ترديد الأطفال لأغاني الكبار.. وأغاني الكاسيت الهابطة مسئولية من ..؟ هالة حلمي

  ترديد الأطفال لأغاني الكبار.. وأغاني الكاسيت الهابطة مسئولية من ..؟

يميل الأطفال بطبيعتهم للتغني ، وهم ينشطون ويفرحون لذلك، ويمكن استغلال هذا الميل في تمرينهم وتعليمهم وترغيبهم وتشويقهم إلى الدروس وتعويدهم الجرأة في القول ودفعهم للحركة والنشاط عن طريق الأناشيد ، يمكننا أن نبث الروح الدينية وأن نزكي الاعتزاز بالقومية والأمجاد العربية وأن نطبع أطفالنا على المثل العليا.

مما لا شك فيه أننا لو أحسنا اختيار أناشيد الأطفال وأغانيهم لصرفنا أذهانهم عن الأغاني المبتذلة وعودنا آذانهم سماع العبارات المختارة التي تغرس في نفوسهم حب الفضائل ومكارم الأخلاق، وإذا أحسن اختيار الأغاني تصبح وسيلة إلى تقريب اللغة العربية الفصحى فتتعود عليها ألسنة الأطفال مما يجعلهم يألفونها فينطقونها بسهولة ويسر.

ونحن الآن أمام ظاهرة جديدة في مجتمعنا العربي ، وهي انصراف الأطفال عن ترديد أغانيهم الخاصة بهم ثم ترديدهم لأغاني الكاسيت الهابطة وأغاني الكبار ، فمن المسؤول عن وجود هذا الظاهرة ؟ وكيف نعالجها ؟

يجيبنا على تساؤلنا المتخصصون في مجال التربية الموسيقية ومجال التربية والتعليم وفي مجال الإعلام إلى جانب الآباء.

أغاني الكبار ترهق حنجرة الطفل

تجيب د. نادية عبد العزيز الأستاذة بقسم الغناء في كلية التربية الموسيقية بالقاهرة عن سؤال:

ما هي الملامح والخصائص التي ينبغي أن تكون عليها أغنية الطفل؟

أغنية الطفل في أي زمان ومكان لها ملامح وخصائص معينة ، منبثقة من ابتكارات الطفل نفسه ، حيث يبدأ الطفل من سن 2 أو 3 سنوات يدندن ويبتكر نغمات ، فينبغي أن تراعى هذه النغمات في ألحان أغنية الطفل ، ويجب أن تكون سلسة بسيطة يبرز فيها عنصر الإيقاع الذي يعني النشاط وتتكرر فيها الآلحان، فالطفل يحب التكرار . ومن ناحية المصاحبة بآلات ، إما بآلات الطفل نفسه مثل : الآلات الخشبية الخاصة بالطفل ، وإما مصاحبة بآلات الكبار التي تعطي الطابع الخاص بموسيقي الطفل مثل : آلات النفخ التي تجذب الطفل للأغنية.

من ناحية المضمون لا بد أن يرتبط بالطفل ويشتق من عالمه المحيط به طبقا لمرحلته السنية ، من عالم الأسرة الطبيعية ، الحيوانات الأليفة ، من اللعب نفسه ، وكلما ارتبطت الأغنية بالحركة ازداد حب الطفل لها ، ويجب أن تتخللها موسيقى مرحة نشطة ولا تكون كلها غناء حتى لا يملها .

من المهم أن نناسب الأغنية المنطقة الصوتية للطفل، أغاني الكبار لا تناسب منطقة صوت الطفل ولا تفكيره ولا خياله ، فيصبح الطفل مقلدا ولا يعايش المضمون الذي يغنيه ولا يستطيع أداء الألحان بدقة، مما يضره ويضغط على حنجرته ويؤدي إلى عدم تمكنه من الغناء بأسلوب سهل وبسيط.

