إسماعيل الفهد والمسرح مونودراما «سبيليات» نموذجًا

إسماعيل الفهد والمسرح  مونودراما «سبيليات» نموذجًا

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الشهرة‭ ‬الواسعة‭ ‬التي‭ ‬حظي‭ ‬بها‭ ‬الأديب‭ ‬الكويتي‭ ‬الراحل‭ ‬إسماعيل‭ ‬فهد‭ ‬إسماعيل‭ (‬1‭ ‬يناير‭ ‬1940‭ - ‬25‭ ‬سبتمبر‭ ‬2018‭) ‬في‭ ‬الأدب،‭ ‬خاصة‭ ‬مجال‭ ‬الرواية‭ ‬والقصة‭ ‬القصيرة‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬قدّم‭ ‬أول‭ ‬مؤلفاته؛‭ ‬المجموعة‭ ‬القصصية‭ ‬‮«‬البقعة‭ ‬الداكنة‮»‬‭ (‬1965‭)‬،‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬أعماله‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬السبيليات‮»‬‭ (‬2015‭)‬،‭ ‬فإن‭ ‬المسرح‭ ‬تأليفًا‭ ‬وبحثًا‭ ‬ودراسة‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬الجوانب‭ ‬الإبداعية‭ ‬التي‭ ‬قدّمها‭ ‬الفهد‭ ‬ولم‭ ‬يلتفت‭ ‬إليها‭ ‬كثيرون،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬البعض‭ ‬ربّما‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأديب‭ ‬قد‭ ‬مارس‭ ‬جانبًا‭ ‬إبداعيًّا‭ ‬مختلفًا‭ ‬عمّا‭ ‬عُرف‭ ‬به،‭ ‬ربما‭ ‬للشهرة‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬حققها‭ ‬الراحل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الرواية‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬وللأعمال‭ ‬المميّزة‭ ‬التي‭ ‬قدّمها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬والتي‭ ‬جعلته‭ ‬أحد‭ ‬رواد‭ ‬الفن‭ ‬القصصي،‭ ‬لاسيما‭ ‬أن‭ ‬أعماله‭ ‬اتسمت‭ ‬بتكنيك‭ ‬مميّز‭ ‬نقله‭ ‬إلى‭ ‬مصاف‭ ‬المبدعين‭ ‬عربيًّا‭.

الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهلها‭ ‬أن‭ ‬الفهد‭ ‬قد‭ ‬دخل‭ ‬مجال‭ ‬المسرح‭ ‬متأخرًا‭ ‬نسبيًّا،‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬درس‭ ‬النقد‭ ‬والإعداد‭ ‬المسرحي‭ ‬في‭ ‬المعهد‭ ‬العالي‭ ‬للفنون‭ ‬المسرحية‭ ‬بالكويت،‭ ‬وتخرّج‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1978‭ ‬بتقدير‭ ‬امتياز‭ ‬عن‭ ‬رسالته‭ ‬‮«‬الكلمة‭ ‬الفعل‭ ‬في‭ ‬مسرح‭ ‬سعدالله‭ ‬ونوس‮»‬‭.‬

كانت‭ ‬دراسته‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬المسرح‭ ‬بابًا‭ ‬له‭ ‬لولوج‭ ‬فنّ‭ ‬أدبي‭ ‬آخر،‭ ‬هو‭ ‬المسرح،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬جاء‭ ‬متأخرًا‭ ‬نسبيًّا،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬أفاده‭ ‬كثيرًا‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬التكنيك‭ ‬المستخدم‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬والرواية،‭ ‬إذ‭ ‬بات‭ ‬واضحًا‭ ‬استخدامه‭ ‬للحوار‭ ‬بين‭ ‬شخوص‭ ‬أعماله‭ ‬الروائية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المونولوج،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬شجّع‭ ‬بعض‭ ‬المشتغلين‭ ‬بالمسرح‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬أعماله‭ ‬أو‭ ‬إعداد‭ ‬أعماله‭ ‬الروائية‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬مسرحيات‭.‬

 

