خضرة الكويت تنتصر على قسوة المناخ

 خضرة الكويت تنتصر على قسوة المناخ

عدسة: حسين لاري

تواصل الكويت حاليا تنفيذ خطة طموح للقضاء على الطابع الصحراوي الذي لازمها طويلا، ساعية إلى تحويل مناطقها إلى واحة خضراء حقيقية. إنه الصراع الدائم مع المناخ القاسي الذي تنتصر فيه إرادة البشر على جهامة الواقع في تجربة مهمة وشديدة الثراء.

في مناخ يصل فيه معدل درجة الحرارة صيفا إلى ما فوق الـ 50 مئوية، ويمتد فيه هذا الفصل القائظ نحو 6 أشهر، كان لا بد من اللجوء إلى النبات للخروج من حالة خانقة ظلت تعانيها الكويت، بسبب وقوعها ضمن الحزام القاري، الأمر الذي ميز مناخها بـشدة حرارته وقلة أمطاره وكذلك باعـتباره بـيئة ملائمة لهبوب رياح (السموم) الشديدة الجفاف والتي تزداد فيها معدلات التبخر وتنتشر من خلالها العواصف الترابية الرملية.

وجاء الحل الأنسب للخروج من هذه الدائرة القاسية، باللجوء إلى خطة تمتد 20 عاما، ويتم من خلالها تحويل الكويت من صحراء قاحلة إلى بقعة خضراء زاهية يمكن بها مقاومة سموم العواصف وكسر شراستها، وإضفاء طابع جمالي على بلد عامر بالحياة والنشاط، ظل اسمه دائما (لؤلؤة الخليج).

الخطة التي يطلق عليها مسمى (الخطة القومية للتخضير) والتي تم تقسيمها إلى مشاريع تحضيرية شاملة، آنية ومتوسطة وطويلة المدى لتطوير قطاع الزراعة التجميلية، وتوسعة الرقعة الخضرية بهدف تحسين البيئة في الكويت، جاءت تلبية لرغبة أميرية سامية في زيادة الرقعة الخضراء، وأعقبت استقبال صاحب السمو أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح وفدا مشتركا يمثل الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية ومعهد الكويت للأبحاث العلمية، عرض على سموه ملامح الخطة واللوحات التي تم إعدادها لمجموعة من المشاريع المقترحة، وأهمها تلك المتعلقة بالأحزمة الخضراء التي تحيط بالمناطق السكنية، ومشاريع تجميل عاصمة البلاد، وإضافة بعض المشاريع الخاصة مثل المنتزهات القومية والضواحي وملاعب الجولف والألعاب المائية، إلى جانب العديد من المشروعات التجميلية والترفيهية.

مقومات خمسة

الخطة التي بدأ تنفيذها بالفعل في عام 1997 وانتهت مرحلتها الأولى قبل الموعد المقرر لها في نهاية عام 2000، حددت لنفسها خمسة مقومات رئيسية تمثل الأول في إنشاء الأحزمة الخضراء حول المناطق الحضرية ونقاط الدخول إلى الكويت، والثاني استهدف إقامة الزراعة التجميلية حول الطرق السريعة والطرق الرئيسية، بينما استهدف الثالث إنشاء الحدائق والمنتزهات العامة، وشمل الرابع تخضير المناطق السكنية والمناطق، فيما عنى الأخير بإقامة مشاريع نموذجية خاصة بالتخضير.

