الجواد العربي في عيون العالم فتحي فرغلي

الجواد العربي في عيون العالم

في الوقت الذي يلقى فيه الحصان العربي الأصيل غربة لافتة للنظر في بلاده، التفت العالم إلى خصائصه، وتألفت الجمعيات والمنظمات الدولية التي تعنى به وتقوم بإصدار شهادات نسب الجياد العربية وإثبات نسبها حفاظا على نقاوة دمائها. هذا الاهتمام العالمي راجع إلى أن هذا الجواد مسئول عن مستقبل جنس الحصان في العالم، وعن تحسين جميع أصناف الخيول.

الاهتمام العالمي بالجواد العربي سببه باختصار شديد أن هذا الجواد مسئول عن مستقبل جنس الحصان في العالم. مسئول عن تحسين وتجديد جميع أصناف الخيول، لأن فيه مزايا وقدرات فريدة، بالإمكان نقلها إلى فصائل أخرى من الخيل، وهي خصائص أصبح من الضروري الحفاظ عليها، فتألفت المنظمات العالمية والجمعيات العلمية التي تعنى بإصدار شهادات نسب الجياد العربية، وإثبات هذا النسب حفاظا على دمائها.

وقبل أن نجيب عن السؤال: ما هي هذه المزايا والقدرات التي رآها العالم في جوادنا، تلفت نظرنا هذه الأمثلة المتعددة في أوروبا وأمريكا وبلدان أخرى عديدة، على الاهتمام بالجواد العربي، ففي إنجلترا حيث أشهر حلبات السباق العالمية، فإن جميع الخيول التي تتسابق عليها، إنما هي من أصل عربي، أو بالتحديد: إن أي حصان سباق إنجليزي إنما ينحدر مباشرة في خط الذكورة من الأب إلى الابن من أحد ثلاثة فحول عربية تم استيرادها من الشرق الأوسط في القرن الثامن عشر هي: " بيرلي" و "دارلي" و "غودلفين".

وفي ألمانيا حيث تأسس في 1974 نادي الحصان العربي الأصيل الذي تمكن في عام 1977 من نشر مؤلف. مهم عن الجواد العربي الأصيل. يصر عدد كبير من المربين على اتباع طرق التربية القديمة نفسها التي يتبعها العرب في شبه الجزيرة لاقتناعهم بأثر أساليب التربية العربية على صفات الجواد العربي.

ومن فرنسا نجد مثالا ثالثا في تعلق الإمبراطور نابليون بونابرت بالجواد العربي، وقد وصف ذلك نيروجلي في كتاب "الحصان" قائلا:
"إن الجواد العربي المدهش في كل شيء ساهم في أسرع وأشجع الفتوحات العربية، ففي سنة واحدة 711م دخل إلى إسبانيا واجتاز نهر الهندوس على بعد ستة الاف كيلومتر شرقا بعد أن اجتاح إمبراطورية أكبر بأربع مرات من الإمبراطورية الرومانية".

وكان الإمبراطور نابليون بونابرت من أكثر المعجبين بالحصان العربي والمتعلقين به.

وكان لا يمتطي إلا الخيول العربية في معاركه، لما كانت تتمتع به من رقة وتحمل لا يضاهى، مع هدوء مدهش حتى تحت نيران العدو وانفجارات القنابل. لقد نفق تحته تسعة عشر حصانا، أما المفضل لديه فكان الأبيض مارينجو الذي كان يريد وهو على صهوته أن يتسلق برج جرس سان مارك في البندقية. وقد أحبه الفرنسيون إلى درجة الهيام. وعندما نفق عالجوا جلده وحشوه وهو الآن يقف تمثالا للأصالة في أحد متاحف باريس. أما الجواد الأبيض الرمادي الآخر الذي انتقل به خلال غزو روسيا فهو الحصان "وزير".

وفي أمريكا تألفت جمعية تسمى "جمعية الجواد العربي في الولايات المتحدة الأمريكية" ولرئيسها "ر. س هلمر هايز" مؤلف بعنوان "الحصان العربي" يصفه فيه قائلا: "إنه ليس فيه خطأ واحد" ويقول أيضا "إن الخيول العربية جيادا وأفراسا تتمتع بقابلية نقل سلالتها قوية لدرجة أن الدم العربي يصبح وبدون أي تعقيد، من الصعب جدا إبداله بالتهجين والتناسل، فالسلالة العربية ميزاتها البقاء نقية إلى أمد طويل قد يمتد قرونا".

وقد أثمر هذا الاهتمام العالمي المتزايد بالحصان العربي تأسيس منظمة "الواهو" وهي الحروف الأولى من "المنظمة العالمية للحصان العربي" وكان ذلك في المؤتمر الثاني لجمعيات الخيول العربية الذي استضافته الجمعية الإنجليزية للخيول العربية في عام 1970، بناء على اقتراح تسع دول في المؤتمر الأول الذي سبقه، وكان في انجلترا أيضا عام 1967.