الفهد‭ ‬والمسرح

في‭ ‬المسرح‭ ‬يمكن‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الدراسات‭ ‬والنصوص‭ ‬التي‭ ‬قدّمها‭ ‬الفهد،‭ ‬وبعض‭ ‬تلك‭ ‬النصوص‭ ‬وجد‭ ‬طريقًا‭ ‬إلى‭ ‬العرض‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح،‭ ‬ومنها‭ ‬مسرحية‭ ‬‮«‬النص‮»‬‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬عام‭ ‬1982،‭ ‬وقد‭  ‬عرض‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الدورة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬مهرجان‭ ‬الخرافي‭ ‬للإبداع‭ ‬المسرحي‭ ‬عام‭ ‬2005،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬عامًا‭ ‬من‭ ‬تأليفه،‭ ‬وتصدى‭ ‬لإخراجه‭ ‬الفنان‭ ‬أحمد‭ ‬الحليل‭ ‬الذي‭ ‬أعد‭ ‬النص‭ ‬أيضًا،‭ ‬وحصل‭ ‬الفنان‭ ‬سامي‭ ‬بلال‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬أفضل‭ ‬ممثل‭ ‬واعد‭ ‬عن‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬المسرحية،‭ ‬وشارك‭ ‬في‭ ‬العرض‭ ‬أيضًا‭ ‬زهرة‭ ‬الخرجي،‭ ‬وخالد‭ ‬الحداد‭ ‬وإبراهيم‭ ‬الشيخلي،‭ ‬والمسرحية‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬فرقة‭ ‬مركز‭ ‬سوبر‭ ‬ستار‭.‬

كانت‭ ‬المسرحية‭ ‬مدخلاً‭ ‬مهمًّا‭ ‬لعشاق‭ ‬المسرح،‭ ‬خاصة‭ ‬بعض‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يطّلعوا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬على‭ ‬إبداع‭ ‬الراحل‭ ‬إسماعيل‭ ‬الفهد‭ ‬في‭ ‬المسرح،‭ ‬وقد‭ ‬بذل‭ ‬المعدّ‭ ‬الحليل‭ ‬جهدًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬لتحويل‭ ‬النص‭ ‬الذهني‭ ‬إلى‭ ‬عرض‭ ‬مسرحي‭ ‬متناغم‭.  ‬أما‭ ‬مسرحية‭ ‬‮«‬للحدث‭ ‬بقية‮»‬‭ (‬ابن‭ ‬زيدون‭) - ‬أربعة‭ ‬مناظر‭ (‬2008‭)‬،‭ ‬فربما‭ ‬لم‭ ‬يغامر‭ ‬مخرج‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬لتقديمها،‭ ‬لحواراتها‭ ‬الذهنية‭ ‬وللصعوبات‭ ‬التي‭ ‬يحملها‭ ‬النص‭. ‬

ومن‭ ‬أعماله‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬النقد‭ ‬المسرحي‭ ‬والتأليف‭ ‬له،‭ ‬يمكن‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬عناوين‭ ‬‮«‬الفعل‭ ‬الدرامي‭ ‬ونقيضه‭ - ‬دراسة‮»‬‭ (‬1978‭)‬،‭ ‬‮«‬الكلمة‭ ‬الفعل‭ ‬في‭ ‬مسرح‭ ‬سعدالله‭ ‬ونوس‮»‬‭ ‬التي‭ ‬نال‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬درجة‭ ‬الامتياز‭ ‬والبكالوريوس‭ ‬من‭ ‬المعهد‭ ‬العالي‭ ‬للفنون‭ ‬المسرحية‭.‬

 

بين‭ ‬الرواية‭ ‬والمونودراما

أما‭ ‬مونودراما‭ ‬‮«‬سبيليات‮»‬‭ ‬التي‭ ‬أعدتها‭ ‬فارعة‭ ‬السقاف‭ ‬ولعبت‭ ‬بطولتها‭ ‬شيرين‭ ‬حجي‭ ‬ضمن‭ ‬أنشطة‭ ‬أكاديمية‭ ‬لوياك‭ ‬للأداء‭ ‬التمثيلي‭ (‬لابا‭)‬،‭ ‬وأخرجها‭ ‬الفنان‭ ‬رسول‭ ‬الصغير،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬عدة‭ ‬أسباب‭ ‬تجعلنا‭ ‬نقدّمها‭ ‬نموذجًا‭ ‬لعلاقة‭ ‬الراحل‭ ‬الفهد‭ ‬بالمسرح،‭ ‬ومنها‭:‬

