الإعلام.. المرأة.. الجنس

الإعلام.. المرأة.. الجنس

ما الذي حصل حتى أصبح الجنس موضوعاً مركزيا في وسائل الإعلام والإعلان وما الذي دفع شبابنا للاستجابة لهذا الأمر؟

لا بد من التوقف عند كل مفردة على حدة قبل الولوج في الموضوع.

الشباب هو مرحلة من أدق مراحل العمر وأجملها وأصعبها, يحصل فيها الانفتاح على الحياة والتعرف إلى الآخر, تتبلور الشخصية, يصبح كل شيء موضع تساؤل: الذات, الأهل, المحيط, المجتمع. يكبر الحلم ببناء غد أفضل, يتوق الإنسان فيها للتغيير, للحرية, للتفلت من القيود وللمغامرة والاتصال والمشاركة.

الجنس يكون الهرمون المسئول عن الشهوة الجنسية في هذه الفترة عالياً, لذلك نجد الشباب ينجذبون نحو المشاهد المغرية, البرامج المثيرة, الإيقاعات السريعة, والعوالم الصاخبة. وبما أن الجنس جزء من تركيبة الإنسان فإنه يحتاج إلى رعاية واهتمام وأيضاً إلى تهذيب كبقية الغرائز. لأن المعرفة والوعي أساسيان للحصول على المتعة التي يجب إلا تكون على حساب الصحة والإنجاب السليم.

ومن شروط توافر الوعي الجنسي السليم: العيش في بيئة سوية, الانخراط والتفاعل مع المجتمع. إذ إن الإنسان كلما كان مطمئنا إلى وضعه ونقاط ارتكازه وكلما تهذبت ميوله ورغباته, كانت حياته الجنسية سليمة.

الإعلام هو العملية التي يتفاعل بمقتضاها المرسل والمتلقي في مضامين اجتماعية معينة. أي أن مكوناته تتفاعل بشكل ديناميكي, وهي ليست ثابتة وأي تغيير يطرأ على جانب يؤدي إلى حدوث تعديلات في الجوانب الأخرى. فللسياق الاجتماعي دور في استخدام المعلومات, وتفسيرها وإدراجها أو عدم إدراجها في الوعي.

بعد التوقف عند هذه المفردات الثلاث, سنحاول الإجابة عن الأسئلة التالية: ما الذي حصل في نهاية هذا القرن حتى أصبح الجنس موضوعاً مركزياً في معظم وسائل الإعلام والإعلان بأشكال ومستويات عديدة مباشرة وغير مباشرة? ما العوامل والظروف التي جعلت شبابنا يستجيب لهذا النوع من الموضوعات? وهل من سبيل للتخفيف من آثارها عليهم؟!

متغيرات نهاية القرن

مع دخولنا عصر الإلكترون وشبكات الاتصال انكفأت المرجعيات التقليدية وحلت اللا مركزية. أصبح المجتمع المولود حديثاً ينتظم حول الشبكات بعدما كان منتظماً حول هرمية السلطات. تراجع دور دولة العناية التي كانت ترعى الشباب وتخفف من انعكاس أزمة النظام الاقتصادي الحر عليهم. خف دور الوسطاء وبالأخص الأحزاب التي كانت تشكل قطباً جاذباً لحيوية ونشاط الشباب. وبهتت الأيديولوجيات السياسية التي كانت تشغل تفكيرهم وتحاكيهم في طموحاتهم وأحلامهم واستبدلت بها أيديولوجيا الاتصال الحاملة لأساطير تغري في العديد منها الشباب:

أسطورة "التقدم" الذي قيل إنه أصبح حقيقة ولا يمكن إيقافه. نتج عن ذلك قلق لدى شبابنا من أن يكونوا متأخرين عن مقاييس التقدم العالمية "عن اختراع, نسبة, موضة, دواء".

أسطورة "التقنية" التي تعمل على تركيز الفكر على ال "كيف" لتخفي السؤال "لماذا" "بدلاً من التساؤل مثلا عن أسباب ونتائج العنف على التلفزيون, تجعلنا التقنية نعتقد أن الحل هو بابتكار زر إلكتروني ينبهنا إلى المشاهد المؤذية". ينتج عن هذه الأسطورة إسكات الناس غير المختصين أي غالبية المواطنين.

