الأم.. أول وأفضل مربية

 الأم.. أول وأفضل مربية

توضح الأبحاث الدور التربوي الخطير الذي تديه الأم خصوصاً
في المراحل الأولى من حياة الطفل. فهي بحق المربية الأولى
التي تترك بصماتها على باقي حياته

ينمو الدماغ عند الطفل متسارعاً في الثمانية عشر شهراً الأولى بعد الولادة, ينمو بسرعة لن يبلغها فيما بعد, فالمثيرات المتنوعة التي يتعرض لها الصغير تؤثر تأثيراً مهماً في تنشيط هذا النمو وإثرائه, وتكون الأم في أثناء هذه المرحلة النمائية المصدر الأساسي لهذه المثيرات, وأصبح من الواضح أن كل ما تفعله الأم في المراحل الأولى من حياة الطفل يؤثر تأثيراً مهماً في نموّه وتطوّره.

ويأخذ التفاعل بكل أشكاله بين الطفل والأم أهمية خاصة في نمو قدرات الطفل وتطوّره, فالتفاعل اللمسي والتواصل البصري, والشمي, والصوتي يؤثر تأثيراً مهماً في نمو الطفل من مختلف الجوانب, الجسدية والمعرفية والاجتماعية والانفعالية.

إن إعداد الأم لهذا الدور التربوي, وتنمية قدراتها والارتقاء بمهاراتها الفكرية والثقافية والاجتماعية, يعني الارتقاء بأدائها في تنشئة جيل سوي مستنير, وذلك يستوجب إدراك المجتمع بمختلف مؤسساته الرسمية والأهلية لأهمية هذا الدور, ويستوجب أيضاً توفير الخطط والإمكانات لتحقيق أفضل الشروط لإعداد الأم إعداداً مناسباً, فالتقدم التربوي الحقيقي يبدأ من هذه النقطة, لأن البناء التربوي السليم في المراحل اللاحقة يستند إلى المرحلة السابقة أي مرحلة الطفولة المبكرة, ولكي يكون البناء سليماً لابد أن يكون الأساس سليماً أيضاً.

ولا تبدو هذه الصورة مشرقة في العالم العربي, فبالرغم من أهمية دور الأم في الثقافة العربية وما تحظى به من احترام وعرفان وتقدير, فإنها لا تحظى بالكثير قبل أن تصبح أمّاً, إذ تتراوح نسبة الأمية بين النساء فوق سن 25 سنة في العديد من البلدان العربية بين 78% و96.6%, وكما يبين تقرير اليونيسيف أن أوضاع الأطفال في العالم لعام 2000 أن أكثر من 65 مليونا من الأطفال في المنطقة العربية يعانون الأمية, وغالبيتهم من الإناث.

إن هذا القصور في عدم توفير فرص النمو للأطفال وللإناث خاصة سيترك آثاراً سلبية خطيرة على الدور التربوي الذي ستقوم به الأم نحو الأجيال القادمة, وذلك يؤسس لمشكلات مزمنة بعيدة المدى في مختلف ميادين الحياة الاقتصادية والتربوية والثقافية والاجتماعية.

كما يعد الزواج المبكر للفتاة, الواسع الانتشار في المجتمعات العربية, من المشكلات المهمة التي تعرقل المهمة التربوية للأم, فكثيراً ما يتم تزويج الفتاة الصغيرة عندما لا تكون في مرحلة من النضج المعرفي والانفعالي بحيث تتمكن من تحمّل مسئولية إنجاب الأطفال وتربيتهم.

كما ساهمت البحوث الحديثة المتعلقة بالسلوك في إعادة النظر في طبيعة العلاقة بين الطفل والأم, لقد نظر علماء النفس - ردحاً طويلاً وإلى وقت قريب - إلى هذه العلاقة على أنها تنشأ وتنمو على هامش الدوافع الأولية, فالطفل يتعلق بالأم لأنها ترضي حاجاته الفيزيولوجية, خصوصاً حاجاته إلى الغذاء, وهكذا يتعلم الطفل أن الأم مصدر منح وعطاء, ومصدر إرضاء الحاجات.

إلا أن البحوث والدراسات الحديثة أدت إلى مراجعة نظرية التعلق التقليدية مراجعة جوهرية, إذ أوضحت أن التعلق حاجة أساسية من حاجات النمو, حاجة قائمة بذاتها ومستقلة عن الحاجات الأخرى, حيث يظهر سلوك التعلق (Attachment behaviour) ويتطور بمعزل عن إرضاء الحاجات الفيزيولوجية الأخرى, وينظر إلى التعلق الآن على أنه دافع أولي - كغيره من الدوافع الأساسية - يتمتع بوظيفة بيولوجية نفسية مهمة.

يعد التعلق - من وجهة النظر هذه - حاجة أساسية, تمكن الطفل من النمو نموّاً سوياً من النواحي البيولوجية والعاطفية والاجتماعية, وتمكن الأم من تحقيق ذاتها عبر ممارسة الأمومة.

