ثنائيّة الموتِ والحياة في شعر محمود درويش

ثنائيّة الموتِ والحياة  في شعر محمود درويش

 يعد محمود درويش من أكثرِ الشّعراء تصديرًا لمقولات الحياةِ الكريمةِ في وطنٍ حرٍّ مستقلٍّ بذاته، فهو امتدادٌ للشّعراء المحدثين الّذين رفضوا النّيل من أوطانهم، والاعتداءَ على الكرامةِ وسلبِ الهويّة الوطنيّةِ، ولا يكون ذلك دون تقديم عوائدَ من الأرواح والنّفوس الأبيّة، ودون اشتمامِ رائحة الموت فداءً للوطن، من خلال المقاومةِ ورصّ الصّفوف، والتّلاحمِ والاستبسال، وقد تمثّلت هذه الرّؤية للموت عند درويش حتّى في تصوير الحالات الرّومانسيّةِ.

اعتبر درويش الموت صنوًا للحياة، وبدايةً لتجدّدها كلّما ازداد حبّه لمن أحبّ؛ لذا «تكمن حساسيّة النّصّ الدّرويشيّ في جماليّة اختيار الملمح المعبّر عن تحوّلات الحياة».
يقول:
إِنِّيْ أُحِبُّك حِيْنَ أَمُوْتْ
على عكس ما قاله الشّعراء:
«إِنِّيْ أَمُوْتُ حِيْنَ أُحِبُّكِ».
 فدرويشٌ يعتبر الموتَ مستوىً عاليًا من مستويات الحياة، ونشيدًا يصدحُ في آذان الغافلين من أجل الصّحوة، والسّير في طريق التّحرّر، وهو - أي الموت - قوّةٌ تولّد الحياة، وتدفع إلى التّجدّد والتّقدّم للأمام، وفلسفة درويش في مسألة الحياة والموت تنطلق من معاني التّجدّد والانبعاث والبداية؛ لذا نجده يقدّم رغبة الموت على رغبة الحياة، مصوّرًا الموت بصورٍ أقرب ما تكون إلى السّذاجة أمام هول الموت وحقيقته.
يقول:
- وَبِوِدِّيْ لَوْ أَمُوْتُ/ دَاْخِلَ الْلَّذَّةِ يَاْ تُفَّاْحَتِيْ 
- رَأَيْتُ الْصَّمْتَ/ وَالْمَوْتَ الَّذِيْ يَشْرَبُ قَهْوَةً
- لِأَنَّكَ كُنْتَ تُمَاْرِسُ مَوْتًا بِدُوْنِ شَهِيّة
  وحتّى يُتمّ درويش المستوى الّذي أراد أن يصل به إلى مفهوم الموت كدلالةٍ على التّجدّد والانبعاث، فإنّه يعتبر أنّ الأوان لم يئن في مرحلةٍ من المراحل على نضوج الموت، وكلمة نضوج تدلّ - كما نعلم - دلالةً واضحةً على النّشوء والتّطوّر، والتّجدّد والانبعاث، يقول:
لَمْ يَنْضُجِ الْمَوْتُ فِيْنَا
أي: لم نمتلكْ بعدُ كشعبٍ أدوات الحياة الّتي من أهمّها الموت.

