شبكات التواصل وتأثيرها في المجتمع

شبكات التواصل  وتأثيرها في المجتمع

   يشهد العالم اليوم تحولاً غير مسبوق في مجال تدفق المعلومات والاتصالات لم تشهده الحضارة الإنسانية من قبل، بل إن ما يحدث الآن هو ثورة حقيقية تسمى ثورة المعلومات والاتصالات، فاليوم يبزغ شكل جديد للتطور المجتمعي يعتمد في نمط سيطرته ونفوذه على تكنولوجيا الاتصالات المتقدمة وشبكات التواصل الاجتماعي، وعلى كفاءة استخدام هذه التقنية في جميع مجالات الحياة، مما يجعلنا نفكر جديًا في كيفية الاستفادة منها في بناء عناصر بشرية مؤهلة وقادرة على استقطابها وتسخيرها لخدمة المجتمعات بشكل عام للأغراض العامة والخاصة، بهدف أن تكون قادرة على مواكبة هذه التطورات واستخدامها بأعلى كفاءة ممكنة.

بدأت شبكات التواصل الاجتماعي عصرًا جديدًا من الانفتاح الحضاري بين الأمم، وسهلت بصورة غير مسبوقة عملية الاتصال والتواصل والتفاعل المباشر وغير المباشر بين شعوب العالم من مختلف الجنسيات والثقافات، وغزت العقول بإيجابياتها وسلبياتها وفرضت نفسها بقوة، وقصرت المسافات وتجاوزت كل الحواجز والحدود، إضافة إلى أنها سهلت عملية تدفق المعلومات مع تبادل الآراء والأفكار بين الناس من مختلف الفئات، والاطلاع على ثقافات الشعوب الأخرى، حيث أصبح الإنسان قادرًا على رصد ما يجري على الطرف الآخر من الكرة الأرضية لحظة وقوع الحدث، وما يدور في هذا العالم من اختراعات واكتشافات، محولة العالم أجمع إلى قرية كونية صغيرة.

تحديات وسائل التواصل 
يتصف هذا العصر بأنه عصر الاتصالات التقنية والبرامج الذكية المتطورة بلا منازع، والتي فرضت وجودها ومعاييرها في جميع أنحاء العالم، واليوم تعتبر شبكات التواصل الاجتماعي من بين أهم الوسائل التقنية التي تسهم في إحداث تغييرات نوعية في مجمل العلاقات الاجتماعية والثقافية، إلا أنها في الوقت نفسه أصبحت تثير مخاوف حقيقية لدى الأهل والمسؤولين من أن يؤدي الاستخدام الواسع والمفتوح لدى فئة الشباب لهذه البرامج دون قيود أو حدود إلى حصول آثار سلبية على منظومة القيم الأخلاقية والسلوكية والدينية، وخاصة أنهم يتعرضون لمختلف المثيرات البصرية من صور وأفلام إباحية، وإلى أفكار متحررة أحيانًا أو متطرفة أحيانًا أخرى، وإلى قيم وأفكار ثقافية تتعارض مع الأعراف والقيم الاجتماعية والأخلاقية والمعتقدات التي يقبلها المجتمع.
 والخوف هو أن ينشأ جيل جديد من الشباب مشبع ببعض الأفكار والقيم والمعتقدات المخالفة تمامًا لقيمنا وأعرافنا وعاداتنا ومعتقداتنا الإسلامية، وربما كان النجاح في مواجهة هذه التحديات يستند أساسًا إلى كيفية استخدام تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي بصورة إيجابية في عمليات البحث والاستكشاف وتشجيع الأسئلة، وطرح الأفكار التي تنبثق من المواقف التجريبية، ووضع الخطط السليمة لتوليد الأفكار المتجددة دائمًا، والتي تساعدهم في رفع مستوى طاقاتهم الإبداعية وتشجعهم على التقصي والابتكار.
 
الآثار الإيجابية
أدى التقدم التكنولوجي إلى ظهور أساليب وطرق جديدة للتعليم غير المباشر، تعتمد في جوهرها على توظيف تقنيات اتصالية متطورة لتحقيق التعليم المطلوب، بغرض إتاحة التعلم في كل زمان ومكان، وذلك بواسطة أساليب وطرق متنوعة تدعمها تكنولوجيا الوسائل المتعددة بمكوناتها المختلفة، إذ أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي اليوم جزءًا من حياتنا اليومية يصعب الاستغناء عنها، وفرضت نفسها كلاعب أساسي وشريك فاعل يسهم في عملية التنشئة الاجتماعية والتربوية.
أتاحت هذه التقنية فرصة الحصول على المعارف والعلوم بمختلف أشكالها بيسر وسهولة، مما وفر الكثير من الوقت والجهد والمال، وعززت هذه البرامج التواصل الإيجابي بين أفراد المجتمع والأسرة، وكذلك سمحت بالانفتاح على الثقافات الأخرى، كما عززت هذه التقنية المتطورة من مستوى الذكاء والإبداع واكتساب المهارات لدى الأطفال، وأصبحت بيئة خصبة لنشر الثقافة والفنون، ورفعت مستوى الانتباه والتركيز كما منحتهم فرصة اتخاذ القرار السريع وحل المشكلات بشكل صحيح.
 