"السرعة والآنية" كل من يتحرك سريعا يتقدم, يؤدي هذا الإيمان بالسرعة إلى قبول الشباب كلية بكل التطورات الحديثة "يجب الركض وأخذ القطار بسرعة وهو يمشي" غير أن عبادة السرعة هذه تولد لديهم نفاد الصبر وعدم متابعة الأمور.

أسطورة "روح العصر" يسهل استدعاؤها من قبل وسائل الإعلام لإخضاع الفرد لمتطلبات الحداثة, وبالتالي لمتطلبات الاستهلاك. لكن من يقرر ما العصر؟ من بين ملايين الوقائع التي تحصل في اللحظة نفسها, من يحدد ما وقائع العصر؟ في الحقيقة, العصر هو بناء سينوغرافي, وما نسميه حدثاً هو ثمرة انتقاء ومسرحة اعتباطية قام بها الإعلاميون تبعاً لفكرة مسبقة لديهم عن العصر. من يقرر مثلاً أن شخصية ما سوف تصبح شخصية الأسبوع أو الشهر أو العام.

باختصار من أراد أن يكون من عصره عليه أن يتبنى قيم أولئك الذين حددوه. من هنا نرى أن القطيعة ما برحت تزداد بين الشباب وأهلهم على اعتبار أنهم ينظرون إليهم وكأنهم خارج العصر!

أسطورة "الاتصال" الذي أصبح حقيقة تجيب على حاجات الشعوب وأصبح في أساس كل نجاح مهني أو عاطفي أو فني أو سياسي. لذا أهمية تعلم الاتصال تفادياً للإخفاق. نتج عن ذلك أسطورة "الإنسان المتصل" الذي لم يعد مهماً أن يتحدد من خلال عائلته أو غرائزه وانفعالاته.. بل أصبح يتحدد بجزء كبير من الخارج, من خلال مقدرته كفرد موصول بأنظمة اتصالية عديدة على جمع وتحليل ومعالجة الإعلام والمعلومات التي هو بحاجة إليها كي يعيش. نتج عن ذلك أن علاقة الشباب مع الوقت والمكان قد اختلت بسبب الانفتاح على الآنية المستمرة والامحاء التدريجي للمعالم المكانية "الساحة العامة, الشارع, المحلة" الأمكنة المميزة للبناء الاجتماعي, للمواجهة مع الآخرين وللتمفصل ما بين الاجتماعي والاقتصادي.

لقد أصبح التفاعل داخل "الملتيمديا" يترجم بتفاعل الإنسان وحيداً مع شاشته, مع المعطيات الموضوعة أمامه من قبل الطرف الآخر من الشبكة, مع النظراء والمختصين والخبراء. وتكون النتيجة غيابا شبه كامل للعلاقات التفاعلية العلائقية بين المواطنين الجديرة بتقوية الروابط الاجتماعية. من هنا نجد انكفاء الشباب نحو ذواتهم, لا مبالاتهم, عبثيتهم وارتيادهم المكثف لمقاهي ال netwrok "حيث يقدر الآن أجر الساعة بألفي ليرة". وأحياناً نحو تعبيرات دلالية مضادة تترجم بفورة موسيقى الروك, العودة إلى كاريزمات الدين والسياسة, عروض الرسم التجريدي, الرياضة, الإغراءات الشهوانية للإعلان. وجميعها طرق للعودة إلى الجسد المطرود من الاتصال الرقمي.

هذه الأساطير التي ذكرنا كونت نظاماً عالمياً, قوته أن مختلف مكوناته لا تكف عن الترابط وعن مساندة بعضها البعض. فإذا ضعفت إحداها حلت محلها الأخرى. إذا شككنا في مجتمع الاستهلاك سوف نتابع الاعتقاد بيقينية التطور التقني, وإذا تخوفنا من "الميديا" ترانا نحتفظ بالصورة الشاملة للحداثة التي تنقلها لنا. نرثي العولمة ونقف مبهورين أمام هذا الاتصال الرائع الذي يوحد الكرة الأرضية.

