فلسطين: النداء ما قبل الأخير

 فلسطين: النداء ما قبل الأخير

(ملف خاص في ذكرى النكبة الفلسطينية)

هذا النداء ليس دعوة أو توسّلاً أو لفتا للانتباه، إنه صيحة تحذير قبل أن تفوتنا آخر رحلات المستقبل، ولا نترك لأبنائنا غير عار ضياع الأرض والهوية.

فلسطين لم تضع بسبب أسطورة توراتية قديمة، ولم تذهب لتصفية حساب لم نشارك فيه، ولكنها ضاعت لأننا لم نفهم العصر الذي نعيش فيه، ولم نكن على قدر مسئوليته.

هذا الملف يتحدث عن الماضي ليستشرف المستقبل ويأخذ من ذكرى النكبة الأليمة شرطها القاسي وهو أن التخاذل دائماً ما يكون باهظ الثمن، وأن الذل -كما عرفه الفقهاء- هو ترك الجهاد.

فلسطين: النداء ما قبل الأخير:
نكبة فلسطين .. متى يمكن أن تزول؟

ذهب القرن الماضي بالعديد من الشرور، إلا تلك اللعنة المصلتة على أعناقنا ... إسرائيل.

ما النكبة? إنها فصل الشعب عن أرضه, وهي طرد أهالي 531 مدينة وقرية من ديارهم عام 1948, وهم 85% من أهالي الأرض التي أصبحت تسمى إسرائيل. وأرضهم هذه تساوي 92% من مساحة إسرائيل. خلاصة القول أن 70% من شعب فلسطين أصبح من اللاجئين الذين يصل عددهم اليوم إلى 5.200.000, ومن هؤلاء أقل من 4 ملايين مسجلون لدى وكالة الغوث الدولية التي تقدم لهم ضروريات الحياة بشكل يتناقص كل عام, أرضهم في إسرائيل مساحتها 18.700 كيلومتر مربع, صادرتها إسرائيل, وتؤجرها لليهود فقط, وبدأت الآن تبيعها لكل مشتر يهودي حتى لو لم يكن يحمل الجنسية الإسرائيلية, ويعيش في أستراليا, وتمنع حتى مجرد تأجيرها لفلسطيني يحمل الجنسية الإسرائيلية.

كيف حدثت النكبة?

في عام 1917, خانت بريطانيا وعودها للعرب بمنح الاستقلال لهم عند إزالة الحكم التركي عن بلادهم, وأصدرت على لسان وزير خارجيتها وعـد بلـفور في 2 نوفمبر 1917 الذي (ينظر بعين العطف) إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين, كان هذا وعد مَن لا يملك لمن لا يستحق دون علم صاحب الحق, وخلال 28 عاماً من حكم الانتداب البريطاني, سنت بريطانيا القوانين واتخذت الإجراءات التي سهلت إنشاء هذا الوطن حتى أصبح دولة عام 1948. كان عدد اليهود عند الاحتلال البريطاني 56.000 أي 9% من مجموع السكان, غالبيتهم من رعايا الدول الأجنبية.

وما إن انتهى الانتداب عام 1948 حتى أصبح عددهم 605.000 يهودي, نتيجة الهجرة الظاهرة والخفية التي سمحت بها بريطانيا رغم معارضة الأهالي ومقاومتهم وثوراتهم, وأهمها ثورة 1936, وهكذا أصبح اليهود يمثلون 30% من سكان فلسطين الذين بلغ عددهم حوالي مليوني نسمة عام النكبة.

وماذا عن الأرض? لقد كثّفت الصهيونية جهودها, وجنّدت موظفي حكومة الانتداب الصهاينة لإعطاء اليهود حق امتياز استغلال الأراضي التي اعتبرت أملاك دولة, وأنشأت بريطانيا إدارة للمساحة هدفها تحديد ملكية كل أرض لمعرفة كيفية الاستيلاء عليها. ثم تدفقت أموال اليهود لشراء الأراضي بأسعار خيالية. وكانت ضالتهم المنشودة كبار الملاك الغائبين من رعايا الدول العربية المجاورة, وبعدها اتجهوا إلى كبار الملاك الفلسطينيين الذين يعيشون في المدن. أما الفلاحون المتمسكون بأرضهم يفلحونها منذ مئات السنين, فقد ضيقت بريطانيا عليهم الخناق بفرض الضرائب الباهظة عليهم, حـتى لا يجد الفلاح المسكين غير المرابي اليهودي لإقراضه مقابل رهن أرضه التي لا تلبث أن تقع في حوزة اليهودي بسبب عدم السداد. ورغم هذه الجهود المكثفة, لم تنجح الصهيونية في الاستحواذ على أكثر من 6% من مساحة فلسطين, أو 1.681 كيلومتراً مربعاً, منها 175 كيلومتراً مربعاً امتيازات تأجير طويل الأمد منحتها بريطانيا لليهود, و 57 كيلو مترامربعا حصة في أرض غير مفروزة, و 1.449 كيلو مترا مربعا تملكها اليهود مباشرة, وإن لم يتم تسجيلها كلها بشكل قانوني, مَن الذي باع هذه الأراضي? تقول إحصائية الوكالة اليهودية إنهم اشتروا 52.6% من الأراضي من كبار الملاك الغائبين غير الفلسطينيين, و 24.6% من كبار الملاك الحاضرين الفلسطينيين, و 13.4% من الكنائس والشركات الأجنبية, أما نصيب الفلاحين المرهقين ضريبياً فكان 9.4% من الأراضي المبيعة, أي نصف واحد في المائة من مساحة فلسطين.

تقسيم جائر

وهكذا بعد تعاون بريطاني صهيوني استمر 28 عاماً, لم تنجح الصهيونية إلا في الاستحواذ على 6% من مساحة فلسطين, لكنها نجحت في زيادة عدد اليهود إلى 30% من مجموع السكان, عندئذ نقلت الصهيونية جهودها إلى أمريكا, واتخذت من رئيسها هاري ترومان مناصراً لها وقف ضد وزير خارجيته, لكي تضغط أمريكا بكل قواها على الدول الصغيرة, وتهددها بقطع المعونات إذا لم تصوّت لصالح تقسيم فلسطين بين أهلها أصحاب الحق فيها, وبين مهاجرين غرباء لا يعرفون اسم المدينة التي وصلوا إليها, وكانت الطامة الكبرى على العرب عندما نجح قرار التقسيم بأغلبية ضئيلة لكي يوصي بإنشاء دولة يهودية على 54% من أرض فلسطين ودولة عربية على باقيها مع تدويل القدس تحت إدارة منفصلة. (انظر خريطة 1). هذه المهزلة التاريخية قضت بأن تفرض أقلية أجنبية مهاجرة سيادتها على أكثر من نصف فلسطين, أي تسعة أضعاف ما كانت تملك, وتقيم فيها دولة عبرية نصف سكانها عرب وجدوا أنفسهم بين يوم وليلة رعايا دولة أجنبية غازية. أما الدولة العربية المقامة على باقي فلسطين, فكل سكانها عرب وليس فيها إلا حفنة من اليهود, والناظر إلى الخريطة رقم 1 يهوله عدد القرى الفلسطينية التي وقعت فريسة لهذه السيطرة الأجنبية, بينما لا توجد بالكاد مستعمرات يهودية إلا في الدولة العبرية فقط, وحتى هذه المستعمرات على كثرتها الظاهرة لم تكن إلا قواعد محصّنة يسكن الواحدة منها من 100 إلى200 شخص من حاملي السلاح.

بدأ تنفيذ الخطة في أوائل أبريل 1948 أثناء وجود الانتداب البريطاني وبدأت بوصل الأراضي اليهودية ببعضها ثم الاستيلاء على الأرض العربية حولها وطرد سكانها, اتبعت القوات اليهودية سياسة التنظيف العرقي, كانت تحيط القرية من ثلاث جهات, وتترك الرابعة مفتوحة, ثم تجمع سكان القرية في مكان, وتختار عدداً من الشباب لإعدامهم, أو تقتلهم بالرصاص أو تحرقهم إذا وجدتهم مختبئين في مسجد أو كنيسة أو غار, وتترك الباقين ليهربوا وينقلوا أخبار الفظائع أو تأخذ بعضاً منهم لأعمال السخرة لنقل أحجار البيوت العربيةالتي هدمتها أو حفر القبور لمن قتلتهم. لا ينسى أحد مذبحة دير ياسين وهي واحدة من 17 مذبحة اقترفت أثناء الانتداب و17 أخرى بعده, ولم تحرك القوات البريطانية ساكناً لحماية الأهالي حسب ميثاق الانتداب. وما إن جاءت نهاية الانتداب حتى سيطرت إسرائيل على 13% من مساحة فلسطين, وطردت 400.000 لاجئ من 199 قرية, وأعلنت قيام دولتهم على هذه الرقعة , ولكن دون تحديد أي حدود, فلايزال النهم الصهيوني لابتلاع الأرض في أوله, سيطرت الدولة الجديدة آنذاك على معظم السهل الساحلي وشريط غربي نهر الأردن حول بحيرة طبرية, وشريط يصل بينهما في مرج ابن عامر على شكل حرف N, وسقطت في يدها مدن فلسطينية مهمة مثل يافا وحيفا وطبرية وصفد وبيسان, وأشرفت عكا على السقوط. بدأت بشاعة الكارثة تظهر للعيان ووصلت أخبار المذابح وأشهرها دير ياسين إلى الشعب العربي في كل العواصم, فهاج واستنكر سكوت حكوماته وتقاعسها .

