أزمنة جديدة في الرواية السعودية

 أزمنة جديدة في الرواية السعودية

حينما نربط بين المغامرات الروائية الجديدة و"الجريئة" في سياق الخطاب الثقافي الخاص بالمملكة العربية السعودية، نجد أنفسنا أمام ظاهرة تستحق التأمل والبحث، فيما يتجاوز النصوص المفردة والمغامرات الفردية.

إن كتابات غازي القصيبي وتركي الحمد وعبده خال وعلي الدميني ورجاء عالم وليلى الجهني قد لا تمثل إضافة نوعية مفاجئة للمنجز الروائي العربي الراهن, كما هي حال روايات الليبي إبراهيم الكوني, مثلاً, لكن أهميتها تتأكد من المنظور أعلاه خاصة أنها صدرت في فترة واحدة تقريباً (بين عامي 1995 و 1998).

فهذه المغامرات تنطوي على دلالات أدبية وفكرية وأيديولوجية تنبئ في مجملها عن بدايات تحوّل جدي في هذا الخطاب الثقافي (الوطني) يمكن أن يؤهله لعلاقات تفاعل خلاّق مع ثقافة الراهن والمستقبل الكوني بعيداً عن نزعة الانغلاق مع أي معنى حصري ضيّق للهوية الإثنية أو الثقافية الخاصة.

ومع التسليم بأن تغير النماذج الثقافية أو تطوّرها لا يتجلى بقوة ووضوح في السياقات الجهوية المحدودة, فإن له بعض تمظهراته الخاصة خصوصية هذا السياق الجهوي أو ذاك, وهذا ما سيتم التركيز عليه في الفقرات التالية.

من المنظور الأدبي نزعم أن هذه المغامرات الروائية الجديدة على هذا السياق والصادمة له في الوقت نفسه, تعلن عن تحوّل يطرأ على أفق الإنتاج والتلقي الجمالي العام سيفضي إلى تراجع النموذج الشعري الذي ظل مهيمناً على الأدب والثقافة في هذا الفضاء منذ ما قبل الإسلام إلى اليوم, وهذا التراجع لا شك في أنه سيحدث لصالح الكتابة السردية الحديثة, وبخاصة الروائية. وقد يبدو هذا التوقع غير مبرر إطلاقاً اليوم في المملكة, أو منطقة الخليج والجزيرة العربية, حيث يشهد الخطاب الشعري رواجاً تداولياً طاغياً يشهد به هذا الفيض الغامر من القصائد التي تنهمر في كل مناسبة, ودون أي مناسبة, وتتزاحم أشكالها التقليدية والحداثية, الفصيحة والنبطية وكأن الناس كلهم إما شاعر وإما مفتون بالشعر!

لكن هذا الفيض ذاته يمكن أن يعاين كآخر صرخات الذاكرة الثقافية الشفهية العريقة جداً في صحارى العرب والشعر, بحيث لن يتبقى في المستقبل سوى التجارب الأكثر عمقاً وتطوّراً وتميّزاً, وهي بالتأكيد في حكم القليل النادر في كل زمان ومكان كما هو معروف. وهنا لعل صمت بعض الشعراء المتميزين حقاً وانصراف آخرين مكرّسين, مثل القصيبي والدميني, إلى المغامرة الروائية يعزز التوقع أعلاه, مثلما يعززه التلقي الاحتفالي من طرف بعض النقاد بأي مغامرة روائية تنطوي على قيمة أدبية أو فكرية مهما كانت متواضعة. فقد يدل هذا كله على موقف ضدي من هذه اللغة الانفعالية الساذجة التي تشعرن كل حدث وكل قضية وكل علاقة, فتهبط بقيمة الشعر وتبتذل أعمق وأسمى وظائفه.

