شعاع من التاريخ

 شعاع من التاريخ

كل شيء من أجل الحب!

كل أثر من آثار الهند الإسلامية في عهد المغول المسلمين يعيد إلى الأذهان قصصا وحكايات كلها إثارة، وكل إمبراطور من أباطرة المغول له حكاية يرويها التاريخ.من أروع حكايات الحب تلك التي عاشها السلطان جيهانكير. والواقع أن السلطان المغولي لم يعرف الحب قبل أن يرى "مهر النساء" زوجة "صائد الأسد" واليه على إمارة البنغال القريبة من العاصمة "أكرا". رآها أول مرة في بعض احتفالات القصر التي يجتمع فيها كل الولاة مع زوجاتهم بعيدا عن الرسميات، ولكنه عندما رآها للمرة الثانية حين ذهب بنفسه إلى البنغال ليستقصي حقيقة الرائحة التي زكمت الأنوف عن الرشوة والفساد الذي كان يسير فيه حكم الوالي، وحاولت المرأة أن تخفف الأمر على السلطان وهو يجري تحقيقه مع زوجها الذي كانت كل الأدلة تحيط به. وحين بدأ السلطان يقسو عليه لجأت المرأة إلى كل الوسائل التي تحاول بها أن تسكت عن زوجها نقمة السلطان. ولكن الأمر لم يكن من الممكن أن يحتمل طويلا حين استمرت ريح حكم الوالي الفاسد تنتشر في كل مكان. فلم يكن أمام السلطان جيهانكير إلا أن يرسل إليه بقائده قطب الدين يكلفه إحضاره ولو بالقوة. غير أن الرجل أدرك ما يخبأ له.. فغافل القائد بضربة من سيفه قضت عليه.. ولكنها أباحت في الوقت نفسه لرجال القائد أن يعاجلوه بالسيف ويجزوا رأسه ليرسلوه إلى السلطان.

وتلقى السلطان النبأ في سكون فلم يكن يهمه أن يقتل "صائد الأسد"، بل كان كل همه أن يحصل على امرأته التي كان قد أولع بها عندما رآها وهو يحقق مع زوجها. لذلك عندما عرف أن الزوج قد قتل، انطلق فجأة إلى أرملة الرجل التي رفضت يده الملطخة بالدماء. غير أن تمنعها لم يطل، فاستسلمت له، بشرط أن تكون صاحبة الأمر والنهي في القصر وأن ينصرف عن كل نسائه اللاتي يعشن في أجنحة الحريم داخل القصر..!

نورجيهان.. نور الدنيا

لم يرفض جيهانكير رغبة المرأة التي أحبها فتزوجها وسماها "نورجيهان" أي نور الدنيا. ومنذ تلك اللحظة التي تزوجها فيها دخل البلاط عامل جديد كان له أكبر الأثر في توجيه سياسة دولة المغول المسلمين في الهند، فالحب أصبح يحرك كل شيء، حتى الفتنة الدائمة بين الآباء والأبناء!

فمن خلال هذا الحب، عرفت نورجيهان كيف تسيطر على كل شيء، قلب السلطان، وحكم السلطان، وأبناءالسلطان، كما عرفت كيف تصبح صاحبة اليد المطلقة في الهند في عهد جيهانكير الذي استمر من عام 1605 حتى عام 1627م.

ولم تكن نورجيهان في الحقيقة واحدة من الأميرات، فهي ابنة تاجر فارسي ساقته الأقدار إلى بلاط السلطان أكبر حيث تولى ديوان كابول واضطلع به في مقدرة فائقة.

وعاشت ابنته الصغيرة "مهر النساء" تروح وتغدو على الديوان حتى وقع في غرامها مغامر فارسي آخر حصل من خلال مغامراته على أحد مناصب القيادة في الجيش وكان هذا الرجل هو شيرافكين الذي تزوج الفتاة، وتقلب في مغامرات عدة خلال الصراع بين السلطان أكبر في أواخر أيامه وولده جيهانكير الذي كان قد أعلن العصيان على أبيه بعد أن أعلن "الدين الإلهي" وإذا كانت المعارك بين الأب والابن لم تدم طويلا وانتهت بقدوم الابن تائبا عما بدر منه، إلا أن الابن رعى حرمة أبيه ولم يبخل بالعفو عن كل الذين حاربوه ضمن جيشه وكان من بينهم ذلك القائد الفارسي.

وتولى شيرافكين بأمر من السلطان حكم ولاية البنغال. ولكن النفس الأمارة بالسوء كانت تسير الوالي في طريق غير الولاء للسلطان، فراح يعبث ويفسد ويرتشي.. ويتصل في الوقت نفسه بعصاة الأفغان حتى كانت نهايته، كما كان وقوع أرملته بعد ذلك صريعة لحب السلطان.

استطاعت نورجيهان من خلال الحب الذي سيطر على السلطان أن تفرض الكثير من أفكارها على القوانين السلطانية، ومن هنا تحقق للمرأة الهندية الكثير مما لم تكن تحلم بأن تحصل عليه، ولكنه تحقق على يد السلطانة المسلمة التي أصبحت كل نساء الهند يتحدثن عنها ويذكرنها كفاتحة لعهد تحريرها.

ولم يكن ذلك كل شيء، فقد استطاعت نورجيهان من خلال غرام بالسلطان بها أن تكون أول امرأة في الهند تضرب النقود باسمها مع اسم السلطان، وتذيل مراسم الدولة بخاتمها إلى جوار خاتمه. وكانت تجلس في شرفة قصرها تستقبل الأمراء والأعيان والأشراف كما يفعل السلطان، وأصبح لأهلها والمتصلين بها النفوذ الأكبر في السلطنة.

وبينما انتقلت السلطة الحقيقية إلى نورجيهان وأهلها، كان جيهانكير المتيم بحبه غارقا في الخمر والأفيون، لا يدري شيئا عن السر الذي يختفي في أعماق زوجته وراء العمل على تفضيل أصغر أبنائه على إخوته الآخرين، مما ترتب عليه بعد ذلك قيام الفساد والحرب بين أبناء السلطان. وبدأت أعمدة الدولة تتزعزع، وراحت الدسائس والفتن تسيطر على البلاط كله، ومن بعده إلى كل مكان في أرض الهند.

 

 

سليمان مظهر