الرياض: واجهة حضارية لتراث الجزيرة والثقافة العربية

الرياض: واجهة حضارية لتراث الجزيرة والثقافة العربية
الرياض: واجهة حضارية لتراث الجزيرة والثقافة العربية

عدسة: طالب الحسيني

التمازج الأصيل والتناسق البديع والعمق هو الذي جمع المناسبتين، عاصمة الثقافة العربية 2000 و"الجنادرية" المهرجان الوطني للتراث والثقافة، فقد تجسدت فعاليات المناسبتين في وحدة واحدة أضحت بحق حدثاً ثقافيا بارزاً مشعاً ومعبرا عن مكانة المملكة العربية السعودية.

هناك في هذه الأرض التي كانت مهداً للإسلام واللغة العربية، قضينا عشرة أيام نشتم عبق الثقافة والتاريخ وننهل من منابعها أصالة الثقافة.

"الجنادرية" هي تلك الروضة الواقعة إلى الشمال الشرقي لمدينة الرياض، حيث تكون المصب لأودية ومسيلات مائية عدة.

وهي أرض حفلت بالعديد من النباتات الروضية فصارت مهوى لقلوب أبناء الرياض للتنزه الاستجمام عندما يتفتح الربيع.

الجنادرية في اللغة هي "جندر الكتاب: أمر القلم على ما درس منه، وجندر الثوب: أعاد له رونقه بعد تلاشيه".

على بعد 45 كيلو مترا من العاصمة الرياض تقع الجنادرية التي أقيمت بها منشآت القرية التراثية على مساحة "6 كم مربع تقريبا". تضم مجمعا يمثل كل منطقة من مناطق المملكة يشتمل على بيت وسوق تجاري وصناعات ومقتنيات وبضائع قديمة تقليدية، كما تضم مضمارا لسباق الهجن ومسرحا مغطى للاحتفالات.

في عدة حافلات تم نقل ضيوف المهرجان الذين قدموا من خارج المملكة الى قرية الجنادرية حيث بدأت فعاليات المهرجان الخامس عشر بسباق الهجن الكبير الذي تنافست فيه 282 من هجن الجزيرة العربية بمشاركة من الكويت، الامارات العربية المتحدة، وقطر.

اهتمام وتكريم

تلك هي فاتحة البداية التي أطلت من خلالها الجنادرية في عامها الجديد. وعندما اندفعت الهجن في المضمار الذي يمتد 19 كيلو مترا، كانت الأعين تحدق في الفضاء، باحثة في ترقب عن ذلك الفائز، الذي سيعيد من خلال خطواته المتوثبة، تصوير جانب من هذه الرياضة الاصيلة التي اخذت مؤسسة عسكرية سعودية هي الحرس الوطني، على عاتقها رعايتها وتشجيعها. وربما لا يدرك البعض ان هذه المسابقات مثلت النواة الأولى، التي حملت فيما بعد اسم المهرجان الوطني للتراث والثقافة.

في المساء تواصلت الفعاليات الخاصة بافتتاحية المهرجان الوطني ال 15 للتراث والثقافة، حيث كان الموعد مع الفن والاصالة والوفاء، إذ تخلل الحفل تكريم الأمير فيصل بن فهد يرحمه الله تقديرا لدوره البارز في دعم الرياضة والثقافة، ودوره في المهرجان الوطني، وبذله وقته وجهده لخدمة الثقافة، واهتمامه وعنايته بالأدب والأدباء محليا وعربيا. وتسلم درع التكريم نجله الأمير نواف بن فيصل نائب الرئيس العام لرعاية الشباب. وتسلم الفريق متقاعد يحيى بن عبدالله المعلمي وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثالثة بوصفه الشخصية الثقافية السعودية التي نالت التكريم هذا العام.

تميز العمل الأوبرالي الفني (امجاد التوحيد) لهذا العام والذي حضره ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني الأمير عبدالله بن عبدالعزيز نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وأمير دولة البحرين الشيخ حمد بن عيسى والعديد من ضيوف المملكة ومنهم وزير الاعلام الكويتي الدكتور سعد بن طفلة العجمي، تميز العمل بالارتقاء الى المقاييس الفنية المسماة، حيث تجاوز "اللوحات الفنية"، "الالوان التراثية الفنية" المعهودة إلى المقاييس الفنية الدقيقة للعمل الأوبرالي، الذي يزاوج بين العمل المسرحي الدرامي والعمل الفني الغنائي والموسيقي، فقد نجح الشاعر عبيد دخيل الله الدبيسي في رؤيته الشعرية للعمل حيث أتاح مجالا واسعا للعمل المسرحي ليأخذ مساحته اللازمة ويربط المكونات الملحمية الشعرية بالمكونات "الدرامية" فيما تلاحم بذلك النجاح نجاح آخر للفنان صالح الشهري بثقافته الموسيقية التي تجمع التراث والمعاصرة ليقدم لحنا اوبراليا متكاملا، موظفا "الرؤية الشعرية" في الرؤية الدرامية ومستفيدا من الوان وإيقاعات فنون الجزيرة العربية المتعددة والكثيرة.

وقد شارك في هذا العمل سبعة من نجوم الغناء في المملكة العربية السعودية، محمد عبده، طلال مداح، عبادي الجوهر، عبدالمجيد عبدالله، رابح صقر، خالد عبدالرحمن، وراشد فارس، واخرج العمل المسرحي المخرج العالمي "جون باسكال" الذي سبق أن أخرج حفل افتتاح كأس العالم عام 98 في باريس، بالإضافة إلى حشد كبير من الفنانين السعوديين من الفرق الشعبية يزيد على ثلاثة الاف راقص يؤدون أهم الرقصات البيئية من جميع مناطق المملكة.

إلا أن جمالية الاحتفالية لم تقتصر على الأوبريت بل كان ثمة عناق بين الشعر الشعبي والشعر الفصيح في المهرجان، وجاءت قصيدتا خلف بن هذال العتيبي والدكتور صالح الزهراني لتؤكدا على نوع من التصالح الفصيح والعامي. إذ إن الشاعرين اتفقا في مضمون قصيتديهما على المحبة للوطن. واختلفا في طريقة التعبير، إذ اتخذ الشاعر الاول أسلوب المحكي، في حين اتكأ الثاني على الفصيح.