البداية والمقالة الصحفية

نعم لقد دشنت (المقالة الصحفية), وهي حليفة هذا الزمن وترجمانه الحقيقي لا قصيدة النثر, كما توهم بعض الشعراء, هذه السيرورة منذ بدايات القرن المنصرم, وتحديداً منذ صدور صحيفة القبلة عام 1916م. فهذه الصحيفة كانت أول وسيط استقبال وبث جديد وفعلي لذلك الخطاب (الإصلاحي النهضوي) الذي تغذت عليه وروّجت له النخبة الثقافية الوطنية خلال فترة ما بين الحربين, وهي نخبة أدبية شكلت الكتابة المقالية أهم إنجازاتها. في هذا السياق ذاته, ولدت أولى مغامراتنا الروائية متمثلة في (التوأمان) لعبدالقدوس الأنصاري (1932) و (فكرة) لأحمد السباعي (1947) و (البعث) لمحمد علي مغربي (1948), وكلها روايات تعليمية - إصلاحية مترعة بآثار تلك الأفكار النهضوية - التنويرية التي بثها في عموم الوطن العربي كبار الكتّاب المصريين والشوام, وخاصة المهجريين, وتلقاها أدباؤنا الشباب آنذاك بحماس كبير.

لكن سيرورة هذا التحوّل ظلت تتحرك وتتحقق مرتبكة الخطى, متقطعة النفس والأثر لأسباب كثيرة, لعل أهمها وأعمقها جذوراً وتأثيراً بالأمس واليوم هو غياب أو ضعف حضور الفكر الحواري الحديث في سياق ثقافي هيمنت عليه ثقافة قبلية لم يطرأ على منظوماتها وأشكالها التعبيرية أي تغير يذكر, وكأن قدرها أن تعيش, إلى وقت قريب, في صحراء الجغرافيا وصحراء التاريخ معاً. هذا ما فصلت فيه القول بعض التفصيل في دراسة بعنوان (روايتنا المحلية وإشكالية الخطاب الحواري) ألقيت في الدورة الثامنة من (المهرجان الوطني للتراث والثقافة) - الجنادرية 1416 هـ - وبالتالي فلا حاجة بنا إلى العودة إليه. ما ينبغي التركيز عليه في هذا المقام هو تلك الأهمية الخاصة لهذا النمط من الكتابات الروائية التي تغامر باتجاه الحوار الجدي مع المسكوت عنه وغير المفكر فيه في هذا المجال الثقافي الخاص, وكأنها محاولة أدبية لإضفاء نوع من المشروعية على تنوّع حقائق الواقع واختلاف علاقاته وكثرة النماذج والأصوات التي تعبّر عن هذا النوع, وتشخّص ذلك الاختلاف الطبيعي جداً في أي مجتمع دينامي حديث.

كشف المستور

فروايات القصيبي والحمد والدميني تكشف المسكوت عنه في مستوى الخطاب السياسي الذي هيمنت تياراته (التقدمية) على مجمل الفضاءات العربية - بل والعالمية - فيما بين الخمسينيات والسبعينيات, وكان من المنطقي تماماً أن تتفاعل معها بعض الشرائح المثقفة من مختلف نخبنا الوطنية, كما تخبره هذه النصوص (الآن), أي بعد تراجع إغوائية تلك التيارات وزوال (خطرها) بمعنى ما.

وكتابات عبده خال وليلى الجهني تباشر ذات اللعبة الحوارية, ولكن في مستوى الخطاب الاجتماعي الذي هو المختبر الحقيقي لمدى تغلغل الأفكار والتصوّرات والقيم الحديثة في علاقات مجتمع ما, ولعل (الفردوس اليباب) لليلى الجهني من أقوى وأنضج مغامراتنا الروائية على الإطلاق من هذا المنظور, بالرغم من صغر حجمها وبساطة حبكتها وشفافية لغتها!

أما كتابات رجاء عالم فتباشر اللعب الحر والباهر مع مخزونات ذاكرة ثقافية مترعة بالحكايات التاريخية - الأسطورية التي تمتد جذورها في الماضي البعيد, لكن آثارها لاتزال ماثلة في اللغة وفاعلة في العلاقات الراهنة, ولعل خطورة اللعبة هي التي تدفع الكاتبة إلى توسل شفرة لغوية - جمالية غاية في المكر والتعقيد حتى لتبدو الكتابة معها محجبة وعصية تماماً على القراءة العادية.