أولاً‭: ‬النص‭ ‬الذي‭ ‬كتبه‭ ‬الفهد‭ ‬بالأساس‭ ‬هو‭ ‬رواية‭ ‬تحمل‭ ‬الاسم‭ ‬نفسه‭ ‬‮«‬السبيليات‮»‬،‭ ‬لكنها‭ ‬تمتلك‭ ‬مواصفات‭ ‬النص‭ ‬المسرحي‭ ‬من‭ ‬حوار‭ ‬وشخصيات‭ ‬وموضوع‭ ‬وتصاعد‭ ‬درامي،‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬المؤلف‭ ‬يعتمد‭ ‬في‭ ‬نصوصه‭ ‬الأدبية‭ ‬على‭ ‬الحوار‭ ‬الدرامي،‭ ‬مستفيدًا‭ ‬من‭ ‬دراسته‭ ‬في‭ ‬المعهد‭ ‬العالي‭ ‬للفنون‭ ‬المسرحية،‭ ‬وهو‭ ‬الأصعب‭ ‬للأديب،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تداخلاً‭ ‬واضحًا‭ ‬في‭ ‬كتابات‭ ‬الراحل‭ ‬بين‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬والحدث،‭ ‬وهي‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬نُشر‭ ‬من‭ ‬أعمال،‭ ‬وكانت‭ ‬مميزة‭ ‬جدًّا،‭ ‬ونعتقد‭ ‬أنها‭ ‬نقلة‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الكتابة‭ ‬وطرح‭ ‬قضايا‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬ومعاناته‭.‬

‭ ‬ثانيًا‭: ‬يتكئ‭ ‬نص‭ ‬‮«‬سبيليات‮»‬‭ ‬على‭ ‬شخصية‭ ‬محورية‭ ‬تمتلك‭ ‬الأبعاد‭ ‬الدرامية‭ ‬التي‭ ‬يتطلبها‭ ‬النص‭ ‬المسرحي‭ ‬‮«‬المونودراما‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬اختيار‭ ‬المؤلف‭ ‬لشخصية‭ ‬‮«‬أم‭ ‬قاسم‮»‬‭ ‬موفّقًا‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬الحدود،‭ ‬ويمكن‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الشخصية،‭ ‬وهي‭ ‬المرأة‭ ‬العراقية‭ ‬التي‭ ‬واجهت‭ ‬بشاعة‭ ‬الحرب،‭ ‬واضطرت‭ ‬إلى‭ ‬ترك‭ ‬منزلها‭ ‬في‭ ‬قريتها‭ ‬‮«‬السبيليات‮»‬‭ ‬مع‭ ‬أولادها‭ ‬وزوجها،‭ ‬لأنها‭ ‬أصبحت‭ ‬منطقة‭ ‬حرب،‭ ‬لكن‭ ‬زوجها‭ ‬يموت‭ ‬خلال‭ ‬الرحلة،‭ ‬بعدما‭ ‬يوصيها‭ ‬بدفنه‭ ‬في‭ ‬قريته،‭ ‬والنص‭ ‬صرخة‭ ‬مدوية‭ ‬ضد‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭. ‬

ثالثًا‭: ‬القضية‭ ‬التي‭ ‬يتناولها‭ ‬نص‭ ‬‮«‬سبيليات‮»‬‭ ‬هي‭ ‬قصة‭ ‬حقيقية،‭ ‬وتدور‭ ‬أحداثها‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬يعرفها‭ ‬المؤلف‭ ‬تمامًا،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المؤلف‭ ‬قد‭ ‬التقى‭ ‬الشخصية‭ ‬الرئيسة‭ ‬وتعايش‭ ‬معها‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬كبيرة،‭ ‬جعلته‭ ‬يذكر‭ ‬تفاصيل‭ ‬كثيرة‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تعيشه‭ ‬تلك‭ ‬المرأة‭ ‬وتتألم‭ ‬منه‭ ‬وتعمله،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الجمهور‭ ‬الذي‭ ‬تابع‭ ‬العرض‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الحكاية،‭ ‬لأنها‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬قريب،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬في‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

رابعًا‭: ‬عرضت‭ ‬المسرحية‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مهرجان‭ ‬محلي‭ ‬وعربي،‭ ‬وحظيت‭ ‬بإشادة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬خاصة‭ ‬للأداء‭ ‬المتميز‭ ‬للفنانة‭ ‬شيرين‭ ‬حجي‭.‬

