل" التي صدرت عام 1946. وهي واحدة من أعظم قصص أسيموف عميقة العنى، نجد أن جميع الناس يكرهون الروبوتات ، وستيفان بيرلي الذي يعمل بهمة لكي يصبح محافظا ، يتهمه خصومه بأنه روبوت ، ومن ثم فهو لا يصلح لتولي وظيفة قيادية عامة ، وهنا يثير المؤلف سؤالين : هل بيرلي في الحقيقة روبوت ؟ وإذا كان كذلك ، فهل يمكن لروبوت أن يحكم بكفاءة واقتدار ؟ السؤال الأول يعطي أسيموف فرصة طيبة للتعميق في منطق الإثبات. وهنا نجده يطرح علينا ميوله الفكرية ، فهو دائما العالم الذي يستخدم أسلوب الفروض والإثباتات العلمية. وأما السؤال الثاني فيجيب عنه بالإيجاب ، فالروبوتات مبرمجة طبقا للقوانين الثلاثة التي تضمن قيامها دائما بخدمة الإنسان ومساعدته ، ولأن أجهة الروبوت لا يمكنها مخالفة هذه القوانين ، إذن تصبح أقدر في الحكم من السياسي الذي يحركه الطموح أو الجشع ! .

وتعتبر قصة "الصراع الذي يمكن تجنبه" التي نشرت عام 1950 ، واحدة من أعظم قصص أسيموف إثارة للتفكير . إذ توضح لنا أسرار الاستخدام المبتكر والمقيد للذكاء الصناعي للآلات، ففي هذه القصة التي تدور أحداثها في القرن الحادي والعشرين ، حيث يقسم العالم إلى أربع مناطق جغرافية ، ويقوم كمبيوتر عملاق بتنظيم اقتصاد كل منطقة منها ، ونتيجة لذلك اختفت الحروب نهائيا ، لكن بعض أخطاء صغيرة في جداول الإنتاج تبدأ في الظهور. وأثير سؤال مهم عما إذا كان هذا الاختلال سببه خطأ الآلة أو الإنسان، وما إذا كان متعمدا أم لا ؟ . وظهرت جماعة معادية للآلات ، حاول زعماؤها تخريب الكمبيوتر بتغذيته بمعلومات خاطئة ، وتتوالى الأحداث المثيرة حيث يتمكن الكمبيوتر العملاق من تصحيح المشكلة بعد اكتشاف المعلومات الخاطئة في الذاكرة الإلكترونية ، ومن ثم يأمر بإبعاد المشرفين الاقتصاديين المعارضين للتحكم الآلي ، فهم لا يهدفون للمصلحة العامة ، وإنما تدفعهم الرغبة إلى السيطرة والتحكم ، وهي رغبة سوف تقود للحرب . ومن هنا فإن قدرة الكمبيوتر على معرفة وإبعاد المتسببين الخفيين للصراع قبل أن يتمكنوا من إثارة المتاعب، تنجح في منع نشوب الحرب . فالصراع يمكن تجنبه أما الآلة فهي حتمية ولا مفر من استخدامها.

ومن أشهر شخصيات أسيموف ، الدكتورة سوزان كالفن وهي خبيرة في علم نفس الروبوتات ، أو كما يطلق عليها "الأسطورة الحية" ، إذ إن قرارتها دائما صحيحة وقاطعة ولا رجعة فيها ، وهي أحسن من يستطيع التعامل مع الروبوتات والتأكد من أنها تطبق القوانين الثلاثة التي سبق الإشارة إليها ، لضمان خدمتها للإنسان، ومن ثم فقد ظلت طوال عشرات السنين تدرس وتحلل وتطور العقل الصناعية للروبوتات، أو ما أطلق عليه أسيموف " العقول البوزيترونية" وثمة أربع روايات بوليسية له عن الروبوتات، "كهوف الصلب" عام 1954 و "الشمس المجردة" عام 1957 و "روبوتات الفجر" عام 1983 و"الروبوتات والإمبراطورية " عام 1985 وكلها تجسد إيمانه بأن الإنسان والروبوت يمكن أن يشكلا علاقة متناسقة فيما بينهما، فالروبوتات يمكنها التصرف من تلقاء نفسها، باعتبارها تمتلك ذكاء صناعيا، فهي إذن منطقية التفكير تتعامل مع أعداد هائلة من البيانات وتجري حسابات رياضية بسرعة خارقة، وهي لا تتحيز لأنها لا تمتلك عواطف أو طموحات وتد تضعف أو توقف تشغيل وحدات المنطق لديها ، أما الإنسان فهو قادر على الحل المبدع للمشاكل، ويمكنه أن يختار أفضل البدائل إذا تدعمت في قدراته وتطورت من خلال المنطق الرياضي الذي يتوافر للكمبيوتر والروبوت، ويمكن للإنسان أن يضيف إلى المنطق التقدير ، ومن ثم يكون الإنسان متفوقا على الآلة .