لماذا لا يردد الطفل أغنية المدرسة في المنزل ويهتم أكثر بترديد أغاني الكاسيت وأغاني الكبار؟ أولا ، بالنسبة لتعليم الغناء في المدارس ، فهو لا يأخذ وقته الكافي ولا يوجد في كل مدرسة مدرس موسيقى يعلم الأغاني ، بالرغم من وجود كتب موسيقية جيدة قام بإعدادها أساتذة الجامعة وبها أغان سليمة وجميلة ، فالمدارس التي بها تعليم موسيقي جيد من المؤكد أن أطفالها يرددون أغاني المدرسة في البيت ، ولكن المفروض أن تساعدهم وسائل الإعلام في إذاعة أغنية المدرسة ، وأن تهتم بطفل المدرسة ، ولا توجه اهتمامها لطفل المنزل فقط ، فلا بد من تكرار إذاعة هذه الأغاني المدرسية ، فنجد الطفل يحفظ أغاني المسلسلات والإعلانات لأنها تتكرر على سمعه كثيرا.

أيضا لا بد من التجديد في أغنية المدرسة فلا يوجد ما هو جديد، كذلك يوجد عجز في مدرسي الموسيقي في المدارس، فلا يمكن أن نمنع الطفل من ترديد أغاني الكبار أو أغاني الكاسيت إلا إذا قدمنا له جرعة مناسبة من أغانية الجيدة التي يحبها.

وتجيب د. نادية عن سؤالي عن مدى تأثير الأغنية على الطفل قائلة :

مما لا شك فيه أن الأغنية بوجه عام لها تأثير كبير على الطفل فهي تنمي الوجدان أولا ثم تنمي المعلومات وتنمي العقل ، بالإضافة إلى أن فيها تنمية جسدية عندما تصاحب بالحركة ، أو باختصار كل ما أريد أن أعلمه للطفل يمكن أن أعلمه له عن طريق الأغنية من سلوكيات وقيم ومثل.

وتستطرد د. نادية قائلة : هناك نقطة تتعلق بأغنية الطفل لا ينبغبي أن نغفلها ، وهي وجوب الاهتمام بأغنية الطفل العشبية فهي مهملة جدا ، وهذا الإهمال جعل طفل هذه الأيام لا يرتبط بثقافة بيئته ومجتمعه، ونتمنى أن يتبنى هذا الموضوع مؤلفو الأغاني ويقوموا بإعداد الأغنية الشعبية إعداد شائقا مستخدمين ألات الطفل ، ولا بد أن تساعده وسائل الإعلام في ذلك.

وأرى أن الطفل العربي يحتاج إلى أغنية المهد ، فلا بد أن تغني الأم للطفل وإن لم تستطع فتبحث عن أغنيات جيدة لتغني لطفلها في المهد وتحرص في الوقت نفسه على أن تسمعه موسيقى جيدة في فترة التي يختزن فيها الطفل معلومات كثيرة.

منذ عقدين أو ثلاثة عقود كانت الأمهات تغنين لأطفالهن " ننه هوه" وغيرها من أغاني المهد القديمة التي تلاشت.

لماذا نحرم الطفل من أن يعيش حياته؟

وللدكتورة عفت عياد الأستاذة بقسم الغناء في كلية التربية الموسيقية بالقاهرة رأي حول هذا الموضوع فهي تقول :

ينبغي أن تكون أغنية الطفل قريبة منه من ناحية الموضوع والمضمون والمعنى وانتقاء الكلمات وسلاسة اللحن وأن تناسب مرحلته السنية ، فكلما كانت الجمل الموسيقية قصيرة كان حفظها وترديدها سهلا ، فلا ينبغي أن تطغى الآلات المصاحبة لها على اللحن ، وإذا كانت موزعة بآلات فينبغي أن تكون بسيطة تضفي على الأغنية روح البساطة.