هذا المحتوى الدلالي الذي يعجز الشعر عن تمثله وتمثيله بحكم طبيعة لغته الانفعالية الذاتية أو (المونولوجية) هو ما يسمح لنا بمعاينة هذه المغامرات الروائية من زاوية تحول آخر يحدث هذه المرة في مستوى النموذج المعرفي - الفكري التقليدي, وقد يكون الأهم والأعمق أثراً كما سنلاحظ.

من هذا المنظور, ينبغي التذكير بأن التغيرات الحاسمة في النماذج المعرفية - الفكرية لا تتحقق إلا بفعل عوامل إبدال تاريخية عامة يتولد عن تفاعلاتها في الزمن والمكان سلسلة من التصدّعات - Hiatus - التي يطال أثرها التدريجي مجمل البنى الثقافية - الرمزية, فضلاً عن البنى المادية المعيشية التي هي أسرع ما يطاله التغيير, وأسهل ما يعترف الناس بمشروعيته.

كذلك ينبغي التنبيه إلى أن عوامل الإبدال والتغيير الثقافي في العصر الحديث أصبحت ذات تأثير كوني شامل, وسيتعاظم باستمرار لارتباطه بعلوم الاتصال وتقنياته التي تكتسح الحدود, وتلغي المسافات, وتخلخل مجمل المنظومات الثقافية التقليدية لتدفع بها إلى سيرورة تفاعل لم تعرف المجتمعات البشرية مثله من قبل, حتى في إطار الوطن الواحد!

وسواء أخذنا مفهوم النموذج هنا بمعنى (البردايم) كما بلوره توماس كون, أو بمعنى (الإبيستمي) كما حدده واستعمله باشلا رتم فوكو, فإن ثقافتنا التقليدية أصبحت كغيرها مدفوعة, بمنطق العلم والفكر الحديث ذاته إلى تغيير أو تطوير مجمل منظوماتها الثقافية لتتمكن من مجابهة تحديات (ثقافة العولمة) وتلبية استحقاقاتها كي لا تعاني المزيد من أشكال هامشيتها في المستقبل, فكما تغيرت وتطورت الخطابات والممارسات في المجالات الطبية والاتصالية والاقتصادية والتربوية والعمرانية, فلا بد أن تتغير وتتطور في المجالات الأدبية والفكرية, وإلا تعمقت الهوّة الفاصلة بين واقع الحياة اليومية والخطاب الثقافي الذي يفترض أن يعبّر عنه ويعمّق الإحساس به والانتماء إليه والمسئولية عنه.

في مواجهة التحوّلات

هذا تحديداً ما تعبّر عنه مثل هذه الكتابات الروائية, إذ تكشف عن معاناة الإنسان تجاه مجموعة من التحوّلات الصادمة سبق لفضاءات عربية أن خبرتها في عقود سابقة, ويبدو أن مجتمعات شبه الجزيرة العربية ذات البنية الثقافية العتيقة في مجملها, بدأت تعانيها منذ فترة يسيرة, قد لا تتجاوز العقدين فحسب, بصيغة أخرى يمكن القول إن هذه الكتابات وأمثالها هي علامة وعي جديد تتحدد مرجعيته الأهم بمنجزات الثقافة الحديثة, وإن حمل آثار تلك الثقافة التقليدية التي ظلت تتكرر منظوماتها دون تغيير يذكر إلى وقت قريب. فالكتابة هنا لم تعد تنبني على آلية محاكاة الخطاب السائد لتبرير أفكاره وتصوّراته وقيمه المعهودة, بل على استراتيجية الحوار معه بما قد يصدمه ويخلخله, ولكنه يساعد على إعادة صوغه وتشكيله بما يعمّق مضامينه الإنسانية ويطوّر تعبيراته الأدبية - الجمالية ليكون ممثلاً لروح عصره وأبعاد علاقات واقعه بأقصى قدر ممكن من العمق والصدق. من هنا لا غرابة أن تغيب هذه الكتابات عن مجال التداول العلني أو (الرسمي), وأن تحضر بصيغ أخرى إذ قرئت وكتب عنها مقالات متنوعة في الصحف المحلية مما يعني أنها غير ممنوعة كلياً من التداول! إننا هنا أمام موقف ينطوي على مفارقة واضحة هي التي تسمح لنا بالانتقال إلى البعد الدلالي الأيديولوجي لمثل هذه الكتابات التي لم يألفها مجتمعنا بعد.