فن الكتابة عند أسيموف

يستخدم أسيموف أسلوبا متميزا ، يعتمد على الجمل القصيرة الواضحة المعنى ، وجمله تكتسب طولا ليس من خلال تراكم عبارات تابعة ، وإنما بإضافة جمل بسيطة إلى بعضها البعض.

وعادة يسلط أسيموف الأضواء على الشخصية المحورية في القصة من أول جملة ، والمشاكل التي يتعرض لها أشخاص القصص والروايات ، ويلزم عليهم حلها ، تتضمن كيفية اتخاذ القرارات وليس تنفيذ الواجبات المنوطة بهم ، وحتى في القصص التي تتضمن أساسا المغامرات والأحداث المثيرة فإننا نرى الأولوية لاتخاذ القرارات قبل أداء الأعمال . والتركيز على الحوار الداخلي أو مناجاة النفس بدلا من الانشغال بالأحداث فقط من أجل ذاتها ، يعطي لأدب أسيموف سمة عقلية منفردة تعد من أكثر مزايا أدبه وضوحا.

وتبدأ قصص أسيموف عادة بسرعة ، عقب بروز مشكلة معينة ، ويتم الانتقال من الموقف الأول إلى الشخصية المحورية. وهو قدير حقا في طرح الشكل الدرامي للأحداث ، وهو يعرف كيف يحرك القصة من خلال الحوار الذكي ، وأحيانا يستخدم أسلوب الرجوع إلى الماضي لعرض الأحداث ، كم أنه يميل إما لجعل التسلسل الزمني غامضا - كما في رواية "تيارات الفضاء" - أو يشرحه بالتفصيل باتباع أسلوب العرض الدرامي المستقبلي لاستعرض الجوانب المختلفة للأحداث. وتقع أحداث قصص أسيموف في الحاضر والمستقبل البعيد ، فوق كوكب الأرض والكواكب البعيدة التي تدور حول شموس أخرى . ونادرا ما يكتب قصصا تدور أحداثها في الماضي أو في أبعاد أخرى ، وهو يدرس خلفيات أحداث قصصه بعناية فائقة ، ويعبر عنها علميا بشكل دقيق حتى أن القارئ يترك قصة أسيموف ولديه إحساس بأنه عاش فترة من الزمن في خضم أحداثها ، ولا شك أن مقدرته على غرس خاصية "المعايشة" هذه لأحداث القصة هي واحدة من أهم الخصائص المميزة لأدبه .

وعلاوة على الأساليب الفنية للكتابة ووجهات نظر الرواة والحبكة القصصية والفكرة الرئيسية والخلفية والشخصية ، فيمكن ملاحظة ثلاثة أمور أخرى توجد دائما في أي قصة له ، فهو أولا يحب كل شيء يتعلق بالعلم وتاريخه ، وتتسم كثير من قصصه بوجود القليل من المعلومات التاريخية ومحاضرات في تاريخ العلم. والأمر الثاني أن الخيال العلمي الذي كتبه ملئ بالمناظر الفلكية.

والأمر الثالث ، أن أدبه يعكس سعادته بالنهاية المفاجئة ، أي أن القصة تنتهي دون أن نتوقع ذلك! فهو يعشق خداع القارئ ومواجهته بما لا يتوقعه ، ولذلك فهو بارع تماما في كتابة القصص القصيرة جدا والطويلة التي يتذكرها القارئ كما لو كانت قصيرة جدا لأن كل ما يتذكره منها ، الفكرة الرئيسية القوية .

وفي أي قصة نموذجية لأسيموف نجده يطرح علينا مشكلة أو لغزا محيرا ، وتتجمع أمامنا البيانات المعقولة ويجرى تفسيرها وإلقاء الضوء عليها، ثم يطرح أحد الفروض في الساحة بحيث يفتح الباب لمجموعة من الاقتراحات البديلة لحل المشكلة، وأخيرا يتم اختبار صحة هذه الاقتراحات ، فإذا كانت صحيحة يتم إعادة استعراض العلمية ، حتي يكتشف أصل المشكلة . وبالطبع فإن هذا هو الأسلوب العلمي.