انبعاثٌ وتجدّدٌ
 يؤكّد درويش على فكرة أنّ الموتَ انبعاثٌ وتجدّدٌ في قصائده الّتي مجّد فيها شهداء المقاومة، أو تلك القصائد الّتي مجّد فيها شخصيّاتٍ تاريخيّةً غيّرت في وجه التّاريخ، ومن تلك الشّخصيّات الزّعيمُ المصريُّ جمالُ عبدِالنّاصرِ، الّذي بموته تحوّلت الحياة إلى واقعٍ جديدٍ - على حدّ قولِ درويش -، فعلى ضريحه نبتتْ حبّات القمحِ الجديدةِ، وتساقطتْ زخّات أمطارٍ من السّماء لتحييَ الأرض، وكلّ هذه المظاهر تدلّ دلالة مبينةً على تجدّد الحياة.
يقول في قصيدة «الرّجل ذو الظّلِّ الأَخضَرِ»:
نَعِيْشُ مَعَكْ
نَسِيْرُ مَعَكْ 
نَجُوْعُ مَعَكْ
وَحِيْنَ تَمُوْتُ
نُحَاْوِلُ أَلّا نَمُوْتَ مَعَكْ 
فَفَوْقَ ضَرِيْحِكَ يَنْبُتُ قَمْحٌ جَدِيْدْ 
وَيَنْزِلُ مَاْءٌ جَدِيْدْ
  وقد وقف درويش أمام صورة الصّراع حول الحياة والموت؛ ليقوم بدوره في دعم نفرة الصّمود والمقاومة مع الشّعب الثّائر لأجل وطنه وحياته، وبدأ يتّحد مع ذاته الشّعريّة؛ ليدافع عن هذه الجدليّة بين الحياة والموت، موظّفًا ما استطاع من رموزٍ مستقاةٍ من الأساطير، أو رموزٍ ابتداعيّةٍ مستقاةٍ من واقع بلاده الاحتلاليّ وطبيعته وكلّ عناصر تكوينه، عاملًا على بلورة هذه الرّموز لرسم علاقة الحياة والموت.
 وقد فتح درويش باب المعركة بين الحياة والموت على مصراعيه؛ فقابل بين العدوّ الصّهيونيّ الّذي لا يريد للشّعب الفلسطينيّ إلا الموت، والشّعب الفلسطينيّ الّذي يطلب الحياة الكريمة الّتي لا يتحصّل عليها إلا إذا غامر الموت وذاق طعمه، ودرويش بهذه المقابلة يحقّق معادلة انتصار الحياة على الموت، إذ شعب يموت من أجل حياة لابدّ له يومًا ما أن ينتصر على عدوّ لا يموت من أجل البقاء. 

قيمٌ نبيلة
فدرويش، رغم عشقه للحياة، لم يجد بدًّا من ترديد مفردة الموت، ورسم مظاهره أثناء رثاء أبطال المقاومة والمقاتلين، وتصوير وحشيّة الصّهاينة في تصدير بضاعة الموت لشعبه المستضعف، واستخدام كلّ ذكرياته المتخيّلة على أرضه قبل مغادرتها لتصوير وقائع الموت، فقد نادى درويش عبر مسيرته النّضاليّة بالقيم النّبيلة المنبثقة من قوّة النّضال الّذي لا يتحقّق بلا موت، ولا تتحقّق معه الحياة كذلك، وعبر تتبّع خطى التّضحية في سبيل حياة الوطن والأجيال اللاحقة، يشير في كثير من المواضع إلى أنّ الموت مطلب من مطالب النّصر والحياة، وبعث الأمّة من سباتها. 
وإذ يعتبر درويشٌ الموتَ سبيلًا للحياةِ نفسِها، فإنّه يرفضُ الموتَ الطّارئَ والنّاجمَ عن أسبابٍ غيرِ نضاليّةٍ، فالوطنُ بحاجة إلى موتٍ من نوعٍ جديدٍ، موتٍ يجلو عن الواقع الاحتلاليّ كآبته، ويذيق من يعيشون طعم الحياة الممزوج بالدّم.
يقول في قصيدة «مطر ناعم في خريفٍ بعيدٍ»:
لا تَقُوْلِيْ أَنَاْ غَيْمَةٌ فِيْ الْمَطَاْرْ
فَأَنَا لا أُرِيْدُ مِنْ بِلادِيْ الَّتِيْ سَقَطَتْ مِنْ زُجَاْجِ الْقِطَارْ
غَيْرَ مِنْدِيْلِ أُمِّيْ
وَأَسْبَابِ مَوْتٍ جَدِيْدْ
ومن خلال استعراضنا لشعر درويش نجد أنّه كان «يحتفل بالحياة ويغنّي لها، ثمّ يلعب مع الموت ويطيل رفقته»، ففكرة الحياة والموت عنده فكرة مركزيّة، فالموت لا يمثّل لديه مرحلة نهائيّة للحياة بجميع صورها، فهو مؤمن بأنّ الموت قد يكون طريقًا إلى الحياة، أو حلقة تفضي إلى سلسلة يتكوّن منها عقد الحياة الطّويل، وتطويع هذه الفكرة يقوم مقام الحثّ على طلب الموت دفاعًا عن الأرض وبذل الروح فداءً لها، وتصوير الحنين الجارف إلى عودة الحياة للأرض المحتلّة من الصّهاينة.
 لقد دقّ درويش طبول الشّعور والإحساس عند قارئيه وجماهيره في تصويره لوقائع الألم الإنسانيّ للشّعب الفلسطينيّ الّذي يعيش في شدق الموت، وأضاء أمام مسيرة المقاومة مصابيح نورٍ تعينهم على اقتحام ليل المحتلِّ البهيم، فهو لم يقف مكتوف الأيدي ينظرُ إلى عصبة الإجرام تفتك بشعبه، بل قام يثير من حولها ضجّةً عالميّة تكشف عن إجرامها الإنسانيِّ.

