إسماعيل الفهد والمسرح مونودراما «سبيليات» نموذجًا
على الرغم من الشهرة الواسعة التي حظي بها الأديب الكويتي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل (1 يناير 1940 - 25 سبتمبر 2018) في الأدب، خاصة مجال الرواية والقصة القصيرة منذ أن قدّم أول مؤلفاته؛ المجموعة القصصية «البقعة الداكنة» (1965)، حتى آخر أعماله رواية «السبيليات» (2015)، فإن المسرح تأليفًا وبحثًا ودراسة كان أحد الجوانب الإبداعية التي قدّمها الفهد ولم يلتفت إليها كثيرون، بل إن البعض ربّما لا يعلم أن هذا الأديب قد مارس جانبًا إبداعيًّا مختلفًا عمّا عُرف به، ربما للشهرة الكبيرة التي حققها الراحل في مجال الرواية على وجه الخصوص، وللأعمال المميّزة التي قدّمها في هذا المجال، والتي جعلته أحد رواد الفن القصصي، لاسيما أن أعماله اتسمت بتكنيك مميّز نقله إلى مصاف المبدعين عربيًّا.
الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن الفهد قد دخل مجال المسرح متأخرًا نسبيًّا، حيث إنه درس النقد والإعداد المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت، وتخرّج في عام 1978 بتقدير امتياز عن رسالته «الكلمة الفعل في مسرح سعدالله ونوس».
كانت دراسته في معهد المسرح بابًا له لولوج فنّ أدبي آخر، هو المسرح، على الرغم من أنه جاء متأخرًا نسبيًّا، وهذا الأمر أفاده كثيرًا في تطوير التكنيك المستخدم في القصة والرواية، إذ بات واضحًا استخدامه للحوار بين شخوص أعماله الروائية، إلى جانب المونولوج، وهذا الأمر شجّع بعض المشتغلين بالمسرح على تقديم أعماله أو إعداد أعماله الروائية وتحويلها إلى مسرحيات.
الفهد والمسرح
في المسرح يمكن الإشارة إلى بعض الدراسات والنصوص التي قدّمها الفهد، وبعض تلك النصوص وجد طريقًا إلى العرض على خشبة المسرح، ومنها مسرحية «النص» التي كتبها عام 1982، وقد عرض هذا العمل في الدورة الثانية من مهرجان الخرافي للإبداع المسرحي عام 2005، أي بعد أكثر من عشرين عامًا من تأليفه، وتصدى لإخراجه الفنان أحمد الحليل الذي أعد النص أيضًا، وحصل الفنان سامي بلال على جائزة أفضل ممثل واعد عن دوره في المسرحية، وشارك في العرض أيضًا زهرة الخرجي، وخالد الحداد وإبراهيم الشيخلي، والمسرحية من تقديم فرقة مركز سوبر ستار.
كانت المسرحية مدخلاً مهمًّا لعشاق المسرح، خاصة بعض الذين لم يطّلعوا من قبل على إبداع الراحل إسماعيل الفهد في المسرح، وقد بذل المعدّ الحليل جهدًا كبيرًا لتحويل النص الذهني إلى عرض مسرحي متناغم. أما مسرحية «للحدث بقية» (ابن زيدون) - أربعة مناظر (2008)، فربما لم يغامر مخرج حتى الآن لتقديمها، لحواراتها الذهنية وللصعوبات التي يحملها النص.
ومن أعماله في مجال النقد المسرحي والتأليف له، يمكن الإشارة إلى عناوين «الفعل الدرامي ونقيضه - دراسة» (1978)، «الكلمة الفعل في مسرح سعدالله ونوس» التي نال من خلالها درجة الامتياز والبكالوريوس من المعهد العالي للفنون المسرحية.
بين الرواية والمونودراما
أما مونودراما «سبيليات» التي أعدتها فارعة السقاف ولعبت بطولتها شيرين حجي ضمن أنشطة أكاديمية لوياك للأداء التمثيلي (لابا)، وأخرجها الفنان رسول الصغير، فإن هناك عدة أسباب تجعلنا نقدّمها نموذجًا لعلاقة الراحل الفهد بالمسرح، ومنها:
أولاً: النص الذي كتبه الفهد بالأساس هو رواية تحمل الاسم نفسه «السبيليات»، لكنها تمتلك مواصفات النص المسرحي من حوار وشخصيات وموضوع وتصاعد درامي، مما يؤكد أن المؤلف يعتمد في نصوصه الأدبية على الحوار الدرامي، مستفيدًا من دراسته في المعهد العالي للفنون المسرحية، وهو الأصعب للأديب، خاصة أن هناك تداخلاً واضحًا في كتابات الراحل بين الزمان والمكان والحدث، وهي آخر ما نُشر من أعمال، وكانت مميزة جدًّا، ونعتقد أنها نقلة له على صعيد الكتابة وطرح قضايا الإنسان العربي ومعاناته.
ثانيًا: يتكئ نص «سبيليات» على شخصية محورية تمتلك الأبعاد الدرامية التي يتطلبها النص المسرحي «المونودراما»، وقد جاء اختيار المؤلف لشخصية «أم قاسم» موفّقًا إلى أبعد الحدود، ويمكن التفاعل مع تلك الشخصية، وهي المرأة العراقية التي واجهت بشاعة الحرب، واضطرت إلى ترك منزلها في قريتها «السبيليات» مع أولادها وزوجها، لأنها أصبحت منطقة حرب، لكن زوجها يموت خلال الرحلة، بعدما يوصيها بدفنه في قريته، والنص صرخة مدوية ضد الحرب في كل مكان.
