الرواية العربية من التأسيس إلى التجريب سعيد بوعطة

الرواية العربية من التأسيس إلى التجريب

الرواية العربية جنس أدبي ينمو ويتداخل عبر مراحل متواصلة. وكل حديث عنها، يضعنا في مفترق الطرق، أمام رأيين متباينين. أحدهما يرى أن الجنس الروائي، حاضر في التراث العربي، بينما ينفي الثاني أن تكون هناك صلة بين الرواية، وهذه الأشكال القصصية القديمة. ولعل البدايات الأولى لقيام الرواية العربية، هي التي ستوضح ذلك.

على الرغم من أن "غالبية الباحثين قد أنكرت الصلة بين نشأة الرواية العربية وبين التراث الروائي والقصصي عند العرب "، إلا أن هذا الارتباط حاضر، أخذا بعين الاعتبار أن الرواية العربية في هذه المرحلـة، مـازالت غامضـة الملامح. عرفت هذه البدايات رجوعا إلى التراث العربي، إما عبر صياغة مادته وهو الذي ظهر بشكل جلي في الرواية التاريخية. حيث تم إحيـاء جـوانب من التـاريخ والاهتمام بأحـداث بارزة. وفي هذا الإطار يدخل وبامتياز صاحب الأعمال الروائية التاريخية جرجى زيدان، وإما الإنتـاج على منوال ذلك القـديم. وعلى هذا الأساس ظهرت إنتاجات يغلب عليها طابع المقامة. إلا أن الاختلاف الأسلوبي، جعلها تتراوح بين المقامة والمقالة.

إن أغلب إنتاجات هذه البدايات يطغى عليها طابع الكتابات القديمة. نذكر منها مثلا: "الساق على الساق " لفارس الشدياق، و "مجمع البحرين" لليازجي، وبشكل بارز، "حديث عيسى بن هشام " للمويلحي. هذا الأخير الذي كانت له صلة بالتراث العربي القديم. وكتابه كما يرى عبدالمحسن طه بدر، يذكرنا بالمقامات القديمة. إلا أن هدف هذه الأعمال، لم يكن فنيا، بقدر ما كان تعليميا. لأن هؤلاء الرواد، لم يستندوا إلى نظرية تتعلق بهذا الجنس؛ لأن قيمة الرواية كما يرى الناقد محمد برادة، لا تتمثل في ابتكار شكل خاص، وإنما تكمن أساسا في الوعي النظري لإمكاناتها وقدراتها التعبيرية اللا محدودة.

من المقامة إلى الرواية

هكذا، نستنتج الصلة بين الرواية العربية عند ظهورها في أواخر القرن الماضى، وبين المقامة. ويعود ذلك إلى عدد من العوامل والظروف، تتصل بالكاتب وعصره ومجتمعه، وبما أن لهؤلاء الرواد هدفا تعليميا وإصلاحيا، في إطار علاقتهم بهذا الجانب، فالمويلحي مثلا، كـان على صلة مع زعماء الإصـلاح، كمحمد عبده وجمال الدين الأفغاني. لذا فقد جاءت أعمالهم تعليمية ومضمونية. مما جعل بناءها الفني ضئيلا. فعلى المستوى السردي، تكـاد هذه الأعمال، تعتمد السرد الحدثي اعتمادا كليا، مما يضفي عليهـا طابع التقريرية. ولم يساعد السرد في روايات هذه الفترة، على إفادة الشخصية الروائية في عمقها وفي إنسانيتها وفي حركتها. فهو يقدمها أيضا تقديما تقريريا، ويصفها وصفا تقليديا عاما لا يميز ولا يحدد خصوصية. وعلى الرغم من تعمق هذا التيار وترسيخ جذوره وإرساء أحواله وجعل الفن الروائي ذا قيمة، إلا أن الرواية العربية، لم تبق مسايرة لهذا المنوال، ومحافظة على أسلوبها التعليمي. فقد كان التيار الثاني من الرواية التعليمية قد تأثر بالرواية الغربية. وحاول - عموما - تطويع هذا الشكل لأغراضه. وفي هذا الاتجاه نلتقي - في التجربة الروائية المصرية - مع: طاهر لاشين في روايته "حواء بلا آدم" وعيسى عبيد.. إلخ.