الحرب الصورية

دخلت قوات نظامية صغيرة من الدول العربية, متفرقة غير متعاونة, لحماية الشعب الفلسطيني من هذه الكارثة, استجابة لغضبة الشعب العربي وتظاهراته, ولم تكن بريطانيا تسمح لها بدخول فلسطين قبل ذلك, لو أرادت, لكن قدراتها العسكرية وعددها كان أقل بكثير من القوات الصهيونية التي أصبحت الآن تسمى بإسرائيلية. جاءت القوات النظامية إلى فلسطين دون خطة موحدة, أو معرفة بالبلاد أو بالعدو, وكان عددها مجتمعة حتى لو كانت تحت قيادة موحدة لا يتجاوز ثلث القوات الإسرائيلية ونصفها في آخر مراحل الحرب, ولذلك لم تتمكن من وقف المد الإسرائيلي, الذي سرعان ما انتشر ليحتل اللد والرملة ويمد جسراً إلى القدس ويحتل مساحات واسعة في الجليل (خريطة 2). كانت هذه إشارة أولية إلى هزيمة العرب, كان احتلال اللد والرملة من الفصول المأساوية في تاريخ فلسطين, إذ استيقظ سكان المدينتين والمهاجرون إليهما من قرى يافا المحتلة على أخبار انسحاب القوات الأردنية بقيادة الإنجليزي جلوب باشا وهجوم القوات الإسرائيلية من الشمال والشرق. قتل من لجأ إلى المساجد والكنائس, وطرد الأهالي بقوة السلاح وبترويع المذابح, واتجهت قافلة بشرية من ستين ألفاً في رمضان وتحت شمس الصيف اللاهبة إلى رام الله. ولما طال الطريق, تساقط المتاع القليل الذي حملوه على جانبي الطريق ثم تبعه الشيوخ والمرضى ثم الأطفال. والقوات الإسرائيلية تحثهم على السير, ومن عثر على ماء ليشرب أطلقوا عليه الرصاص, وعندما أعلنت الهدنة الثانية قفز عدد اللاجئين إلى 630.000, وتم طردهم من 378 قرية حتى ذلك التاريخ, واحتلت إسرائيل أرضاً تساوي 3 أضعاف الأرض اليهودية وهي من أخصب الأراضي وأكثرها كثافة سكانية, وبذلك انتهت فعلياً حرب فلسطين.

لكن النهم الإسرائيلي لم يشبع, فاتجهت قواته نحو الجنوب لتحتله وتهزم الجيش المصري أكبر قوة عربية, بينما كانت الجيوش العربية تنتظر دورها ولا تقوم بمهاجمة العدو وإشغاله, ففي منتصف أكتوبر, احتلت إسرائيل مساحات واسعة من الجنوب حتى بئر السبع وجنوب القدس, وامتدت على الساحل الجنوبي, وأصبح عدد اللاجئين 664.000 طردوا من 418 قرية حتى ذلك الوقت (خريطة 3).

ونقلت اسرائيل قواتها من الجنوب إلى الشمال, واحتلت الجليل بأكمله و 12 قرية من لبنان في أوائل نوفمبر 1948, وسيطرت بذلك على كامل شمال فلسطين وتعدت الحدود اللبنانية عند أصبع الجليل. (خريطة 4). ولم يحدث قط خلال حرب فلسطين أن تدخل جيش عربي لمساعدة جيش عربي آخر في محنته, وكانت إسرائيل تنتقل من جبهة إلى جبهة بينما ينتظر الآخرون مصيرهم مستكينين.

استأثر الجليل بأكبر عدد من المذابح, وذلك لأن المنطقة جبلية, ولترويع الأهالي الذين رفضوا النزوح من الجليل الواقع في دولة عربية حسب قرار التقسيم. من أجل ذلك, اقترفت إسرائيل في الجليل 24 من أصل 34 مذبحة أمكن تسجيلها, ولكن لم تخل قرية واحدة من قتل أو تدمير أو ترويع. لاشك أن المذابح كانت سياسة إسرائيلية مدروسة لترويع الأهالي وطردهم والاستيلاء على أرضهم, كانت هذه شهادة الآلاف من الناجين من هذه المذابح, ولكن الغرب لم يستمع أو يقتنع.

وفي السنوات الأخيرة, ظهرت أبحاث لمؤرخين إسرائيليين اطلعوا على الملفات الإسرائيلية التي أصبحت مفتوحة لهم تؤكد وجود هذه المذابح وتعزوها إلى ظروف الحرب, لكن هذا الرأي بدأ يفقد قيمته لوضوح البرهان على تكرار المذابح بشكل ثابت في جميع الظروف, والعثور على أوامر صريحة من القادة بالتخلص من الأهالي, والآن فتحت ملفات مراقبي الهدنة التي أكدت هذا الأمر, وذكرت تقارير المراقبين أنه لكثرة المذابح (ليس لدينا الوقت والإمكانات للتحقيق في كل هذه الفظائع).

لكن الدول العربية فقدت قدرتها على القتال لإنقاذ الأهالي, ولم تستطع ردم الخلافات بينها وتكوين قيادة موحدة, ولذلك سارعت إلى توقيع اتفاقيات هدنة مع إسرائيل بداية بمصر ثم الأردن ولبنان وأخيراً سوريا. وبعد توقيع الاتفاقيات, احتلت إسرائيل دون طلقة رصاص واحدة النقب الجنوبي حتى وصلت إلى أم رشرش (إيلات الآن), وزرعت علمها على خليج العقبة, وبينما كانت مفاوضات الهدنة تدور, تنازل الملك عبدالله عن 436 كيلومتراً مربعاً في المثلث الصغير الخصب والمليء بالسكان, وحسب شروط الهدنة خرجت القوات المصرية المحاصرة من الفالوجا بكامل سلاحها, وكان من بين ضباطها جمال عبدالناصر, وتخطت بذلك إسرائيل خط التقسيم في جميع الجهات باحتلالها 78% من أرض فلسطين أي بزيادة 24% من مشروع التقسيم, فاحتلت الجليل الأوسط المخصص للدولة العربية, واحتلت مثلثاً يصلها بالقدس عبر اللد والرملة, رغم أن القدس منطقة دولية وما حوله عربي, حسب قرار التقسيم. وفي الجنوب تمددت إسرائيل نحو البحر الميت, واحتلت مدينة بئر السبع العربية, واحتلت ثلثي المنطقة الساحلية المخصصة للعرب التي بقي منها قطاع غزة الصغير.

وبذلك احتلت إسرائيل 6.300 كيلومتر مربع خارج مشروع التقسيم, وأصبح كسبها من الأرض العربية اثني عشر ضعفاً للأرض اليهودية عام 1948. كان هذا كسباً, أي كسب. (انظر خريطة 5). أما على الصعيد الإنساني فقدخلفت هذه النكبة وراءها حوالي 900.000 لاجئ طردوا من 531 مدينة وقرية, نزحوا إلى الجنوب المتبقي في قطاع غزة وإلى الشرق, فيما أصبح يعرف بالضفة الغربية وإلى الشمال نحو سوريا ولبنان. وأصبحت النكبة بقعة سوداء في التاريخ العربي دفع ثمنها قادة وحكام بحياتهم وأزيلت عروش وسقطت أنظمة, ولايزال يدفع ثمنها اليوم خمسة ملايين لاجئ داخل فلسطين وحولها وفي الشتات.

توزيع الغنائم

لم يسبق في التاريخ الحديث أن غزت أقلية أجنبية وطن الأكثرية بدعم سياسي ومالي وعسكري من الخارج, وطردتها من وطنها وأزالت ملامحها مثلما حدث في فلسطين. لقد وزعت إسرائيل البيوت الجميلة في القدس الغربية وحيفا وغيرهما على البارزين من رجال الحكم, واستوعبت مئات الآلاف من اليهود القادمين من بلاد عربية في باقي المساكن, أما القرى, فقد نسفت وهدمت بيوت ثلاثة أرباعها هدماً كاملاً والربع الباقي بدرجة أقل. ومن المشاهد الإنسانية المؤثرة رؤية بعض اللاجئين وقد شاخوا, يأخذون أولادهم وأحفادهم لزيارة مواقع قراهم الأصلية, بعد أن أصبح ذلك ممكناً لبعضهم, ليعرّفوهم على مواطنهم وذكراها محفوظة في قلوبهم ليجدوا حائطاً هنا وشجرة هناك, ويعيدوا تركيب صورة الواقع على صورة الخيال, فيجدوها لاتزال حيّة في قلوبهم وقلوب أولادهم.

يبحثون عن قبور أجدادهم فيجدونها مبعثرة أو مكتوباً عليها عبارات عنصرية بالعبرية, يجدون وهم في ذهول واستنكار أن الجامع أصبح متحفاً أو مطعماً أو مخزناً للنفايات.

الإبادة الجغرافية

لقد نجحت الصهيونية في الاستيلاء على الأرض حتى الآن, وفصلت أهلها عنها وشتتتهم في أنحاء الأرض فيما يمكن وصفه بالإبادة الجغرافية. لكنها لم تنجح في القضاء على الشعب الفلسطيني الذي بقي حياً ومتماسكاً إلى حد كبير, ولم يندثر كما اندثرت أمم قبله في كوارث أقل جسامة.

