إلى أن نلتقي

 إلى أن نلتقي

الغزو والرسم بالكلمات

حدث الاحتلال. الانشداه والذهول، وكان أن تداعت أصوات طيبة.. فلسطينية وأخرى كويتية لتشكيل لجنة تهدف للتنسيق والتعاون ما بين الكويتيين والفلسطينيين من أجل تحقيق وحدة صف ناس الداخل لمواجهة العدو المشترك.

شاءت المصادفة أن أكون أحد أعضاء اللجنة، وشاءت أن يكون الاجتماع الأول في منزل الرسام الفلسطيني العالمي.. عضو المجلس الوطني الفلسطيني: إسماعيل شموط، في منطقة الجابرية.. كان ذلك في اليوم الثامن للاحتلال، وعندما انفض الاجتماع استبقاني إسماعيل لدقائق. أخذني من يدي لإحدى صالات منزله حيث مرسمه. أراني لوحة زيتية قيد العمل.

قال والأسى يغلف صوته: "أنا عاجز عن مواصلة الرسم" صمت برهة. أضاف: "لعل السبب يكمن في توالي هذه الأحداث الجسام التي يعجز العقل السليم عن استيعابها" كانت زوجته الفنانة السيدة تمام قد التحقت بنا حاملة صينية الشاي.. خلال جلسة الشاي انفرجت أسارير إسماعيل قليلاً. قال بما يقرب من الدعابة: "ما رأيك والغزو قائم أن تتحول أنت إلى الرسم، وأتحول أنا إلى الكتابة؟!" لم أر مانعاً عن الاستجابة وقتها: "وهو كذلك".. اللجنة باجتماعاتها المتواصلة. وما عن لأحدنا أن يسأل بهذا الخصوص.. أشهر الاحتلال، ومن ثم الحرب الجوية، فالبرية.. صبيحة اليوم الثاني للتحرير دخل علي إسماعيل شموط حاملاً مجلداً ضخما من الأوراق المطبوعة على الكمبيوتر. قال ضاحكاً: "وفيت بوعدي وكتبت".. فوجئت بالوزن الثقيل للأوراق التي جاوز عددها أربعمائة. تذكرت اتفاقنا الذي هو أشبه بالدعابة. قلت: "لكني لم أرسم!" ضحك ثانية. قال "أدري!"، أضاف: "لعل جهدي هذا يفيدك كروائي".

تصفحت الأوراق بعد ذهابه. وجدتها كنزاً لا مثيل له. كان قد حرص على تسجيل أهم الأحداث والأخبار المتعلقة بالاحتلال والحرب يوماً بيوم، سواء منها ما يخص الداخل أوالخارج، لم يترك شاردة ولا واردة.. لحظتها راودتني فكرة أن أكتب رواية تدور بأحداثها حول الاحتلال.. انكببت على حالي أكتب لأعوام ستة دون أن تفارقني أوراق إسماعيل شموط. كانت مصدراً أساسياً فريدا لإلهامي، ورفدي بما يلزمني من معلومات، ريثما تحققت رواية "إحداثيات زمن العزلة".

 

إسماعيل فهد إسماعيل