تعميق الجذور

واهداف مهرجان الجنادرية الوطني متعددة لكنها في مجملها تؤكد على القيم الدينية والاجتماعية التي تمتد جذورها في اعماق التاريخ لتصور البطولات الاسلامية لاسترجاع العادات والتقاليد الحميدة التي حث عليها الدين الاسلامي الحنيف، في الوقت الذي تدعو فيه الى إيجاد صيغة للتلاحم بين الموروث الشعبي بجميع جوانبه والانجازات الحضارية، والعمل على ازالة الحواجز الوهمية بين الابداع الادبي والفني والموروث الشعبي، الى جانب تشجيع اكتشاف التراث الشعبي وبلورته بالصياغة والتوظيف في اعمال ادبية وفنية ناجحة، والحث على الاهتمام بالتراث الشعبي ورعايته وصقله والتعهد بحفظه من الضياع وحمايته من الاهمال، وكذلك العمل على صقل قيم الموروث الشعبي ليدفع برموزه الى واجهة المخيلة الابداعية ليكون في متناول المبدعين خيارات من موروثاتهم الفنية بألوان الفن والأدب. وتشجيع دراسة التراث للاستفادة من كنوز الايجابيات كالصبر وتحمل المسئولية والاعتماد على الذات لتدعيمها والبحث في وسائل الاستغلال الأمثل لمصادر البيئة المختلفة.

اضافة إلى رصد المتغيرات السريعة التي واكبت التقدم العلمي عالميا ومحليا واثر ذلك على الحياة الاجتماعية والثقافية في المملكة العربية السعودية من خلال المعارض والحرف التي توفر اسلوبا مميزا للمقارنة الموضوعية، ومن اهداف هذا المهرجان ايضا العمل على التعريف بالموروث الشعبي بواسطة تمثيل الادوار والاعتماد على المحسوس حتى تكون الصورة أوضح وأعمق، وإعطاء صورة حية عن الماضي بكل معانيه الثقافية والفنية، وتجديد التراث الثقافي والفكري الذي هو شاهد على اصالة هذه المنطقة ووفرة عطائها وخصوبة منبتها وعمقها الحضاري، فقد كانت المنطقة ومازالت زاخرة بالأدب والأدباء وأئمة الدين ورواد الفكر والعمل وكانت مجالس ذويها عامرة بالشعر والشعراء والعلماء في شتى المجالات.

مقتنيات التراث

لأجل هذا فقد شارك في المهرجان عدد من امارات المناطق في المملكة وما يزيد على 50 جهة حكومية واهلية في فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة "الجنادرية" من خلال عرض السلع القديمة والاعمال الحرفية التي تشتهر بها كل منطقة ونماذج للمنازل الطينية والاسواق الشعبية لعرض الحرف اليدوية وعرض آثار وتاريخ المنطقة وبعض المقتنيات التراثية. وتعتبر الجنادرية فرصة سانحة لابراز التراث الشعبي وشواهد التنمية وما تشهده المناطق من تطور وتنمية في مختلف المجالات. ولهذا فقد أنشأت الجهات الحكومية والخاصة اجنحة لها في القرية الشعبية روعي في تصميمها الجمع بين التراث والمعاصرة مثل بيت المدينة المنورة وبيت عسير وبيت القصيم وبيت الباحة وغيرها.

ومن الجهات الاخرى المشاركة، مكتبة الملك عبدالعزيز ومعهد الادارة العامة حيث يتمكن الزائرون من الاطلاع على بعض الوثائق الادارية التي تتعلق بالقرارات الحكومية منذ عهد المؤسس عبدالعزيز حتى الوقت الراهن ونماذج لاعداد قديمة لبعض الصحف المحلية سواء التي تصدر في الوقت الحالي او تلك التي توقف صدورها، كما يمكن للزائر الاطلاع على الانتاج الفكري من الكتب العلمية والمراجع والمؤلفات والمترجمات الى جانب عدد من الادلة والاصدارات الاعلامية المختلفة للكتب والمترجمات والبحوث العلمية لعدد من دور النشر المشاركة.

فعاليات ثقافية

وضمن فعاليات المهرجان افتتح الامير الفريق الركن متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز، نائب رئيس الجهاز العسكري للحرس الوطني وقائد كلية الملك خالد العسكرية ونائب رئيس اللجنة العليا المنظمة لمهرجان الجنادرية في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات بفندق الانتركونتننتال في الرياض النشاط الثقافي للمهرجان الوطني للتراث والثقافة.

حيث بدأت فعاليات النشاط بندوة بعنوان "شخصية سعودية" عن الفريق المتقاعد يحيى بن عبدالله المعلمي، وتضمن النشاط الثقافي 13 فعالية اشتملت على 6 ندوات و3 محاضرات تتناول موضوع الاسلام والشرق وأربع امسيات شعرية، منها اثنتان للشعر الشعبي، ومسابقة للقرآن الكريم، بالإضافة إلى عروض مسرحية ومعارض للفن التشكيلي شارك فيها 150 فنانا وفنانة تشكيلية.

في الوقت نفسه فقد اطل الموضوع الاقتصادي كأحد المحاور المطروحة في النشاط الثقافي لمهرجان الجنادرية الخامس عشر، إذ تضمنت فعاليات هذا النشاط ندوتين في هذا الاطار تناولت الاولى الاستراتيجيات الاقتصادية الوطنية والدولية في الشرق ودور الاسلام فيها، في ما تحدثت المحاضرة الثانية والتي برز فيها الجانب الاقتصادي بشكل محدود عن العولمة والوطن العربي.

وادار الندوة الاولى الخبير الاقتصادي الدكتور احسان بوحليقة عضو مجلس الشورى السعودي، وشارك فيها كل من الدكتور نور خالص ماجد "اندونيسيا"، والدكتور ابراهيم المطرف "السعودية"، والدكتور محمد رمضان اختر "باكستان"، والدكتور حسن محمد النابودة "الامارات".

اما الندوة الثانية الخاصة عن العولمة فادارها الدكتور حسن فهد الهويمل، وشارك فيها كل من الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالعزيز داغستاني عضو مجلس الشورى السعودي، والدكتور مصطفى عبدالغني "مصر"، والدكتور محمد جابر الانصاري "البحرين"، والدكتور محمد السيد سليم "مصر".

