الحداثة والتحديث في دول الخليج العربية

الحداثة والتحديث  في دول الخليج العربية

عرفت أوربا مرحلة التنوير، نتيجة أحداث وتحولات تاريخية مهمة حدثت متلاحقة في فترة زمنية ليست متباعدة نتج عنها فكر حداثي، وثورة فكرية لفلاسفة ومخترعين ومبدعين أدّت إلى الثورة الصناعية والثورتين الأمريكية والفرنسية، خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر. من هنا، صار للحرية وزن وأهمية في صناعة العصر الحديث تقوم هذه الحرية على حق النقد والاستقلال في العمل، وهذا ما قام به الفيلسوف كانط (1724 - 1804) سائرًا على نهج المدرسة الألمانية، ذلك المنهج الذي يقود إلى التقدّم، حيث سارت عليه أوربا فيما بعد، وبذلك انتقلت من مخلفات تخلّف أوربا في العصور الوسطى إلى الحداثة في العصر الحديث، حيث لم تعد الحداثة أوربية فحسب، بل عالمية، فقد بدأت فكرًا حداثيًّا، ثم غدت تحولات تحديثية على أرض الواقع.

على الرغم من أن أغلب الدول العربية تعيش اليوم مظاهر التحديث على مستوى الواقع، فهل عرف الإنسان العربي الحداثة على المستوى الفكري؟ هل خلق مرحلة تنوير خاصة كما عرفتها المجتمعات الغربية؟ هل ثمة حداثة عربية ملازمة لكل مظاهر هذا التحديث؟ هل التحديث تم استيراده في حين بقيت الحداثة غائبة؟ هل عرفت المجتمعات العربية التحديث من خلال الاستعمار وما بعد بعده، من دون أن تعرف شروطه الخاصة؟ شكّلت هذه الأسئلة المحورية والمحرجة في الوقت نفسه، وغيرها التصور العام الذي قام عليه كتاب «الحداثة والتحديث في دول الخليج العربية منذ منتصف القرن العشرين» للباحث الكويتي عبدالمالك خلف التميمي.
وقد صدر هذا الكتاب عن سلسلة عالم المعرفة الكويتية، العدد 467، (ديسمبر 2018)، في 247 صفحة، وجاء في تقديم ومقدمة و12 فصلاً وخاتمة.
جاءت فصول الكتاب كالتالي: الأول: الحداثة والتحديث في الغرب، والثاني: الحداثة والتحديث في مصر واليابان والصين، والثالث: الحداثة والتحديث في الخليج العربي، والرابع: التحديث السياسي والاجتماعي، والخامس: قضايا أخرى في الحداثة والتحديث بمنطقة الخليج العربي، والسادس: الحداثة والتحديث في الكويت، والسابع: الحداثة والتحديث في السعودية، والثامن: الحداثة والتحديث في البحرين، والتاسع: الحداثة والتحديث في قطر، والعاشر: الحداثة والتحديث في عمان، والحادي عشر: الحداثة والتحديث في الإمارات، والثاني عشر: المشتركات الحداثية في دول الخليج العربي.