وتضم هذه الخطة الطموح التي من المقرر أن يتم إنجازها مع رحيل عام 2015 نحو 24 مشروعاً يتراوح بين تنفيذ الأحزمة الخضراء والطرق العامة، وتنفيذ مشاريع الزراعة التجميلية وصولاً إلى إنشاء حدائق الأحياء السكنية وزراعة المناطق الأخرى الحضرية، بما يغطي ما مجموعه 20 ألف هكتار من مساحات الزراعة التجميلية، يتوزع نحو 60 في المائة منها بين الأحزمة الخضراء والمداخل الرئيسية التي ستقام لغرض تحديد العاصمة ومداخل نقاط العبور، وستغطي الزراعة التجميلية ثلث مساحات الضواحي الحالية والضواحي السكنية المستقبلية في الكويت، وستشمل الأحياء المخضرة ممرات عبور مشاة ومواقف باصات وزراعة تجميلية للمساجد والمدارس ومناطق التسوق والعيادات ومنشآت الخدمات العامة إضافة إلى الحدائق.

وفي الوقت الذي يكون فيه الهدف الرئيسي لهذه الخطة الطموح هو تحويل الكويت إلى واحة خضراء، فإنها تضم أهدافاً أخرى مرجوة فعن طريق إقامة أحزمة خضراء تحد المناطق الحضرية وتضفي عليها طابعها، ساهم التخضير في إبراز الطابع الخاص المحلي وتحسين صور المداخل الرئيسية للكويت، وتعزيز أوجه التواصل الرئيسية داخل المدينة، وتوفير الخصوصية لسكان الأحياء السكنية وإقامة حواجز فصل تخفض من ضوضاء الشوارع وحجب المناطق الصناعية والمنشآت المكشوفة ذات المناظر غير الجمالية، إلى جانب تطوير نظام متكامل من المنتزهات العامة وأماكن الترفيه والمناطق الحضرية المكشوفة، وإبراز المنشآت العامة والمشاريع الخاصة من خلال جعل التخضير جزءاً من تصميم هذه المواقع.

قضية بيئية

ويرى نائب المدير العام لشؤون الزراعات التجميلية والتخضير في الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية في الكويت المهندس عبد المحسن القلاف أن (خطة التخضير لا تقتصر على زيادة هذه الرقعة الخضراء فوق دولة الكويت، وتوفير الشكل الجمالي للشوارع فقط بل يتخطى ذلك إلى مواكبة التطورات العالمية حول قضية البيئة من أجل حياة أكثر سلامة وصحة للبشرية، لأن الاخضرار يساعد على انتشار الأوكسجين).

ويضيف قائلا إن (العالم مشغول حاليا بإعادة التوازن البيئي والحراري فوق كوكب الأرض، نظراً لأن قلة المسطحات الخضراء تسبب ارتفاعا في درجة الحرارة)، وضرب القلاف مثلا بالدول التي تمنع إزالة الغابات دون الاستعاضة عنها بزراعة إقليم أخضر يوازي مساحة الغابات المزالة، حفاظا على درجة حرارة تلك الدول.

ولذلك يؤكد هنا أن توسيع الرقعة الخضراء وزيادة عدد الأشجار ونباتات الزينة سوف يساهم في تلطيف المناخ في الكويت، خصوصاً أن انتشار النبات يزيد من كمية غاز الأوكسجين في الجو ويقلل من كمية غاز الكربون، بالإضافة إلى أن الغطاء النباتي والأحزمة الخضراء تحد من تأثير العواصف الترابية على المناطق السكنية، في فصل الصيف، وتساعد على زيادة تماسك التربة من الانجرافات، ومن تكوين الكثبان الرملية، ولذلك فإن هناك مساعي تبذل لتنمية المناطق الصحراوية واستزراع النباتات الصحراوية في المشاتل ثم نشرها في الصحراء.