واعتاد مهرجان الجنادرية على طرح العديد من القضايا في مختلف القطاعات الثقافية والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، ومازال الوسط الاقتصادي يتذكر فعاليات "الجنادرية 10" الذي اقيم عام 1995، حيث تضمن حينها ندوة عرضت اهم التحديات الاقتصادية المعاصرة التي يواجهها العرب، وحذر وقتها المشاركون من هيمنة اسرائيلية مؤكدة على اقتصاد الامة العربية ومقدراتها المادية ضمن ما عرف اصطلاحا بالشرق الاوسطية، واكدوا على أهمية قيام سوق عربية مشتركة.

وفي قرية الجنادرية التي فتحت ابوابها للسيدات اقيمت عروض تراثية من مختلف مناطق السعودية في القاعة الرئيسية، كما أقامت اجنحة المناطق عروضا مماثلة.

وذكرت فاطمة السلوم رئيسة لجنة التراث النسائي للمهرجان في دورته الخامسة عشرة ان الفعاليات النسائية للنشاط التراثي للجنادرية ال 15 تم تحت رعاية الاميرة نوف بنت عبدالعزيز، وان الجهود بذلت من اجل اظهار هذا الحدث الوطني بالصورة المطلوبة، خصوصا انه تواكب مع اختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية لهذا العام.

وفي هذا الاطار اقيمت فعاليات النشاط الثقافي النسائي على قاعات مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، حيث عقدت الندوات والامسيات الادبية وتضمنت فعاليات هذا النشاط ندوتين فكريتين، الاولى عن المرأة المسلمة في ادبيات النهضة والتنوير: نقد وتقويم، والثانية الأسرة المسلمة في خضم العولمة، كما كان هناك امسية ادبية شارك فيها مجموعة من الاديبات السعوديات والعربيات.

حرف يدوية ومدن مصغرة

قرية الجنادرية التراثية شهدت اضافة جديدة ومتميزة، حيث افتتح الامير عبدالله بن عبدالعزيز يصاحبه امير دولة البحرين الشيخ حمد بن عيسى مبنى المدينة المنورة بالجنادرية والذي شيد على مساحة تزيد على 4 الاف متر مربع ويحتوي على محلات تجارية تمثل مختلف الحرف اليدوية بينما تقام في فناء الجناح الالعاب الشعبية، وهذا المبنى هو نموذج مصغر لمنطقة المدينة المنورة.

ان أكثر من ثلاثمائة حرفة يدوية معروضة بالسوق الشعبي للجنادرية تمثل انماط الحرف اليدوية بالمملكة ومن مختلف الاغراض، حيث يحتل الجانب التراثي والسوق الشعبي بدكاكينه واجنحته وساحاته الداخلية والخارجية والتي تتنوع فيه الانشطة سواء الحرفية منها او الصور الاجتماعية المتنوعة.

واوضح رئيس لجنة التراث الشعبي بالمهرجان الوطني للتراث والثقافة حمد بن سليمان الطريف ان لجنة التراث الشعبي بالمهرجان من أولوياتها ابراز اوجه التراث الشعبي المختلفة متمثلة في الصناعات اليدوية والحرف التقليدية، بهدف ربطها بواقع حاضرنا المعاصر والمحافظة عليها كهدف من اهداف المهرجان الاساسية وابرازها لما تمثله من ابداع انساني تراثي عريق لابناء هذا الوطن على مدار اجيال سابقة اضافة الى انها تعتبر عنصر جذب جماهيري للمواطنين والمقيمين. وقد تمت مراعاة التجديد في الحرف اليدوية لهذا العام، وذلك بالتنسيق المستمر بين اللجنة وامارات مناطق المملكة، وقد اعطى ذلك السوق الشعبي ومباني الامارات الخارجية طابع التغيير عن السنوات السابقة واتاح الفرص للزائرين والباحثين في اثراء معلوماتهم في الحصول على حرف جديدة ومميزة، ومن هذا فقد تم التركيز من خلال هذا العام على جميع الصناعات التقليدية سواء جلدية واسلحة قديمة وخوصية وخشبية ومعدنية وفخارية ومنسوجات وحديدية وفضية وأكلات شعبية وملابس قديمة، والتي بلغت هذا العام ما قارب "ثلاثمائة" حرفة وصناعة يدوية تمثل جميع مناطق المملكة تعرض في دكاكين السوق الشعبي والساحات الداخلية بالاضافة الى المباني الخاصة بإمارات بعض المناطق مثل: عسير القصيم المدينة الباحة جيزان المزرعة التقليدية، كما شاركت حرف من دول مجلس التعاون الخليجي وهي من دولتي البحرين وقطر الشقيقتين، بالاضافة الى العديد من الانشطة التراثية التي تم عرضها في الساحات الخارجية للسوق.

وينظر المثقفون السعوديون الى المهرجان كمناسبة تاريخية تحل كل عام في مجال الثقافة، ومؤشر عميق الدلالة على الاهتمام بالتراث والثقافة والقيم العربية الأصيلة، وهي مناسبة كما يقولون وطنية يمتزج في نشاطاتها عبق التاريخ المجيد بالحاضرالزاهر، وهي تأكيد للهوية العربية الإسلامية وتأصيل للموروث الوطني السعودي والمحافظة عليه.

هناك بدت ملامح القرية التراثية التي اقيمت على ارض الجنادرية حيث تشارك مختلف مناطق المملكة سنويا لابراز ما تتميز به السعودية من مساحات مترامية الاطراف تكثر فيها مظاهر العادات والتقاليد وتنوع التراث، فأخذت المناطق تقيم مبانيها مثل بيت المدينة المنورة وبيت الباحة وبيت عسير وبيت القصيم حتى تكتمل الجنادرية كمتحف للتراث العمراني في المملكة العربية السعودية وبصيغة متميزة يندر وجود مثيل لها في دول العالم.

فمن الاحساء يعرض منصور الشيخ بعض المجسمات مثل الديناصورات والطائرات والكثير من النماذج بما يعكس مهارته في الصناعة الخشبية اليدوية، يقول الشيخ ان مجسماته تصنع دون براغ أو مسامير، كما أنه يشارك لأول مرة في المهرجان الوطني للثقافة والتراث.