أهمية الكتاب
تكمن أهمية هذا الكتاب في مسألتين أساسيتين؛ ترتبط الأولى بالأهمية العلمية والمعرفية للباحث 
د. التميمي (أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الكويت)، الذي نشر 13 كتابا و65 بحثًا في التاريخ السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي.
أما المسألة الثانية، فتكمن في أن الكتاب يثير مجموعة من القضايا الشائكة المرتبطة بالخليج العربي، وعلى رأسها مسألة التحديث والحداثة. ذلك أن جلّ الأقطار العربية اهتمت بالتحديث دون الحداثة، مما يستوجب إعادة النظر في هذه الثنائية، باعتبارها تشكّل قطب الرحى الذي ستقوم عليه الاستراتيجيات الراهنة والمستقبلية للمنطقة العربية عامة.
وأشار الباحث في هذا التقديم العام، إلى أن أهم التحولات التي شهدتها دول الخليج العربية منذ خمسينيات القرن العشرين (خاصة العقود الأخيرة) قد ساهمت في حدوث تحوّل جذري في دول المنطقة.
كما عرج الباحث في هذا الكتاب على ملامح وأمثلة الحداثة والتحديث التي عرفتها هذه المنطقة العربية، على الرغم من هيمنة الفكر التقليدي؛ سواء على مستوى المؤسسات أو الحياة العامة.
ولعل هذه المفارقة، هي التي جعلت الباحث يقرّ بأنه من الصعب الحديث عن التحديث في دول الخليج العربية في العصر النفطي، ورصد كل المتغيرات والتحولات في كتاب، لكنه اكتفى بتقديم أهم ملامحها. كما لم يلجأ الباحث إلى بناء مقارنة بين فترة ما قبل النفط والعصر النفطي، إلا من خلال إشارات متفرقة في الكتاب.
وبهذا اعتبر هذا الكتاب لبنة من بناء تاريخي، إذ يسهم في إلقاء الضوء على جذور الحداثة والتحديث ومسيرتها، أما منهج الكتاب، فقد ركز على التحليل لمسيرة التطور والنهضة في هذه الدول من خلال التركيز على الكليات والقضايا الأساسية. أكد التميمي في مقدمة هذا الكتاب أن منطقة الخليج العربي تتميز بأهمية استراتيجية، لأنها إحدى ذراعي المحيط الهندي، كما تتصل تجاريًا به وبالبحر الأحمر، وسيبقى مهمًا في المستقبل. لهذا شهدت منطقة الخليج العربي في النصف الثاني من القرن العشرين تحديثًا بارزًا نتيجة عوامل موضوعية تتعلق أساسًا بعائدات النفط، مما خلق الرغبة في التحديث لتوفير الإمكانات.
وجاءت التجربة سريعة في ظرف تاريخي استثنائي، لكنّ الباحث يؤكد أنه لا مقارنة مع التجارب الأخرى في الحداثة والتحديث لخصوصية التجربة في إطار ظروفها العامة، فقد كان التحديث في هذه الدول شاملًا ومتنوعًا، لا يستند إلى رؤية استراتيجية، لأن الرؤية الاستراتيجية تحتاج إلى الحداثة التي لم تكن متوافرة في حالة التطور بمنطقة الخليج العربي، ذلك أن الحداثة الأوربية مثلًا، قد جاءت نتيجة تحولات اقتصادية، سياسية واجتماعية على مدى زمن طويل، في حين جاء التحديث في منطقة الخليج عاملاً اقتصاديًا ارتبط أساسًا بالنفط.

الحداثة والتحديث في الغرب
حاول الباحث تحديد مصطلح التحديث والظروف العامة التي قام فيهما، وعلاقة التحديث بعصر التنوير، وذلك من خلال رؤية تاريخية للتطور الذي عرفه المجتمع الأوربي، ومن أهم القضايا التي تناولها الباحث في هذا الفصل: التنوير والأصولية في أوربا، والثورة الفرنسية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وحركة الاستعمار في عصر الكشوفات الجغرافية، وحركة الاستعمار بعد الثورة الصناعية، والرأسمالية حقيقتها ودورها، والتحديث اليوم، وأزمة العقلانية، والعرب والحداثة الأوربية، والمشروع العقلاني العربي، والتنوير  والأصولية الإسلامية، وتحديث أم تغريب؟ والحداثة في الفنون والآداب. ويخلص الباحث في هذا الشأن إلى أنه على الرغم من بعض مظاهر التحديث التي عرفتها بعض هذه الدول، فإن الحداثة بمعنى التجديد والإبداع، لا تستقيم مع فكر التخلف والتعصب الإثني، لكن يمكن اعتبار ذلك مرحلة مخاض لا نعرف مداها الزمني، إلا أنها تنمو ببطء وصعوبة تبرز تجلياتها في الفنون والآداب وفي الثقافة عامة.                                          

مصر واليابان والصين
تناول الباحث في هذا الفصل العرب والتحديث، فأكد أن التحديث مرتبط بالتطور باتجاه التقدم، إنه نقيض الفساد والتخلف وغيرهما، كما أنه ليس وليد اليوم، بقدر ما مرّ التفكير فيه بمراحل عدة من تاريخ العرب الحديث والمعاصر، فقد حقق التحديث العربي بعض المكاسب على أرض الواقع، لكن على الرغم من فشل الحداثة في العالم العربي، فإن التحديث أصبح حتميًا.
وقد انطلق الباحث في هذا الفصل من سؤال محوري: ما أسباب تخلّف الحداثة والتحديث في عالمنا العربي؟ وللإجابة عن هذا السؤال المهم، قام باستعراض تاريخي لمناحي التحديث، ثم عمل على مقارنة الأوضاع العربية بتجارب الشعوب الأخرى في آسيا، ليتناول الباحث القضايا التالية: الحملة الفرنسية على مصر، ودولة محمد علي (1805 - 1848)، وفشل الحداثة والتحديث في مصر، وتحديث اليابان، وعهد الإمبراطور مايجي، واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، والثقافة والتعليم في اليابان، وتحديث الصين، وأوجه التشابه والاختلاف بين التجارب الثلاث. وحين لخّص الباحث أهم نقاط المقارنة بين هذه التجارب، رأى أن الظاهرة معكوسة في الوطن العربي، لأن التحديث سبق الحداثة، لكن الأمر الطبيعي هو العكس.
ويشير الباحث إلى أنه إذا تأملنا تجربة محمد علي والي مصر في النصف الثاني من القرن العشرين، فإننا سنجد أن التحديث فيها قد تقدّم على الحداثة، لأن مثل هذه التجارب مرّت بظروف صعبة، لكونها لم تُبنَ على حداثة فكرية، مما يستوجب التعامل مع الواقع، والسعي حداثيًّا لخلق التوازن بينهما، وذلك لأن الفرصة - وفق الباحث - لا تزال سانحة لتنمية هذه الحداثة، لأنّ جذورها موجودة في الواقع الثقافي لمجتمعاتنا.  
                                                   