من هذا المنظور, لا شك في أنه من المنطقي تماماً أن تجابه الكتابات التي تتجرأ على معارضة الخطابات السائدة في مجتمع تقليدي محافظ كمجتمعنا برفضٍ ما يتناسب مع جرأة محتواها الدلالي إذ يعاين من منظور القراءة الرقابية الرسمية, لكن هذا الرفض, الذي قد يستند أيديولوجياً إلى ذرائع أخلاقية أو سياسية أو دينية, لا يعني أن هذه القراءة الرقابية أو (السلطوية) محقة في اختزال النص الروائي في بُعد دلالي واحد محدد ومن ثم رفضه أو قبوله بناء عليه. فمن المعروف أن لمفهوم الأيديولوجيا دلالات متنوعة تنتشر في مجمل الخطابات الثقافية وتتجلى في مختلف العلاقات الاجتماعية, وبالتالي, فإن هذا النمط من الكتابة الأدبية - النثرية لا بد أن يعبّر عن أكثر من صوت وأكثر من رأي أو وجهة نظر بحكم أنه خطاب حواري في جوهره - كما يقول باختين - أو (ديمقراطي) - كما يقول سارتر. وهذه الحوارية التي تتحقق في كل نص بدرجات متفاوتة, ويعبّر عنها بصيغ مختلفة بالضرورة هي التي تسمح لنا بالقول إن هذه الكتابة قد تصدم بعض عناصر الخطاب الأيديولوجي السائد, لكنها لا تصادم الخطاب في مجمله, فالنص غير المرغوب فيه من وجهة نظر ما قد يكون نصّاً مطلوباً مرغوباً من أطراف أخرى, ولا بد بالتالي من مراعاة تنوّع القراءات وحقوق القرّاء في الاختلاف لأن هذا هو الأسلوب الحواري الأمثل للتعامل مع النصوص الأدبية عموماً, ومع النص الروائي (الحواري) على الأخص. هذا ما يبدو أن المؤسسة الرسمية المعنية بالشأن الثقافي العام تعيه وتراعيه لسببين يكشفان معاً عن تحوّل إيجابي في الخطاب الأيديولوجي الرسمي ذاته. الأول منهما يعود إلى تضاؤل فرص وإمكانات التحكم والسيطرة الرقابية الصارمة في عصر سيولة المعلومات وسهولة تبادل الأشياء والأفكار والأخبار والصور, بل وحتى العواطف والأهواء, كما ألمحنا إليه من قبل, السبب الثاني هو الحضور الجيد لمثل هؤلاء الكتّاب وهذه الكتابات في الداخل أو في الخارج وهو حضور دال على تطور المجتمع الوطني وثقافته الوطنية الخاصة, ولذا يتعين تشجيعه, أو على الأقل, ترك الفرصة أمامه مفتوحة للتفاعل مع القارئ المفترض في (الداخل) أو في (الخارج) بأقصى حرية ممكنة.

جرأة العرض

هكذا تصبح المفارقة أعلاه مفهومة جيداً بغض النظر عن أي محاولة لتبريرها, فالتشدد الرسمي المتمثل في عدم فسح مثل هذه الكتابات (الجريئة) نسبياً يأتي مراعاة لممثلي الخطاب الأيديولوجي الأكثر محافظة, وسواء كانت مرجعية اجتماعية - قبلية أو دينية متشددة.