ماذا حدث للأرض نفسها? نسجت إسرائيل لنفسها شبكة عنكبوتية من القوانين والتشريعات لحمايتها من الشجب الدولي. بدأت أولاً بتحويل كل الأراضي العربية إلى الوصايةتحت مسئولية (القيم على أملاك الغائبين) وتمت مصادرتها كأملاك الدولة, اعتبر اللاجئ في بلد عربي المطرود من بيته بالحرب والمذابح غائباً, كأنما كان في نزهة. واعتبر الفلسطيني الذي بقي في أرضه غائباً أيضاً, إذا ذهب للاطمئنان على أقاربه في بلد مجاور ولو على بعد كيلومتر واحد, وإذا رغبت إسرائيل في الاستحواذ على أرض لايزال أهلها يقيمون فيها, فإنها تعلن أن هذه المنطقة مقفلة لأسباب أمنية, وتخرج أهلها منها, وتعتبرهم غائبين. هذا ما حدث مع قريتي إقرت وبرعم اللتين أمر أهلهما بالخروج منهما لمدة أسبوعين فقط ولم يعودوا إليهما حتى الآن بعد 52 سنة. ربما لا يعرف الكثير أنه يوجد لاجئون فلسطينيون في إسرائيل نفسها, فهم مهجّرون من ديارهم واعتبروا غائبين حاضرين رغم أنهم يحملون الجنسية الإسرائيلية وعددهم الآن 250.000 نسمة أي حوالي ربع الفلسطينيين المقيمين بالداخل.

كانت خطوة إسرائيل الثانية هي إنشاء (هيئة تطوير) لها الحق في استغلال الأراضي الفلسطينية وتأجيرها واستثمارها لمصلحة اليهود فقط, وحوّل إليها القيم على أملاك الغائبين كل هذه الأراضي. وسلّمت هيئة التطوير هذه بدورها جميع الأراضي في خطوة ثالثة إلى (إدارة إسرائيل للأراضي) التي تتولى إدارة أراضي اللاجئين بعد أن ضمت إليها الأراضي اليهودية التابعة للصندوق القومي اليهودي. (في عام 1999 حدث خلاف بين الحكومة والصندوق فانفصلت أراضي الصندوق واستقلت بذاتها).

أجّرت إسرائيل الأراضي الفلسطينية إلى الكيبوتس والموشاف (القرى التعاونية) بعقود تجدد كل 49 سنة بشرط ألا تؤجر هذه القرى أي أرض لعربي أو يسمح له باستثمارها أو العمل فيها.

لقد نشأ معظم رجال الجيش الإسرائيلي الأوائل في الكيبوتس في حياة جماعية لا يملك فيها أحد شيئاً ويتكافل الجميع على العناية بالأطفال والقيام بأعمال الزراعة وغيرها, كانت مصنعاً لتفريخ أولاد الدولة الذين تربّوا على الولاء لها ولمبادئ الصهيونية وعلى العنصرية ضد العرب. ومع الزمن تضاءلت أهمية هذه المبادئ, وهجر كثيرون الكيبوتس إلى المدينة, ووقعت ثلاثة أرباع هذه المستعمرات تحت طائلة ديونها المتراكمة, فلجأ بعضها إلى مصادر دخل أخرى مثل الصناعة الخفيفة والسياحة, ولم يعد يعيش فيها اليوم أكثر من 2% من سكان إسرائيل.

هذه النخبة المختارة ذات الوزن الكبير في الجيش والكنيست تستحوذ على حوالي 18.000 كيلومتر مربع هي أرض هؤلاء اللاجئين في المخيمات, وتستهلك الكيبوتس للزراعة 80% من المياه في إسرائيل والمسروق أغلبها من العرب لكي تنتج 3% من الناتج القومي لإسرائيل. هذا التناقض الصارخ في أن 200.000 إسرائيلي وهم سكان الكيبوتس ينعمون بخيرات أرض فلسطينية هي الإرث الشرعي لأكثر من خمسة ملايين لاجئ, لا يمكن أن يؤدي إلى سلام ولو فرض بالقوة. بل إن هناك تناقضاً أكثر إيلاماً, إذ يتكدس اليوم في قطاع غزة حوالي 1.250.000 لاجئ بكثافة سكانية تزيد على 4000 شخص في الكيلومتر المربع الواحد, بينما يستطيع أي واحد من هؤلاء اللاجئين أن يرى عبر السلك الشائك الإسرائيليين يرتعون في أرضه المسلوبة بكثـافة لا تزيد على 6 أشخاص في الكيلومتر المربع.

أين يهود إسرائيل إذن? هم مازالوا يعيشون في الأرض اليهودية نفسها التي عاشوا فيها قبل 1948. لم تستطع الصهيونية أن تخلق منهم مزارعين مرتبطين بالأرض, فعاش معظمهم في مجتمعات مدنية متلاصقة تعمل في المال والتجارة والصناعة. وتدلنا الإحصاءات الإسرائيلية على أن 78% من اليهود يعيشون في 15% من مساحة إسرائيل فقط. أما الباقون (22%) فيعيش 19% منهم على الأرض الفلسطينية في مدن أغلبها فلسطينية مثل القدس ويافا وحيفا وعكا والناصرة واللد والرملة وبئر السبع والمجدل عسقلان, والحفنة الضئيلة الباقية هي سكان الكيبوتس والقرى التعاونية. هذا الفشل الصهيوني أدى إلى لجوء عتاة الصهيونية مثل أريل شارون ورفائيل عيتان إلى اقتراح قوانين بإمكان (بيع) بعض أراضي الكيبوتس إلى مقاولين لبناء بيوت عليها وبيعها لليهود من أنحاء العالم مع (تعويض) سكان الكيبوتس بمقدار 25% من قيمة البيع لأرض لا يملكونها, وقد دخل على ميزانية الدولة ابتداء من عام 1997 ما يقارب البليون دولار سنوياً من بيع الأرض الفلسطينية, وصاحب الأرض لايزال مشرّداً .

العودة ممكنة

هل يحق للاجئين العودة إلى ديارهم وهل يمكنهم ذلك? الجواب هو أن حق العودة مقدس وقانوني وممكن, هو مقدس لأنه في وجدان كل فلسطيني شيخاً أم طفلاً, إذ رغم مرور نصف قرن, لايزال حق العودة هو الشعلة التي تضيء ظلام الحياة التي يعيشونها.

إن حق العودة ممكن لأنه رغم تدفق المهاجرين اليهود على إسرائيل, لاتزال معظم الأراضي الفلسطينية خالية أو بها غالبية من الفلسطينيين الذين بقوا في ديارهم, هذا ما أثبتته الدراسات الديموغرافية المبنية على الإحصاءات الإسرائيلية. وبناء على ذلك, لو تصوّرنا عودة لاجئي لبنان إلى الجليل, لما تأثرت كثافة اليهود في الوسط بأكثر من واحد في المائة. ولو عاد لاجئو غزة إلى ديارهم في الجنوب, لما تأثرت كثافة اليهود في الوسط بأكثر من 5%, بل إنه من المفارقات المؤلمة أن مجموع لاجئي غزة ولبنان هو نفسه عدد المهاجرين الروس الذين استوعبتهم إسرائيل بسهولة في التسعينيات.

ومما يؤسف له أن كثيراً من المسئولين لا يدركون أنه بالإمكان عودة اللاجئين إلى ديارهم في إسرائيل حسب ما أكدته الدراسات الديموغرافية الجادة. وهم يقبلون بسهولة الخرافة الإسرائيلية أن المكان مزدحم وأن حدود الملكية قد زالت. وهذا خطل في القول وادّعاء مغرض لا يمكن أن يصمد أمام البحث الجاد. فلدينا اليوم مئات من الخرائط البريطانية التي تبين حدود الأراضي العربية ومساحتها في كل القرى والمدن, ولدينا في سجلات الأمم المتحدة حوالي نصف مليون سجل, يبين ملكية كل فرد ومساحتها ومكانها, والتقنية الحديثة باستعمال الحاسوب والأقمار الصناعية تستطيع إرجاع كل متر إلى أصله.

وليس علينا أن نثبت أنه يوجد متسع في المكان لعودة اللاجئين إلى بيوتهم ولا أن نحدد مكان البيت والأرض, فحق الإنسان في العودة إلى بيته وحرمة الملكية الخاصة هي حقوق أساسية حسب الميثاق العالمي لحقوق الإنسان, لا يسقط بالتقادم ولا بالاحتلال أو فرض سيادة أجنبية, ولا يعقل أن يُفرض على صاحب البيت إثبات حقه أمام الغازي الأجنبي أو المهاجر اليهودي الذي يصل من أي بقعة من بقاع الأرض ليسكن هذا البيت.

وكثير من الناس في الغرب يقبلون الحجة الإسرائيلية بضرورة بقاء إسرائيل نقية من العرب وضرورة بقاء اليهود أغلبية مطلقة. هذا القول العنصري لا يعادله عنـصرية إلا القول بأحقية جنوب إفريقيا في الحفاظ على الفصل العنصري (الأبرتهايد). هذه حجة غير قانونية وغير أخلاقية ,وأيضاً غير عملية. إذ تبلغ نسبة اليهود من كل سكان فلسطين بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط 55% والعرب 45%. وما هي إلا مسألة وقت حتى يتم التعادل بل يزيد لأن الزيادة الطبيعية السنوية بين الفلسطينيين تتجاوز 3.5% بكثير أحياناً, بينما تبلغ الزيادة الطبيعية لدى اليهود 1.5% سنوياً, تضاف إليها الهجرة التي قد تضاعف هذه الزيادة أو أكثر كما حدث في التسعينيات. لكن هذه الهجرة غير منتظمة. والاعتماد على الهجرة اليهودية أمر غير مضمون وسينضب يوماً ما, إذن فإن استمرار هذا الفصل العنصري المقيت هو غير قانوني وغير أخلاقي وغير عملي أيضاً.