كما اتجهت طائفة أخرى، نحو الترجمة والاقتباس، وهكـذا، وكـما يرى عبدالمحسن طه بـدر، بدلا من تطوير تراثنا الشعبي لجأوا إلى ترجمة الروايـات الغـربية، المتأثرة بالرومانس. أدى هذا الاتصال بالإنتاجات الغربية، إلى رفـض التراث القـديم وانقطاع الصلة بين هذا التراث وبين الرواية الفنية، مما سيجعل المحاولات الأولى التي بدأها المويلحي مثلا، تتراجع. وبالتالي يتراجع معها ذلك البعد التعليمي الخالص، ليكـون هدف الرواية أساسا، التسلية والترفيه.

الغاية تتطور

وعلى الرغم من هذا الاتصال بالنتاج الرومانسي الغربي، فإن "سمات الرواية التقليـدية ظلت تسيطر على الإنتـاج الروائي ". إذ نجد أن السرد الملحمي التقليـدي لا يزال قـائما في أعمال هذه المرحلة، ولم يساهم في بنائها الفني. فإذا كانت أساليب السرد التي يتخـذها الـروائيون، تصطنع من أجل خدمة هدف فني داخل النص السردي، فإن السـرد - في هـذه الأعمال - قد جاء بأسلوب واحد تقريبا هو الأسلوب الملحمي. من هذا المنطلق، ظهر الاتجاه الرومانسي في الرواية العربية عبر إنتاجات. نذكر منها مثلا لا حصرا أعمال كل من: جبران خليل جبران، الريحاني، ومحمد حسين هيكل.. إلخ. واستمر هذا الاتجاه ردحا من الـزمن إلى أن ظهـرت تجارب فردية، اهتمت بالترجمة الذاتيـة. وقد نشأ هـذا النوع حسب رأي عبدالمحسن طه بـدر، نتيجـة عاملين: أولهما تجلى في نشوء الطبقة الوسطى المصرية، وثانيهما انقطاع الصلة بين المثقفين وبين التراث القـديم. من هنا. ظهـرت تلك التجـارب الفردية - كما أشرنا - لأن الرواد الأوائل، اصطدموا بعقبات كثيرة في إطار محاولتهم خلق نـوع روائي.

هذا الاضطراب، قد أصاب المقياس الفني وكذا المصطلح النقدي. وبهذا اختلفت غاية الفن الروائي عندهم بـالمقارنة مع سابقيهم. أمام هذا الغياب لم تبق غاية الرواية تعليم القارئ أو تسليته والترفيه عنه. بل أصبحت الغاية منها عندهم الشخصية المستقلة للبيئة والارتباط بالواقع.