ومن بين أهداف "الواهو" المحافظة على نقاوة دم الخيول العربية وجمع ونشر المعلومات المتعلقة بالجواد العربي ومنح جوائز تقديرية لتشجيع تحسين أنسال الخيول العربية.

وإلى جانب منظمة "الواهو" تكونت عدة جمعيات تتولى ضبط نسب الخيول العربية كل على حدة، وتصدر لكل جواد أو فرس شهادة نسب. من هذه الجمعيات نادي الأصيل وجمعية الخمسة وجمعية الأهرام، وقد أصدرت شهادات نسب اعتمدتها منظمة "الواهو".

أصالة الجواد العربي

والآن، ما هي هذه الصفات التي رآها الغرب في جوادنا ودفعته إلى الاهتمام به والإقبال على اقتنائه؟

لا شك أن في مقدمتها أصالة الجواد العربي وقدرته على تحسين أنسال الخيول، وفي عام 1985 وجدت منظمة "الواهو" أن هناك حوالي ثلاثمائة ألف جواد وفرس في عدد من البلدان هي خيول عربية نقية الدم، ولكن 2.5% فقط من هذه الخيول ترجع إلى تربية العرب في شبه الجزيرة العربية، وهذه الخيول تشكل مصدرا مهما للجينات، ليس لتربية الخيول العربية فحسب، بل لتربية الخيول على الإطلاق. ولكن لماذا خيل الصحراء؟ لأنه في الصحراء خضع الحصان العربي لعملية انتقاء طبيعي صارمة، فلم يصمد أمام قسوة الطبيعة إلا الأجود والأصلح من الخيول، فضلا عن انفراد الجواد العربي بخاصية عدم قابليته للخضوع لأي تأثير خارجي. والعرب في شبه الجزيرة يضعون هذه الخاصية في المرتبة الأولى، وهو ما وصفه الرحالة غراف فيريرس زوفيوف في مرجع ضخم أصدره نادي الأصيل (المانيا الغربية) قائلا: "إنهم لا يولون أهمية كبيرة للجمال، بل يعطون الأولوية لسلامة النسب وذلك لضمان الحصول على صفات فاضلة لجيادهم".

وهكذا فإن نادي، الأصيل يضع بين شروطه للاعتراف بالحصان على أنه عربي أصيل، شرط انحداره مباشرة من الصحراء العربية، أو أن يكون نسبه راجعا إلى برنامج تربية الخيول لهيئة الزراعة المصرية، ويقول بيلكه في نشرة نادي الأصيل: "لا يمكن لأي سلالة كريمة من الخيل أن تضمن لنفسها البقاء والدوام دون اختلاطها بالسلالة العربية الأصيلة".

الصبر والثبات وتحمل المتاعب

وهذه هي الميزة الثانية التي رآها عشاق الخيل في العالم في جوادنا، صبر الجواد العربي وثباته وقدرته على تحمل المتاعب والمشاق، مع احتفاظه بهدوء نادر. يكتب زيدل في "الجواد العربي الأصيل" : "يمكن القول هنا إن قدرة الخيول العربية الأصيلة على تحمل المتاعب والمشاق تتناسب وصغر حجمها، وتساعد كمية المياه الضئيلة في الأنسجة على صمود هذه الخيول أمام المصاعب، وقد تقلص حجم الجواد الأصيل إلى أدنى حد فلا يوجد لديه ما يزيد في وزنه أو حجمه بغير موجب، ولا يعود تقلص الجسم بأكمله إلى العوامل الجغرافية وحسب، بل إنه ناتج أيضا عن التغذية التي يقدمها الإنسان إلى الجواد العربي الصحراوي".

وتقول ليدي آن بلنت: "لا شك أن الجواد العربي الأصيل يتمتع بقدرة جبارة على تحمل المتاعب والمشقات، وهكذا يمكن لصاحبه أن يركبه يوما بعد يوم خلال رحلاته الطويلة مكتفيا بأن يقدم له الكلأ. ورغم ورغم ذلك فإنه لا يفقد شجاعته أو حماسه بأن يبقى دائما على أتم استعداد للركض إلى أن تنتهي الرحلة. وهذا أمر لم نعهده في خيلنا ولم نطالبها به في أي وقت مضى".