المستقبل صعب وواعد

وإذ ننظر اليوم إلى حالنا في مطلع القرن الواحد والعشرين, نجد أن إسرائيل تخلّت عن سيناء التي احتلتها مرتين مقابل تخلي مصر أكبر دولة عربية عن الخيار العسكري لإنقاذ فلسطين مع بقائها ملتزمة بالحق العربي فيها, ونجد أن الأردن أعلنت عن معاهدة سلام مع إسرائيل تصوغ قانوناً ما جرى عليه التفاهم قبل سنوات عدة وتعتبر نهر الأردن حدّاً فاصلاً بين البلدين تاركة الضفة الغربية في قبضة إسرائيل, وتجرى المفاوضات أو تكاد بين إسرائيل وسوريا ولبنان مجتمعتين حول انسحاب إسرائيل من بلديهما بعد وقفة سياسية حازمة في سوريا وأخرى عسكرية في لبنان, وكلاهما يتحدث عن بلده.

وابتليت فلسطين وأهلها بعواقب اتفاق أوسلو العاثر وما هو اتفاق بل خلاف, لأنه جرد الحق الفلسطيني من شرعية القانون الدولي وجعله رهناً لإملاء القوي على الضعيف المستكين, وما نظن أنه سيرقى إلى معاهدة سلام تجد القبول والرضا من الشعب الفلسطيني كافة, ولا من اللاجئين الذين لاتزال أغلبيتهم الساحقة (71%) خارج فلسطين بعيداً عن مناطق السلطة الفلسطينية وحكم إسرائيل. أما أرض مَن بقي على أرض فلسطين المحتلة عام 1967, في الضفة الغربية (مساحتها 21% من فلسطين), وقطاع غزة (1% من فلسطين), فلاتزال إسرائيل تقضم منها قطعة قطعة حتى التهمت أكثر من نصف الضفة ونصف القطاع. أما هؤلاء الباقون في أرضهم المحتلة عام 1948, فقد صادرت إسرائيل التي يحملون جنسيتها أكثر من نصف أراضيهم, لكنهم يمرون الآن بصحوة وطنية بعد أن اعتبرتهم إسرائيل أسرى حرب حتى عام 1966, فقد انتعشت آمالهم وكوّنوا أحزاباً وجماعات لتوكيد هويتهم وإرثهم الجغرافي والتاريخي.

وهكذا يجد اللاجئون اليوم أنفسهم في أسوأ حال منذ النكبة, لأنه لا الحرب الصورية ولا السلام المزيف استعاد حقوقهم. والآن يطلبون منهم تحت غطاء السلام أن يسقطوا حقوقهم, ولم ينتظر هؤلاء اثنين وخمسين عاما في الشتات, مقاومين مناضلين صابرين, خارجين من غبار خمسة حروب وعدد لا يحصى من الغارات والإغارات, لكي يقرّوا بعدها أنه ليس لهم وطن وليس لهم حق أو تاريخ, وأن هذا كله قد كان وهماً وخيالاً - كما أراد لهم المتلفعون بجلد اسمه السلام - حتى أصبح الصائح (القدس عربية) مختل العقل أو إرهابياً تطارده الأنظمة والحكومات المحبة للسلام!

هكذا عاد الوضع كما هو عليه قبل أكثر من نصف قرن, شعب يكافح وحيداً تحت وطأة غاز ومحتل, كان اسمه بريطانيا وربيبتها الصهيونية, وأصبح اسمه إسرائيل المتفردة بالقوة, التي لم تتخل يوماً عن ثوابتها, كما تخلى الكثير بالفعل إن لم يكن بالقول عن ثوابتهم. هاهو باراك يصرح كل يوم وهو منتفخ الأوداج عن ضرورة (الفصل الجسدي عن الفلسطينيين), وترجمة ذلك (التنظيف العرقي) أو الاستيلاء على أرضهم ونفيهم إلى مكان بعيد عنها بالتوطين أو أي نوع آخر من الإبادة الجغرافية, هكذا كان حال الصهيونية دوماً ولايزال.

وبالمقابل, فإنه رغم كل النوائب سيبقى الشعب الفلسطيني متماسكاً صامداً ,وسيبقى مكافحاً مدافعاً عن حقوقه حتى يعود إلى أرضه. ولن يعود السلام الحقيـقي إلا بالعودة إلى الوطن, لاشك عندي في ذلك. ويبقى أن يسجّل التاريخ كم من التضحيات ينبـغي بذلها حتى يتحقق حق العودة.

أسطورة الهولوكست ... تعاون مشبوه بين الصهيونية والنازية!
بقلم: عرفة عبده علي

أسطورة "الهولوكست" ... اخترعتها الصهيونية العالمية وجعلت منها "حائط مبكى"، يتحتم على كل يهودي أن يؤدي إليه طقوس النواح ولطم الخدود وشق الجيوب! كما أثقلت بها ضمير العالم لأكثر من نصف قرن.

لم يكن (روجيه جارودي) الفيلسوف والمفكر الفرنسي الشهير, أول من كشف أوراق الدجل الصهيونية! ولن يكون المؤرخ البريطاني (دافيد إيرفينج) - الذي قدم للقضاء لمحاكمته - بآخرهم!!

وقصة دافيد إيرفينج بدأت - في حقيقة الأمر - منذ عام 1992, عندما تعرض للتنكيل والمطاردة لموقفه الذي يشكك في الحكايات المختلقة عن إبادة اليهود! حتى أنه طرد في ذلك العام من كندا وبقرار من المحكمة الاتحادية بحجة أنه دخل البلاد (بطريق غير مشروع)!! ولأنه (أدلى بأقوال مهينة لذكرى الموتى)!! وفي العام التالي منع من دخول أستراليا للسبب ذاته, ثم أصدرت محكمة ألمانية عام 1994 حكماً بتغريمه 10 آلاف مارك لأنه (شكك في حدوث جرائم ضد الإنسانية)!!

وقد قدم إيرفينج للمحاكمة في لندن, وفقاً لقانون استطاعت إسرائيل والقوى الصهيونية العالمية إصداره في كثير من الدول الأوربية بمحاكمة ومعاقبة كل من يشكك في (أسطورة الهولوكست)!!

والكاتب النمساوي (جيرو هونسيك) حكم عليه بالسجن 18 شهراً لكتابته عدة مقالات في مجلة (Hult) نفى فيها وجود غرف الغاز السام في معسكرات الاعتقال النازية!

وكانت عدة دعاوى قضائية قد رفعتها الجمعيات والمنظمات اليهودية ضد (جارودي) عقب نشر كتابه: (الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية) في ديسمبر 1995, والذي فنّد فيه أسطورة (أفران الغاز) مؤكداً أن (هذه الفكرة غير ممكنة التنفيذ من الناحية الفنية, وأن أحداً لم يوضح حتى الآن كيف كانت تعمل هذه الأفران المزعومة, وما الدليل على ثبوت وجودها, وعلى مَن لديه الدليل على وجودها أن يتقدم)!

وقد تعرض أيضاً عدد من الباحثين والمؤرخين في أوربا وأمريكا للاغتيال, والاغتيال المعنوي والمطاردة والسجن, لمجرد أنهم أبدوا رأياً في مزاعم إبادة اليهود على يد النازية, والبعض الآخر التزم (الصمت المذهل)! بالرغم من أن هذا الموضوع ينتمي إلى (التاريخ) الذي يفترض أن باب الاجتهاد فيه مفتوح على مصراعيه, ولا ينتمي إلى (العقائد الدينية) التي يجب أن تحاط بقدر من القدسية! وسوف أتناول قضية المؤرخ والباحث الفرنسي (هنري روك) في نهاية المقال بشيء من التفصيل.

والصهيونية العالمية, تلح بشكل دائم على إبقاء الوعي العام لليهود في (حالة من التذكر الدائم) كنقطة استيعاب للمشاعر القومية بترسيخ العادات الدينية اليهودية القائمة على الارتباط بأيام الحزن والمآسي في تاريخ اليهود!

ويخصص لضحايا الكارثة النازية من اليهود (يوم حداد) خاص! في 27 أبريل من كل عام, فتطلق صفارات الإنذار في جميع أنحاء إسرائيل, في صباح هذا اليوم لمدة دقيقتين, فتتوقف حركة الحياة تماماً,ويجتمع الآلاف في مقابر (يدفاشيم) لتخليد ذكرى ضحاياهم حول النصب التذكارية!

ووضع بين مناهج الدراسة بالمدارس الإسرائيلية, منهج يهتم بدراسة إحدى الطوائف اليهودية التي أبيدت - كما يزعمون - خلال هذه الكارثة, بتقديم أبحاث عن حياة وتاريخ تلك الطائفة!