ويعرض المواطن محمد القصيمي نماذج من الطار والطبول، مشيرا إلى مشاركاته الممتدة سبع سنوات بالجنادرية ويستخدم القصيمي جلود البعير ومختلف الحيوانات لصناعته التي يقول انه يعمل بها منذ 18 عاما بعد ان ورث المهنة عن جده بمنطقة الاحساء وتتراوح اسعار الطبول التي يبيعها لبعض رواد المهرجان بين 60 و200 ريال سعودي حسب النوعية ونوع الجلد المستخدم فيها.

وفي مساحات واسعة برزت مجموعة من الفنانين التشكيليين الموهوبين من القصيم يمارسون الرسم على الطبيعة ويضم معرض القصيم للفنون التشكيلية نحو 36 عملا، يقول الفنان سامي السعيد: هذه المشاركة الاولى لي في الجنادرية والمعرض تابع لامارة منطقة القصيم حيث نقوم برسم اللوحات وعرضها من خلال الجنادرية بهدف إبراز الجانب التشكيلي في المنطقة، أما عبدالعزيز المرشود فيشارك للمرة الثانية ويقول ان الجنادرية فرصة لعرض أعماله واكتساب أفكار جديدة.

الاهتمام باقامة مهرجان للتراث انطلق من حقائق ثابتة أهمها ان الموروث الثقافي والتراثي والفني في المملكة العربية السعودية غني بعناصره المتعددة وينبع ثراؤه من الابتكار والإبداع الفكري للاجيال السابقة جيلاً بعد الآخر متفاعلاً ومستفيداً مما تركه له الجيل السابق، إلى جانب أن هذا الموروث الشعبي مليء بالعناصر الإيجابية التي تخدم الدين والوطن، ولذا يجب المحافظة عليها ودراسة تأصيلها لتستمر الهوية العربية إسلامية أصيلة.

في الوقت نفسه فإن الحياة المعاصرة سريعة التغير حافلة بالتقدم العلمي والتقني والمعلوماتي لدرجة أن العالم أصبح شبيهاً ببلدة صغيرة على رحابة الكرة الأرضية، وأمام هذا كله قد تهمل الأجيال عناصر مهمة في التراث، وفي حالة أخرى يمكن أن تنسى جزءاً منه أو تضيعه، ويؤكد منظمو المهرجان في هذا الصدد أن الاتصال مع العالم الخارجي والاحتكاك المستمر الناتج عن حركة الحياة العامة للإنسان في هذا الكون، قد يدعوان إلى نقل عادات وتقاليد غير مألوفة، ومنها ما يضر بحياتنا وسلوكنا الحضاري المرتبط بالقيم الخالدة لديننا الإسلامي الحنيف، فالتقدم العلمي والتقني الذي حققه العالم المحيط بنا جعلنا نقف مبهورين ومندهشين ويصل بنا الأمر إلى التقليد والمحاكاة، ومن ثم الاستهلاك، وبالتالي أهملنا أفكارا وابتكارات محلية مهمة تزداد قيمتها كلما توجهنا إلى تطويرها ودعمها، كما عطلنا عملية التفكير والمحاولات والإبداع في مجتمعاتنا.

اضافة إلى أن قضايا الانتماء وحب الوطن والدفاع عن المقدسات والأرض والفخر والاعتداد بهويتنا كلها قيم تستمد قوتها وديمومتها من عقيدتنا الإسلامية السمحة، وتراثنا المجيد، ويقتضي ذلك المحافظة على هذه القيم والتأكيد على عظمتها وتنميتها لدى المواطن باعتبارها هدفاً وطنياً يتزامن والمسيرة الحضارية لبلادنا، ويواجه الغزو الثقافي بشتى صوره.

رمز لاختيار وطن

من جهته، قال الرئيس العام لرعاية الشباب رئيس اللجنة العليا لاحتفالات الرياض عاصمة الثقافة الأمير سلطان بن فهد بن عبدالعزيز عن اسباب اختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية عام 2000م ولماذا لم يتم ترشيح مدينة سعودية اخرى، ان الاختيار رمز لاختيار وطن بأكمله ولا يعني تميزا لمدينة سعودية دون اخرى، فنحن في المملكة العربية السعودية نسيج واحد لثقافة وطنية واحدة اساسها الاسلام وغلافها المنجز الثقافي العربي على امتداد تاريخه الطويل هذا جانب، اما الجانب الاخر فان الاختيار العربي للمدن العربية مرتبط اكثر بالعواصم العربية كما هو الحال في القاهرة وبيروت وهكذا.

يضيف الأمير سلطان بن فهد قائلا: ان اختيار العاصمة السعودية عاصمة للثقافة العربية عام 2000م هو مصدر اعتزاز لنا كسعوديين باعتبار هذا الاختيار تتويجا لتنمية ثقافية وتقديرا لمشهد ثقافي وتيمنا بثقافة عربية اسلامية ستظل دائما بحول الله مصدر الالهام والابداع والعطاء.

وحول اذا ما كان اختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية فرصة لدعم الحركة الثقافية العربية عامة والثقافة في المملكة العربية السعودية خاصة قال الأمير سلطان بن فهد: ان هذا مؤكد وإلا فإن برامج العواصم الثقافية العربية تصبح مفرغة من محتواها وليس لها مدلول يذكر، بل اننا نؤمن في المملكة بأن كل اختيار هو بحد ذاته يشكل دعما للثقافة العربية بألوانها ومشاربها وأذواقها العربية المختلفة، وان لهذا التبادل العاصمي للثقافة افرازا ايجابيا سينعكس على واقع الثقافة العربية في المجتمع العربي بأكمله، فهي مراحل انفتاح عربي/ عربي وابراز لمكنون كل بقعة عربية مما تكتنزه من تاريخ وثقافة وتميز. ونأمل ان يكون في عاصمتنا السعودية ما يضيف الى الثقافة العربية كحركة وكأسس لا نختلف عليها كثيرا كعرب مثقفين وتبقى هي السياج للحمى العربي بحول الله دائما.