الآثار السلبية
على الرغم من الآثار الإيجابية لبرامج التواصل، فإنها لها آثار سلبية عديدة، إذ أصبحت هذه البرامج تشكل الخطر الأكبر على أبنائنا وبناتنا وخاصة على مستوى الترابط الأسري والعلاقات المجتمعية، فقد تسهم في تفتيت النسيج الأسري المتماسك، وقد تقود الشباب إلى متابعة بعض المواقع المنحرفة واللاأخلاقية مما يترتب عليه انتشار الفساد والانحلال الخلقي بين أفراد الأسرة.
كما دلت الدراسات النفسية في هذا المجال على أن جلوس الأبناء أمام هذه الأجهزة لفترات طويلة، يؤدي إلى الإدمان، وأن الإفراط في استخدامها والغوص في عالمها الافتراضي قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية عديدة كالخوف، وضعف الثقة بالنفس والقلق والانطواء، والخلط بين الخيال والواقع، مع الإحساس بالتوتر وضعف الذاكرة وتشتيت الذهن، كما تسبب السمنة نتيجة للجلوس الطويل وعدم ممارسة الرياضة، إضافة إلى انخفاض مستوى الطفل الدراسي وتدني درجاته العلمية، وقد يرى الشباب في برامج التواصل الاجتماعي وسيلة للهروب من الواقع ومتنفسًا من هموم الحياة والابتعاد عن بعض التفاصيل المزعجة فيها للحصول على قدر من الهدوء والاطمئنان.
 
الدور القيمي
لقد أدت التطورات المتسارعة فيما يتصل بشبكات التواصل الاجتماعي إلى اكتشاف إمكانات جديدة لم تكن معروفة من قبل، ظهر أثرها بوضوح في شتى مجالات الحياة وخاصة في التأثير على العلاقات الاجتماعية والأسرية، والقيم الاجتماعية والدينية والاقتصادية والجمالية وغيرها، وذلك بسبب تسارع انتشارها، وكثافة استخدامها ولاسيما عند فئة الشباب من الذكور والإناث على حد سواء، مع تنوع دوافع الاستخدام، واختلاف أغراضه وأشكاله.
ونتيجة لهذه المعطيات الجديدة فإن العديد من المجتمعات العربية تواجه عددًا من التغيرات الاجتماعية والثقافية لدى أبنائها، التي بدورها قد أثرت في منظومة القيم لدى الأفراد وفي تصرفاتهم وسلوكهم وعلاقاتهم مع الآخرين، إذ إن ظهور قيم جديدة قد يكون لها تأثير سلبي في شخصياتهم وسلوكهم والعكس صحيح.
إلا أن بعض الأشخاص من ضعاف النفوس والجماعات قد استغلت هذه الوسائل للترويج لأفكارها ومعتقداتها وأيديولوجياتها، بما في ذلك الجماعات المذهبية والمتعصبين ومروجي الأفكار الإباحية، وغيرها من الأفكار الهدامة والتي قد تؤثر بشكل سلبي في القيم والأخلاق والدين وخصوصًا في فئة الشباب، وانعكاس ذلك بصورة سلبية على علاقاتهم الأسرية والاجتماعية.
 
وسائل التواصل... والمعرفة
لقد فتحت شبكات التواصل الاجتماعي عبر وسائلها المتعددة الباب على مصراعيه لتدفقٍ معلوماتي ومعرفي واتصالي هائل، وسهلت المجال أمام الباحثين لتبادل المعرفة فيما بينهم مع استدعاء كل ما يحتاجون إليه من معارف ومعلومات عبر أرجاء المعمورة، فوسائل الاتصال أصبحت محركا رئيسيا في عملية تبادل الخبرات والمعارف، كما أصبح مبدأ تبادل المعرفة عبر شبكات التواصل الاجتماعي الحديثة التي أفرزتها الثورة التكنولوجية عاملا من العوامل الأساسية في عمليات التنمية الشاملة.
وأصبحت وسائل التواصل ذات تأثير كبير في مختلف الجوانب الحياتية، خصوصًا في ضوء الطفرة التكنولوجية، والثورة المعلوماتية، التي وفرت المادة المعرفية للجميع، ومن هنا يحاول المختصون في هذا الميدان إيجاد طرق لإدخال عامل المعرفة بشكل مباشر وواضح في نظرياتهم ونماذجهم المعرفية ضمن هذه التقنيات الاتصالية المتطورة، إذ يركز الخبراء الاقتصاديون على تقديم ثورة تكنولوجيا الاتصالات كفرصة للتطور الاقتصادي والمعرفي الذي يتيح تشكيل قاعدة راسخة للازدهار الاقتصادي وتعزيز الرفاه الاجتماعي.
وهكذا، فإن الخبراء يرون في وسائل التواصل الاجتماعي ثروة حقيقية، وموردا استثماريا وسلعة إستراتيجية لأي مجتمع يريد اللحاق بطيف العالم المتقدم فيما إذا استغلت الاستغلال الأمثل، الأمر الذي يتطلب إيجاد محيط ثقافي واجتماعي وسياسي يؤمن بأهمية شبكات التواصل ودورها الفعال في تعزيز الإنتاجية المعرفية.