عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

فلا نامت أعين الجبناء

ما جدوى أن نكتب عن نكبة العرب الكبرى في فلسطين بعد أن مرّ عليها أكثر من نصف قرن من الكتابات المعادة والحروب المجهضة والإرادات السياسية العاجزة?! إلى مَن نوجّه هذا النداء الذي أطلقنا عليه ما قبل الأخير ونحن نعيش حالة من العجز التي لا يجدي معها أي عدد من النداءات? هل نفعل ذلك لنضيف ملحاً على الجروح? أم لأننا لم نعد نملك غير تسويد الأوراق في مواجهة واقع سوّدته أدخنة البارود? أم أننا نكتب لعل الذكرى تحمل لنا السلوى والعزاء?

لغير كل هذه الأسباب تنشر العربي هذا الملف في ذكرى تلك النكبة القاسية, ولغيرها أيضاً تقدم هدية عددها, تلك الخريطة الفريدة في العالم والتي تبين المراحل المختلفة التي ضاعت فيها فلسطين, إن العربي تحاول أن تذكّرنا بالبديهيات التي غابت عنا جميعاً, فالقضية ليست التصالح مع إسرائيل, وليست التوصل إلى اتفاقات عادلة, وليست أيضاً سلام الشجعان الذي لا تكف وسائل الإعلام عن الطنين به, ولكنها قضية الأرض التي ضاعت والشعب الذي شرّد, والذل الذي يخيم على حياتنا, ففلسطين ليست الأرض الموعودة لغير أهلها, ونحن لم ننصب محرقة لأحد حتى تنصب تلك المحارق الدائمة لأبنائنا في كل عموم فلسطين وفي جنوب لبنان أيضاً, وإسرائيل ليست هي الجار الطيب الذي يبشّرنا برخاء يخرج من رماد القتلى والشهداء, إننا نكتب هنا لنتذكر جميعاً أننا في مواجهة موجة استعمارية أخرى, عشنا مثلها من قبل على أرض فلسطين حين جاء الصليبيون من الأماكن نفسها التي جاء منها الصهاينة, يحملون الشعارات نفسها والأقنعة نفسها, ونكاد نقول الأسلحة نفسها لولا أن الأخيرة أشد فتكاً, فماذا يمكن أن نفعل? لا أحد يتصالح مع قاتله ويقاسمه رغيف خبزه ثم ينام قرير العين, فلا نامت أعين الجبناء, أجل.. تنشر العربي هذا الملف لتدعوكم للسهر والأرق, وما أليقهما بنا في هذا الموقف والموضع, فالذكرى تنفع المؤمنين وليس المستسلمين, ولسنا أحراراً في الرضا بما فرض علينا ولا فرض مصيرنا التعس على أجيالنا القادمة. إن العربي تقدم هذا الملف وهذه الخارطة التي تتمنى أن تعلق في كل بيت عربي وفي كل مدرسة ومؤسسة ومكان للبحث, وهي تتمنى من قرّائها معاملتها كوثيقة نادرة بعد أن جرى تزوير كل الوثائق وتعديل كل الخرائط, وإذا كنا قد جرنا على البشر, فلا يجوز أن نجور على الجغرافيا, ويجب أن تبقى فلسطين بمدنها وقراها ودساكرها وضياعها حيّة على الورق كما في القلوب, حتى يأتي ذلك اليوم الذي تنزاح فيه هذه الهجمة الاستعمارية, وتستعيد الخريطة صفاءها كما تستعيد الأرض أهلها وهو يوم قادم بمشيئة الله.

وكعادة العربي, فهي, مثل كل عدد, تطوف بك حول العالم, فيأخذك استطلاع هذا العدد إلى عمان ليلقي نظرة على عناية هذا البلد الصغير ببيئته, ويطوف بك في مختلف القضايا الفكرية والفنية. ولا تنسى أن تقدم لك باقة حافلة من رسائل مراسليها حول العالم ترسل من خلالها لوحة بانورامية ثقافية شاملة وبذلك يأخذ هذا الباب الجديد مجاله ليصبح مقياساً لنبض الثقافة في العالم العربي بل والعالم أجمع.

 

المحرر