ويقول الامير سلطان بن فهد بن عبدالعزيز حول المسئوليات التي وضعت ان برامج العاصمة "الرياض" ليست مسئولية الرئاسة العامة لرعاية الشباب فقط انها جهد متكامل ومشترك تتدخل فيه كل المواقع الثقافية والمعرفية والعلمية في بلادنا لتقديم منظومة متكاملة تعبر عن الانجاز الثقافي في الوطن العربي السعودي.

أما مسألة التجديد والاضافة فهي بلاشك واردة كل وقت لان هذه هي سنة الحياة، والتطلع للقادم لا يعني كذلك تهميش جهود السابق سواء على مستوى الشخصيات او الاقطار او الخطط الموضوعة.. وفيما يخص هذه المناسبة تحديدا بالنسبة للرئاسة فإنها بلاشك ستكون ذات مردود ايجابي على تأصيل الاداء الثقافي ورسم ساحته من خلال التفاعل الثقافي المتوقع للمناسبة.

العاصمة الثقافية

وتحتضن الرياض كثيرا من المعالم الثقافية ففيها مكتب التربية العربي لدول الخليج، وبها مؤسسة الملك فيصل التي تتولى جائزة الملك فيصل العالمية، وبها جامعتان كبيرتان، وتحتضن أول موسوعة عالمية باللغة العربية تم انجازها بتمويل من الامير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وبها ايضا العديد من المكتبات والدور الثقافية. وبرنامج اختيار العواصم واعلانها كعواصم ثقافية هو احد الانشطة التي اقرتها اليونسكو خلال العقد العالمي للثقافة "1980 1989" وفي نهاية العقد رأى المجلس التنفيذي لليونسكو ان يستمر هذا النشاط باختيار عواصم ثقافية، ثم تبنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بتونس هذا البرنامج وتم تطبيقه على العواصم العربية.

وقد ظهر اسم مدينة الرياض لأول مرة في القرن الثامن عشر الميلادي الا ان المنطقة التي يمتد عليها عمران الرياض شهدت وجودا بشريا منذ ما يقرب من ربع مليون سنة، حيث جرى العثور على أدوات حجرية ترجع إلى ما بين مائة ومائتين وخمسين ألف سنة اثناء انشاء مطار الملك خالد الدولي الذي افتتح قبل حوالي 16 عاما.

ويبدو أن نواة مدينة الرياض الحالية تكونت منذ القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين مثل معكال ومقرن والعود وغيرها، حيث التحم عمرانها لقرب المنطقة التي يلتقي فيها وادي البطي بوادي حنيفة، وقد يكون في تسمية مدينة الرياض ما يشير إلى ذلك، إذ إن لفظة الرياض هي جمع روضة والروضة سميت بذلك لاستراضة الماء فيها وغالبا ما تكون الروضة مكانا ذا خضرة، وعلى ذلك فالتسمية تحتمل الإشارة إلى أن الرياض تكونت من تجمع أكثر من روضة وأنها قريبة من مصادر المياه.

ووفقا لتوقعات الباحثين في الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض فان سكان المدينة سيصل عددهم في عام 2006 الى 6 ملايين نسمة، ويرتفع هذا العدد في عام 2011 إلى 7.7 مليون نسمة، كما يتوقع ان يسجل عام 2016 عدد السكان في مدينة الرياض 9.2 مليون نسمة، ويرتفع هذا الرقم في عام 2021 ليصل إلى 10.5 مليون نسمة.

ويبلغ عدد سكان مدينة الرياض حاليا 4 ملايين نسمة، وأغلبهم من فئات الأعمار الصغيرة، ومتوسط العمر لاجمالي السكان حوالي 22 عاما، ويحمل حوالي 57 في المائة من العاملين في المدينة الشهادات الجامعية.

وكنا قد التقينا الأستاذ عبدالرحمن بن محمد العليق الأمين العام المساعد لبرامج الرياض عاصمة الثقافة العربية لعام 2000م الذي قال ردا على أسئلتنا: اختيار إحدى العواصم العربية "عاصمة للثقافة العربية" لعامٍ من الأعوام، هو نهج انتهجه مؤتمر وزراء الثقافة العرب من عام 1996م حين تم اختيار القاهرة عاصمة الثقافة العربية لهذا العام، ومن بعدها جاء دور تونس عام 1997م، ثم الشارقة عام 1998، ثم مدينة بيروت عام 1999م.

وكان اختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية لعام 2000 أحد قرارات مؤتمر وزراء الثقافة العرب في دورته الحادية عشرة التي عقدت بالشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة "شعبان 1419 ه/نوفمبر 1998م" استجابة لرغبة المغفور له بإذن الله صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز طيب الله ثراه، الذي كان يمثل المملكة في اجتماعات هذا المؤتمر وكان يشعر بحسه المرهف بما لهذا العام "2000م" من جاذبية ثقافية إعلامية خاصة. وفكرة العاصمة الثقافية تجيء اتساقاً مع اتجاه منظمة اليونسكو في إعلان "العقد العالمي للتنمية الثقافية"، والذي ظهرت منه فكرة "العواصم الإقليمية الثقافية".

واضاف قائلا إن المفاجأة الحقيقية كانت في هذه الاستجابة الحماسية لدعوة اللجنة العليا لبرامج "الرياض عاصمة الثقافة العربية لعام 2000م" التي يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد بن عبدالعزيز الرئيس العام لرعاية الشباب، وتضم في عضويتها صاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد نائب الرئيس العام لرعاية الشباب نائباً لرئيس اللجنة العليا، وعدداً من كبار الشخصيات الممثلة للمؤسسات المعنية بالثقافة بالمملكة من الوزارات والجامعات والهيئات الحكومية وغير الحكومية، المؤسسات والشركات والأفراد.

وقد تقدمت كل جهة ببرامجها التي تشارك بها ضمن فعاليات المناسبة على مدى عام 2000م، إلى الأمانة العامة للجنة العليا، وهي في مجموعها برامج متنوعة تعكس مدى اهتمام وتخصص الجهة المنفذة لها في شكل تكاملي بحيث تتضافر الجهود كلها لتعكس أوجه الثقافة المختلفة في المملكة في مظاهر وصيغ متنوعة، وقنوات متعددة، ليس في مدينة الرياض فحسب، وإنما في سائر مدن المملكة بمختلف المناطق.