رحلة للرواية الواقعية

وحتى الثلاثينيات من هذا القرن، اتجهت الرواية نحو منحنى واقعي. وأدى ذلك إلى إيضاح الرؤية الثقافيـة لدى هذا الجيل. وأصبحت الثقافة الأوربية مادة أساسية من مواد تركيب الفكر العربي. وتأثرت هـذه الثقافة بطرائق الأوربيين في تنظيم حركاتهم الجديدة. وواكب هذه المرحلة نماذج من الأعمال الروائية لروائيين أمثال: طه حسين، محمود تيمور، توفيق الحكيم وعلى الرغم من أن عبدالرحمن ياغي، يرى أن هذه الكتابات الروائية قد خرجت عن ذلك النمط القديم، إذ يقـول: "انتقل الأدب من الصور الهزيلة في قصص عبدالله النديم مثلا.. إلى الصـور الفنية الرفيعة.. وفي قصة "المعذبـون في الأرض " للدكتور طـه حسين ومن الصـور البسيطة لمحمـد المويلحي في "حديث عيسى بن هشام " إلى الأرواح النابضة في "يوميات نائب في الأرياف " لتـوفيق الحكيم.. ومن نقدات حافظ إبراهيم الوعظية في "ليالي سطيح" إلى المنحى العصري في قصص "يحكى أن" لمحمود طاهر لاشين. على الرغم من طابع الجدة الذي يظهر على هذه الأعمال، مع محاولة تجاوز الطابع الكلاسي، فإن الفن الروائي العربي- عامة- لم يعرف استقلالا تـاما، وبناء فنيا كـاملا. ففي هذه الروايات أيضا وجود لسمات الرواية التقليدية إبان النشأة، وإن تفاوتت في بنائها الفني. إلا أن هذا التفاوت لم يؤثر على الطبيعة الأساسية لبناء هذا الإنتاج الروائي. فهي إما روايـات شخصيات أو روايـات أحداث، وإذا كانت هذه المرحلة، لم تعرف اكتمالا في تشكيل بنائها الفني. فإنها كما يسميها عبدالرحمن ياغي بمرحلة نجيب محفـوظ، ظهرت خلالها، نماذج روائية نذكر منها: إحسـان عبدالقدوس، يوسف إدريس وهي مرحلة متطـورة بالمقارنة مع المراحل السابقة، إلا أنها حسب رأي عبدالمحسن طه بدر، مرحلة مازالت تعرف ذلك الضعف البنـائي للرواية. إذ بقي جانب الحكاية مهيمنا عليها. وأمام هيمنة الموضوع، يضعف الجانب الفني. فحقيقة نجيب محفوظ حجبت واقعية إنتاج مصري وعربي كثيف ومتنوع. وربما كان بعضه يتجـاوز وثيقية الـرواية المحفوظية فى دلالته وبنائه الفني. هذا الضعف أدى إلى تـأرجح أسلوب المؤلف بين التصوير وهو طابع الأسلـوب الروائي، وبين التقرير وهـو طابع المقالة. وهكـذا وإن بدت هذه المرحلة تحمل طابع الجدة، إلا أنها لا تخرج عن بدايات تشكل الفن الروائي العربي. والذي سيظهر في المرحلة اللاحقة. فمن معطف نجيب محفوظ، سيخرج جيل جديد، واكبته حركـة نقدية، تحاول الكشف عن هذا الجديد، من خلال تلك الحساسيات الروائية الجديدة، التي انطلقت من بدايات الستينيات إلى اليوم، ممـا سيجعل الرواية العربية، تعرف تحولا عميقـا في تشكـلاتها النصية، نتج عنـه تطـور داخل أنواع الحكي العربية، وكذا تفاعل الروائيون بقضايا الأدب والنقد.

الرواية العربية الجديدة

وإذا كانت البدايات الأولى قد أدت إلى تدشين مشروع الرواية العربية، بروايات تاريخية، لجرجي زيدان وسليم البستاني وفرح أنطون وصولا إلى مرحلة نجيب محفوظ، فإن الرواية العربية الجديدة تظل شكلا إبداعيا على نحو خاص. لأنه كما يرى إبراهيم السعافين، يتفاعل بالمكتوب الروائي العربي ويحتفظ بشكله وبنائه داخل أساليب السرد. فبدأت تظهر حسب ما يرى محمد برادة، كتابات روائية جديدة تتميز بحساسية مغايرة للحساسية الرومانسية والواقعية والمثالية التي طبعت أعمال الرواد والمؤسسين، ستعرف - على أثرها - الرواية العربية تحولات مختلفة. فعلى مستـوى الدلالة، برزت تيمات يتداخل فيها الموضوعي والذاتي. من أهمها: جحيم المدينة، تمزق الذات، الهوية في مواجهة الآخر، التمرد والاحتجاج، تجارب الحب والجنس. كما أصبـح التعامل مـع التراث، يجري بشكل مخالف لما تناوله به الأوائل. وفي هـذا الإطار نلتقي بتجارب كل من عبدالرحمن منيف، حيدر حيدر وغيرهما.

