تراث عربي

تراث عربي

أمثال ومسكوكات لغوية

تقاس عبقرية اللغة ـ أحيانا ـ بما تمتلكه من مسكوكات أو صيغ لغوية يتناقلها أبناء اللغة جيلا فجيلا، شفهيا أو كتابيا. ومثل هذه المسكوكات الموروثة تماثل الأمثال السائرة (وهي في الأصل ضرب من هذه المسكوكات) في بنيتها الأسلوبية والوظيفية، من حيث إيجاز اللفظ وإصابة المعنى وحسن التشبيه وجودة الكتابة. ومن حيث هي أساليب أو تراكيب أو عبارات مغلقة على نفسها ومكتملة بذاتها، وذات صياغة ثابتة أي لا يجوز التغيير في صياغتها التكوينية، بحذف أو إضافة، على الرغم من ذيوعها أساسا على نحو شفاهي.

ولغتنا الخالدة ثرية بمثل هذه المسكوكات الموروثة منذ العصر الجاهلي وصدر الإسلام، وظلت حية ـ في معظمها ـ حتى اليوم، وقد استخدمها العرب في لغة الحياة اليومية، لغة التخاطب، كما استعملها الكتاب والشعراء، قديما وحديثا على السواء، ذلك أنها كالأمثال أيضا في اعتمادها على اللمحة والرمز والإشارة التي يلوح بها على المعاني تلويحاً، على حد تعبير القلقشندي (ت 821 هـ ـ 1421م). مثال ذلك: بالرفاء والبنين، هنيئا مريئاً، تربت يداك، يمين الله، أقر الله عينك، سقط في يده، استأصل الله شأفتهم، قاتلهم الله، لله درك، مرحى له، أهلا وسهلا ومرحبا، لا فض فوه.. وهلم جرا. وتدور معانيها حول الدعاء والمدح والذم والتعجب والندم والقسم والتوكيد.. إلخ.

وقد جاءت هذه المسكوكات على هيئة تراكيب لغوية متنوعة، أو على هيئة مصادر سماعية أو دعائية، أو على صورة أسماء تحمل معنى الدعاء فعوملت معاملة المصدر. ومثل هذه المسكوكات (من أساليب العرب وتراكيبها) من الكثرة بمكان في كتب التراث اللغوي والأدبي، ولاسيما كتب الأمثال، ولكنها جاءت مفرقة في الأغلب الأعم، الأمر الذي دفع بعض المحدثين إلى جمعها وتصنيفها وشرحها وتأصيلها، على نحو جزئي، كما فعل العلامة أحمد تيمور في معجمه (أسرار العربية)، وإبراهيم السامرائي في كتابه (من أساليب القرآن)، أو على نحو كلي استقصائي، كما فعل محمد الحناش صاحب معجم التعابير المسكوكة، ومحمد أديب جمران في (معجم الأساليب الإسلامية والعربية) الذي صدر في عام 1999، ويضم بين دفتيه 356 مسكوكة لغوية.. وفيما يلي بعض هذه المسكوكات الذائعة حتى الآن، وبيان معناها:

1ـ بالرفاء والبنين:

من مسكوكات العرب التي تقال ـ منذ العصر الجاهلي ـ في سياق التهنئة والدعاء للملك (المتأهل): بالرفاء والبنين، أي بالالتزام والاتفاق وحسن الاجتماع وسكينة المعاشرة. قال الأصمعي: الرفاء على معنيين: يكون الرفاء من الاتفاق وحسن الاجتماع، ومنه قول العرب: رفأت الثوب إذا ضممت بعضه إلى بعض ولاءمت بينهما، والوجه الآخر أن يكون الرفاء من الهدوء والسكون. وقال اليماني (في الزاهر لابن الأنباري): الرفاء: المال.. وبهذا يكون الدعاء قريبا من العبارة الدارجة (منك المال ومنها العيال).

2ـ بقضهم وقضيضهم:

استعمل العرب هذه المسكوكة اللغوية للدلالة على حدوث الفعل بشكل جماعي وشامل. وفي الحديث الشريف: (يؤتى بالدنيا، بقضها وقضيضها) أي بكل ما فيها. والقض: الحصى الصغار، والقضيض: الحصى الكبار، أي أنهم جاءوا بالصغير وبالكبير جميعا.