كما أن بعض الدول العربية والصديقة رغبت في المشاركة في بعض الفعاليات بالمملكة، وعلى الجانب الآخر فإن سفارات خادم الحرمين الشريفين في الخارج تقوم بدورها في الإعلام عن أهمية المناسبة وفعالياتها وسوف تنسق مع الجهات المعنية بالمملكة لإقامة أنشطة في بعض الدول.

واشار إلى أن البرنامج العام لهذا الحدث الكبير، يتضمن في سياقه كل ما يمت للثقافة بصلة بالمعنى الشامل لمفهوم الثقافة من محاضرات وندوات ولقاءات، ومعارض للكتب وأخرى للفنون التشكيلية والمخترعات ومبتكرات الشباب العلمية، ونشاط المكتبات وإصدارات الكتب والمجلات، ورسوم الأطفال، وأمسيات الشعر الشعبي والنبطي والفصيح، ومهرجانات التراث والفنون الشعبية، والحفلات الفنية والمسرحية ومسابقات حفظ وتلاوة القرآن الكريم، ومسابقات القصة والمسابقات الثقافية، والمخيمات الكشفية، إلى جانب المؤتمرات العلمية واجتماعات الخبراء وحلقات النقاش، وورش العمل، إضافة إلى نشاط إعلامي عريض يواكب كل هذه الفعاليات من خلال مختلف وسائل الإعلام بما فيها شبكة الإنترنت.

مركز الملك عبدالعزيز التاريخي

من المؤسسات المهمة في العاصمة الرياض والتي تجعلها تفتخر بأنها عاصمة العرب الثقافية مركز الملك عبدالعزيز التاريخي، ويقام المركز على أرض مساحتها 360 ألف متر مكعب في وسط المدينة حيث يقول الدكتور سعد الراشد وكيل وزارة المعارف لشئون الآثار والمتاحف: لقد اختير هذا الموقع لأهميته التاريخية والسياسية حيث يضم قصر المربع الذي كان مقراً لديوان الملك عبدالعزيز رحمه الله إضافة إلى أهمية المواقع التراثية والعمرانية لاحتوائه على مجموعة من المباني التراثية المهمة، وقد قامت الفكرة التصميمية على تحويل المنطقة إلى مركز حضاري وثقافي رئيسي على شكل منتزه عام يضم في داخله مجموعة من المباني التي تتوسط هذا المنتزه ويتوسط المنتزه العام ميدان رئيسي بمساحة قدرها 20000 متر مربع.

ويحتوي المركز على عدد من المنشآت الثقافية التي تتمثل في المتحف الوطني ودارة الملك عبدالعزيز ومكتبة وقاعة للمحاضرات، كما يتضمن المركز عدداً من المنشآت التاريخية في مقدمتها قصر المربع.

د. صالح بن ناصر من الرئاسة العامة للشباب قال: ان اختيار الرياض عاصمة ثقافية جعلنا نعمل كخلية نحل في جميع الاتجاهات فهناك عمل ثقافي داخلي وخارجي يشارك فيه الجميع وقد أقيمت 3 أسابيع ثقافية في الخارج لهذه المناسبة، كما أننا نحتفل بهذه المناسبة لندشن العديد من المؤسسات الثقافية التي هي في الواقع البنية التحتية لأعلى عمل ثقافي راسخ، كما أننا نستفيد من الخبرات الداخلية والخارجية، ولدينا مشروع مهم سيفتتح قريبا هو مركز الملك فهد الثقافي، والذي يعد نموذجا لأي عمل ثقافي فهو يحوي كل مستلزمات الندوات والمؤتمرات الثقافية من قاعات وقبة فلكية ومسرح وقاعات لعرض الفنون التشكيلية.

إن عملنا في الرئاسة العامة للشباب ليس فقط مقصورا على الرياض وإنما نرعى الأندية الأدبية في المملكة. وهناك خطة طموح لإعادة ترميم معظم الأندية الأدبية المنتشرة في المملكة.

الكثير من المثقفين في الرياض لديهم تجمعهم الخاص والذي يدعون إليه شخصية عامة في أمسية يطلقون عليها "الإثنينية" نسبة إلى يوم الاثنين أو "الأحدية" نسبة إلى يوم الأحد. ومنهم د. راشد المبارك والشيخ عثمان الصالح الذي دعانا إلى خيمة اثنينية في ليلة من شتاء الرياض البارد حيث كان المتحدث الرئيسي رئيس مجلس الشورى الشيخ محمد بن ابراهيم بن جبير حيث ألقى محاضرة مطولة عن دور مجلس الشورى في المملكة العربية السعودية وطريقة تشكيله ومستقبله، حيث كان هناك حضور كثيف ونقاش ذو مستوى رفيع وبحرية كاملة وموضوعية وأدار النقاش عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالرحمن الشبيلي.

رئيس النادي الأدبي في الرياض الدكتور عبدالله بن إدريس يقول إن الأندية الأدبية في المملكة العربية السعودية هي أحد أهم المراكز الثقافية التي تتلاقى فيها الأفكار ويظهر فيها المنتج الثقافي. وهي مراكز مهمة لتجمع المثقفين والأدباء ويصدر عنها المجلات الثقافية.

ويضيف عبدالله بن إدريس: لقد احتفلنا بثلاثية مهمة خلال عامين وهي مرور مائة عام على توحيد المملكة وفتح الرياض والذي كان بلاشك البداية، والاحتفال باختيار الرياض عاصمة الثقافة العربية، وبالمهرجان الوطني للتراث "الجنادرية" هذه الثلاثية تصب في خانة التطور النهضوي الحضاري الثقافي للمملكة العربية السعودية عامة ولمدينة الرياض خاصة، وهي تحقق لنا إنشاء البنية الأساسية للمؤسسات الثقافية ولدينا العديد منها، مثل مؤسسة الملك فيصل الخيرية وجائزتها التي تعد أكبر جائزة في العالم العربي والإسلامي ومدينة الملك عبدالعزيز للتكنولوجيا وهي مؤسسة علمية وثقافية تصب في خدمة الأمة العربية.