أما على المستوى الشكلي، فقد أخذت الرواية في تنويع أساليبها السردية، وتعدد الذين يقومون بهذه المهمة. كما تم الاهتمام بالشخصية الروائية، كمكون فني داخل النص السردي. هذا الأخير الـذي خرج عن سيطرة تلك الأقـانيم الأرسطية للسرد: العرض، العقدة، الحل. وبهذا لم تبق الـروايـة العربية تلك الملحمة البورجوازية حسب رأي جورج لوكاتش. بل "غدت من خلال تجارب ناجحة في العالم الثالث تحكي التخييل البارودي وأسطورة الحياة اليومية".

فقـد أكدت النماذج الروائية العـربية النـاجحة، إمكان قيام رواية غربية من دون توافر الشروط نفسها التي يسرت ظهور الرواية في المجتمعات البورجوازية خلال القرن التاسع عشر. لتعرف الروايـة العربية نفس التطور الذي عرفته مثيلتها الأوربية. وعلى الرغم من أن الرواية العربية تميزها ظاهرة التعدد الأسلوبي، الذي يشي بأن هذه التجربة في أدبنا العربي الحديث لاتزال في مراحل تطورية مستمرة، فإنه - بصفة عامة - قد عرف تشكل عناصره الأساسية.

هكذا نجد أن الرواية العربية، قد مرت بمراحل عديـدة قبل أن تستقر على شكلهـا الحالي. لأن تلك البدايات قد تأثرت بصور نثرية شتى، تراوحت بين المقامة والمقالة. ثم انتقلت إلى مرحلة الترجمة، فالرومانسية ثم النزعة الواقعية في وقت لاحق. لكنها في كل هذه المراحل، ظلت قاصرة عن تشكيل بعدها الفني. ويمكن إجمال هذا فيما أشار اليه خضير عبدالأمير بقوله: "سنوات العشرينيات والثلاثينيات كانت فيها الرواية رواية إصلاحية.. وبعد الحرب العالمية الثانية تفادت الرواية العربيـة ذلك العرض المبسط وبدأت تتناول أحداث الواقع الملتهب الحاد. كقضية فلسطين. أما الروايات الصادرة في الخمسينيات فـإنها امتداد لتلك الروايات. ولكن سنوات الستينيات والسبعينيات أعطت رؤية جديدة ".

هكذا وبعد أن ترسخ المعمار الروائي العربي، تشكلت اتجاهات في مختلف البلاد العربية. وأمام هذه الأشكـال الروائية الجديـدة، تراجعت الأشكـال التقليدية.

جنس أدبي يستوعب التحولات

عد أن أبرز نجيب محفوظ مسار الإنتاج الروائي العـربي، واستطاع أن يؤسس بناءها الفني، بدأت مرحلة جديدة. ففي فترة تـاريخيـة معينة ذات خصوصيات واضحة استطاعت الرواية - كشكل أدبي مستحدث - أن تنشأ وتتطور عبر كثير من التجارب. إلا أن ثمة عوامل أخـرى ساعدت على ظهور ما اصطلح على تسميته بالرواية الجديدة. هذه الأخيرة التي عرفت تحويرات في مضامينها وأشكالها. بالمقارنة مع الشكل الروائي السـابق. فالرواية العربية الحديثة، قد خرجت عن نمطها الكلاسيكي. والمتمثل أساسا، في الرواية التعليمية، المترجمة، الرومانسيـة والواقعية، لتصبح ضمن الإطار العام، حاملة لخلفية فكرية وراء عمليتها الإبداعية.