لذلك, نجد أن كل وسيلة تحمل الشيء ونقيضه, وكمثل على ازدواجية الوسائل الإعلامية, يمكننا التوقف عند محطة ال MTV العالمية, التي تطال حوالي 300 مليون منزل في القارات الخمس والتي هي ثمرة استراتيجية تمكنت من أن تتكلم مباشرة مع الشباب في العالم بأكمله مقدمة لهم موجة مستمرة من اللا مبالاة, الحيوية المفرطة, الحداثة, الشهوانية ومن الموسيقى اللغة العالمية بامتياز موسيقى "الروك" وال RAVE التي وصفت في الولايات المتحدة بأنها مناخ ونمط حياة. وبعدما أصبحت هذه المحطة رمزاً للصراع قامت بخلط دقيق بين البرامج وكانت المحصلة خلاصة من فكر الروك المتعي والليبرالي المسوى. وكانت الرسالة الاجتماعية للبرامج الثقافية بموازاة البرامج المثيرة والخلاعية التي تتحدث عن اللذة كقيمة مثلى.

لقد عملت على جمع المتناقضات "كما تحاول أن تعمل محطاتنا" وكانت المسألة لديها مسألة نسب حيث تقتضي اللعبة ملامسة الحدود المقبولة في المجتمع دون تخطيها.

أصبح الأمر يتوقف على إمكان الاستخدام وكيفيته, لأن المعلومة التي يمكنها أن تؤدي إلى إساءة استخدام المعلومات "مثلاً استخدامها في تسويق الجنس والممنوعات" والعقل البشري لا يمكنه استخدام معلومة جديدة إلا بناء على معلومات سابقة تمكنه من تعقيل المعلومة عن طريق ربطها بهذه المعلومات.

الشباب والمتغيرات

لكن هل يولد هذا التزاوج بين السوق والمعلوماتية تشويشاً وبلبلة في سلوك الشباب, بحيث يسهل فيما بعد جذبهم والتغرير بهم كمستهلكين مميزين؟

في الواقع, تصعب الإجابة عن هذا السؤال, ولكن يمكننا القول, إن تعدد الأساطير التي تلعب في موضوعية الشباب لا تشجعهم على التحليل والتفكير النقدي. وما يزيدهم تشويشاً هو الانسجام الحاصل بين الخطاب الذي يفرض عليهم "لأنه واحد" وبين تجربتهم للأشياء التي غالبا ما تأتي مناقضة لها. فالإيمان بأوتوسترادات الإعلام السريعة يقابلها زحام مدن وطرقات وزواريب, أسطورة "الاتصال" تترافق مع العزلة والابتعاد عن المجتمع.

إغراءات الإعلان "والركلام" وأشهر التسوق يقابلها انعدام للقدرة الشرائية. عبادة المنافسة تولد انكفاء. أنشودة النمو والاستهلاك توصل إلى العنف والحرمان. إثارة وإيقاظ الغرائز الجنسية يقابلهما كبت في المجتمع. باختصار, الإيقاعات الدينامية لهذا العصر تولد وجوداً مبهوراً لاهثاً.

ولهذا يجد الشباب أنفسهم مجبرين على ممارسة التفكير المزدوج, مكرهين على تصديق الكل وعكسه. فإلى الانشقاقات الاجتماعية تضاف الانشاقات الفكرية التي تقسم أعماق الداخل لكل فرد. وعندها لا يعود هؤلاء يعرفون أين يضعون رءوسهم, مما يؤدي بهم إلى نوع من "الشيزوفرانيا" الجماعية.

الجنس والحياة الخاصة

بما أن الميديا أصبحت المكان الوحيد الذي يعرف الشباب على العالم الذي يتطورون بسرعة بداخله, سواء كان على صعيد الإعلام عن الحياة العامة أو الخاصة, فإن إبراز أسرار الحياة الخاصة أصبح يشكل أساساً تجارياً لعملها, يلعب فيه النجوم والمشاهير الدور المميز بسبب تلاقي حبهم للظهور مع فضولنا لمعرفة ورؤية ما يفعل الآخرون.

حب الظهور والرؤية المباح يومياً في الميديا لم يعد خطيئة أخلاقية, إنما أصبح من ضرورات البقاء الاجتماعي والفني والسياسي, بعدما امتصت هذه الميديا تدريجياً دور الأقنية التي كانت تستخدم فعلياً لنشر الإعلام. وهي لم تفعل سوى أنها ملأت الفراغ الذي لم تكن مسئولة عنه.