دلالات جانبيّة
 إنّ الدّلالة المركزيّة الّتي تقدّمها رموز الحياة والموت لمتلقّي الخطاب تحمل دلالاتٍ جانبيّةً تتفرّع عنها، منها الإعلان الصّريح عن الوقوف في وجه العدوّ الصّهيونيّ حتّى لو وصل الأمر حدّ الموت، وكذلك التّحريضُ على حمل السّلاح لمواجهة الوجود الاحتلاليّ المفروض عليه والمرفوض عنده، ثمّ توجيه الرسائل للمستوطنينَ الّذين جاءوا منْ أصقاعِ الدّنيا كافّة، بأنّهم لن يَسْلَمُوا من الاعتداءات المخطّط لها، ولنْ يعيشوا آمنينَ كما يظنُّونَ، ومن هنا نجد أنّ دلالات الرّمز تتحوّل كثيرًا، لتعبّر عن معالم الثّورة الشّموليّة.
 وقد كثرت الرّموز الدّالة على ثنائيّة الحياة والموت في النّصوص الدّرويشيّة، ذلكَ أنّ «صورة الموت والحياة أكثرُ الصّور من حيث الكمّ، وأعمقُها من حيث الكيف لارتباطها بموضوع الرّؤيا»، فعند الدّخول في الأفق المستغلق لهذه النّصوص؛ لمسايرة العلاقات الدّاخليّة في سياقاتها نجد تقابلًا دلاليًّا بين المفردات الدّالة على الحياة، والمفردات الدّالة على الموت، ومن خلال نزاع ثنائيَّتَيْ الحياة والموت وتضادّهما نستطيع تحديد المقولة الدّلاليّة من وجهة نظر درويش كما أراد أن يقدّمها.
وقد أرسلت قصائد درويش من خلال خطاب الموت الكثير من الإشارات القويّة المكتنزة بالدّلالات ذات المغزى التّراجيديّ، فحتميّة الموت عنده لا شكّ فيها، وموته كما قال محمولٌ معه في الحقيبة الّتي يتأبّطها في المنافي، ولو بحثنا في النّصوص الشّعريّة له لوجدنا تمثّلات الموت عنده متعدّدة المرجعيّات الّتي استفادَ مِنها فنّيًّا في الغالبِ، ومن أهمّها المرجعيّات الدّينيّة المستمدّة من القرآن الكريم وحياة السّلف التّاريخيّة والتّراث الحضاريّ، ونجدها مبثوثة في أعماله الشّعريّة بصورٍ كبيرةٍ متنوّعة الظّهور.