في هذا الإطار، أصبحت الرواية ترتبط بفهمها للواقع والواقعيـة وبطموحاتها النظرية وترابطها مع التصور الاستيتيقي والأيديولوجي. ومن ثم ارتبطت الرواية العربية بظاهرة تتمثل في ملاحقتها للـواقع المادي. وكل تغيير وأحداث سيعرفها المجتمع العربي، ستنعكس على الرواية كجنس أدبي يستوعب هذه التحولات. يتداخل فيها المتخيل بالواقع، لذا جاءت أغلب الروايـات العربية، باستثناء بعض النماذج، منقطعة عن جذورها الكلاسيكيـة. كما أن التقنيات تنوعت بدورها، إذ خرجت عن القيود "الواقعية" ومزجت بين الوصف والتذكر وكذا المشاهد الحوارية. وهكذا وكما يرى أحمد اليابوري فإن "الرواية العربية كرست، وفق هذا المنظور قطعية مع المراجع التقليـدية وحددت في نفس الآن وظيفـة جديدة للإنتاج الأدبي، سياق تأسيس خصوصيتها داخل شمـولية الجنس الذي تنتمي إليـه ". وبهذا التطور، لم يعد هناك تـوزيع في مراكز الرواية قياسا بـالماضي، كـما أنه لم تعد مصر بؤرة هذه الإنتاجـات الروائية منها والشعرية. بل أصبحت مناطق أخرى تعرف تطور هذا الجنس.

رواية تواجه أسئلة جديدة

لقد شكلت سنـة ألف وتسعمائة وسبعة وستين، حسب رأي عبدالرحمن منيف "ولادة جديدة للرواية العربية". إذ أحدثت هذه الهزيمة تراكـما على مستوى الإنتاج، لأنها دفعـت إلى السطح العديد من الأسئلة والمواضيع الموجهة والساخنة والتي تتطلب المواجهة والمعالجة. وقد ظهر هذا التأثير الذي أحـدثته الهزيمة حسب منيف من خلال ما يلي:

1 - تراجع التيار الوجـودي والواقعي الذي ساد الخمسينيات والستينيات، لتطرح بدلا عنه رواية تهتم بالهم القومي والصراع الطبقي وقضايا أخرى.

2 - تراجع المركز الموجه المسيطر الذي هو مصر، لتبدأ الأطراف، مما أدى إلى تغيير خريطة الرواية وامتلائها بأسماء وإنتاجات أخرى، فبرزت أقطار مثل: الجزائر، السودان، المغرب، العراق، كان هدفها الانطلاق من البيئة وحمل هموم الإنسان. من هنا لم يبق الأساس هو تمييز روايتين تصدران في قطر معين، وإنما وضعهما في السياق العام لتطور الرواية العربية ككل. ولعل أواخر الستينيات بما شهدته من تحولات على المستوى الشعري، والقصصي الذي سيتبلور، حيث اتخذ له سمتا بارزا في السبعينيات. ولعل هذا الارتباط بالواقع العربي، العام منه والمحلي، هو الذي سيجعل هذه الرواية " تحلم أن تكون التاريخ العميق لعلاقات اجتماعية تبحث في ذاتها عن مفتاح حركتها". من ثم عليها أن تستلهم خصائصها من ذات الروائي العربي. سـواء فيما يتعلق باللغـة، الأسلوب.. فاستمدت مادتها من الواقع العربي بكل تجلياته. وتبعا لحركاته من خلال فترات مختلفة، عالجت هذا الواقع من زوايا مختلفة وعبر رؤى تميزت بنوع من التفرد. وعلى هذا الأساس ظهرت روايات عربية نذكر مثلا لا حصرا أعمال كل من: عبدالرحمن منيف "بشكل متميز"، عبدالرحمن مجيـد الربيعي، الطاهر وطار، محمد زفزاف وغيرهم.. فأعمال هؤلاء وإن تباعدت على المستـوى الجغـرافي، فإنها تلتقي في قضايـا ومواضيع مشتركة على رأسهـا: الحرية، السياسة، فكرة الانتماء، تصدع الأمة العربية، القضية الفلسطينية.