يشير المهندس القلاف في هذا الصدد إلى دراسة علمية أنجزت في الكويت وأكدت أن نحو مليون سيارة تتحرك في أقل من 20 في المائة من مساحة البلاد، بما يستتبع ذلك من إحداث تلوث كبير للجو، الأمر الذي يشدد على ضرورة التخضير كعامل مهم في تخفيف وطأة التلوث والحرارة الشديدة، إذ يكفي حزام من الأشجار حول منطقة سكنية كي يخفض درجات الحرارة فيها بمعدل ثلاث درجات، فمعظم النباتات المختلفة تمتص غاز ثاني أكسيد الكبريت وتساهم في تنقية الجو من آثار عوادم السيارات ودخان مصافي تكرير البترول، كما تمتص الأشجار أيضا غاز ثاني أكسيد الكربون من الجو وتطلقه (أكسجينا) إلى الهواء فيقوم بتلطيفه، وفي نفس الوقت فإن للنبات القدرة على التكيف وفقاً لكميات الغازات الموجودة في الجو فيقوم بامتصاصها وتحويلها إلى مركبات أقل سمية من تلك الغازات، قبل أن يلقيها عن طريق جذوره إلى التربة المحيطة.

تشير الدراسات العلمية أيضا إلى قدرة الأحراش والأحزمة الخضراء على أداء دور مهم في تخفيض نسبة غاز أول أكسيد الكربون، فيما يمكنها أيضا تأمين الهواء وتنقيته من الأيونات السالبة، وهو الأمر الذي ينعكس فيما بعد بشكل إيجابي على صحة الإنسان إذ يزيد نشاطه وتزداد قدرة جسده على مقاومة الأمراض المختلفة.

البداية من الصفر

وكانت الكويت قد بدأت في عام 1988 تنفيذ خطة للتشجير، ووضعت المخصصات المالية للمباشرة فيها وزراعة الكثير من المواقع بها كالطرقات والشوارع الرئيسية والحدائق العامة بأشجار النخيل ونباتات الزينة التي تتأقلم مع المناخ الكويتي الصحراوي، ولكن عندما بدأت الكويت تجني ثمار الجهود التي بذلت في مجالات الزراعة، حدث الغزو العراقي لها فبدد مسيرة التخضير، وما توصلت إليه من إنجازات فقد كان قطاع الزراعات التجميلية في ذلك الوقت قد خطا خطوات كبيرة في طريق تنمية وتوسعة الرقعة الخضراء في الكويت، ولكن غزو الجيش الصدامي سدد ضربة في الصميم للقطاع الزراعي مثلما أضر بباقي القطاعات الأخرى، فقد تم تدمير شبكات الري الرئيسية والفرعية الخاصة بالتشجير والزراعات التجميلية، كما دمرت آليات الغزو العسكرية الثقيلة مساحات كبيرة من المناطق الخضراء في الجزر الوسطى وجوانب الطرق والساحات العامة والحدائق بسبب المرور عليها، وكان لقيام جنود الغزو باستخدام مشاريع (التحريج) كمخابئ للقوات والعتاد أثر كبير في تدميرها، إلى جانب قيام هؤلاء بحفر الخنادق وبناء التحصينات في مواقع الزراعات التجميلية، وكذلك الاستيلاء على المعدات الزراعية الخفيفة والثقيلة وجميع المواد الزراعية المتوفرة في الشركات المتخصصة في المجالات الزراعية، وسط هذه الظروف التي واجهتها الزراعة في الكويت عقب التحرير بدأت الجهود تتجمع باتجاه إعادة إحياء مشروع التشجير الذي تمت بلورته في خطة وطنية للتخضير، أمر سمو أمير الكويت بوضعها لتخضير وتجميل البلاد، ليعطي الأمر أولوية قصوى، ويتم في أعقاب ذلك تشكيل لجنة للكشف على جميع المواقع التابعة لقطاع الزراعات التجميلية، بهدف حصر الخسائر والتلفيات المنظورة ووضع خطة طارئة لمدة سنة. ولتنفيذ الخطة الطارئة تم توفير العمالة الفنية من مهندسين وعمال وسائقين بالإضافة إلى الآليات والمعدات والأدوات والعدد للإسراع بري وصيانة النباتات التي سلمت من التلف خلال فترة الاحتلال.

وعقب التنفيذ، بدأ الإعداد والتجهيز لتحديد أفضل البدائل ليتزامن ذلك مع وضع خطة إعمار الدولة وتنفيذ البنية الأساسية لها مع التركيز على ترميم وتطوير الزراعة التجميلية لكونها أحد أركان خطط الإعمار نظرا لما لهذا القطاع من أهمية في المجال الاجتماعي والصحي والبيئي.