النمو الانفعالي والاجتماعي

لقد أصبح من الواضح أن خصائص التعلق تؤثر تأثيراً عميقاً في سلوك الصغير ونموّه وتطوّره, فالعلاقة المتبادلة بين الطفل والأم تتطلب الثبات والاستقرار, لأن تجربة الانفصال عن الأم قبل أن يبلغ الطفل السنوات الثلاث ربما كانت من أقسى التجارب التي يمكن أن يعيشها الطفل, فيجب ألا يحدث هذا الانفصال إلا في حالات الضرورة القصوى, وعند حدوثه, يجب أن يعرف الطفل أين هي أمه, ويتأكد أنه سيشاهدها بعد حين, وأن انفصالهما مسألة مؤقتة.

كما يتأثر الطفل تأثراً عميقاً بهذه العلاقة, خصوصاً من الناحيتين الاجتماعية والانفعالية, فالأم المتنبّهة لإشارات الصغير والملبية لحاجاته بانتظام, والحاضرة بأحاسيسها وعواطفها في استجابتها للصغير تهيئ له الشروط المناسبة لتنمية سلوك التعلق الآمن (Secure Attachment), وتعزز لديه الثقة بالكبار, فالطفل يعمم هذه الثقة في علاقاته مع الآخرين, بينما يتسم التعلق بالقلق عندما لا تنتبه الأم لإشارات الصغير ولا تكترث بما يصدر عنه, ولا تظهر استجاباتها نحوه في الوقت المناسب, وهذا ما يؤدي إلى القلق والغموض وعدم ثقة الطفل في الكبار, ويظهر الخوف والهلع عندما يرى شخصاً غريباً للمرة الأولى.

لقد أوضحت بعض البحوث المتعلقة بملاحظة الأطفال مع أقران اللعب أن درجة الأمن والطمأنينة في العلاقة مع الأم, تؤثر في درجة التفاعل مع الأقران, فدخول الطفل في علاقات اجتماعية وتفاعلات متعددة مع الأتراب, يرتبط بدرجة شعوره بالأمن في علاقته مع الأم.

ويرى بعض الباحثين أن مظاهر الخوف المفرط (Phobia) التي يعاني منها الطفل تكون نتيجة لاضطراب التعلق بينه وبين الأم (1973, Bowlby), ويظهر هذا الخوف في حالات متعددة: الخوف من الظلمة, أو الخوف من وقوع مكروه للأم, أو الخوف من الحيوانات, والخوف من الذهاب إلى الروضة أو المدرسة, وتترافق هذه المظاهر ببعض الاضطرابات العضوية الوظيفية خصوصاً عندما تتسم العلاقات السائدة بالوسط الأسري بالاضطراب والتوتر والمشاجرة.

كما تضطلع الأم بدور أساسي في تنشئة الطفل, فالتنشئة القائمة على المحبة والديمقراطية والتسامح تعزز شعور الطفل بالأمان والثقة بالعالم, ونمو الطفل في جو مفعم بالمحبة والحنان يفعل فعله الكبير في تنمية ثقته بنفسه وقدرته على مواجهة شروط الحياة, السمحة والقاسية على السواء, بينما تؤدي معاملة الطفل بتشدد ونفور وكراهية إلى التعاسة والشقاء وتجعله ينظر إلى العالم نظرة قاتمة متشائمة.

لغة ومعرفة

توضح بعض البحوث الحديثة أهمية دور الأم في النمو اللغوي - المعرفي للطفل, ويعد التفاعل بين الأم والطفل في المراحل الأولى من حياة الصغير نقطة انطلاق مهمة في تطور التواصل اللاكلامي بينهما, إذ يستند هذا التواصل إلى الإشارات الجسدية, كالتعابير الوجهية المتنوعة والإصدارات الصوتية والتبادل البصري والشمّي, ويرى الكثير من الباحثين أن هذه المرحلة تمهّد لاكتساب اللغة الكلامية, وأن السياق الإبداعي الذي يؤدي إلى التفاهم والتفاعل بين الأم والطفل, يشكّل حجر الزاوية في تطور الطفل اللغوي والمعرفي.

وتقوم الأم من خلال التفاعل مع الصغير, بتحضيره في أثناء السنة الأولى ليتمكن من تطوير عناصر أساسية ضرورية لتعلم اللغة, ويأخذ التواصل الكلامي أهمية خاصة بين الأم والطفل في عامه الثاني, إذ يتم اكتساب اللغة في إطار من التفاعل والحوار واللعب, وتصدر الأم المثيرات اللغوية بما يتناسب ومراحل تطور الطفل الذي تتاح له الفرصة كي يعبّر عن ذاته ويظهر كفاءته, ويضع موضع التطبيق ثروته اللغوية التي اكتسبها يوماً بعد يوم, عبر تفاعله مع الأم.

