شخصيات أدبية

 شخصيات أدبية

عرض: فاضل خلف

يحتوي هذا الكتاب على نماذج من رموز الثقافة العربية ونضالهم من أجل قضايا التقدم و التحرر هناك كتب كثيرة تغمر المكتبات العربية بفن تصوير الشخصية, سواء كانت من مشاهير الأدب أو قادة الفكر أو رواد العلم والمعرفة والفنون, ومن هذه الكتب صدر كتاب علي عبدالفتاح الذي حمل عنوان "شخصيات أدبية".

فماذا قدم المؤلف في هذا الكتاب? وماذا كان هدفه الحقيقي? وما المنهج النقدي أو الفني الذي وظفه في كتابة سير أكثر من ثلاثمائة شخصية تبدأ من العصر الجاهلي حتى الوقت الحاضر?

كتاب "شخصيات أدبية" يقول عنه المؤلف في مقدمة كتابه هذا:

"شخصيات أدبية أحببتها وعشت سنوات كثيرة أتوغل في حياتها, وأحيا بين أنفاسها وفي ظلالها, فالأدب الصادق ينبع من كاتب صادق قادر على التأثير في مشاعرنا بلمسات من السحر والعذوبة. والأدب الجميل ليس أدب التنميق أو الزخرفة اللغوية. وليس أيضاً أدب الديباجة والفلسفة العميقة أو الأفكار الذهنية المجردة. إنما الأدب الجميل هو البساطة. الأدب الجميل هو الإحساس والروح واللمسات الإنسانية".

وإذا كان هذا مدخل الكتاب, فنحن نكتشف المنهج النقدي الذي أقام عليه الكاتب شخصيات هؤلاء, من الأدباء والشعراء والمفكرين والموسيقيين والفنانين التشكيليين ,حيث يعتمد في المقام الأول على فنية الكتابة عن الشخصية من خلال استلهام روحها وفنها وسيرتها الذاتية.

فالشخصية المبدعة هي التي تحقق الأثر الأدبي وتقدمه لنا. شخصية خلاقة ومبتكرة ولها طابع خاص يختلف عن سائر عامة الناس أو الشخوص العادية. ولهذه الشخصية المبدعة أسلوب وطريقة فنية, ودرب تتجلّى فيه مهارتها للتعبير عن الحياة والوجود ومصير البشر والمحن التي تصادفهم, وكيف يقاومون الصعاب ويتحدون العثرات. وأيضاً كيف ينهزمون ويعبرون جسر الحياة مؤرّقين بالهموم ومعذبين بذنوبهم وخطاياهم.

إن أسلوب المبدع يختلف ويتميز ويتسم بالأصالة والتجديد, ويمكنه إذا أمكن بالطبع أن يسيطر على هذا الأسلوب الفني, ويجعله صوراً أخرى نابضة بالحياة, كلما اكتسب خبرة في معايشة قضايا البشر, وأيضاً نقلة أدبية في تقديم عالم متكامل في تصويره, ومعقد في تركيبه ومتغاير, ومختلف في اتجاهاته, ولكن تسكنه البساطة واللمحات الإنسانية.

وهذا المنهج ما يتوق إليه دائماً علي عبدالفتاح من حيث التركيز على النزعة الإنسانية بما تشمله من قيم الحرية والحب ومناهضة قوى البغي والشر والاستبداد, والتطلع الدائم إلى المثل العليا والقيم الأخلاقية.

صور نابضة

تتبين نظرية البساطة التي يعرض لها الكاتب في عرضه وتحليله لشخصيات أدبية في حرصه الشديد على اختيار مفردات مصقولة, وعبارات شاعرة, ويركز على أساسين: أحدهما كثافة الأفكار وخصبها وعمقها أو طرافتها, والثاني انتقاء المفردات والتراكيب ذات الأثر النفسي والذهني في القارئ, بحيث يكشف لك عن شخصية الأديب أو الشاعر الذي يكتب عنه, ويبتعد الكاتب عن الزخرفة اللغوية كما ذكر في المقدمة ويتجه إلى السهل الواضح والطبيعي.

فإذا قرأت عن شخصيات مثل الشنفرى وعنترة وطرفة بن العبد والسلكة وكعب بن مالك والحطيئة وغيرهم من الشعراء الأقدمين انجذبت لتلك البساطة والصور النابضة بالقيم المفعمة بالحيوية فيقول لك عن عنترة في بداية الكلام: "عنترة البطل الشجاع وفارس الصحراء الذي شهر سيف القوة والنضال في وجه أعداء قبيلته. وقد كان عنترة يحلم دائماً بأن يتزوج ابنة عمه عبلة, ولكن كيف وهو العبدالأسود من امرأة حبشية سوداء, تحيا في أدنى منزلة اجتماعية. ولم يكن لعنترة شيء يقوم به سوى أن يرعى الإبل والخيل ويقاوم الذل بالصبر والمثابرة والطموح".