كانت الأولويات في ذلك الوقت في مجالات الزراعة التجميلية تتماشى مع حركة إعمار الطرق والساحات في المناطق السكنية وترميم الجسور ومرافق الدولة الرئيسية، ومنها ترميم الحدائق العامة وتطويرها والعمل على وضع وتنفيذ مخطط هيكلي عام وشامل لجميع خدمات واحتياجات الزراعة في الكويت، وتحديد المتطلبات الأساسية لذلك، فتم تقسيم البلاد جغرافيا إلى تسع مناطق، وقامت الهيئة العامة للزراعة بالتنسيق مع معهد الكويت للأبحاث العلمية باستكمال إعداد الخطة القومية المتوسطة والطويلة المدى لتخضير وتحسين البيئة في دولة الكويت، والتي تضمنت تقييم الموارد الطبيعية الأساسية لاستخدامها خلال الخطة، وتقدير مدى ملاءمة الغطاء الخضري والمساحات المخصصة لمشاريع التخضير مع تحديد الاحتياجات من النباتات المطلوبة لبرامج التخضير ودراسة الحاجة للمتنزهات الصحراوية والمحميات الطبيعية، إضافة إلى تقييم الخدمات المساندة والأبحاث التطبيقية وتقييم الحاجات والفرص الخاصة بتطوير الأعمال الاقتصادية والاجتماعية للقطاع الخضري، مع تقييم التطور المنجز والتوسع المرتقب لقطاعات البرامج المساعدة لتطوير التخضير.

مناخ معاكس

كان موقع الكويت الجغرافي ومناخها الصحراوي من أهم العوامل التي تقلل من إمكان زراعة أنواع مختلفة من الأشجار والشجيرات والزهور وهو ما انعكس على ضآلة حجم الساحات المزروعة بأشجار الزينة التي كانت تتوسع بشكل بطيء.

فالكويت تقع بين خطي عرض 28.45 و30.06 درجة شمال خط الاستواء وخطي طول 46.30 و48.30 درجة شرق غرينتش، وبسبب هذا الموقع فإن مناخ الكويت قاري جاف، حار صيفا بدرجة كبيرة جداً، تزداد خلاله معدلات التبخر بمعدل هو الأعلى من نوعه في العالم، في الوقت الذي ترتفع فيه نسبة سطوع الشمس وتكثر حدوث العواصف الترابية، ويعود ارتفاع درجة الحرارة إلى هبوب الرياح الآتية من الشمال الغربي في الصيف على الكويت، دون أن يصادف مرورها وجود مسطحات مائية، ونظرا لبقائها حارة وجافة فإنها تصل إلى الكويت شديدة السخونة بعد مرورها فوق أراض قاحلة حيث لا نبات ولا عشب.

في ظل مناخ كهذا، قامت الهيئة العامة للزراعة بالتعاون مع معهد الكويت للأبحاث العلمية بإجراء مشاريع بحثية على عدد من النباتات بغرض معرفة مدى ملاءمتها للبيئة الكويتية ومدى إمكان تحملها لعوامل المناخ القاسية، كالعطش والملوحة والتربة الرملية، والحرارة المرتفعة.

ومع أن التربة الكويتية تستقبل عددا من أنواع النباتات المتوائمة مع مناخها مثل أشجار الصفصاف والنخيل خاصة البلح ونخيل الزينة، والصباريات وشجرة الكونو كاربس، فإن التجارب البحثية أثبتت أن شجرة (السدر) المعمرة والمقاومة للجفاف قادرة على تحمل الحرارة والمناخ القاري الجاف، الأمر الذي ساعد في انتشار زراعتها ونجاح تأقلمها مع بيئة الكويت، إضافة إلى نبات القرم ومجموعات الاكاسيا والآثل والكافور إضافة إلى مجموعة أشجار القطف التي تستخدم بكثرة في المنطقة العربية لتثبيت الرمال ومراعي الماشية ويصل ارتفاع بعضها إلى مترين، ويستخدم بعض أنواعها مثل الكازوارينا والعناب ونخيل الزينة والبرهام في تشجير الشوارع في الكويت، في الوقت الذي تعتمد فيه بيئتها على بعض الأشجار المثمرة بشكل رئيسي كالنخيل المثمر والحمضيات وأشجار الزيتون.