ولأغنية الطفل أهمية بالغة في حياته المدرسية والمنزلية فيمكن أن نعلمه عن طريقها أشياء كثيرة يحتاجها في تربيته عموما ، من عادات وتقاليد وسلوك ومعلومات علمية وحسابية حسب مرحلته السنية . وأهم من ذلك كله أن الأغنية تضفي على الطفل روح الترفيه والبهجة، وكلما كانت بسيطة وسلسة سهل على الطفل ترديدها ، وعندما يكون عكس ذلك يكون الطفل مجبرا على أدائها في المدرسة فقط، ولا تترك له أي اثر ليرددها في المنزل ، وتكون النتيجة أنه يتجه لتقليد أغاني الكبار من الكاسيتات والإذاعة والتلفزيون، مما يشكل خطورة بالغة على الطفل من نواح كثيرة منها أن هذه الأغاني فوق إمكاناته الصوتية مما يؤثر على حنجرته.

كيف نجعل أغنية المدرسة هي أغنية المنزل؟

- عندما تتحقق جميع المواصفات اللازمة لأغنية الطفل من جميع الوجوه الموسيقية والفنية مع خلق التعاون من وسائل الإعلام (إذاعة وتلفزيون) ووضعها في خريطة برامجها على مدى اليوم الكامل ، نذيع أغاني الأطفال في فقرات تملأ آذان الأطفال في الأوقات التي تناسبهم ، فهذا حق الطفل على الدولة ، ومن الطبيعي أن تذاع الأغاني الهادفة تربويا وثقافيا واجتماعيا بجانب أشرطة الكاسيت التي تمر على المتخصصين . ويقول الأستاذ عبد الجليل حلمي المدير العام للتعليم الابتدائي المركزي بمصر:

لا شك أن التربويين يولون تربية النشء اهتماما كبيرا سواء من الناحية الجسمية أم العقلية أم النفسية أم الروحية وتبذل الوزارة جهدا كبيرا في تحقيق هذه الأهداف . ويدخل في ذلك مناهج التربية الموسيقية التي تعطي قدرا كبيرا من الاهتمام وتحرص على تسميتها التربية الموسيقية لأن الهدف منها تربية الطفل ، ترفع من ذوقه وتربي فيه الإحساس يتذوق كل جميل والانتفاع به في حياته.

كيف نجعل أغنية المدرسة هي أغنية المنزل ونحمي الطفل من ترديد أغاني الكبار؟

- لا بد أن يكون ثمة تخطيط بين وزارتي التربية والتعليم والإعلام، بمعنى أن يخصص التلفزيون جزاء من وقته لأغاني الأطفال بشرط أن تراعي الأغاني المقدمة للطفل مستواه الفكري والعقلي واللغوي والعاطفي وأن يسمعها كثيرا ، وبالتالي سيرددها بعد أن يحبها.

حصة التربية الموسيقية مركز إشعاع !

تقول نادية شفيق مدرسة تربية موسيقية إن المدرس الناجح ينبغي أن تكون لديه قدرة على التكيف مع تلاميذه ، ويقدر ميولهم ويقيم المعلومات التي يقدمها لهم بحيث تكون مطابقة لمراحلهم السنية .

وينبغي أن نراعي أهمية التوزيع كذلك فطفل الحضانة لا يزيد تركيزه على ربع ساعة ، وقد يشرد ويمل بعد هذا الوقت القصير ، ولا بد للمدرس مراعاة ذلك. أيضا من ناحية إعطاء المادة لا بد أن أكرر له المعلومات بحيث تختلف كل مرة عن الأخرى فلا أكررها بالطريقة نفسها حتى أجذب انتباهه ، ولا بد من الربط بين حياة الطفل البيئية ونشاطه المدرسي، وحتى أن يخرج الطفل منها بشيء ويوصل المدرس بخبرته هذا الشيء فهذه خبرة المدرس التربوية.

وحصة التربية الموسيقية يجب أن تكون مركز إشعاع ، فهي ليست مجرد تعليم أغنية إنما يصاحبها تقديم المعلومة ، بلعبة جديدة وبقيمة ما حتى املأ فكره وعقله وأبعده عن اللجوء لترديد أغاني الكاسيت الهابطة والمبتذلة.

 

هالة حلمي