السرعة وقطع المسافات الطويلة

وهذه ميزة أخرى عرفها العالم في الجواد العربي، وتحدث المختصون عنها في عديد من مؤلفاتهم، من ذلك ما يرويه "شيله" في كتاب "خيل الجزيرة العربية" قائلا:

"لم يسبق للعرب أن علقوا أهمية كبيرة على سباق الخيل بالنسبة للمسافات القصيرة، بل إنهم كانوا ينظمون في العشرينيات من هذا القرن سباقات على مسافة بين 16 و 32 كيلومترا. ولم يكن يهمهم شيء غير صلابة خيولهم وطول نفسها، واستشهادا بذلك نذكر على سبيل المثال - لا الحصر- الحقيقة التالية: كان "النجيمة" وهو فرس كميت يبلغ الثالثة عشرة من عمره قد حمل جنديا مقتولا إلى الكويت قاطعا به مسافة 285 كيلو مترا في ظرف ثلاثة أيام دون أكل أو شرب، وقد حدث ذلك في صيف 1929 حيث بلغت درجة الحرارة 52 درجة مئوية في الظل. واهتم القنصل الإنجليزي آنذاك العقيد "دكسون" برعاية النجيمة لبضعة أشهر حتي استرجع قواه".

وتروي كلينسترا قصة السباقات التي نظمت لقياس قدرات الحصان العربي بالمقارنة مع غيره من الخيول في قطع المسافات الطويلة، فتقول: "أظهرت مسابقات المسافات الطويلة الصعبة جدا التي نظمت في الولايات المتحدة في العشرينيات أن الخيول العربية الأصيلة التي شاركت في تلك المسابقات احتاجت فقط إلى 60 في المائة من الوجبات اليومية التي تقدم لبقية الخيول المشاركة لتفوز بالمسابقة. وكان من بين الخيول الأخرى الجياد الإنجليزية الأصيلة وغيرها. ونستنتج مما ذكر أن الخيول العربية الأصيلة تعرف كيف تنتفع بعلفها أكثر من أي سلالة أخرى من الخيول".

لقد نظم في الولايات المتحدة أول سباق بالنسبة للمسافات الطويلة في فيرمونت بتاريخ 16 و 17 سبتمبر 1913، وذلك بمشاركة الخيول العربية الأصيلة، وكانت المسافة طويلة جدا حيث أعطيت الأولوية في هذا السباق للوقت. امتد السباق 154 ميلا أي 246 كيلو مترا وبوزن 72.5 كغم وفاز في هذه المسابقة الجواد العربي الأصيل "يقيس" وهو جواد أشهب يبلغ عمره 13 سنة من نوع كحيلة العجوز. وقطع مسافة 246 كيلو مترا في 30 ساعة و 16 دقيقة.

الصحة

وهذه ميزة أخرى من ميزات الجواد العربي يفوق فيها سلالات الخيول الأخرى. الصحة التي تمكنه من بذل مجهود كبير دون تعب، والتي تمكنه من الشفاء السريع من الجروح. تقول كلينسترا: "إن الحيوانات التي تقطع مسافات طويلة دون أن يظهر عليها التعب والإجهاد تتمتع عادة بصحة جيدة وجهاز تنفسي سليم، ولقد ذكرنا سابقا أن الجواد العربي الأصيل يتمتع بقصبة هوائية واسعة مما يساعد على تنفسه بطريقة أسهل وأسرع، وبفضل القفص الصدري الضخم يتوافر لدى الجواد العربي مكان كاف لرئتيه الكبيرتين، وهذا ما يساعد على إدخال كمية كبيرة من الأكسجين إلى الرئتين، وذلك دفعة واحدة. ويقول بيلكه: "هناك ارتباط وثيق بين البساطة في التغذية والصحة الجيدة والصلابة والصبر والثبات، وكل هذه المزايا تتطلب بنية جسمانية متينة ومتكاملة. وقد أثبت الجواد العربي أكثر من مرة أن له مقومات تساعده على اكتمال بنيته الجسمانية على نحو يندر أن نجده لدى الخيول الأخرى". ويقول زيدل: "إن ما يبعث على الدهشة هو قدرة الجواد العربي المتمثلة في الشفاء العاجل من الجروح، سواء كانت خفيفة أو خطيرة وتجبر عظامه بعد انكسارها. ولعل ذلك يرجع إلى تكيف هذا الحيوان الأمين مع الطبيعة منذ أقدم العصور".

الخصوبة

يتمتع الجواد العربي بقدرة عالية على الإخصاب تفوق سائر سلالات الخيل، وهو ما لفت أنظار المهتمين بالخيل، فكتبوا يصفون خصوبة الجواد العربي، ويضربون عديدا من الأمثلة على هذه الخاصية. قال زيدل: "ما أخصب الجواد العربي الأصيل، إن حالات العقم سواء لدى الحصان أو الفرس نادرة جدا. والثابت أن الجواد العربي لا يفقد قدرته التناسلية حتى ولو تقدم في السن، فكثيرا ما نجد أفراسا قد أنجبت عشرين مهرا وأحصنة استخدمت لغرض التناسل رغم بلوغها الثلاثين من عمرها، ولم يحدث هذا عند البدو فحسب، بل وكذلك في محطات تربية الخيل في أوروبا وأمريكا".