كما تشير بعض البحوث إلى وجود علاقة قوية بين النمو اللغوي عند الطفل ونسبة المحادثة بين الطفل والأم التي تظهر في أثناء النشاطات المشتركة بينهما, ويرجع النمو السريع عند الطفل الأول (البكر) إلى وفرة فرص النشاطات المشتركة بين الأم والطفل الوحيد, كما أن المستوى التعليمي الثقافي للأم يؤثر في تنشيط النمو اللغوي والمعرفي عند الطفل.

إن دراسة العلاقة بين الطفل والأم تطرح نفسها بحدة في المجتمعات العربية خصوصاً في بلدان الخليج العربي, إذ تتعرض العلاقات الأسرية لتغيرات عميقة, فكثيراً ما تتنازل الأم عن دورها في الرعاية والعناية والتغذية, وتقوم الخادمة بهذا الدور, معظم الوقت, مما يؤدي إلى حرمان الطفل من العديد من فرص التفاعل مع الأهل خصوصاً مع الأم, وهذا يحمل على الافتراض بأن تقليص فرص التفاعل مع الطفل يمكن أن يؤدي إلى عرقلة نمو هذا الأخير من مختلف الجوانب المعرفية واللغوية والاجتماعية والانفعالية.

كما تبين الدراسات الحديثة تأثير الإرضاع الطبيعي في نمو الذكاء عند الطفل, وأهمية التغذية المتوازنة المناسبة لهذا النمو, وذلك يرتبط بالمستوى التعليمي - الثقافي للأم.

إن أهمية الدور التربوي للأم, وتأثيره الخطير في نمو الطفل من مختلف الجوانب العقلية والاجتماعية والانفعالية, يجب أن يحملنا على التفكير في وضع الفتاة العربية أم المستقبل والمربية الأولى, إذ تأخذ هذه المسألة في الوطن العربي بعداً خطيراً, فعدد الأميات يرتفع عاماً بعد عام, مما يشكّل مخاطر جسيمة على وضع الأسرة العربية وكفاءتها ومدى قدرتها على توفير الشروط المناسبة لنمو الطفل وتربيته, إن خطورة التقصير في الرعاية الصحية والتعليمية لأطفال اليوم, والتأثير السلبي للأمية التي تطال الإناث بشكل خاص, سيترك آثاره في العقود القادمة, ويهدد بتقويض الجهود المبذولة في ميدان العمل التربوي في مختلف مراحل التعليم, ويحد من قدرة المجتمعات العربية على مواجهة تحدّيات المستقبل, فما أروع قول الشاعر:

"الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعباً طيب الأعراق"

***
حتى تتغلبي على فقر الدم

المرأة في سن الثلاثين تفقد من الحديد أكثر مما تكسب في العادة, فالدورة الشهرية تستنزف جزءاً كبيراً من احتياطي الحديد في جسمها, وهو عنصر مهم جداً لتكوين كريات الدم الحمراء, وكريات الدم هذه ضرورية بدورها لنقل الأكسجين إلى بقية أجزاء الجسم, وإذا نقص الأكسجين نقص المصدر الذي يمد الجسم بالطاقة الضرورية لمواصلة الحياة.

وأثناء الدورة الشهرية يحتوي دم المرأة على قدر أقل من الأكسجين, وبالتالي تعاني من التعب والخمول, يضاف إلى ذلك فإن نقص الحديد يصيبها بالعصبية والاستثارة لقاء أي شيء ويصبح نفسها ضيّقاً, كما أن مقاومتها تصبح ضعيفة لنزلات البرد البسيطة, فما بالك بأمور العدوى الأخرى.

الأخبار الطيبة في هذا الأمر أن مرض نقص الحديد يمكن معالجته بسهولة, وهذا العلاج يتم بإحدى الطرق المحببة إلى النفس وهي الطعام, وكما تقول الدكتورة (جراي المر) أستاذة الكيمياء الطبيعية في جامعة واشنطن في سياتل: (بما أن المرأة التي تعاني من الدورة الشهرية تفقد الكثير من الحديد, فإن من الجيد لها أن تزيد من كمية الحديد خلال طعامها, ويمكن أن تتبع النصائح الآتية:

- تناولي وجبات يكون فيها اللحم مكوّناً أساسياً مع الخضار, لأن وجودهما معاً يزيد من كمية امتصاص الأمعاء للحديد.

- تناولي الأطعمة الغنية بفيتامين (سي) مثل عصير الفواكه بجانب الأطعمة الغنية بالحديد لأن هذا يزيد من امتصاص الحديد, وهذه بعض نماذج الأطعمة الغنية بالحديد:

- كوب واحد من السبانخ الطازجة أو المطبوخة 6.4 ملليجرام.

- كوب من الحمص المسلوق (النخي) 4.7 ملليجرام.

- ملعقة من العسل الأسود 3.5 ملليجرام.

- 3 أوقيات من لحم البقر المشفى 2.7 ملليجرام.

- الفواكه المجففة 4.2 ملليجرام.

 

فايز نايف القنطار