أكاذيب رائجة

ولعل بعضنا يذكر أو قرأ شيئاً عن راديو 3CR الذي كان يبث برامجه من ملبورن بأستراليا, وهو اتحاد لمؤسسات عدة ذات اتجاهات سياسية مختلفة, لكنها تتفق في الأساس على دعم حقوق الطبقات الفقيرة ومعارضة التعصب والعنصرية, وقد بث الراديو في فترة السبعينيات, برامج عدة عن التعاون الصهيوني - النازي, مما دفع المجلس اليهودي في ملبورن إلى إقامة دعوى قضائية ضد هذه الإذاعة, وشن حملات شرسة ضدها لطمس هذه القضية, وكان أخطر ما تناولته هذه الإذاعة: قضية (رودلف كيستنر) رئيس المجلس اليهودي بالمجر (هنغاريا) إبان الحرب العالمية الثانية, نال درجة الدكتوراه في القانون, وكان صهيونياً شديد التعصّب, والذي كشف دوره في هذه القـضية هـو د. رودلف فربا بمجلس الأبحاث الطبية البريطانية, وكان أحد الفارين القلائل من معتقل (أوشويتز), وجاء في مذكراته التي نشرت عام 1961, بجريدة (لندن دايلي هيرالد):

(أنا يهودي, وبالرغم من ذلك, فإنني أتهم بعض القادة اليهود, بأبشع أعمال الحرب, هذه الفئة من الخونة علمت بما يحدث لإخوانهم, لكنهم فضّلوا شراء أرواحهم بالصمـت عمّا يجـري! ومـن بين هؤلاء د. كيستنر رئيس المجلس و (الصلة الوثيقة بين د. كيستنر, وأدولف إيخمان, أكّدتها اعترافات إيخمان نفسه, عقب اختطافه الشهير وتقديمه للمحاكمة فقال عنه:

لقد وثق أحدنا بالآخر تماماً, عندما كنا نتحدث, كان يدخن سجائره المعطّرة بشراهة, يتناولها من علبة سجائره الفضية, ويشعلها بولاعة ذهبية, كان متحفّظاً في تصرّفاته, فكان يبدو كضابط جستابو مثالي! لقد كان همّه الأكبر هو: تمكين مجموعة مختارة من يهود المجر, من الهجرة إلى إسرائيل)!

غير أن أهم ما يجب لفت الأنظار إليه (عملية الانتقاء) التي كانت هدفاً رئيسياً للمنظمة الصهيونية من أجل بناء الدولة اليهودية, وليس إنقاذ اللاجئين اليهود! والفلسفة الصهيونية, حددها بن جوريون: (انتقاء القليل من جموع اليهود في ترتيب عملية الهجرة إلى فلسطين, من الشباب الذين يستطيعون فهم ما يعنيه - الوطن القومي اليهودي - طاقاتهم وإمكاناتهم لخلق ظروف اقتصادية ملائمة, ستسمح بمتابعة الهجرة)!

ونمضي لنتابع معاً, كيف يثبت قادة الصهاينة, قدراتهم على التحكم باللعبة السياسية, خاصة عندما تكون بمستوى هذه القذارة!!

هل قامت حقّاً الحركة الصهيونية - لحماية يهود العالم من خطر (العداء للسامية)? إن الوقائع التاريخية تدحض هذا الزعم, وتثبت أن تعاوناً وثيقاً نشأ بين الزعماء الصهاينة وأعداء السامية منذ اللحظة الأولى لتأسيس حركتهم.

فقد أدرك منظرو وزعماء الحركة الصهيونية, أن مشروعهم الاستيطاني لتهويد فلسطين لن يكلل بالنجاح, مادام اليهود يرفضون ترك أوطانهم الأصلية التي ولدوا وعاشوا فيـها, والتوجـه إلى وطن آخـر لا تربطهم به أدنى صلة, وكانوا ينظرون إلى موجات العداء للسامية باعتبارها (ظاهرة مفيدة للحفاظ على الشخصية اليهودية).

ولذا لم يتورع مؤسسو الحركة الصهيونية, عن مشاركة أعداء السامية في تدبير وتنفيذ المجازر وحملات الإبادة ضد اليهود, لحملهم على التماس النجاة بوسائل نقل أعدتها الوكالة اليهودية, بهدف دفعهم للهجرة إلى ما يسمى (أرض الميعاد) ولم يعد خافياً ما كان يبذل من أموال طائلة لتغذية موجات الاضطهاد المفتعلة ودفع عجلة العداء للسامية لتشريد المزيد من اليهود وتوجيههم إلى فلسطين.

ولقد تصاعد تحالف بين الصهاينة وأعداء السامية (إلى توثيق العلاقات مع الحكومات الفاشية في إىطاليا وألمانيا, ففي عام 1923 عقد لقاء بين - حاييم وايزمن - رئيس المنظمة الصهيونية العالمية, والدوتشي الإيطالي - موسوليني -الذي أكد استعداده لتقديم كل المساعدات اللازمة للصهاينة للإسراع في استيطان وتهويد فلسطين, وأن حكومة بلاده تضع إمكاناتها لمساعدة الصهاينة في إنشاء أسطول بحري وتدريب بعض الطيارين! واستمرت لقاءات موسوليني وقادة الصهيونية دون توقف, وفي لقائه مع ناحوم جولدمان في 13 نوفمبر 1934, أكد موسوليني موقفه حيال المشروع الصهيوني, وأبدى موافقته على فكرة تأسيس (المؤتمر اليهودي العالمي) التي طلب جولدمان مشورته فيها.

وعندما وصل هتلر - عدو السامية الأول - إلى قمة السلطة في ألمانيا بدا أن ذلك سيثير المخاوف في نفوس الصهاينة, لكن ما حدث كان على عكس ذلك, فقد كان الصهاينة يرون في وصول النازيين إلى قمة السلطة في واحدة من أكبر الدول الرأسمالية في أوربا فرصتهم الذهبية لإحكام سيطرتهم على يهود أوربا, والتعجيل في دفعهم للهجرة إلى فلسطين.

فقد تبين أن زعماء الصهيونية كانت لهم علاقات وثيقة مع هتلر, ومن قبل وصوله إلى الحكم, وأن النازيين كانوا يتلقون مساعدات مالية ضخمة من البنوك والاحتكارات الصهيونية, ساعدتهم بشكل فعّال في الوصول إلى السلطة, فعلى سبيل المثال, ثبت أن النازيين قد تسلموا عام 1929 مبلغ 10 ملايين دولار من بنك (مندلسون أندكومباني) الصهيوني بأمستردام, كما تلقوا عام 1931 مبلغ 15 مليون دولار, وفي عام 1933 بعد وصول هتلر للسلطة, كان أول ما أرسله له الصهاينة مبلغ 126 مليون دولار, ولاشك أن هذه المساعدات المالية الكبيرة, كانت عوناً للنازيين - من المنظمات الصهيونية العالمية - لبناء قوتهم العسكرية والاقتصادية, اللازمة لاجتياح أوربا, وإبادة الملايين من البشر, ومن بينهم اليهود, وهو ما اعترف به (ناحوم جولدمان) في كتابه (السيرة الذاتية).

الدعاية قبل التنفيذ

وتجدر الإشارة إلى أنه قبل البدء في تنفيذ المخطط الصهيوني - النازي ضد اليهود, قام الصهاينة - بالتنسيق مع الجستابو - بشن حملات دعائية واسعة تتهم السلطات النازية بتعقب الصهاينة واعتقالهم, وبناء على تعليمات من جيرنيك - أحد كبار مسئولي الجستابو - تم إرسال مندوبين إلى لندن وبراغ, بهدف تصعيد الحملة الدعائية حول (مطاردة واعتقال) الصهاينة في ألمانيا.

وكانت المنظمات الصهيونية تلقى كل دعم ومساندة من السلطات النازية, وفي الوقت الذي كانت تحرق فيه مؤلفات سبينوزا وأينشتاين في ألمانيا, كانت السلطات النازية تسمح بإعادة طبع كتاب هرتزل (الدولة اليهودية) وحين كان الآلاف من فقراء اليهود يساقون إلى معسكرات الاعتقال وحجرات الغاز, كان المليونير الصهيوني - مندلسون - ينال لقب (مواطن آري) بمرتبة الشرف, كتقدير من زعماء النازية!

وعلى أثر ازدياد عدد المهاجرين اليهود في الثلاثينيات - من أوربا إلى أمريكا وأستراليا, تمكن زعماء الصهيونية من استصدار قرار من وزير داخلية الولايات المتحدة يقضي بمنع دخول المهاجرين اليهود إلى معظم الولايات الأمريكية, مثلما تمكنوا من الحصول على قرار مشابه من الحكومة البريطانية, يحول دون توجه اليهود إلى أستراليا وغيرها من المستعمرات البريطانية, فيما عدا فلسطين بالطبع - وتتصاعد الحملات الدعائية زاعمة أن محرقة هتلر قد أهلكت 6 ملايين يهودي أو ثلث تعداد اليهود في العالم!

ولكن ثمة تساؤل: لماذا إذن التزمت الإدارة الأمريكية الصمت إزاء أحداث الإبادة الجماعية لليهود? بل انقسام يهود أمريكا على أنفسهم وعدم اتخاذهم موقفاً موحّداً ومحدداً إزاء إعدام الملايين من اليهود - كما يزعمون - غير أن بعض اللجان قد تشكلت بغرض إنقاذ اليهود وجمع الأموال اللازمة لذلك, منها (لجنة الطوارئ) التي نشرت إعلانات بالصحف تدين عمليات الإبادة ونظمت التظاهرات.

ولكن مثل هذه اللجان, كانت تواجه بهجوم مكثف من المنظمات الصهيونية, والتي كانت لها وجهة نظر تتلخص في أنه: يجب ترك هتلر يقتل ويبيد بعضاً من اليهود, حتى يدرك العالم كله أن الحل الوحيد لإنقاذ اليهود هو إقامة وطن قومي لهم في فلسطين!

بالإضافة إلى أن الحركة الصهيونية قد أعلنت, أن إنقاذ اليهود ليس مهمتها وإنما هدفها الأكبر هو فلسطين, وأنها حين سعت بالفعل إلى إنقاذ الشباب وصغار السن من اليهود - ليكونوا نواة للدولة الصهيونية في فلسطين - فلم يكن ذلك رغبة في إنقاذ أرواح بشرية بقدر ما كان إنقاذ أداة تحقق مخططات الحلم الصهيوني الرهيب!