إذ يعود أثر الميديا إلى طبيعة الرابط الاجتماعي الذي تتدخل فيه, فهي تساهم في توزيع آثار ونتائج أزمة القيم, باعتبارها الفاتك الأول لفكرة الحقيقة, بنظرها ليس هناك من حقيقة إنما وجهات نظر, لذا أصبحت وسيلة المراهقين التواقين لاستقلالهم وتفلتهم من القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية.

باختصار, الصورة الجديدة للفرد الذي يأخذ مكانه في تيار الاتصال الكبير حيث الآلات الذكية شريكة له, متشابكة مع مقدرة الميديا المتنامية والرابط الاجتماعي الذي يعمل على قاعدة الفكر الحساب, جعلت هذه الأمور من اللعبة الاجتماعية لعبة إعلام بالكامل, لم يعد هناك من مستوى خاص بالفرد ومستوى خاص بالمجتمع, الفرد والمجتمع أذيبا في رباط اجتماعي حديث موحد. إنها الشفافية التي سمحت بهذا الذوبان بفضل الاتصال.

في مجال الجنس, يبدو أن الحيز الخاص انهار بسهولة. فلم يعد ينقص وسائل الإعلام والاتصال "أزواجا أفراداً" مهيئين وراغبين في أعلمة استيهاماتهم وهلوساتهم الخاصة, وفي إظهار حميميتهم للعلن "وهذه طبعا موضوعات مربحة بامتياز لوسائل الإعلام".

بهذا المعنى, بعد أن كانت المشاهد الخلاعية مكاناً اجتماعياً مهمشاَ أصبحت من المشاهد الرمزية المركزية في مجتمع الاتصال بعدما اقترنت بالتسويق. وأصبحت هناك مجلات متخصصة, أفلام فيديو, محطات متخصصة عدا ما تحمله البرامج العادية والإعلانات والموسيقى من إيحاءات جنسية تتوجه إلى اللاوعي مقرونة مع حاجات طبيعية وفطرية عند الإنسان. وقد تكون مؤذية أكثر من البرامج المباشرة.

لذلك أصبح العري في العام بالنسبة لصالونات المحادثة الإلكترونية وشبه العري بالنسبة لوسائل الإعلام أمراً مألوفاً. ذلك أنه في هذا العالم الاصطناعي بالكامل, كل التضليلات مسموح بها, حتى الأكثر حقارة "القرصنة, الألعاب النازية, الإرهاب" إضافة إلى لائحة تعد بغد مغر مادياً, وهي التكنوجنسية الافتراضية "فاليري 2" تعرض لك فتاة بعادات أكثر من متحررة تستجيب لكل رغباتك. فهي لا تكتفي بالممارسات الجنسية الكلاسيكية التي لم تعد تتلاءم مع العصر!

إن تطور الاتصالات عن بعد سبب تحولاً مزدوجاً لشخصية الإنسان في مجتمعنا. من جهة, لم تعد هناك ضرورة للالتقاء الجسدي, ومن جهة أخرى, دشنت هذه الاتصالات مرحلة تطور المساحة العامة باتجاه المساحة الخاصة جدا. أن تكون عارياً لا يصدم, لأن ذلك ليس إلا صورة ضمن مجموعة الصور الإعلامية التي تتوسط بين الناس. وهي لا تلزم شخصيا من يمثلها, بالمقابل من يتلقاها, يتلقاها بشكل تلصصي. فهذه التكنولوجيا تحافظ على سرية طالب المعلومات, وهذا ما يشجع على إطلاق الغرائز الأساسية التي تعود الفرد على كبتها في العلن الاجتماعي. وهي لا تحمل مجرد فرصة انطلاق المكبوتات بل تحمل معها فرصة الاستجابة للجرائم الجنسية.

وهنا نقع في مفارقة, صحيح أن مفهوم الاتصال هو جاذب وقوي ويحمل قيماً إيجابية من الحوار والمشاركة والمعرفة. لكن هذه القيم حملت معها تطور العزلة والفردانية حيث جعلت الحداثة من البحث الفردي عن السعادة فكرة نهائية, مختصرة السعادة باللذة والمتعة, والمتعة بإرضاء الحاجات, وإرضاء الحاجات بكمية الاستهلاك. إنها سعادة على قياس الحداثة تخلق لها دائما حاجات جديدة, وهي مساوية للمداخيل العالية أي سعادة أشخاص على حساب آخرين. فملذات الحياة غالية ومكلفة, وتأتي المتعة الجنسية في أغلب الأحيان على حساب الصحة الجنسية "لذلك ارتفعت الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي من 5 إلى 26 مرضاً".

