أنتِ جميلةٌ!

أنتِ جميلةٌ!

لماذ يتمُ تجييش المشاعر ضد التجاعيد كأنّها عدو؟ وتتبنى الحملاتُ الدعائيةُ ذات الطابع التجاري تصديرَ الوعود بهزيمتِها؛ وهو أمرٌ مؤقتٌ ومكلفٌ ماديًا ونفسيًا وفيه نسبة مخاطرة  قد لا يستحقُها.
ما الذي يدعونا لمحاولة الوقوف في وجهِ الزمن وهو مادةُ الحياةِ وصيرورتُها الطبيعية في الجسد؟ نتمسكُ بالحياة ونرفضُ بصمتها وآثارها الطبيعية، نتعلقُ بأذيال الشبابِ ونحن نعي أنّ ما ذهبَ لا يُرجعه مرهمٌ ولا عملياتُ تجميل لكن قد تُموّه الملامحُ، وتُغيِّب التقاسيمُ التي أبدعَ الخالقُ في رسمِها.
تكادُ عملياتُ التجميل تتحول لظاهرةٍ بتأثير الحملات الدعائية التي تستغلُ الوسائل التكنولوجيةِ القادرةِ على الوصولِ لقلوبِ وعقولِ الفتيات الصغيرات، وتكوينِ تصوّرٍ مغلوطٍ عن معايير الجمال بصورةٍ تخدمُ كأيِّ مشروعٍ اقتصادي هدفَ الربح، وتحقيقِ الثروة وابتزازِ الطموح المزيف للوصول للجمال، وتقريبِ التشابه مع الفنانات والنجوم، وللقنواتِ الفضائيةِ دورٌ في الترويج لفكرة التركيز على الجمالِ الجسدي والسعي اللاهث لزيادتِه وتحسينِه وفقَ المعايير الرائجة.
حتى وقتٍ ليس ببعيد لم يكن اللجوء لعملية التجميل خيارًا مطروقًا إلا للضرورةِ الموجبة كالإصابةِ بحرقٍ أو لوجود عيبٍ خَلقي يستدعي تدخل مبضع الجراح، كأنّ الفردَ العربي بشكلٍ عام والمرأةَ العربيةَ بشكلٍ خاص تغلبتْ على المشكلاتِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ ولم يتبقَ إلا البحث عمَّا يزيدُ انتفاخ شفتيها، وما يحاولُ محوَ أثر الزمنِ الطبيعي على الوجه، وما يموّه واقع تقدُّم الإنسان في العمر.
 
أنتِ جميلة!
وجهُكِ الذي يحملُ ملامحَ طبيعيةً أبدعَها الخالقُ العظيم وتجلّت قدرته في التناسقِ بين حجم الأنف واتساع العينين وانفراجة الشفتين، وجهُكِ المتفرِّد بتقسيمتِه الخاصةِ وباختلافه المميز جميلٌ ومقبولٌ بمقياس الاختلاف الذي ميزَ اللهُ به البشر، لا يغرنّكِ ما تريْنَ من حملةٍ دعائيةٍ جارفةٍ تحاولُ التسللَ إليكِ من الشاشاتِ وتسعى لإقناعكِ بحاجتكِ لعمليةٍ أو لعمليات تجميل؛ لستِ بحاجةٍ لخوضِ سباقِ الجَمال الذي لا أعرفُ مَن يضعُ معاييره، وأية وسائل إعلامٍ محترفة تجرُّكِ أنتِ وجيل من الفتياتِ والنساء العربيات لكي تهتزَ ثقتَهن بحسن ما أبدعَ الخالق؛ فتسعى فتاةٌ بعمرِ الزهور أو سيدةٌ ناضجةٌ كشجرة زيتونٍ مهيبة بتهورٍ وباندفاعٍ للـ «فيلر» ولنفخ الشفتين ورسم الحاجبين ورفع الخدين وتفتيح البشرة... لستِ مضطرةً لدخولِ غرفة العمليات وتركِ تلك الأيدي تعبثُ بما خلقَ اللهُ بحجة جعلكِ أجمل! 
هي موجةٌ نشطةٌ وحملةٌ مهووسةٌ تسهمُ في انتشارِ عملياتِ التجميل، تتحولُ فيها الوجوهُ لنسخٍ متشابهة، وشكل الأنوف كأنّه موحد، شيءٌ ما يشعرك بأنّ ثمة شيئاً مصطنعاً غير طبيعي، ثمة نتائجُ ناجحةٌ يتم استغلالها للترويج لكن ثمة نتائجُ مدمرةٌ ومأساويةٌ لا تظهر، وثمة آثار جانبيةٌ جسدية ونفسية غير التكلفة الاقتصادية التي تعتبرُ مرتفعةً وتنتفخ بسببها جيوبُ بعض طبيباتِ وأطباءِ التجميل ممن يسعوَن لإجراء عملياتٍ غير ضرورية، وتجميع ثروة من وراء تجميل «الناس» والعبث بعقولِهم وبأجسادِهم.
التقدمُ المتسارع في طبِّ التجميل أمرٌ محمودٌ، ويسهم في عونِ وتحسين حياة من هم بحاجةٍ فعليةٍ للمساعدة جراء حادث أو سبب خَلقي، لكن تحوّل التعاطي معه لتجارةٍ ولتسونامي حملةٍ دعائيةٍ تنتشرُ وتغزو عقولَ الفتياتِ والنساء ونسبةٍ من الرجال أمرٌ يدعو للقلق وللتساؤلِ وقرعِ الجرس! .