وهذا ما أكده (يوري أفنيري) النائب السابق في الكنيست والمعلق السياسي الإسرائيلي حيث قال: إن اهتمام الحركة الصهيونية - وقت وقوع المحرقة - لم يكن موجّها إلى اليهود على الإطلاق بل كان موجّهاً إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين!

وقد أوضحت الأبحاث التي قام بها الكاتب اليهودي (مورجنشتيرن) ونشرتها بعض الصحف الإسرائيلية - في أوائل السبعينيات - أن هدف الزعماء الصهاينة لم يكن أبداً إنقاذ اليهود من معسكرات الموت النازية, وقد كشف مورجنشتيرن النقاب عن أن (جرنيبور) رئيس لجنة الإنقاذ وعضو رئاسة الوكالة اليهودية قد صرح أكثر من مرة بأن أموال الصندوق الوطني اليهوي (يجب أن تستغل لتنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين, وليس هناك أي ضرورة لإنفاق هذه الأموال لإنقاذ اليهود من النازيين...!

وخلال الندوة التي نظمتها صحيفة (معاريف) الإسرائيلية عام 1966, صرح عضو الكنيست (خ.لانداو) بأن رئاسة الوكالة والأوساط اليهودية في الولايات المتحدة, كانوا يعلمون بعملية الإبادة عام 1942, لكنهم لم يلتزموا الصمت فحسب, بل أخفوا ما عرفوا وأجبروا كل من عرف بذلك على الصمت!

اعتراف موثق

كما اعترف أدولف إيخمان - لدى محاكمته, بالاتفاق الذي عقده الصهاينة مع الجستابو, والذي نص على تعهد النازيين بضمان سلامة بضع مئات من أثرياء اليهود والزعماء الصهاينة مقابل أن يتعهد الصهاينة بالمحافظة على الهدوء والنظام في معسكرات الاعتقال, وأضاف أيضاً أنه لولا تعاون الصهاينة وأعضاء المجالس اليهودية مع السلطات النازية لكانت ألمانيا في حاجة إلى جهاز استخبارات أكبر بمائة مرة على الأقل من الجستابو , وحتى في مثل هذه الحالة, فمن المشكوك فيه, قدرة هذا الجهاز وحده على تنظيم حملات الإبادة الجماعية ضد اليهود, كما حدث في أوربا!

وفي كتابه (الخيانة) يقول الكاتب اليهودي - بن هيكت - إن مئات الآلاف من اليهود كان يتم تجميعهم في ( الجيتوات ) حيث يجري إرسالهم بعد ذلك إلى معسكر (اوسفينتسيم) وغيره من معسكرات الموت من أجل إبادتهم, دون أن يعرفوا المصير الذي كان ينتظرهم.

وتجدر الإشارة إلى أنه في بعض الحالات التي كان يفشل فيها الصهاينة في إدخال المهاجرين المختارين إلى فلسطين, كانوا يحكمون على هؤلاء المهاجرين بالموت دون تردد, ثم يقومون بشن حملات دعائية ضخمة للاتجار بدماء ضحاياهم!

وهكذا ما حدث بالنسبة للباخرة (باتريا) عام 1942: حين وصلت إلى ميناء حيفا, على متنها المئات من المهاجرين اليهود, لكن السلطات البريطانية رفضت السماح لهم بالنزول في حيفا, وعرضت عليهم التوجه إلى مدغشقر, وبعد أن فشل الصهاينة في إقناع الإنجليز, قاموا بنسف الباخرة بمن فيها وعقب ذلك قاموا بحملة دعائية شعواء, زاعمين أن ركاب الباخرة قد نفذوا عملية (انتحار جماعي) لأنهم (فضلوا الموت على مفارقة الوطن)..- وهو نفس ما فعلته العصابات الصهيونية ضد ركاب الباخرة (سترومي)!

ومن أشهر عملاء الجسـتابو من الصـهاينة كان (د. رودلف كيستنر) المندوب الدائم للمؤتمر اليهودي العالمي ورئيس فرع هنغاريا, وقد أسندت إليه مهمة وضع قوائم بأسماء اليهود في هنغاريا وبيان الحالة الاجتماعية والمالية لكل منهم, وكان كيستنر يقوم بجباية الأموال من الأثرياء مقابل تهريبهم إلى الخارج, أما الفقراء فكان يرسل بهم إلى معسكرات الاعتقال والموت. وبعد انتهاء الحرب, هاجر كيستنر هذا إلى فلسطين المحتلة - وغيّر اسمه إلى (شووك كارميل) وعن طريق المصادفة تعرف عليه أحد اليهود الذين نجوا من الموت بأعجوبة, وبعد أن انكشف أمره قام أحد رجال (الموساد) ويدعى - زئيف إيكشتاين - باغتياله في عام 1957, بناء على تعليمات قيادة الموساد, وبالطبع لم تقم الاستخبارات الصهيونية باغتيال كيستنر, جزاء له على الجرائم الدموية التي ارتكبها بحق اليهود, أو لتعاونه المباشر مع الجستابو, بل خوفاً من أن يكشف عن هوية عدد من القادة الإسرائيليين الذين اشتركوا معه في إبادة اليهود وخدمة النازية.

ولم يكن كيستنر هو المسئول الصهيوني الوحيد الذي تعاون مع الجستابو, فقد كان هناك أيضاً (ماندلر) مندوب الوكالة اليهودية في تشيكوسلوفاكيا, الذي كان عميلاً لرئيس فرع الجستابو في براغ (فوش) وطبقاً للاعترافات التي أدلى بها (كارل دام) أحد كبار قادة فرقة الـ S.S. النازية, فقد شكل النازيون من الصهاينة ما كان يعرف بالشرطة اليهودية, لتولي المحافظة على الهدوء والنظام في معسكر (تيريزين) بتشيكوسلوفاكيا, وأضاف كارل دام: إنه بفضل مساعدة الصهاينة العملاء تمكنوا من إرسال أكثر من 400 ألف يهودي من تشيكوسلوفاكيا إلى الجيتوات ومعسكرات الاعتقال في الفترة ما بين 1941-1945. ويؤكد الكاتب الألماني (جوليوس مادير) أن هناك قائمة بأسماء الزعماء الصهاينة الذين تعاونوا بشكل وثيق مع النازيين - تقع في 16 صفحة - وأن من بين هؤلاء عدداً ممن أصبحوا من كبار المسئولين في (إسرائيل) مثل حاييم وايزمن, موشى شاريت, دافيد بن جوريون واسحق شامير وغيرهم, وأن أقرب المسئولين النازيين إلى الصهاينة كان كورت بيخر وأدولف إيخمان رئيس فرع W.B4 في الجستابو, وهو الفرع الذي كان مسئولاً عن إبادة اليهود!

وعلى الرغم من العداء العلني الذي كانت الحركة الصهيونية لا تفتأ تظهره حيال النازية, وإلى حد فرض الابتزاز المالي والسياسي على الحكومات الألمانية المتعاقبة بعد الحرب الثانية, إلا أن الوثائق التي نشرتها مجلة (شيتزن) تكشف العروض السرية التي تقدم بها الصهاينة للتعاون مع ألمانيا النازية, فتشير هذه الوثائق إلى أن منظمة (أرجون) الصهيونية الإرهابية, والتي كان إسحق شامير رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أبرز زعمائها قد أجرت اتصالات سرية مع النظام النازي, عن طريق الملحق البحري الألماني بسفارة ألمانيا في تركيا, ويتلخص هذا العرض الذي تقدمت به منظمة أرجون إلى الحكومة النازية, في أن أهداف المنظمة الإرهابية تتفق تماماً مع أهداف حكومة الرايخ فيما يتعلق بضرورة إجلاء اليهود عن أوربا كخطوة على طريق إقامة نظام جديد هناك, أن هذا الإجلاء لن يتحقق إلا بتهجير يهود أوربا إلى فلسطين, وبالتالي يمكن أن يتحقق تعاون مشترك بين الصهاينة والنازيين في هذا الصدد, وضمان استمرار التعاون بعد إقامة الدولة اليهودية, في شكل معاهدة بين الكيان الصهيوني وألمانيا, ترعى المصالح الألمانية في الشرق الأوسط, وقد أبدت المنظمة الإرهابية استعدادها للاشتراك في العمليات الحربية إلى جانب ألمانيا, شريطة أن توافق على هذا العرض!

سحب الدكتوراه

وفي هذا الصدد, نتعرض لموضوع المؤرخ الفرنسي: (هنري روك) الذي تقدم برسالة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة (نانت) عام 1977, والتي حاول فيها أن ينفي وجود غرف غاز في معسكرات الاعتقال النازية خصصت لتعذيب اليهود, وكان هنري روك قد نشر العديد من الدراسات والمقالات في بعض الصحف الفرنسية, تناول فيها هذا الموضوع بشكل موثق, ليتعرض لحملة ضارية في وسائل الإعلام, اتهمته بالنازية ومعاداة السامية وبالانتماء إلى أقصى اليمين!

ثم أصدر وزير البحث والتعليم العالي الفرنسي في ذلك الوقت (آلان ديفاكيه) قراراً بإلغاء مناقشة رسالة الدكتوراه وما ترتب عليها, وسحب درجة الدكتوراه من المؤرخ روك, ووقف الأستاذ المشرف على الرسالة البروفيسور (بريفيير), وقد استند الوزير في قراره إلى وجود أخطاء في إجراءات التقديم والمناقشة, ولم يتعرض مطلقاً لمضمون الرسالة..!