ولأن هناك رباطا وثيقا بين الاستغلال الجنسي والعنف العام, فالبقاء الاقتصادي يملي التصرف الأخلاقي. "أصبح أمرا شائعا وسهلاً أن تبيع فتيات أنفسهن لقاء مبلغ من المال تصرف على الكماليات".

تخفيف آثار الميديا

في هذا السياق العام حيث تحمل التقنية رؤيتها الخاصة للعالم مستقلة عن جميع قطاعات المجتمع, فارضة نفسها عليها, لا يستطيع أصحاب السلطة السياسية والمرشحون لها إلا أن يقوموا على خدمتها, فهم على الأقل يساعدونها ويرفعون من شأنها وليس العكس "فالتلفاز لا يقتصر فقط على اختيار لون ألبستهم وساعة وشكل مهرجاناتهم, بل يتحكم بالمصطلحات وشكل الجمل القصيرة وعدد الكلمات الطقوسية".

على الرغم من ذلك لا ننقطع عن الطلب من قنواتنا التلفازية إجراء تحقيقات معمقة, برامج ثقافية, وموضوعات صحية بدل البرامج الرخيصة الإيحائية المثيرة التي تبعث على القرف والغضب. وإذا كان التلفاز مكونا أصلا "للتسلية" وهو متوافق تماما مع غايته, فإنه يدخل الانسجام في الأمور المتنوعة, يحول الواقع إلى خرافة. إنه آلة لنزع الإيمان كما يقول أنزيو والإبعاد عن الواقع. وظيفته الخاصة إثارة الإعجاب وليس التثقيف, فهو لا يعمل على تعاقب الأفكار والاشارات إنما يقدم سيلاً من الصور دون تركيب وتجميع وتمييز. باختصار إنه الآلة التي تبرمج مسبقاً مبرمجيها, وهي لا تعمل إلا على هواها وليس على هوانا. أصبح التلفزيون آلة اقتصادية وليس أنبوباً من الأفكار وقسطلا من الحواس. فالآلة تحمل أخلاق صيانتها منسجمة مع مجتمع الفردية المتعية والاستهلاك الفوري. ليس من طبيعتها إثارة النقد ونقل الأفكار وإنتاج قناعة معينة, إنما شيء ما بين القبول السطحي والإشاعة الاجتماعية وقبول الإشاعة.

ينتج عن ذلك إمامجتمع منفتح لأبعد الحدود لا يغضب من شيء تخلى عن أي قداسة وبالتالي عن أي تماسك, وإما مجتمع يعيش هاجس العيب والفضيحة فينكفئ على نفسه متقوقعاً يعيش في ظلام وكبت قاتلين ينفجران عنفاً فيما بعد, أو مجتمع يحاول أن يحرر التعبير ويعود نفسه على تعاطي السم. لكن مضاعفة الاتجاهات وعدد الأقنية يعني زوال المعنى وإغراق الكلام في اللامعنى, يعني أيضا خلق نوع آخر من المخاطر.

لكن هل بإمكاننا أن نفهم لماذا انتصرت اللعبة الإعلامية دون أن نفهم أسباب أزمة الوجود الفعلية. خاصة أن اللعبة الإعلامية ليست عبثية وإن كانت لا تدعي أنها يمكنها أن تحل المشاكل الاجتماعية, فإن دورها يبقى كبيراً, يكفي أنها تولد ثقافة خاصة بها لتشخص المشاكل, تحط من قيمة الحياة العادية لتحل محلها, لتصبح الحياة الفعلية هناك على الشاشة وليس في الحياة اليومية الرتيبة المملة. كذلك الحب أقوى في المسلسلات منه في الواقع.

إزاء هذا الواقع لابد من العمل على الشباب كمتلقين, لابد من تكاتف الأهل والمدرسة والجامعة وجميع قطاعات المجتمع الأهلي لمشاركة هؤلاء الشباب في هواجسهم ولوضع نقاط ارتكاز جديدة تصلح لعصرهم, تتلاءم مع واقعهم, لإمدادهم بثقافة جنسية صحيحة وعلمية, فالجهل والتغافل عن هذه الموضوعات يزيدان المشكلة تعقيداً.

 

نهوند القادري عيسى