ويمكنك أثناء تصفحك للكتاب أن تشعر أيضاً بأن هناك لغة وجدانية يخاطب بها علي عبدالفتاح قارئه وقد تظهر هنا ذات الكاتب وعاطفته, بحيث يقنعك بدور الشخصية وروعة إبداعها ومواقفها الكبيرة. ونحن نتقبل هذا الموقف من الكاتب لأنه قال في بداية الأمر "شخصيات أحببتها" فنحن نرى ونتذوق أدب هذه الشخصيات من خلال إحساس الكاتب وتصوره ورؤيته الفنية وقناعته بأن الأدب الحقيقي هو أدب الصدق والبساطة والقيم الكبيرة.

أدب يصاحب المرء في شئون حياته ويرتبط بالحياة والميلاد والموت والهموم اليومية التي يعاني منها الفرد, فالأدب هنا يعلمه كيف يشكل حياته من جديد, وكيف يحولها إلى قطعة من الحب والحنان والرقة, ويدخل في علاقات حميمة مع الأشياء والكائنات ليظل يشعر بأنه إنسان.

في كتاب "شخصيات أدبية" أكثر من ثلاثمائة شخصية من الأدب العربي قديماً وحديثاً ومعاصراً, وفي هذا الكم الهائل من الشخصيات تنفرد كل شخصية بسماتها الإبداعية, فالشخصيات لا تكون منظومة أو وحدة شعرية أو روائية أو قصصية, وإنما الكتاب عبارة عن مقالات على ما أعتقد هي حصيلة عمل وخلاصة جهد كبير, نشر في الصحف الكويتية منذ أكثر من خمسة عشر عاماً, ثم بدأ الكاتب في ترتيبها وتنظيمها وإعدادها للنشر في هذا الكتاب الكبير.

ولا أرى تناقضاً في الكتابة الموجزة والمكثفة عن أعلام الأدب القديم,لأنها نالت نقداً كبيراً ودراسات وكتباً لا حصر لها, أما الكتابة عن أعلام الأدب المعاصر, فإنها لم تنل حظها من المتابعة والدراسة. فالشاعر الدكتور حسن فتح الباب وهو أحد رواد الشعر الحديث, تميز بمواقفه الكبيرة ضد الظلم وقهر السلطة, رغم أنه كان أحد أفراد السلطة, فقد كان ضابطاً في الشرطة واستمر حتى وصل إلى أعلى المناصب, وقد سجل تجربته في ثنايا قصائدة وهي تجربة فريدة ومثيرة.

وربما جاءت بعض المقالات مبتورة دون تحليل كبير, حين حدثنا عن البخاري وابن البيطار وعلي بن أبي طالب والجاحظ وأبو تمام وطرفة بن العبد, وكذلك بعض الشخصيات الأدبية الأخرى المعاصرة, ولا سيما تلك التي لم تنل مكانتها الأدبية على خارطة الحركة الثقافية العربية فقد وقف معها المؤلف ومنحها فرصة لتكون في هذا العمل الكبير, لاعتقاده الجازم أنها شخصيات شابة واعدة ومبدعة تحقق دوراً ينتظرها وتهب طاقاتها لهذا الدور الإبداعي.

ويتميز كتاب "شخصيات أدبية" أيضاً بأنه أقرب إلى المرجع التوثيقي أو السجل الأدبي لهؤلاء النجوم من الأدباء المشاهير والصاعدين درب الإبداع. مجموعة كبيرة هي حصيلة جزء من الثقافة العربية والتراث العربي والإسلامي, وقد كشف الكاتب الجانب الأدبي والإبداعي لديه, إلى جوار رسالته التي يجاهد من أجلها, سواء كانت رسالة دينية أم اجتماعية أم سياسية, فالأدب كامن في هذه الشخصيات وإحدى الوسائل التي تساهم في تحقيق أهدافها الأخرى.

واختار المؤلف شخصيات من المدرسة الرومانسية وبعض رواد النهضة ,ويمكن أن يقال إن الكتاب يحتوي على مجموعة أدبية تمثل موقف الثقافة من قضايا الحرية وقضايا التغيير, وكيف واجهت الثقافة قضية التغريب والتمسك بالجذور والأصول الدينية والتاريخ رغم الهجمات الشرسة للإعلام الغربي والكتب المناهضة للفكر الإسلامي والعربي, ودور العرب في التنوير والنهضة التي تنعم بها أوربا الآن.