وليس هذا فحسب, بل أصدرت المحكمة الفرنسية حكماً بإدانة المؤرخ والأستاذ الجامعي, ونفذ الحكم مع غرامة مالية قدرها 100 ألف فرنك على بعض رؤساء تحرير الصحف الذين سمحوا لهما بنشر هذه المقالات وذلك طبقاً للقانون المشبوه (الذي يحظر على أي شخص التشكيك في حدوث جرائم ضد الإنسانية..)!

وبعد انتهاء الحرب عاد راسينييه إلى فرنسا, وإلى ممارسة مهنته حيث كان أستاذاً للتاريخ المعاصر, فكتب عدة كتب يعرض فيها الحقائق بأمانة كما رآها بنفسه. وكانت خلاصة هذه الكتب هي أن الحياة في معسكرات الاعتقال النازية كانت حياة بشعة وصعبة للغاية, لكن ذلك لا يعني أنه كانت هناك غرف للغاز وعمليات إعدام جماعية. وأعد كتاباً بعنوان (أكاذيب أوليس) أوليس بطل الأسطورة اليونانية المشهورة, قام برحلة طويلة للعودة إلى وطنه, وقد روى لدى وصوله قصصاً لم تكن مطابقة للحقيقة أي أنه انطلق من واقع ثابت وهي رحلته الطويلة المحفوفة بالمخاطر, لكنه بنى عليها خرافات وأساطير زادت عن حجم الواقع, وهذا هو ما حدث في نظر راسينييه بعد الحرب العالمية الثانية. وبسبب أفكاره وكتاباته المخالفة لوجهة النظر الرسمية السائدة, فصل راسينييه من الحزب الاشتراكي الذي كان ينتمي إليه كما فصل من جمعية أسرى الحرب.

وحيث إن راسينييه يعتبر الأب الروحي لكل من يشككون في عمليات الإبادة الجماعية لليهود خلال الحرب العالمية الثانية, فقد أوضح مسيو روك موقف المؤرخ من غرف الغاز, فقال: وجهة نظر راسينييه أنه لا يوجد دليل قاطع لاستخدام غرف الـغاز لقتل اليـهود أو غير اليهود, ورأيه أنه ربما كان هناك وجود لغرف الغاز, لكن الأدلة التي يسوقها المؤيدون لـهذه النـظرية لا تعتبر أدلة علمية غير قابلة للجدل, وبالتالي فلم يثبت تاريخياً استخدام غرف الغاز للإعدام في المعسكرات النازية.وعندما سئل مسيو روك: بالنسبة لرسالة الدكتوراه التي تقدمت بها إلى جامعة باريس ثم إلى جامعة نانت ما هي وجهة النظر التي تدافع عنها فيما يتعلق بغرفة الغاز والمحارق, قال الرجل: هناك فرق كبير بين غرفة الغاز والمحارق, وهناك خلط يقع فيه الكثيرون بين الاثنتين, فمن الثابت أن المحارق كانت موجودة في جميع المعسكرات النازية, لكن هذه المحارق كانت منتشرة في كل دول شمال أوربا التي تعتنق البروتستانتية, وقد كانت المحارق تستخدم بالفعل في معسكرات الاعتقال الألمانية, وكانت تحرق بها في ذات الوقت جثث المسجونين والضباط الألمان, كما أنه كان هناك سبب غاية في الأهمية لإصرار الألمان على وجود المحارق في المعتقلات التي كانت تعتبر تجمعات ضخمة من البشر, وهي الناحية الصحية, فقد كان هاجس الألمان الأول في هذا الميدان هو انتشار الأوبئة, وكانت هناك بالفعل الأمراض الوبائية مثل التيفوس والتيفود والملاريا تهاجم بعض المعسكرات, وكانت عملية حرق الجثث هي أفضل الوسائل لمنع انتشار الأوبئة.ويستطرد مسيو روك قائلاً: أما بالنسبة لغرف الغاز, فلا يشك أحد كذلك في أنها كانت موجودة في معسكرات الاعتقال الألمانية, لكن المشكوك فيه هو استخدامها بهدف القتل, فقد كان الغرض المعروف من وجود غرف الغاز هو التطهير, وكانت توضع في هذه الغرف الملابس والأدوات الشخصية لتطهيرها من الجراثيم, وكان الجنود الألمان العائدون من الجبهة الروسية, يتوقفون في أماكن تجمّع محددة حيث تدخل ملابسهم وكل الأدوات الخاصة بهم غرف الغاز خوفاً من الأمراض والأوبئة, ويؤكد أنصار نظرية غرف الغاز أن هناك ملايين من اليهود قد أعدموا في المعسكرات النازية داخل هذه الغرف, والمعروف أنه كان يلزم ساعتان كاملتان لحرق جثة واحدة, فكيف يستوي إعدام الملايين في غر ف الغاز ثم حرق جثثهم في المحارق, فما هو الوقت الذي كانت تستوجبه هذه العمليات? إنه وقت يزيد بكثير عن كل ما استغرقته الحرب العالمية الثانية بأكملها?!

وأخيراً, وبالرغم من كل هذه الجرائم والمجازر التي ارتكبها الصهاينة بحق اليهود, والارتباط الوثيق للحركة الصهيونية بالنـازية الألمانية والفاشية الإيطالية مازال زعـماء ومفـكرو الكيان الصهيوني يصرّون, وبكل وقاحة, على أن الحركة الصهيونية العنصرية جاءت لحماية اليهود من مخاطر العداء للسامية!.

التاريخ يعيد نفسه:
الصليبيات والصهيونيات

بقلم الدكتور: محمد عيسى صالحية

"الإفرنج يجوسون المدينة، شاهري السيوف.
لا يشفقون على أحد، حتى على الذين يتوسلون الرحمة.
سقط شعبُ الكفار تحت ضرباتهم، مثلما تسقطُ جوزاتُ البلوط المهترئة من شجر البلوط حين يهزون أغصانها".

"فوشيه الشارتري"

بهذه الأبيات الشعرية, صوّر الشاعر فوشيه الشارتري, المآثم والوحشيات والمجازر, وعمليات النهب والسلب التي اقترفها جنود الرب, عساكر الفرنجة, عشية استيلائهم على المدينة المقدسة, أمام عينيه, في الثاني والعشرين من شهر شعبان عام 492 هـ - 15 يوليو 1099م, فقد امتزجت صلواتهم المحمومة أمام قبر السيد المسيح بدماء الرجال والنساء والأطفال والشيوخ, الأصحاء والمقعدين, حتى رءوس الرضع سحقت على الحجارة, فوشيه نفسه وبعباراته يؤكد (إنا لم نترك أحداً منهم على قيد الحياة).

بعد أيام على النكبة, وصل أول اللاجئين من فلسطين إلى دمشق, حاملين بعناية فائقة نسخة المصحف العثماني التي كانت تحتضنها قبة الصخرة المشرفة. وفي دمشق استقبلهم القاضي محمد بن نصر بن منصور الهروي, أبو سعد, رووا له فظائع ما لحق بالقدس وأهلها, وتفتق ذهن قاضي القضاة, زين الإسلام, عن ضرورة الاستنجاد بالخليفة, حارس الدين والدنيا, فاصطحب القاضي أبو سعد الهروي مقادسة النكبة إلى ديوان الخليفة المستظهر بالله في بغداد, أليس على المسلمين اللوذ بخليفتهم في الساعات العصيبة? ووصل المستنفرون من الشام في رمضان إلى بغداد, (فأوردوا في الديوان كلاماً أبكى العيون, وأوجع القلوب, وقاموا بالجامع يوم الجمعة, فاستغاثوا وبكوا وأبكوا, وذكروا ما دهم المسلمين من مصاب). ولشدة وجد الخليفة عليهم, وشفقته على قضيتهم, اكتفى بتشكيل لجنة من خواص ندمائه وجلسائه للتحقيق في تلك الأحداث المفجعة, فالخليفة يرى فيما وقع, نوعاً من المناوشات المعتادة بين بيزنطة وثغور الدولة, وأن المقادسة يبالغون, فلا فرنجة ولا غزو. وحتى هذه اللحظة, لم ترفع اللجنة تقريرها, كان استجداء مثل استجداء المكدين على قارعة الطريق.

عندما نامت العيون

الشاعر أبوالمظفر الأبيوردي, ممثل القرن الخامس الهجري في نادي الفكر العربي, وصف حال الأمة آنذاك:

مزجنا دماء بالدموع السواجم

 

فلم يبق منا عرضة للمراجم

وشر سلاح المرء دمع يريقه

 

إذا الحرب شبت نارها بالصوارم

أتهويمة في ظل أمن وغبطة

 

وعيش لنوار الخميلة ناعم

وكيف تنام العين ملء جفونها

 

على هفوات أيقظت كل نائم

وأقول: لقد نامت العيون خمسين سنة, قبل أن يتحرك الشرق العربي لمواجهة المحتل, والاحتفاء بدعوة قاضي دمشق إلى الجهاد في ديوان الخليفة بوصفها أول عمل مشهود من أعمال المقاومة.

استكانت الأمة خمسين سنة في مستنقع لجب أخرس, العلماء والفقهاء ما التوت أفواههم بذكر الجهاد, ولا دارت أحناكهم بخطبة, حتى الشعراء وكأن ألسنتهم قد حبست عن القول, بكاء دون إسبال الدموع, صياح في غرف موصدة كتيمة, صرخات في قيعان وديان بلا صدى, ضعف وتخاذل وانقسام.