وحول ظروف النشر والتعبير في المملكة يقول رئيس النادي الأدبي بالرياض إنه لا يوجد هناك موانع، فلدينا حرية ولكنها حرية مسئولة ولدينا قوانين وما يتجاوزها فهو غير مسموح به، وتحت اطار الحرية المسئولة والتي تبني ولا تهدم نمارس دورنا في النشر والمحاضرات واللقاءات.

الدكتور عبدالمحسن العكاس عضو مجلس الإدارة ومساعد الرئيس للدراسات والتخطيط في المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق والتي يصدر عنها العديد من الصحف والمجلات "الشرق الأوسط، مجلة المجلة، سيدتي وغيرها". يرى أن الانفتاح الإعلامي والسياسي والثقافي الذي تمر به المملكة هذه الأيام يضع الكثير من السعوديين أمام تحد واقعي وهو الدخول إلى الانفتاح من البوابة الطبيعية، والكثير من المثقفين السعوديين لديهم سوء فهم للحداثة. إن قلة الإنتاج لا مدلول له سوى قلة البحث العلمي، فالذين يتحدثون عن غياب الحرية حديثهم موهوم وليس واقعا في مجتمعنا السعودي، ونحن مجتمع تقليدي يتطور ولا يتقبل الحرية غير المسئولة التي ينادي بها البعض. ويتصور العطاس الذي سبق أن تقلد مناصب اكاديمية وصحفية أن المثقف السعودي الرقيب على نفسه.

مهد لحضارات عدة

وكيل وزارة المعارف للشئون الثقافية الدكتور إبراهيم بن عبدالعزيز الشدي يؤكد ان اختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية لعام 2000 يعبر عن المكانة المتميزة التي تحظى بها المملكة في المجتمع الدولي بصفة عامة، وهو تأكيد لأهمية العناصر الثقافية التي تزخر بها وتقدير للمساهمات الثقافية المتميزة التي تقدمها المملكة محلياً وعربياً ودولياً، مشيرا إلى شواهد الاهتمام التي توليها المملكة لمجال الثقافة ومن ذلك الآلاف من الآثار التاريخية التي تحتضنها وتمثل حضارات متنوعة في طابعها وعصورها، والمؤتمرات العلمية والثقافية المتعددة والمتنوعة التي تستضيفها المملكة كل عام ويشارك فيها علماء ومثقفون من مختلف دول العالم، وإقامة المهرجانات الثقافية المتنوعة وفي مقدمتها مهرجان الجنادرية الذي أخذ مكانة عربية ودولية مرموقة، إضافة إلى اصدار أول موسوعة شاملة باللغة العربية نالت تقدير الأمة العربية، وأشادت بها المنظمات الثقافية العربية والدولية، وانتشار المكتبات العامة والتي تقارب ثمانين مكتبة عامة تنتشر في كل أجزاء المملكة بجانب المئات من المكتبات الخاصة والجامعية والآلاف من المكتبات المدرسية، وتوافر النوادي الأدبية التي تمثل منتديات أدب وحوار لكل فئات المثقفين والأدباء في المملكة، وتعدد الجوائز الثقافية التي تنظم على مستويات مختلفة وفي مقدمتها جائزة الملك فيصل العالمية، وكلها تهدف إلى تشجيع المبدعين في فنون الثقافة المختلفة، واتساع ميدان المعرفة والثقافة بين فئات المجتمع السعودي، من خلال الانتشار السريع للتعليم في المملكة، وتوافر مصادر المعرفة المفيدة والمتنوعة. حول هذه الجوائز واهميتها يقول الأمين العام للجائزة الدكتور عبدالله بن صالح العثيمين: هذا العام أيضا شهد فوز ستة من رجال الفكر والأدب والعلوم من جنسيات عربية واسلامية وأجنبية بأربعة فروع من جائزة الملك فيصل العالمية اضافة إلى مؤسسة الجامع الأزهر المصرية التي فازت بالفرع الخامس وهو خدمة الإسلام، وأعلن المدير العام لمؤسسة الملك فيصل الخيرية ورئيس هيئة الجائزة الأمير خالد الفيصل أسماء الفائزين في احتفال اقامته المؤسسة راعية الجائزة بحضور عدد من كبارالمسئولين السعوديين ورجال السلك الدبلوماسي العربي والإسلامي المعتمدين بالرياض في فبراير الماضي.

أمير منطقة الرياض في حوار مع "العربي"
الأمير سلمان: النهضة الثقافية في المملكة
نتاج للاستقرار السياسي

التقت "العربي" سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض حيث جرى الحوار التالي:

  • كيف استعدت الرياض لتكون أول عاصمة ثقافية للعالم العربي في بداية القرن الجديد؟

يعد هذا الاختيار حدثاً تاريخياً نسعد ونعتز به، ونجدها مناسبة كبيرة لإبراز دور المملكة في الثقافة العربية الإسلامية، وما تحقق لهذه الدولة من انجازات على أصعدة كثيرة ومنها الثقافة وذلك بفضل الله تعالى ثم فضل الرجال المخلصين، وهي مناسبة ثمينة لكي نستعيد فيها ذكرى المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه الذي أرسى الدعائم الأولى للتربية والتعليم في المملكة وتابع أبناؤه البرره ذلك الغرس اليانع إنجازاً ونتاجاً القطاف.

فمع فتح الرياض بدأ الملك عبدالعزيز في وضع أسس الدولة الحديثة وقواعدها وكان التعليم أحد هذه الأسس المهمة فأصدر أمره الكريم عام 1344 ه بإنشاء مديرية المعارف العمومية، لتشرف على التعليم في مراحله المختلفة كما أولى رحمه الله التعليم الديني اهتماما كبيرا فأمر بإنشاء المعاهد العلمية وكليات الشريعة في مكة والطائف والرياض بدءاً من عام 1364 ه.

وشهدت الرياض التي نحتفل بها هذا العام عاصمة ثقافية ميلاد أول مدرسة نظامية عام 1362 ه، ولكنها اليوم كمنطقة تضم أكثر من ثلاثة آلاف مدرسة وعددا كبيراً من كليات التعليم الجامعي إضافة إلى المكتبات العامة ودور النشر والصحف والمجلات والمؤسسات الثقافية الكثيرة، والرياض مثال واحد على هذه النهضة العلمية والثقافية التي ترى علاماتها بارزة وجلية من حولنا وفي كل مناطق المملكة والتي ينعم بها المواطن والمقيم في بلادنا على حد سواء.