نجوم من الخليج

أما عن الخليج فقد احتوى الكتاب على مجموعة كبيرة من الشعراء والأدباء والشعراء نذكر منهم: يوسف بن عيسى القناعي وخالد الفرج وفهد العسكر وعبدالله الحاتم وأحمد السقاف وعبدالله زكريا الأنصاري وعبدالرزاق البصير وصالح العجيري وعبدالعزيز حسين والأمير عبدالله الفيصل وأحمد مشاري العدواني وسلطان بن العويس وعبدالله خلف وحسن القرشي وعلي السبتي وعبدالعزيز البابطين وعبدالعزيز السريع وفاطمة حسين وسليمان الشطي وغازي القصيبي وعبدالله العتيبي ونورية السداني وخالد السعد وليلى محمد صالح وخالد سعود الزيد وفاطمة يوسف العلي وحصة الرفاعي وإقبال الغربللي ودلال الزبن وسعاد الصباح ويعقوب السبيعي وليلى السبعان وميمونة خليفة الصباح ويحيى الربيعان وأحمد الشرقاوي.

وقد تلاحظ أن المؤلف اختار مجموعة كبيرة من الخليج ولاسيما من الأدب الكويتي وهذا ليس غريباً لأنه عاش في هذا الوطن أكثر من خمسة وعشرين عاماً يعمل مدرساً في وزارة التربية ويمارس العمل الصحفي ويساهم في الثقافة من خلال كتاباته.

وقد أهدى كتابه "أعلام الشعر في الكويت" إلى الكويت وقال: إلى الكويت التي منحتني الكثير والكثير. وقد استطاع أن يمتزج بالهم الكويتي ليشعر بنبض القومية والعروبة وحماسة النضال من أجل القضايا السائدة.

وأذكر حينما كنا نعمل معاً في الصحافة كنت أراه حريصاً على متابعة ما يصدر في الكويت من شعر وقصة ورواية ويسجل ملاحظاته النقدية وينشر ويتابع الندوات والأمسيات في الكويت, ويكتب عنها بشغف وعشق وحب كبير, فالثقافة لم تكن مهنة يزاولها وإنما كانت حياته ووجوده, وقد ارتبط بقضايا الكويت التي تعد جزءاً من قضايا الأمة العربية, وكانت فكرته دائماً أن الأدب في الكويت قادر على تغيير الفرد وإبصاره بتفاصيل دقيقة وقيم كبيرة وطموحات عالية ومبادئ سامية, وعلينا أن نفتح الأبواب لكل هذه الزهور النابتة التي تبحث عن الماء والهواء.

ولذلك خص الكاتب الكويت بعدد كبير من شعرائها ومبدعيها ويمكن أن يكون أكثر من ستين شخصية كويتية, وإن كانت هناك شخصيات لم يكتب عنها أو كان لا بد أن يكتب عنها فسوف تكتشف أنه بالفعل تابعها وكتب عنها في كتبه الأخرى, التي تجاوزت العشرة.

وهناك نماذج أخرى أوردها الكاتب في" شخصيات أدبية" توضح كيف وقف الأدب في الكويت يدافع عن الحرية ويتصدى للمحن والنكبات سواء أيام حكم عبدالكريم قاسم في 1961 أو في عام 1990 في الثاني من أغسطس.

لقد أحب المؤلف الكويت ومنحها من قلبه ومن روحه حتى أنه يقول في سيرته الذاتية في نهاية الكتاب:

"وعشت في الكويت تجربة جميلة فتحت أمامي منافذ النشر والقراءة الهادفة والصداقات الحميمة, فأصبح وجداني ممتداً إلى ما وراء هذا العالم, وأحتضن في قلبي أدباء وشعراء من الكويت ومن الخليج ومصر وسوريا ولبنان وتونس والجزائر واليمن والسودان وموريتانيا والصومال والأردن والعراق وليبيا وكل مبدعي الأمة العربية".

ويكفي في النهاية أن يمنحنا أفكاراً كثيرة ويذكرنا بشعراء رحلوا عن حياتنا, وشعراء وأدباء مازالوا يبدعون, وآخرين أحدثوا ضجة كبيرة بشعرهم, مثل نزار قباني وعمر أبو ريشة وعبدالله العتيبي وغازي القصيبي, وكذلك فإن للمرأة الشاعرة أو المبدعة, نصيباً في الشخصيات هذه حيث نقرأ عن فدوى طوقان ومَلك عبدالعزيز وعزيزة هارون وليلى الأخيلية ومي زيادة وغيرهن من المبدعات.

 

علي عبدالفتاح