منطقة الخليج العربي
تناول التميمي في هذا الفصل مجموعة من العوامل الأساسية التي ساهمت في تطوير المنطقة، أهمها: أثر النفط والتعليم في تطوير منطقة الخليج العربي، حيث أكد أنهما عاملان أساسيّان أسهما في تفكيك المجتمع التقليدي الخليجي، وبناء واقع جديد له سماته وملامحه المختلفة المتسمة بالتجديد، لكنّ تفكيك المجتمع التقليدي لم يؤدّ إلى تغيير حداثي مع استمرار تأثير التقليد.
كما تناول الباحث في الفصل نفسه قضايا أساسيّة أخرى اعتبرها أساس هذا التحول: الحداثة ومجتمع العلم والمعرفة، والثقافة ودورها الحداثي في المنطقة، والحداثة في الأدب والفن، والصحافة والحداثة والتحديث، ليؤكد أن الصحافة قد عرفت تطورًا بارزًا، إذ لم تعد خبرية فقط، بل أدت صحافة الرأي دورها في عملية التنوير ولا تزال.                                  

التحديث السياسي والاجتماعي في الخليج                                         
أكد الباحث في هذا الفصل أن التجربة الديمقراطية في الكويت والبحرين والمشاركة عن طريق المجالس البلدية ومجالس الشورى في بقية دول المنطقة، منحت لها مكانة معاصرة بين الدول، تحولت دول المنطقة إثر ذلك من نظام الإمارة إلى الدولة الحديثة، لينتقل الباحث إلى تناول قضايا أساسية أخرى: مجالات الحداثة والتحديث السياسي، والليبرالية الخليجية، والاستعمار والحداثة والتحديث بالمنطقة، والحركات الوطنية والتحديث في منطقة الخليج، ومسألة الإصلاح والتغيير في منطقة الخليج، ومنطقة الخليج وتجديد الخطاب الديني، والمرأة في منطقة الخليج، ودور الطبقة الوسطى في الحداثة والتحديث في منطقة الخليج، والوافدون والحداثة والتحديث في المنطقة، والحداثة وغير محددي الجنسية، ومستقبل الحداثة والتحديث في منطقة الخليج، والحداثة والتحديث ومؤسسات العمل الخيري، وأبناء القبائل في المنطقة، ليؤكد الباحث أن ذلك ساهم في تطوير ثقافة جديدة، على الرغم من التحديات التي تواجهها، وهذا جزء من الحداثة في المنطقة.

قضايا أخرى في الحداثة والتحديث 
شكل هذا الفصل - وفق تصورنا - امتدادًا للفصول الأخرى في بعض جوانبه، حيث تناول فيه الباحث قضايا عدة جاءت كالتالي: دور الجغرافيا في التحديث والحداثة، والتحديث العمراني في منطقة الخليج العربي، ومعوقات التحديث والحداثة في المنطقة.
وقد حصر الباحث هذه المعوقات فيما يلي: الدولة الريعية الاستهلاكية، وأزمة التعليم والثقافة، والفساد الإداري والمالي، وضعف دور القوى السياسية، وضعف التيار الحداثي، وضعف دور القطاع الخاص، وتأثير الوضع الإقليمي، والحرية، وضعف إنتاجية المشروعات العامة. وفي السياق نفسه، تناول الباحث مسألتين أساسيتين هما: لماذا يرفض البعض الحداثة؟ ودور المثقفين الرواد في الحداثة والتحديث في المنطقة، ليؤكد أن منطقة الخليج شهدت إماراتها ودولها مجموعة من الروّاد ساهموا في مجالات الحياة المختلفة (الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية). وقد شكّلت تلك النخب الطليعة في مجالها، فأثرت في حياة شعوبها في مراحل لاحقة، وكان عدد من النخب ومستواهم في العطاء والتأثير متفاوتًا في دول الخليج العربية؛ سواء ما تعلّق بالحداثة أو التحديث، ذلك أن ما نلمسه اليوم في هذه المنطقة، وفق الباحث، ما كان ليحدث لولا دور الروّاد.