خامسًا‭: ‬العلاقة‭ ‬الوثيقة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬السقاف‭ ‬والراحل‭ ‬الفهد‭ ‬جعلت‭ ‬السقاف‭ ‬مطّلعة‭ ‬جدًا‭ ‬على‭ ‬أبرز‭ ‬ما‭ ‬كتبه،‭ ‬وجاءت‭ ‬خطوتها‭ ‬تحويل‭ ‬‮«‬سبيليات‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬مسرحية‭ ‬لتؤكد‭ ‬فهمها‭ ‬العميق‭ ‬لمضمون‭ ‬تلك‭ ‬الرواية‭ ‬أولاً،‭ ‬وللمواصفات‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بها‭ ‬الرواية‭ ‬وقربها‭ ‬الشديد‭ ‬من‭ ‬النص‭ ‬المسرحي‭ ‬والمونودراما‭ ‬تحديدًا‭.‬

 

كيف‭ ‬تعاملت‭ ‬السقاف‭ ‬مع‭ ‬الرواية؟

تمتلك‭ ‬الكاتبة‭ ‬فارعة‭ ‬السقاف‭ ‬خبرة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التأليف‭ ‬للمسرح،‭ ‬خاصة‭ ‬ما‭ ‬يتعلّق‭ ‬بقضايا‭ ‬المرأة‭ ‬وهمومها،‭ ‬وهو‭ ‬خط‭ ‬سارت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كتبته‭ ‬للمسرح،‭ ‬وهي‭ ‬دائمة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬شخصيات‭ ‬نسائية‭ ‬مناضلة‭ ‬ومدافعة‭ ‬عن‭ ‬كرامة‭ ‬المرأة،‭ ‬تنتصر‭ ‬لها‭ ‬وتقف‭ ‬إلى‭ ‬جانبها،‭ ‬فقد‭ ‬غاصت‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬التاريخ،‭ ‬وتناولت‭ ‬شخصيات‭ ‬من‭ ‬التاريخين‭ ‬الإسلامي‭ ‬والعربي،‭ ‬ونجحت‭ ‬في‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬شخصيات‭ ‬نابضة‭ ‬بالحياة‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬اعتمدت‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬على‭ ‬لغة‭ ‬الاستعراض،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬الفنون‭ ‬الدرامية‭ ‬الصعبة،‭ ‬ومن‭ ‬أعمالها‭ ‬المسرحية‭ ‬‮«‬من‭ ‬هوى‭ ‬الأندلس‮»‬،‭ ‬‮«‬عمر‭ ‬الخيام‮»‬،‭ ‬‮«‬حكايتنا‭ ‬مع‭ ‬الطليان‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬حكاية‭ ‬حقيقية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬قدّمتها‭ ‬ضمن‭ ‬أسرة‭ ‬‮«‬لوياك‮»‬،‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬أفادت‭ ‬السقاف‭ ‬في‭ ‬تصديها‭ ‬لأي‭ ‬نص‭ ‬أدبي‭ ‬وتحويله‭ ‬إلى‭ ‬نص‭ ‬مسرحي‭.‬

وقد‭ ‬وظفت‭ ‬السقاف‭ ‬خبرتها‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬الشخصيات‭ ‬النسائية‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬قدّمتها‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬عمل‭ ‬مسرحي‭ ‬معتمد‭ ‬على‭ ‬رواية‭ ‬صعبة‭ ‬جدًا‭.‬

اختارت‭ ‬السقاف‭ ‬نص‭ ‬‮«‬سبيليات‮»‬،‭ ‬لأنها‭ ‬وجدت‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬يشفي‭ ‬غليلها،‭ ‬لتواصل‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬طريق‭ ‬التصدي‭ ‬لعذابات‭ ‬المرأة‭ ‬ومعاناتها‭ ‬وبطولاتها،‭ ‬وتقديم‭ ‬أنماط‭ ‬مختلفة‭ ‬للمرأة‭ ‬العربية،‭ ‬ووجدت‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ ‬‮«‬أم‭ ‬قاسم‮»‬‭ ‬ما‭ ‬يحقق‭ ‬لها‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬مواصلة‭ ‬الطريق،‭ ‬ولم‭ ‬تجد‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬الرواية‭ ‬إلى‭ ‬نص‭ ‬نابض‭ ‬بالحياة،‭ ‬واختارت‭ ‬فن‭ ‬المونودراما،‭ ‬لأنها‭ ‬وجدته‭ ‬الأنسب‭ ‬شكلاً‭ ‬وموضوعًا،‭ ‬ونجحت‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬في‭ ‬التصدي‭ ‬للقضية‭ ‬التي‭ ‬تطرحها‭ ‬الرواية،‭ ‬كما‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬تفاصيل‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬النص‭ ‬على‭ ‬الخشبة‭.‬