  • ما هي المؤسسات الثقافية التي هيأتها الرياض كي تبرز وجهها الثقافي؟

كان من نتائج اهتمام الحكومة الرشيدة بالثقافة والتعليم هو ما نراه اليوم من مؤسسات ثقافية في الرياض على مستوى عال من الشهرة محلياً وخارجياً، ومساهمتها في حقول المعرفة المختلفة والتي سيكون لها الدور الكبير في نجاح هذه المناسبة.

وسوف تتضافر جهود هذه المؤسسات مع هيئات أهلية وأفراد في الاحتفاء بهذه المناسبة، ولتشهد كلها على ما حققته الثقافة في المملكة من إنجاز متميز في كل الحقول.

  • كيف تم اختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية؟

لابد لنا أن نذكر أن هذا الاختيار هو إحدى الثمار التي غرسها صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد يرحمه الله تعالى عندما قام بتبني هذه الفكرة إلى أن أصبحت واقعاً حقيقياً من قبل اليونسكو، وهذا الاختيار ولله الحمد جاء تقديرا لجهود المملكة في الثقافة ولكونها تملك دورا فاعلاً في تجربتها الفكرية والإبداعية، إضافة إلى أن الرياض العاصمة هي المدينة التي انطلقت منها راية التوحيد بما صاحبه من استقرار سياسي وأمني نمت في ظل نهضتنا الثقافية والعلمية، وإذا كنا سعداء بأن يلمس الناس عن كثب جهود وإنجازات المملكة في الثقافة فإننا كذلك أمام تحد كبير في أن نكون عند حسن الظن وفي مستوى المأمول منا وعياً وإدراكاً لدورنا في منظومة الثقافة العربية والإسلامية.

  • ما هي الاقتراحات التي تم وضعها حتى يبقى النشاط متواصلاً في الرياض طوال العام وحتى بعد انتهاء المناسبة؟

إن الدعم والاهتمام اللذين يحظى بهما النشاط الثقافي من حكومتنا الرشيدة لهما الدور الكبير في تواصل هذا النشاط سواء في هذه المناسبة وهي اختيار الرياض عاصمة الثقافة العربية أو عقب انتهاء فعاليات هذه المناسبة، ومن المؤكد أن الاحتفال بالرياض عاصمة ثقافية للعرب وصدور مطبوعات وإقامة برامج وفعاليات جديدة بهذه المناسبة سيهيئ مناخاً جديداً للحوار والنقاش الفكري والثقافي لسنين قادمة، واهتمام المثقفين العرب بالرياض مستمر لأن الرياض عاصمة لدولة لها مكانتها الإسلامية ووزنها الثقافي والمعرفي، لذا النشاطات سوف تستمر من خلال القنوات الثقافية المعروفة.

  • ما هو مغزى اختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية؟

ينطوي المغزى على اسباب كثيرة منها أن الرياض تتوافر فيها معايير اختيار العواصم الثقافية العربية كما أقرتها منظمة اليونسكو عام 1994م، ومنها ما هو تقدير لدور المملكة في الثقافة العربية، ولكونها تملك دوراً فاعلاً في تجربتها الفكرية والإبداعية، ولأن الرياض كمدينة هي المكان الذي انطلقت منه راية توحيد المملكة بما صاحب ذلك التوحيد من استقرار سياسي نمت في ظله هذه النهضة الثقافية، كما يعني الاختيار قدرتنا الثقافية على الانفتاح على الآخرين والتحاور معهم في مجالات المعرفة المختلفة.

وهذا الاختيار في النهاية يجعلنا أمام تحدٍ كبير في أن نكون عند حسن الظن، ونحرص أن تكون هذه المناسبة في مستوى المأمول منا وعياً وإدراكاً، وتكون أنشطتنا هذا العام ممثلة لشتى ألوان الثقافة وفنونها المختلفة في بلادنا.

  • باعتبار سموكم الكريم رئيساً للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض.. هل لكم أن تحدثونا عن المشاريع الجديدة في المدينة؟

من فضل الله على هذا البلد المبارك أن مسيرة الخير والتطوير والبناء مستمرة ومتواصلة في جميع أرجاء المملكة، وفي مختلف المجالات.

وبالنسبة لمدينة الرياض فهي تسجل صعوداً مستمراً يتواصل، بعون الله، عاماً بعد عام، حتى وصلت إلى ما نراه اليوم ونعيشه على أرض الحقيقة والواقع من تطور في مختلف المجالات والميادين.

وقد تمكنت الدولة بحمد الله من تأمين متطلبات التنمية الحضرية من بنية أساسية ومرافق وخدمات عامة ومشروعات تطويرية. بالإضافة إلى الاهتمام بتنمية الموارد البشرية من خلال توفير وتطوير المرافق الصحية والتعليمية والاجتماعية وغيرها.

ومن ضمن اهتماماتنا أيضاً ما يجري حالياً من استكمال لتطوير وسط المدينة لإعادة دوره كقلب نابض لمدينة الرياض، حيث بدأنا نشهد آثار تطور وسط المدينة إذ أصبحت هذه المنطقة تعج بالحيوية والنشاط. وقد جاء إنشاء مركز الملك عبدالعزيز التاريخي الذي تفضل بافتتاحه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز أيده الله، في العام الماضي ليضيف بعداً جديداً إلى تطوير وسط المدينة واستكمال الدور المرسوم لهذه المنطقة كمركز إداري وثقافي وتجاري لمدينة الرياض.

وهناك برنامج تطوير الدرعية، هذه المدينة التي تحظى بأهمية ومكانة خاصة باعتبارها عاصمة الدولة السعودية الأولى. وسيشتمل البرنامج المذكور على مشروعات تطويرية تشمل أحياء الدرعية التاريخية والتراثية لتوفير مقومات التنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في المنطقة وتطوير شبكات المرافق العامة فيها وتشجيع الاستثمارات الخاصة للمشاركة في عمليات التطوير. ويهدف هذا المشروع إلى إبراز الدور التاريخي للدرعية وتحويلها إلى مركز ثقافي وحضاري على المستوى الوطني.

 

 

أنور الياسين