3ـ حنانيك:

مسكوكة لغوية تقال في الاستعطاف الرقيق، عرفها العرب في الجاهلية والإسلام، واستعملوها في شعرهم ونثرهم. قال طرفة بن العبدالشاعر الجاهلي المعروف، يستعـطف أحدهم:

أبا منذر، أفنيت، فاستبق بعضنا

حنانيك، بعض الشر أهون من بعض

أي تحنن علينا واعطف حنانا بعد حنان، ومرة تلو الأخرى. وذكر علماء اللغة أن (حنانيك) مـصدر سماعي جاء بصـيغـة المثـنى لفظا لا معنى، ولكنه أريد به التكثـير، مثل لبيك، وسعديك ودواليك.

4ـ حياك الله وبياك:

من عبارات التحية والسلام عند عرب الجاهلية والإسلام. قال ابن الأنباري: إن لكلمة (حيّاك) عدة معان، منها حياك من التحية وهي السلام، أي سلم الله عليك، ومنها أبقاك، وأما قولهم (بيّاك) فتعني أيضا: حيّاك على سبيل التأكيد. وقيل إنها تعني: بوّأك الله منزلا مرتفعا، وتركت العرب الهمز، وأبدلوا من الواو ياء ليزدوج الكلام، فيكون (بيّاك) على وزن (حيّاك).

5ـ صبحك الله بخير:

مسكوكة أخرى يرددها العرب قديما وحديثا، وقد أشار أهل اللغة إلى أنها دعاء للرجل ـ أو المرأة ـ بالخير. والجملة الفعلية التي يقوم عليها هذا الأسلوب أفادت الخبر، إلا أنها تحولت عنه إلى الإنشاء، حين أريد بها الدعاء. وهذا الأسلوب يستعمل الآن في التحية صباحاً، يستعمله أهل الجزيرة العربية ودول الخليج وكثير من العرب، ويقابله في التحية مساء قولهم: مساك الله بخير.

6ـ عمْ صباحا:

مسكوكة جاهليـة عريـقـة تقال للتحية في الصباح، واستخدمها المسلمون أيضا، ولاتـزال تتردد في زماننا، بالمعنى نفسه، أي أنعم صباحا. قال عنترة:

يا دار عبلة بالجواء تكلمي

وعمى صباحا دار عبلة واسلمي

وكلمة عم: فعل أمر من الفعل وعم، يعم، بمعنى نعم ينعم، وعموا صباحا: جعلكم الله تنعمون في صباحكم. (عموا صباحا) ومثلها (عموا مساء) وجاء في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قول العرب (عموا صباحا أو مساء). لأن الإسلام أبدلهم منها: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

7ـ ليت شِعري:

هذا تركيب عربي عريق، كانت العرب تستعمله ـ منذ العصر الجاهلي ـ عندما تتمنى العلم بشيء تود أن تعرفه. جاء في الحديث: ليت شعري ما صنع فلان أي ليتني شعرت أو ليت علمي حاضر أو محيط بما صنع، فحذف الخبر، وهو كثير في كلامهم.

8ـ سُقِط في يده:

من مسكوكات إظهار الندم في العربية قولهم (سقط في يده) قال تعالى: ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين. (الأعراف: 149). وفي الحديث: فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا عليه أسقط في أيديهم. وهذه المسكوكة تقال لكل من ندم وعجز عن شيء ونحو ذلك. وقد سقط في يده، وأسقط لغتان. قال ابن سيده: سُقط في يد الرجل: زل وأخطأ، والسقطة: الخطأ والعثرة والزلة يتبعها ندم. ولم تعرف العرب هذا التعبير قبل الإسلام، ولم تجر به ألسنتـهم. ونظم لم يسمع قبل القرآن.

9ـ طوبى لك/لهم:

مسكوك دالة في معناها ـ على الاستحسان، وفيها معنى الدعاء للإنسان. قال تعالى: الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب (الرعد: 29). وقال عليه الصلاة والسلام: طوبى لعبد أشعث رأسه، مغبرة قدماه في سبيل الله، طوبى له، ثم طوبى له وفي الحديث أيضا إن الإسلام بدا غريبا وسيعود غريبا كـما بدأ، فطوبى للغرباء وطوبى لهم تعني: قـرةعـين لهم، نُعمى لهم، الغبطة والخير والحسنى لهم.. وقال الزجاج: طوبى على وزن فعلى من الطيب، وتأويلهـا عنـد ابن الأنباري: الحال المستطابة، ونقل الألوسي أن طوبى مصدر من الفعل طاب، مثل بشرى.

ملحة الوداع:

كانت زوجة جحا دائمة الخلاف كثيرة الشجار معه، فقيل له، أتحب أن تموت زوجتك? فقال: لا! فقيل له: لماذا? قال: أخشى أن أموت أنا من الفرح!

 

محمد رجب النجار