ويقول زيدل أيضا في مكان آخر من كتابه "قيمة الجواد العربي الأصيل":
"لقد ظل الجواد المشهور ببيرقدار متمتعا بكامل قدرته التناسلية حتى سن الرابعة والعشرين، أما ظريف فقد نزا وهو في سن السادسة والعشرين، واستمر "أمورات" في النزو إلى أن بلغ الخامسة والعشرين".

الشجاعة

لفتت شجاعة الحصان العربي أنظار هواة الخيل في العالم، خاصة بعد أن شاهدوه يتحلى بهذه الصفة في المعارك الحربية وفي رحلات صيد الوحوش المفترسة، ويصف افنبورت جوادنا بأنه "يتحلى بشجاعة وحماسة لا مثيل لهما". ويقول براون في خيل الصحراء: "ويتميز الجواد العربي الأصيل عن باقي أنواع الخيول بشجاعته المنقطعة النظير، فهو لا يخشى الأسد والنمر، بل إنه يستخدم في الهند لصيد هذه الحيوانات الوحشية".

ويقول أيضا: "إن للشجاعة الفطرية التي يتميز بها الجواد العربي الأصيل علاقة وثيقة بثقته الطبيعية في الإنسان، تلك الثقة التي عززتها التربية عبر القرون. فالحصان أبو زيد مثلا لم يتأثر ألبتة .. لا بالقاطرة البخارية ذات الصوت المهول، ولا بالصواريخ النارية التي تطلق في أثناء الاحتفالات وتفرقع بين قوائمه".

الذكاء والاستعداد للتعلم

إن ذكاء الجواد العربي مضرب الأمثال كما يقول زيدل، وهو الذكاء الذي يشترك مع صفاته الأخرى في قابليته الكبيرة للتعلم بسرعة تفوق كل أنواع الخيل.

ويصف بالجرافه ذكاء الجواد العربي من خلال تجربته في ركوب أحدها قائلا: "يتميز الجواد العربي برقة إحساسه بركبة الخيال وفخذه، ولا أقول بحساسية خطمه لأنه لا يحتاج في العادة إلى لجام أو شكيمة، وإذا أمره صاحبه بفعل شيء أو مارس ضغطا خفيفا أطاعه وتجاوب معه بمهارة قلما نعهدها في جيادنا التي تدرب وتروض بدقة متناهية. وكم من مرة استجبت لدعوة أحد البدو فركبت جواده دون سرج أو لجام أو ركاب، تقلبت ذات اليمين وذات الشمال في أثناء ركوب الجواد وأخذت في التأرجح عندما انطلق راكضا ثم أجبرته على الوقوف دفعة واحدة بعد ما كنت قد أطلقت له العنان. ولم أشعر في ذلك بأي صعوبات أو نقص في تجاوب حركاته مع إرادتي. وإن الخيال عندما يركب مثل هذه الجياد يشعر بنفسه وكأنه النصف الأعلى. كأنه جزء لا يتجزأ من كائن واحد.

والفضل في ذلك يرجع بالأخص إلى تفوق الفروسية عند العرب على مناهج الترويض والتدريب المتبعة في أوروبا".

ويقول براون في خيل الصحراء: "يعد الجواد العربي من أذكى الخيول على الإطلاق وإن صفاته الرائعة مثل الذاكرة القوية وسعة الصدر والوداعة تجعله أجدر المخلوقات وأنسبها لخدمة الإنسان، كما ترفع قدرته على القيام بوظائف ذهنية أخرى إلى مرتبة الصديق الذي يستحق كل عناية واهتمام".

 

فتحي فرغلي







الجواد العربي في عيون العالم





الجواد العربي في عيون العالم





الجواد العربي في عيون العالم





الجواد العربي في عيون العالم





الجواد العربي في عيون العالم





الجواد العربي مسئول عن مستقبل جنس الحصان في العالم وتحسين وتجديد جميع أصناف الخيول





حصان أبيض من سلالة عربية وقد كان أكثر المعجبين بالحصان العربي الامبراطور نابليون بونابرت





هناك جمعيات تتولى ضبط نسب الخيول





الخيول العربية تتمتع بقابلية نقل سلالتها القوية





يتميز الجواد العربي بالصبر والثبات وتحمل المتاعب





الخيول العربية تحتاج إلى 60% من الوجبات للفوز بالمسابقة





يبذل الخيل العربي مجهودا كبيرا دون تعب





يتطلب للسباقات بنية جسمانية متكاملة