والكون بالنسبة له غامض أكثر منه منذرا بالخطر ، ويبدو أن لجوءه لأسلوب اللغز بدلا من أسلوب الصراع يرتبط بنظرته المتفائلة إلى الروبوتات والكمبيوترات.

المؤسسة والإمبراطورية

وتعد روايات "المؤسسة" التي نشرت بين عامي 1951 و 1988، وهي "مقدمة المؤسسة" و "المؤسسة" و"المؤسسة والإمبراطورية" و "المؤسسة الثانية" و"حافة المؤسسة"و "المؤسسة والأرض"، من أفضل ما كتب أسيموف ، وهي تحكي أحداث انهيار الإمبراطورية المجرية الأولى ، والبطل هو هاري سلدوان آخر عالم عظيم في تاريخ التحليل النفسي وعلم السلوكيات الإنسانية معبرا عنه بالمعادلات الرياضية ، وقد دلت معادلات سلدون على أن الإمبراطورية الأولى سوف تتحكم مما يعني مرور آلاف السنين من البؤس والمعاناة البشرية قبل بزوغ إمبراطورية ثانية من بين أطلالها ، ولكن لو أمكن لشخص ما أن ينظم الظروف السائدة ، فإن فترة الاضطراب والانتظار يمكن أن تقل إلى ألف عام فقط ولتحقيق ذلك كون سلدون مجموعتين من العلماء أطلق عليهما "المؤسسة" ، وقد وضعها عن عمد في طرفين متقابلين من المجرة . و"المؤسسة الأولى" التي ركزت على العلوم الفيزيائية أنشئت في إطار تام من العقلانية أما وجود "المؤسسة الثانية" وهي عبارة عن تجمع لعلماء تاريخ التحليل النفسي والعقلي، فقد لفها الصمت وجهلها الجميع.

وسيطرت "المؤسسة الأولى" من خلال عملها المتفوق ، على الكواكب الهمجية المتخلفة التي تحيط بها، وواجهت قادة عسكريين فوضويين أثناء فرارهم من الإمبراطورية المتهالكة وانتصرت عليهم ، ثم واجهت بقايا الإمبراطورية ذاتها بقيادة إمبراطورها الأخير القوي ، وهزمتها.

كان يبدو أن خطة سلدون تسير سيرا حسنا ، وأنه لا يوجد شيء يمنع الإمبراطورية الثانية من الظهور في الوقت المناسب، وبأقل قدر ممكن من الدمار والخراب في الفترة الفاصلة بين الإمبراطوريتين، لكن تاريخ التحليل النفسي هو علم إحصائي ، وهناك دائما فرصة ضئيلة لحدوث خطأ ما ، وحدث هذا الخطأ بالفعل ، ولم يسمى "العنيد" Mule لا يعرف أحد من أين جاء، كانت له قدرات عقلية فريدة في المجرة ، فقد تمكن من صياغة عواطف الناس وتشكيل عقولهم بحيث يجعل أشد أعدائه مخلصين له ، ولم يكن بمقدور الجيش أن تحاربه .

وسقطت "المؤسسة الأولى" وبدا أن خطة سلدون ذهبت أدراج الرياح ، وبقيت "المؤسسة الثانية" الخفية التي فوجئت بأنها غير مستعدة لمواجهة ظهور "العنيد"، الذي كان يعمل ببطء ومثابرة في الإعداد لهجوم مضاد ، وبدا أن أعظم دفاعاته يكمن في عدم معرفة مكانه ، وكان هدفه أن يبسط نفوذه تماما على المجرة ويجعل نصره عليها ساحقا. والذي أوقف "العنيد" كان تصرف امرأة تدعى باتيا درايل، فقد استطاعته هزيمته بحبها ، ومن ثم تمكنت "المؤسسة الثانية" من السيطرة على المجرة.

لا شك أن أسيموف هو أبرز و أشهر كتاب الخيال العلمي الحديث ، إذ أنتج كما هائلا ومنفردا من أدب الخيال العلمي في شكل قصص وروايات ودراسات، جعلته يقود هذا المجال الجديد لما يقرب من نصف قرن ، وليصبح أسيموف ظاهرة أدبية مميزة من الصعب أن تتكرر.

 

رؤوف وصفي







غلاف الكتاب





قصص الروبوتات





قوانين الروبوتات





غلاف الكتاب





العقول البوزيترونية