نباتات منتقاة

الباحثة في دائرة الزراعة في المناطق القاحلة بمعهد الكويت للأبحاث العلمية حبيبة المنيع أشارت إلى أن زراعة مثل هذه المناطق بالنباتات الطبيعية تتطلب اختيار الأنواع ذات القدرة على النمو في الأجواء القاحلة، والقدرة على الاحتفاظ بالماء، وتتطلب القليل من أعمال الصيانة، ولذلك فإنها ترى أن الأنواع المتاحة في الكويت قليلة، والاستخدام المتكرر لهذه النباتات يضفي على تصميمات المناظر الطبيعية، ويخلق تأثيرات مرئية أقل إغراء من الناحية الجمالية.

أشارتالباحثة إلى أنه يمكن التغلب على هذا الوضع بتنويع المواد النباتية المستخدمة والتركيز على نباتات الزينة القابلة للتكيف، إضافة إلى أن توفير مواد الغرس الموحدة ذات النوعية الجيدة لنبات الزينة المتنوع يعد عاملاً أساسيا في تصميم المناظر الطبيعية.

أكدت المنيع أن الحلول المتاحة حاليا هي إدخال وأقلمة أنواع من الأشجار والشجيرات والمتسلقات والأغطية النباتية ونباتات عشبية، كذلك يمكن إدخال صناعة المشاتل المحلية، وتبني تطبيقات زراعية ـ بستانية حديثة لتكييفها مع متطلبات وأماكن تصميم المناظر الطبيعية المختلفة.

وذكرت الباحثة في هذا الصدد أنه تم تحديد عدد من المجالات للبحث المتعمق من أجل هذا الغرض، منها: إقامة حديقة تجارب وطنية لنباتات الزينة، وتحسين وتطوير تقنيات إكثار جماعي سريعة وفعالة من حيث التكلفة لنباتات الزينة، واستخراج معلومات مهتمة عن نباتات الزينة، وتأسيس تصاميم للمناظر الطبيعية.

تصنيف التربة

هنا يعقب نائب المدير العام لشؤون الزراعات التجميلية والتخضير الذي يتولى المسئولية التنفيذية للخطة القومية للتخضير المهندس عبد المحسن القلاف قائلا: إن مشروع الهيئة ومعهد الأبحاث الخاص بنبات (القرم) قد أثبت نجاحه وتمت زراعته بالفعل على سواحل الكويت وفي جنوب البلاد، بتمويل من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، مشيرا إلى أن أحد الأهداف الاستراتيجية للمشروع هو أن خضريات القرم مصدر رئيسي لغذاء الأسماك وما فيه من مواد غذائية وأساسية تصلح لتكاثر الأسماك حيث موقع الزراعة تتم على الأرض التي يأتيها المد والجزر.

يشير القلاف أيضا إلى أن الهيئة العامة للزراعة انتهت من مشروع مسح وتصنيف التربة في الكويت في شهر مايو من العام الماضي بعد ثلاث سنوات من العمل فيه، وعن طريق هذا المشروع تم تقسيم مناطق الكويت إلى أراض زراعية وصخرية صالحة لإقامة مواقع صناعية وأراض للتربية الحيوانية والرعي.

وقال إن من مهام المشروع استكشاف أراض زراعية ومعرفته مدى إمكان استصلاحها ولتطوير المراعي في الكويت من خلال التأكد من مكونات التربة وتركيباتها عبر أعماق سحيقة.