عشبة الخلود
من المرجعيّات المؤثّرة في تصوّرات درويش للموت أيضًا، المرجعيّات الأسطوريّة المستمدّة من ملاحم قديمة كملحمة جلجامش وملاحم الإغريق، الّتي استعار منها صورة الخلود بالعمل والشّقاء، فكما هو معلومٌ أنّ جلجامش قد عمل على تحقيق الخلود والبحث عنه بمختلف الوسائل، لكنّه اكتشف أخيرًا أنّ الخلود لا يكون إلا بالعمل الشّاقّ، إذ رأى أنّ بناء سورٍ عظيمٍ كالّذي بُني حول مدينة «أُورك» هو أفضل طريقة ليخلّد اسمه، عوضًا عن البحث عن عشبة الخلود البحريّة الّتي قضى فترةً طويلةً من الزّمن يبحث عنها، حتّى يئس من العثور عليها، حيث نجد «صوت الشّاعر يتلبّس بصوت جلجامش، فلا يبقى مجالٌ للتّفرقة بين الصّوتين».
يقول:
وَانْتَظِرْ
وَلَدًا سَيَحْمِلُ عَنْكَ رُوْحَكَ
فَاْلْخُلُوْدُ هُوَ التَّنَاسُلُ فِي اْلْوُجُوْدِ
وَكُلُّ شَيءٍ باطلٌ أَوْ زَائِلٌ، أَوْ 
زَائِلٌ أَوْ بَاطِلٌ
 وللنّصوص التّوراتيّة دور كبير كإحدى مرجعيّات تصوّرات الموت وتمثّلاته وترميزاته عند درويش، ففي مطوّلة «مأساة النّرجس وملهاة الفضّة» من مجموعة «أرى ما أريدُ» الصّادرة عام 1990م نجد درويشًا يقدّم الفضّة مضافة للملهاة كعلامة ماديّة على عدوّه الّذي يقف متربّصًا للنّرجس المضافِ للمأساة، والّذي يمثّل إشارة للشّعب الفلسطينيّ المغتصب، وعند محاولة وضع مقاربة لعنوان القصيدة نجد أنّه قد أسقط على الشّعب الّذي أصبح يمثّل مأساة إنسانيّة صفة النّرجسيّة، وهي الانكفاء على الذّات، إذ أصبح شعبًا وحيدًا في مأساته.

رمزية عميقة
من جهة أخرى، فالنّرجس من الورود الجميلة، واقتلاعه يمثّل هدمًا لحديقة الورود المتنوّعة، وهذه الإشارة تحيلنا إلى ما يحكيه الكتاب المقدّس عن حقل الدّم الّذي اشتراه رؤساء الكهنة بثمن يساوي ثلاثين قطعة من الفضّة، وهي ثمن تسليم المسيح، وبعد ندم يهوذا على عدم تسليمها وقيامِه بالتّبرّع بها، ورَفْضِ الكهنة لذلك، قام الكهنة بشراء حقلٍ جعلوه مقبرةً للغرباء سمّي «حقل الدّمّ»، ولا ننسى أن نشير إلى «أنّ رمزيّة المسيح ذات جوانب متعدّدة، وأبعادٍ عميقةٍ؛ لما تحتويه من أفكارٍ وتجاربَ ترمز للانبعاث بعد الموت».
ونجد درويشًا كذلك متأثّرًا بمقولات الموت الواردة في سفر الجامعة الوارد فيه:
(للولادة وقت وللموت وقت، للغرس وقت ولقلع الغرس وقت، للقتل وقت وللشّفاء وقت، للهدم وقت وللبناء وقت، للبكاء وقت وللضّحك وقت...).
يقول:
لا شَيءَ يَبْقَىْ عَلَىْ حَاْلِهِ
لِلْوِلَادَةِ وَقْتٌ
وَلِلْمَوْتِ وَقْتٌ
وَلِلْصَّمْتِ وَقْتٌ
وَلِلْنُّطْقِ وقْتٌ
وَلِلْحَرْبِ وَقْتٌ
وَلِلْصُّلْحِ وقْتٌ
وَلِلْوَقتِ وقْتٌ
 لقد استطاع درويش تحقيق المعادلة المستحيلة في الجمع بين مفردات الموت والحياة، مدركًا أنّ ثورته الشّعريّة نابعةٌ من جاذبيّة الأرض الفلسطينيّة المحتلّة، وابتزاز العدوّ له ولشعبه للمضيّ في الدّفاع والمقاومة، ولعلّ أسلوب درويش في تأمّل الموت يختلف عن غيره من الشّعراء، فالموت عنده بالمفهوم الميتافيزيقيّ موت واحد محتوم على النّاس كافّة، أمّا الموت النّاجم عن نضالٍ ودفاعٍ فله خصوصيّة تأمّليّة، ففيه حياة الوطن ودوامه ومجده.
وقد ظلّ درويش في كثيرٍ من مراحلِهِ الشّعريّة يؤكّدُ أنّ الموت هو الوسيلةُ الأولى والأخيرة للتّحرّر، والحصول على حياةٍ كريمةٍ، فاستمرّ يردّدُ في شعره المفردات المدلّلةَ عليه، حتّى أنّه قد استخدمَ لفظَ الموت في إحدى مجموعاته الشّعريّة عنوانًا للمجموعة، مرتبطًا بالعصافير الّتي تمثّل رمزًا للبراءة والضّعف، وذلك في مجموعة «العصافير تموت في الجليل» الصّادرة عام 1969م، محتفلًا فيها بالموت الّذي أصبح على نقيض معناه الميتافيزيقيّ، أي مكمّلًا للحياة والبقاء.