أما الموقف المتسامح تجاه الكتّاب والقرّاء - النقاد الذين يحاورون كتاباتهم, فيراعي معطيات واقع اجتماعي - ثقافي يؤمن بمشروعية وجود مثل هذه الفئات وخطابها, فضلاً عن كون الواقع العالمي لم يعد يبرر أي مراقبة تعسفية للخطاب الثقافي بما أنها غير مجدية وغير ممكنة في الوقت نفسه. ثم إنه ينبغي ألا ننسى أن (الجرأة) التي تميز هذه الكتابات ستبدو محسوبة جيداً إذا ما قارناها بكتابات أخرى ذات علاقة بالسياق نفسه, وتكاد جرأتها تبلغ حد المقابلة الضدية الكاملة للخطاب الثقافي السائد, ولعل نموذجها الروائي يتمثل في بعض كتابات عبدالرحمن منيف الروائية, خماسية (مدن الملح) تحديداً, أما نموذجها الفكري فيتمثل في كل كتابات عبدالله القصيمي المفعمة بروح نيتشوي متمرّد على كل سلطة وساخر من كل حقيقة, فمن هذه الزاوية ستبدو الكتابات أعلاه لا أكثر من عيّنات نصوصية جديدة, لذلك الخطاب (الإصلاحي - التحديثي) الذي لا يسعى إلى مصادمة هذا الطرف أو ذاك بقدر ما يحاول تعويد ذاته ومتلقيه على الرؤى النقدية المعمّقة لتحوّلات واقعه وعالمه بدل مديحه والتغني بأمجاده وخصوصياته فحسب, وهنا تكمن القيمة الحقيقية لتلك الجرأة النسبية في مغامرات روائية كهذه.

ولإعادة تجميع وبلورة مجمل الدلالات أعلاه, نقول: إن هذه المغامرات الفردية - الجماعية تكتسب أهميتها من كونها علامات دالة على بداية تغيرات جديدة في الأنساق والنماذج الأدبية والمعرفية والأيديولوجية عانتها وتجاوزتها مجتمعات عربية في عقود سابقة, وها هي تفرض ذاتها على الجميع في هذا الفضاء الوطني كما في عموم منطقة الخليج, فالمؤكد أن سيرورة التحوّلات التاريخية العامة في العصر الحديث أوقفتنا في هذا الموقف المترع بالاحتمالات, وليس في مكنة أحد وقف هذه السيرورة بما أنها سنّة طبيعية وتاريخية أودع الله سبحانه أسبابها في الكون, وهيأ الإنسان العاقل لاكتشافها وتوجيهها لمصلحته الخاصة أو العامة.من هنا لعل التساؤل الذي ينبغي طرحه في ختام هذه المقاربة النقدية العامة يتعلق بمدى قدرة النخب الوطنية المثقفة على تقبّل فكرة التغيير والتطوير والمبادرة إليها والحث عليها لتشارك فيها كل الطاقات الخلاقة في المجتمع, فهذا التوجه لا بد أن يخفف من أكلاف وتبعات تلك التصدعات, وما ينتج عنها من أشكال التوتر الفردي والاجتماعي كما تصوّره وتحاوره هذه الكتابات والخطاب الثقافي الذي تنتمي إليه وتشارك فيه, فالخطر الحقيقي ربما يكمن في بعض خطاباتنا التقليدية المبسّطة التي تكرر دون وعي, ودون ملل أن كل تغير أو تحوّل هو بالضرورة خطر ماحق لهويتنا الخاصة, ويتعين علينا بالتالي محاربته أو الانغلاق من دونه! فنحن جزء من هذا العالم وثقافتنا جزء من ثقافته, وانتماؤنا وانتماؤها إلى الفضاء الثقافي - الحضاري (العربي - الإسلامي) لا يبرر لنا ولها أي تميّز أو خصوصية قيمية أو وظيفية من غير هذا المنظور الحواري العقلاني المتفتّح على عالمه وآخريه.

لقد ولّت أزمنة العزلة, وحكايات الماضي المثالي السعيد لم تعد تقنع كل المتلقين في زمن يكشف لنا ولغيرنا أن التوتر الخلاّق أو القلق المنتج هو الذي يثوي وراء كل إبداع جمالي أو فكري أو علمي, وذلك منذ بدايات التاريخ إلى نهاياته التي تدشّن بداية جديدة له, لا شك أن علوم العولمة وتقنياتها واقتصادياتها وثقافاتها هي التي ستحدد ملامحها وآفاقها في المستقبل.

 

 

معجب الزهراني