ويقول المهندس القلاف أيضا إنه تم كذلك الانتهاء من تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع إعادة استخدام مياه المجاري المعالجة كري الزراعات التجميلية والحرارية ووضع جميع مكوناته موضع التشغيل الفعلي، مشيرا إلى أن نتائج دراسات استخدام المياه المعالجة ثلاثيا للزراعة أثبتت مدى جدواها، ونفت وجود أي خطر من استعمالها في هذا الغرض، مضيفا أنه تم إجراء تجارب على العديد من المنتجات الزراعية وثبت خلوها من الأمراض أو البكتريا وإنه لا يوجد لها أي تأثير على الصحة العامة للإنسان.

ويرى في هذا الإطار أن هناك أهمية لاستخدام المياه المعالجة ثلاثيا في زراعة التخضير والتجميل لجميع المناطق حتى يمكن الاستفادة من هذه المياه التي تهدر في البحر بعد معالجتها، مذكرا بأن أهم أنواع المياه للزراعة هي المياه المعالجة، وأن الدول المتقدمة عالميا تعتمد عليها لأنها تحتوي على مواد عضوية وغذائية مهمة للأشجار والنباتات التي تخلو المياه العذبة منها.

وأضاف قائلا: (إن الدراسات الدولية أثبتت أن هناك مواد يتم من خلالها الحفاظ على رطوبة التربة وعدم جفافها، مما يستدعى ري التربة مرة واحدة أسبوعيا بدلا من الري اليومي، وهذه الطريقة مناسبة للدول ذات الأجواء الحارة.

واستطرد قائلا أن (العلم اخترع إضافة مواد عضوية تهيئ لجعل التربة مناسبة لزراعة بعض المحاصيل ذات الأجواء الباردة في فصل الصيف الحار، وإمكان الزراعة في الأجواء الحارة لمحاصيل شتوية.

أسئلة البداية

المهندس خلف الشطي مدير إدارة الدراسات وتصميم المشروعات التجميلية في الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية أوضح من جهته، أنه عند إعداد الخطة القومية لتخضير وتشجير الكويت كان هناك الكثير من الأسئلة والاستفسارات التي راودت القائمين على إعدادها حول حجم المساحة التي سيتم توفيرها لهذا المشروع الضخم، وكذلك المعايير التي سيتم استخدامها للزراعات التجميلية وما هي أنسب النباتات وكم نحتاج منها بالإضافة إلى الكميات الخاصة بالمياه التي تغطي المشروع وما هي الكميات المتوفرة وقتئذ من المياه وكذلك متطلبات الخطة من الكوادر الفنية.

يضيف الشطي قائلا إن الخطة التـي تم تقسيمـها على أربع مراحل خمسـية تبدأ الأولى منها من 1997 ـ 2000، والثانية من 2001 ـ 2005 والثالثة من 2006 ـ 2010، أما الرابعة والأخيرة فتبدأ من 2011 إلى 2015 تسعى إلى إيجاد هوية تجميلية مميزة لدولة الكويت، ورفع مستوى المعيشة من خلال تطوير البيئة والمحافظة على الطاقة وتخفيف حرارة الصيف، مشيرا إلى فوائد تلك الخطة ستتم من خلال تثبيت التربة والتخفيف من عوامل التعرية وإيجاد محيط بيئي محسن للكائنات البرية وتوفير مناطق تحريج كمصدات للرياح ووقف التصحر وتحسين المناظر الطبيعية وتطوير المناخ المحلي ورفع نوعيات الحياة الحضارية في الكويت.