 

العرض‭ ‬بين‭ ‬المخرج‭ ‬والممثلة

وظّف‭ ‬رسول‭ ‬الصغير،‭ ‬ابن‭ ‬المسرح‭ ‬البار،‭ ‬خبرته‭ ‬الطويلة‭ ‬التي‭ ‬قدّم‭ ‬فيها‭ ‬عشرات‭ ‬المسرحيات‭ ‬في‭ ‬هولندا‭ ‬والكويت،‭ ‬وحافظ‭ ‬على‭ ‬روح‭ ‬الدراما‭ ‬التي‭ ‬سار‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬أعماله،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توظيف‭ ‬التراث‭ ‬والفولكلور‭ ‬في‭ ‬العرض‭ ‬المسرحي،‭ ‬معتمدًا‭ ‬على‭ ‬أهازيج‭ ‬معروفة،‭ ‬كما‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬تطويع‭ ‬الديكور‭ ‬والإكسسوارات‭ ‬لتقريب‭ ‬المشهد‭ ‬المسرحي،‭ ‬وتطويع‭ ‬كل‭ ‬المفردات‭ ‬لخدمة‭ ‬عرض‭ ‬نابض‭ ‬بالحياة،‭ ‬وقدّم‭ ‬رؤية‭ ‬بصرية‭ ‬كسرت‭ - ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ - ‬الحوارات‭ ‬الذهنية‭ ‬التي‭ ‬شابت‭ ‬العرض‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬استخدامه‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬مستوى؛‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬صالة‭ ‬العرض‭ ‬وخارجه‭ ‬خلال‭ ‬البداية‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬النقلة‭ ‬الحقيقية‭ ‬المهمة‭ ‬لما‭ ‬سيأتي‭ ‬من‭ ‬أحداث‭.‬

من‭ ‬جانبها،‭ ‬كشفت‭ ‬الفنانة‭ ‬شيرين‭ ‬حجي‭ ‬عن‭ ‬قدرات‭ ‬تمثيلية‭ ‬كبيرة،‭ ‬وشهد‭ ‬العرض‭ ‬ولادتها‭ ‬كفنانة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إعطاء‭ ‬الشخصية‭ ‬أبعادها‭ ‬النفسية‭ ‬والجسدية،‭ ‬ولديها‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التشكيل‭ ‬الدرامي‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح،‭ ‬وقد‭ ‬تفوقت‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬وتماهت‭ ‬في‭ ‬أدائها‭ ‬كثيرًا،‭ ‬وكانت‭ ‬تعابير‭ ‬وجهها‭ ‬وحركات‭ ‬جسدها،‭ ‬وانتقالها‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬بلُيونة‭ ‬وسهولة،‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬الرئيسة‭ ‬التي‭ ‬حققت‭ ‬عرضًا‭ ‬مسرحيًا‭ ‬ناجحًا‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬الحدود‭.‬

كانت‭ ‬شيرين‭ ‬تتحرك‭ ‬على‭ ‬الخشبة‭ ‬وتتفاعل‭ ‬مع‭ ‬الأحداث‭ ‬وكأنها‭ ‬أم‭ ‬قاسم‭ ‬التي‭ ‬رسمها‭ ‬المؤلف‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬‮«‬سبيليات‮»‬‭.‬

‭ ‬وأخيرًا‭ ‬قد‭ ‬يفتح‭ ‬تحويل‭ ‬‮«‬سبيليات‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬مسرحية‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الفُرجة‭ ‬المسرحية‭ ‬والرؤية‭ ‬البصرية‭ ‬البابَ‭ ‬لمخرجين‭ ‬آخرين‭ ‬لإعداد‭ ‬أعمال‭ ‬مسرحية‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬الأدبية‭ ‬للراحل‭ ‬إسماعيل‭ ‬الفهد‭.