تبادل أدوار
عند الوقوف على الرّموز الدّالة على الحياة والموت في شعرِ درويش، نجد أنّ فكرة الحياة والموت قد شغلت بالهُ وألهبت قريحتَه، إذ هي المحرّك للوجود على الأرض، ومن خلالها تتجدّد دورة الإنسانِ، وهما يتبادلان الأدوار لتحقيق استمراريّة الوجود، فلا الحياةُ مرحلةٌ نهائيّةٌ من شأنِها أن تضعَ حدًّا لوجودِ الفردِ، ولا الموتُ كذلكَ؛ ومنْ هنا كانت الرّموزُ في هذا المجالِ تؤدّي وظيفةً رئيسةً في التأكيدِ على التّجدّدِ والدّوامِ اللامتناهي، وعلى «أنّ درويشًا كشاعرٍ ثوريٍّ ديناميكيٍّ ينشرُ الموتَ في كلِّ جهةٍ؛ لكي يسترجع الحياة المفتقدة».
 وقد حقّقت الرّموز الدّالةُ على الحياة والموتِ رؤيةَ درويش في التّأكيد على التّشبّث بتراب الأرض، والصّمودِ في وجه العدوّ الصّهيونيّ الّذي جاء ماشيًا في شرك الاحتلال، والتّفوّق على الشّعور بالهزيمة، وبثّ الأمل والتّفاؤل في نفوس أبناء الشّعب الفلسطينيّ، فكان في خلقه الفنّيّ والشّعريّ لتلك الرّموز المحوريّةِ يستندُ على أفكارٍ ورؤىً تتغيّرُ بين مرحلةٍ وأخرى، لكنّها لا تبرح مكانَ التّحوّلِ في الدّفاع عن الأرضِ والقضيّةِ. 
ولأنّ الموت والحياة هما محورا الصّراع في فكر درويش، فقد مثّلا حضورًا كابوسيًّا وتراجيديًّا في شعره، فهما لازمته الفكريّة الّتي لم تبرحْ مكانها في إبداعه، وقد سيطرت على تنبّؤاته المستقبليّة حتّى في حياته وموته ذاته، فلم يكن من الممكن لدى درويش اختصار حوادث الموت، أو اعتبارها حالاتٍ مؤقّتةً من المتوقّع زوالها، ورغم كلّ الفواجع الّتي عاشها وشهدها، فإنّ ترميزات الموت نفسَها ومقترباته الدّلاليّةَ قد تحوّلتْ بفعل الإرادة الشّعبيّة إلى مؤثّراتٍ على الاستمرار في طلب الحياة، وهذا ما أدركه واستلهمه وترجمه على صفحات قصائده.