ووفقا للخطة فإنه لتنفيذ المشاريع وتحقيق الأهداف المرجوة، لا بد من توفير الموارد المطلوبة والتي تشمل مواد الزراعة والمياه والتمويل والعمالة، فالمطلوب من النباتات وفقا لما أكدته الخطة في تقدير احتياجاتها طيلة العشرين عاما يشمل ضرورة توفير 141 ألف شجرة نخيل و270 ألف شجرة أخرى، 3 ملايين و90 ألف شجرة في مناطق التشجير، 3 ملايين شجيرة، 13 مليون متر مربع من النباتات الأرضية الممتدة و12 مليونا و400 ألف متر مربع من المساحات الخضراء.

ونتيجة لتنفيذ خطة التخضير فإن نسبة استخدام المياه اليوم لصيانة الأشجار في الكويت ستتضاعف من نحو 15 إلى 134 مليون جالون إمبراطوري، إلا أن تقنيات الري المستخدمة زادت من كفاءة استخدام المياه في خطة التخضير الوطنية حيث انخفض استهلاك الماء من 10350 جالون إمبراطوري لكل هكتار في اليوم إلى نحو 6220 فقط أي بنسبة توفير تعادل 40%.

في جانب الموارد البشرية أشارت الخطة إلى أن مشروع التخضير يوفر نحو 7 آلاف فرصة عمل، أما الموارد المالية فإن تكلفة المشروع تقدر بنحو 281 مليون دينار كويتي للتشجير وإيصال أنابيب الري المطلوبة لخدمة تنفيذ الخطة على مدى 20 عاما، فيما تبلغ تكاليف الصيانة بنحو 324 مليون دينار لصيانة الزراعة التجميلية شاملاً المشاريع الجديدة.

الخطة القومية للتخضير التي انتهت مرحلتها الأولى، وتم الانتقال إلى المرحلة الثانية حاليا للمشروع، تم خلالها تنفيذ عدة حدائق متميزة شملت محافظات الكويت، وصممت تلك الحدائق النموذجية على أعلى مستوى، شاملة ممرات هواة المشي والمسطحات الخضراء وألعاب الأطفال المختلفة التعليمية والهادفة، ومجموعة من الأشجار والنباتات الخضراء والزهور.

ومن خلال الخطة تم خلال المرحلة الأولى أيضا إنشاء 127 حديقة عامة بمساحة إجمالية تزيد عن مليوني متر مربع، وإنجاز 488 طريقا وشارعا بطول 1500 كيلومتر طوليا، إضافة إلى 310 دوارات وتقاطعات، وكذلك تنفيذ 350 ساحة شجرية بمساحة 361 ألف متر مربع.

وكانت هذه النتائج الجيدة وراء دعوة خبراء عرب ودوليين شاركوا في المؤتمر العالمي الدولي للتخضير وتجميل البيئة في المناطق القاحلة الذي عقد في الكويت خلال الفترة من 20 ـ 24 نوفمبر الماضي 1999، إلى اعتبار خطة الكويت القومية للتخضير أول (خطة استراتيجية توضع على المستوى الوطني لمدة 20 عاما)، داعين إلى الاستفادة منها في وضع الخطط القومية للتخضير وتجميل البيئة، وإتاحة الفرصة للدول الأخرى للاستفادة من هذه التجربة الرائدة.

الخبراء الذين وصل عددهم إلى 200 مشارك أوصوا أيضا باستخدام مياه المجاري المعالجة ثلاثيا لري الزراعات التجميلية، على أن تكون المياه ذات جودة عالية ومطابقة للمواصفات العالمية، واعتبروا أن المياه من أهم المعوقات للتوسعة في الزراعات التجميلية والتحريج، موصين أيضا باستخدام نظم حديثة لإدارة مختلف مصادر المياه والمحافظة عليها.

المرحلة الأولى لخطة التخضير انتهت بعد أن حققت نتائج باهرة، وبقي ثلاث مراحل مع نهايتـها.. ستكون الكويت قد اكتسبت ثوبا مغايرا عن ذلك الذي أجبرها عليه مناخها الصحراوي.. وفي سنة 2015 ستتحول لؤلؤة الخليج.. إلى واحة حقيقية زاهية الخضرة.

 

 

زكريا عبدالجواد