رصد الحركة الداخلية

منذ أوائل السبعينيات، عرفت الرواية العربيـة خاصية التجريب مبتغية أشكالا وتقنيات نوعية ترصص بها معمارها، وتغتـزل فكـر وهموم الأمة العربية، فهي حسب رأي عبده جبير ديوان العرب الجديد. وعلى الرغم من ارتباط الرواية العربيـة بالواقع العربي وما يعرفه من تحولات، إلا أنها ليست واقعية نجيب محفوظ، وليست كـذلك مرآة تجوب الشوارع على حـد تعبير الروائي الفرنسي ستندال. فهي قـد شكلت بناءهـا الفني من خـلال تقنيات عديدة، لتصبح وسيلة تعبير، أقدر من غيرها على رصد الحركة الداخليـة واكتشاف مسارها، وربما المساهمة في توجيه هذه الحركة وهذا المسار. ومن ثم فالرواية العربية ترمز إلى واقع آخر، واقع الحضارة والحريـة وتجعل من التـاريخ رمـزا للمجتمع أو لعلاقـات اجتماعية جـديدة، على اعتبار أن الأدب عامة - في أبسط تعاريفه - هو ردم الهوة بين ما هو كـائن وما يجب أن يكـون - ومن ثمة ظهرت أعمال روائيـة، حـاولت التاريخ لحقبـة معينـة أو وضع اجتماعي معين نذكر منها: رواية "شرق المتوسط" لعبدالرحمن منيف و"النهر والرماد" لمحمـد شاكـر السبـع، وروايـات كل من إدوار الخراط وجبرا إبـراهيم جـبرا، لتكـون سنـوات الستينيـات والسبعينيات قد أعطت رؤية جديدة أو في محاولة من كتـابها أن يكتبـوا شيئـا جـديـدا، لتصبح أعمال السبعينيات وما تلاها ترصـد التغيرات الاجتماعية وحركة الحياة في صيرورتها وتحولاتها المستمرة. وهنا نسوق بعض النماذج الروائية والتي ترتبط بالفترة المعاصرة. تكشف عن ترابطها بالمجتمع وما يعـرفه من تغييرات وتتمثل فيما يلي:

  • "جـبرا إبراهيم جـبرا: أبرزت أعماله عن مستويات عديدة ومـواقف فكرية وسياسية تقاطعت في أغلب الأحيان مع أعمال غسان كنفاني. فأعمال جبرا إبراهيم جبرا: صراخ في ليل طويل، صيادون في شارع ضيق، السفينـة، البحث عن وليد مسعـود، تشكل جسرا ومعبرا للتطور الجديد الذي أحدثتـه أجيال جديدة في الرواية العربية.
  • صنع اللـه إبراهيم: على مستـوى المضمون، يسكنه نفس الهم الذي وجد عند الروائيين الآخرين. أما على المستوى الفني، فقـد حطم السرد الرتيب، والحبكـة المصنوعـة. ثم رسم الأنماط الروائيـة، والاستغراق في التحليل والوصف والحوار.
  • جمال الغيطـاني: فمن خلال عملـه: الـزيني بركـات تمثل أعماله بصفـة عامة، جانبا من الإبداع المتميز داخل الرواية العربية. والتي تعطي مزيدا من التميز عن أبناء جيله من كتاب القصة والرواية.
  • عبدالرحمن منيف: فهو كذلك لا يخرج عن إطار هؤلاء الروائيين. الذين شكلـوا جيلا من كتاب السبعينيات. كانطلاقة لأعمالهم الروائية. فقد حقق منيف تراكـما في التجربة الروائيـة العربية، هذا التراكـم جعله يرسخ أسلوبه المتميز بحضور التاريخ العربي في كل أعماله. وما عرفه المجتمع العربي من تحول على المستـويـات: الاقتصـادية، والسيـاسيـة والاجتماعية. هذا التحـول أحـدث شرخا في ذاكرة الإنسان العربي.

منعطف جديد

نخلص من هذا العرض إلى أن الرواية العربية في مرحلة السبعينيات وما تلاها، عرفت منعطفا جديدا. يختلف عما كانت تعرفه في المرحلة الكلاسية. خاصة على مستوى البناء الفني المتعلق بطرق السرد وتقديم المادة الحكائية التي تـابعت من خلالها بشكل جلي الواقع العربي وكل ما تعلق به.

 

سعيد بوعطة

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




جبران خليل جبران





إحسان عبدالقدوس





صنع الله إبراهيم