الباحثون الإسرائيليون يولون الصليبيات عناية فائقة, يرون فيها الحركة الرائدة والتجربة السالفة, فالغزو الصهيوني يشبه في غزوه واحتلاله الغزو الصليبي, يهتمون بالمشكلات التي واجهت الصليبيات, الأمن, الاستيطان, العمائر والمستوطنات الحربية, نقص في الطاقات البشرية, يدرسون الموقف في الشرق العربي الإسلامي, جذوره ويحللون عناصره.

هناك فرق عمل كاملة في الجامعات العبرية تخصصت في دراسة الحروب الصليبية, يوشع براور, ميرون بنفنستي, بنيامين كيدار, سلفيا سكين, ديفيد آيالون, زهافا جاكوبي, بنيامين أربل,آرييه جرابوس, يائيل كاتزير, والقائمة طويلة طويلة, يكتبون بالعبرية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والإىطالية والروسية, ويتابعون ما يُنشر عن الصليبيات في العالم أجمع, ويشاركون في الجمعيات العلمية المهتمة بدراسة الصليبيات مثل جمعية دراسة الحروب الصليبية والشرق اللاتيني بإنجلترا.

الصليبيات في حد ذاتها لا تهمهم, وإنما يهتمون بها باعتبارها نقلة بين الحركة الصهيونية والمستقبل, إسقاط التاريخ على الواقع المستقبلي, درسوا القلاع الصليبية, ونظم التحصين الصليبي في مرتفعات الجولان, حللوا رحلات الحجاج والتغير في الرؤية للأرض المقدسة, درسوا الجغرافية التاريخية لفلسطين إبان الحروب الصليبية, وتاريخ اليهود والأحياء اليهودية, والاستيطان الصليبي والإقطاع وقوانين الإدارة والتجارة والحدود وقضايا الزراعة والمياه وملكية الأرض والعلاقات, والسقوط المفاجئ لمملكة بيت المقدس وطرد آخر بقايا الصليبيين غداة سقوط عكا.

هذه المسألة الأخيرة هي الهاجس المؤرق للدولة الصهيونية, فجذور الحاضر موجودة في الماضي, وممدودة في المستقبل, كيف استيقظ فرض الجهاد في نفوس المسلمين بعد خمسين سنة من الإغفاء على وسن الفراء?, كيف مادت الأرض تحت أقدام الغزاة الصليبيين بعد ذاك الاستيطان طويل العهد? كيف تحركت الرمال تحت الغزاة في فلسطين وحول فلسطين? وما شأن مئات المستوطنات والقلاع الحربية, ولماذا تحولت إلى مدن وقلاع ملح ذابت في لهيب غليان الأمة الإسلامية, كذا فجأة, ومرة واحدة?

مصير الغد

الإسرائيليون يتحسّسون في الصليبيات مصير الغد, إنها الرؤية المركزية المتخيلة لهم, هم يدرسون خطب الجهاد المودعة في كتب الجهاد, يدرسون كتب الفضائل وعلى الأخص, فضائل الشام وبيت المقدس, يستنطقون دواوين شعراء العصر, وكتب الفقه, والفتاوى وحتى السير الشعبية, يرون في كل ذلك منجم المشاعر العميقة للجموع المقاتلة, أكثر ما يقلقهم ذاك السر العجيب الذي أنهض الناس, فقد كان الناس عند وصول الفرنجة أكواماً من الرمل, ذرتها السيوف الصليبية مع الريح, فكيف تحول مواطنو الريح إلى كتل صخرية جلدة صلدة, تكسّرت عليها كل الفولاذيات الفرنجية فجأة ومرة واحدة, وابتلعت كل الغزوات والغزاة.

دون مقدمات انتفضت الأمة, أزهرت روح الجهاد, وانتصب الحق, فكيف يتفادى الصهاينة المصير الصليبي, وكيف يحلون سر عوامل نهوض الأمة? يدرسون جوانب الفشل والإخفاق التي قضت على الوجود الصليبي, وفي فكرهم أن يتجاوزوا تلك العوامل, ويفلتوا من عين ذاك المصير!

الصليبيات والصهيونيات كأنهما فلقتان, أخرجتا من بذرة واحدة, كان النصف الأول من البذرة في القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي, والنصف الآخر في القرن الثالث عشر الهجري/التاسع عشر الميلادي, المكان واحد هو فلسطين, الغزوة الصليبية والغزوة الصهيونية نتاج مشاكل أوربية داخلية خالصة, اجتماعية واقتصادية, زيادة سكانية, تدني مردود الزراعة, زحام قومي, وكان الحل, إلقاء هذه الفضلات البشرية في نظر الأوربيين من النافذة على الجيران, تلك المشاكل الداخلية وجدت حلها في عمل خارجي وعلى أرض خارج أوربا.

في الغزوتين معاً, سواء بسواء, تحركت جموع بشرية من مختلف أنحاء أوربا مع القوافل براً وعلى أشرعة المراكب بحراً, كانوا حجاجاً ومحاربين وتجاراً ونبلاء وكهنة ومغامرين ومن كل زوج غير بهيج, يدفعهم إغراء الشرق والأرض التي تفيض لبناً وعسلاً, وامتزج حلم تطهير المسيح برغيف الخبز عند الصليبيين, ومثله امتزج وعد الإله يهودا بطائرات الفانتوم وصواريخ البتريوت.

الأرض والوعد

في نوفمبر 1095م, انتصب البابا أوربان الثاني قائداً للصليبيات في مجمع كليرمون فران الفرنسي, وحدد للضواري الفرنجية الهدف والطريق.

وكان تيودور هرتزل هو بابا الصهيونيات: في نوفمبر 1867م, نشر كتابه الدولة اليهودية, وفي نوفمبر 1897م, حدد لعصابات القتل في مدينة بازل, الهدف والطريق, الدولة اليهودية في فلسطين, أرض إسرائيل.

كلاهما حدد الرؤية والنهج, وترك للآخرين مهمة التنفيذ وبكل الوسائل. الأيديولوجية الدينية كانت هي المطية في الغزوتين معاً, الند بالند فكرة الاختيار والأرض الوعد, وعد توراتي بتخليص القبر المقدس في أرض المسيح من أيدي الكفار المسلمين, وعينه السفر التوراتي بتخليص الهيكل المقدس في أرض الميعاد, ارتز إسرائيل, ألم يفتتح يوشع براور كتابه (عالم الصليبيين) بسفر التكوين, الإصحاح 35: 11-12.

(وقال الله ليعقوب, أنا الله القدير, أثمر وأكثر أمة وجماعة أمم, تكون منك, وملوك سيخرجون من صلبك, والأرض التي أعطيت إبراهيم وإسحق, لك أعطيها ولنسلك من بعدك أعطي الأرض).

وتمضي أوجه الشبه بين الصليبيات والصهيونيات, فالحروب الصليبية لم تعرف هذا الاسم إلا على تخوم الأزمنة الحديثة, أول من استعمل مصطلح الحروب الصليبية هو لويس ممبور, مؤرخ بلاط لويس الرابع عشر في بحثه الذي نشره سنة 1675م, بعنوان تاريخ الحروب الصليبية, فالاسم الذي استعمله مؤرخو الصليبيات هو (حروب الفرنجة) أو, (المآثر والأعمال التي تمت فيما وراء البحار).

ومؤرخو الصهيونيات هم أيضاً لم يسموا حركتهم بالحركة اليهودية أو العبرية, وإنما الحركة الصهيونية, وغلفوها بأسفار الكتاب المقدس والزبور الإلهي ومزامير التوراة والشمعدان والناقوس.

الغزو الصليبي بدأ حجاً سلمياً إلى القبر المقدس تحوّل فيما بعد إلى حج مسلح, والغزو الصهيوني بدأ حجاً إلى حائط المبكى, مهد الطريق إلى وعد بلفور, وإلى مجازر سنة 1948م, ومازالت, والصليبيون يسمون أنفسهم (فرسان المسيح), والشعب المقدس وشعب الرب, والصهاينة يسمون أنفسهم (شعب الله المختار), وغيرهم غوييم هائم, والذين هم كل البشر.

الصليبيون حوّلوا التوراة إلى سكاكين وسيوف, باسم المسيح تقتل, وبعون الرب تحرق وتدمر, أوجدوا منظمات مدنية إرهابية كوسيلة للحفاظ على الحقد الديني.

فرسان القنطرة وفرسان قلعة ترافا وفرسان القديس يوحنا, وعلى النهج نفسه, صنعت الصهيونية أحزاباً مدنية إرهابية, لتؤجج التعصب والتطرف الديني, وتؤيد اعتداءات الدولة على الأرض والناس, همها أن تبقي الحقد الديني في حال غليان ليصب الحساء ساخناً في الصحن الصهيوني, مئير كاهانا, حزب أغودات, هاتوراه, المفدال, شلوموغورين, غئوله كوهين, شاس, بيتان, كاخ, الهيكليون, فما أشبه اليوم بالبارحة.

الصليبيات والصهيونيات, وعلى الرؤية والنهج نفسهما, والقدم يحاذي القدم, استغلتا الجهل الأوربي بتاريخ المنطقة وفنها, فصوّرتا فلسطين أرضاً بلا شعب, وشوّهتا قدسية الإسلام ونبيه, أليس العرب برابرة, أنذالاً, مخادعين, إرهابيين?! الصليبيون حاربوا الشياطين, والصهاينة حاربوا الأبالسة, ألم يقل أوربان الثاني في موعظته لجنود الرب: (يا له من عار, إذا قام جنس خسيس مثل هذا الجنس المنحل, تستع

 

سلمان أبوستة