ثالثًا: القضية التي يتناولها نص «سبيليات» هي قصة حقيقية، وتدور أحداثها في قرية يعرفها المؤلف تمامًا، كما أنه ليس من الغريب أن يكون المؤلف قد التقى الشخصية الرئيسة وتعايش معها إلى درجة كبيرة، جعلته يذكر تفاصيل كثيرة عن واقع ما كانت تعيشه تلك المرأة وتتألم منه وتعمله، كما أن الجمهور الذي تابع العرض وجد نفسه جزءًا من الحكاية، لأنها حدثت في وقت قريب، وتحديدًا في ثمانينيات القرن الماضي.
رابعًا: عرضت المسرحية في أكثر من مهرجان محلي وعربي، وحظيت بإشادة غير مسبوقة، خاصة للأداء المتميز للفنانة شيرين حجي.
خامسًا: العلاقة الوثيقة التي كانت تربط بين السقاف والراحل الفهد جعلت السقاف مطّلعة جدًا على أبرز ما كتبه، وجاءت خطوتها تحويل «سبيليات» إلى مسرحية لتؤكد فهمها العميق لمضمون تلك الرواية أولاً، وللمواصفات التي تتمتع بها الرواية وقربها الشديد من النص المسرحي والمونودراما تحديدًا.
كيف تعاملت السقاف مع الرواية؟
تمتلك الكاتبة فارعة السقاف خبرة كبيرة في مجال التأليف للمسرح، خاصة ما يتعلّق بقضايا المرأة وهمومها، وهو خط سارت عليه في كل ما كتبته للمسرح، وهي دائمة البحث عن شخصيات نسائية مناضلة ومدافعة عن كرامة المرأة، تنتصر لها وتقف إلى جانبها، فقد غاصت في أعماق التاريخ، وتناولت شخصيات من التاريخين الإسلامي والعربي، ونجحت في تحويلها إلى شخصيات نابضة بالحياة في أعمال اعتمدت في معظمها على لغة الاستعراض، وهو من الفنون الدرامية الصعبة، ومن أعمالها المسرحية «من هوى الأندلس»، «عمر الخيام»، «حكايتنا مع الطليان» التي تستند إلى حكاية حقيقية، وغيرها من أعمال قدّمتها ضمن أسرة «لوياك»، هذه الأعمال أفادت السقاف في تصديها لأي نص أدبي وتحويله إلى نص مسرحي.
وقد وظفت السقاف خبرتها في التعاطي مع مختلف الشخصيات النسائية في الأعمال التي قدّمتها من قبل، في تقديم عمل مسرحي معتمد على رواية صعبة جدًا.
اختارت السقاف نص «سبيليات»، لأنها وجدت فيه ما يشفي غليلها، لتواصل من خلاله طريق التصدي لعذابات المرأة ومعاناتها وبطولاتها، وتقديم أنماط مختلفة للمرأة العربية، ووجدت في شخصية «أم قاسم» ما يحقق لها رغبتها في مواصلة الطريق، ولم تجد صعوبة في تحويل الرواية إلى نص نابض بالحياة، واختارت فن المونودراما، لأنها وجدته الأنسب شكلاً وموضوعًا، ونجحت من خلاله في التصدي للقضية التي تطرحها الرواية، كما نجحت في تقديم تفاصيل مهمة من النص على الخشبة.
العرض بين المخرج والممثلة
وظّف رسول الصغير، ابن المسرح البار، خبرته الطويلة التي قدّم فيها عشرات المسرحيات في هولندا والكويت، وحافظ على روح الدراما التي سار عليها في أعماله، من خلال توظيف التراث والفولكلور في العرض المسرحي، معتمدًا على أهازيج معروفة، كما نجح في تطويع الديكور والإكسسوارات لتقريب المشهد المسرحي، وتطويع كل المفردات لخدمة عرض نابض بالحياة، وقدّم رؤية بصرية كسرت - إلى حد كبير - الحوارات الذهنية التي شابت العرض في بعض الأحيان، كما أن استخدامه لأكثر من مستوى؛ سواء على خشبة المسرح، أو في صالة العرض وخارجه خلال البداية الجميلة التي كانت النقلة الحقيقية المهمة لما سيأتي من أحداث.
من جانبها، كشفت الفنانة شيرين حجي عن قدرات تمثيلية كبيرة، وشهد العرض ولادتها كفنانة قادرة على إعطاء الشخصية أبعادها النفسية والجسدية، ولديها القدرة على التشكيل الدرامي على خشبة المسرح، وقد تفوقت على نفسها وتماهت في أدائها كثيرًا، وكانت تعابير وجهها وحركات جسدها، وانتقالها من حالة إلى أخرى بلُيونة وسهولة، من الأسباب الرئيسة التي حققت عرضًا مسرحيًا ناجحًا إلى أبعد الحدود.
كانت شيرين تتحرك على الخشبة وتتفاعل مع الأحداث وكأنها أم قاسم التي رسمها المؤلف في روايته «سبيليات».
وأخيرًا قد يفتح تحويل «سبيليات» إلى مسرحية نجحت في تحقيق الفُرجة المسرحية والرؤية البصرية البابَ لمخرجين آخرين لإعداد أعمال مسرحية من النصوص الأدبية للراحل إسماعيل الفهد.