دولة الكويت
خصّص الباحث هذا الفصل لدولة الكويت، حيث تناول مجموعة من القضايا الأساسية: النفط (الخلفية التاريخية)، والكويت والتحديث في خمسينيات القرن الماضي، والتحول من إمارة إلى دولة، ونماذج للتحديث والحداثة، وأزمة التعليم. 
وحين تناول التميمي التحديات التي واجهت الكويت في معركة التحديث، ذكر وقائع تلك التحديات، وكيف تغلبت عليها الكويت، وقد حصرها في التالي: تحلية مياه البحر، والخلل في التركيبة السكانية، والتحديث السياسي والاقتصادي في الكويت.
ثم تناول قضايا أخرى مهمة جاءت كالتالي: تأميم النفط (1965 - 1975)، ومرحلة ما بعد تأميم النفط، والحداثة والثقافة في الكويت، ونشأة وتطور المؤسسات الحكومية والرديفة ليؤكد الباحث على أن وجود مثل هذه المؤسسات واستمرارها، ونقد تجربتها وإصلاح الخلل في بعضها يعدّ جزءًا من عملية التحديث. تمتاز هذه المؤسسات بالحيوية والانضباط والإنتاجية، وعلى الرغم من ذكر سلبيات التحديث، وفق الباحث، فمن الواجب كذلك ذكر الإيجابيات وتثمين دورها.                                                                                       

المملكة العربية السعودية
انطلق الباحث في هذا الفصل من الخلفية التاريخية لنهضة المملكة العربية السعودية، انطلاقًا من مرحلة توطيد الملك عبدالعزيز آل سعود نفوذه على مناطق شاسعة من الجزيرة العربية، وتناول بعد ذلك قضايا عدة: المملكة العربية السعودية وجيرانها، التحولات والحداثة في المملكة. 

مملكة البحرين
أكّد الباحث في هذا الفصل أن دولة البحرين عرفت نقلة نوعية بعد اكتشاف النفط، حيث طورت اقتصادها ونظامها التربوي، كما برزت نخبة مثقفة اهتمت بالثقافة باعتبارها محركًا للتقدم، وقد تميّزت النخبة المثقفة في البحرين - وفق الباحث - بأنها نوعية في توجيهها التنويري. كما فصل الباحث القول في هذا الشأن من خلال ما يلي: مسألة التطور في البحرين، وتوطين الوظائف في البحرين، والحركة الإصلاحية في المملكة 1938، وتحدث عن الثقافة في البحرين، وربطها بالآثار الموغلة في التاريخ التي قامت في هذه الجزيرة منذ التاريخ القديم، حيث امتد من أيام دلمون، مرورًا بدولة الجبور، ووصولاً إلى العصر الحديث من تاريخها المعاصر. وركّز الباحث في تناوله لدولة البحرين على الجانب الثقافي، حيث اعتبره أساس الحداثة والتحديث.                

دولة قطر
يؤكد الباحث في تناوله لدولة قطر من بُعد جغرافي وآخر تاريخي أن قطر شهدت تحولًا جذريًا في التحديث الشامل منذ تسعينيات القرن الماضي حتى الآن، شهدت على إثرها نهضة عمرانية وتعليمية وخدماتية من خلال منشآت النفط والغاز.
كما احتضنت قطر نشاطات ثقافية في هذه الفترة، حيث انتقل الباحث إلى تناول قضية الحداثة الثقافية في قطر، وأكد أنه أصبح للقطري المتعلم والمثقف دور بارز في تطوير البلد، إلا أن مشاكل التحديث والحداثة في قطر لا تختلف كثيرًا عن مشكلات بقية دول الخليج، ذلك أن أمن المنطقة وتكاملها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، هو الذي سيشكّل - وفق الباحث - أساس الحداثة الحقيقية فيها، وقد خطا مشروع الحداثة خطوات عملية في ذلك الاتجاه.

سلطنة عمان
حين تناول الباحث سلطنة عمان، استند إلى تاريخها الموغل في القدم، حين تناولها عبر التاريخ، معتبرًا ذلك ملمحًا أساسيًّا للقضايا العامة في عمان، وبعد تناول هذا البلد الخليجي العريق في مكوناته وإمكاناته التاريخية، انتقل إلى مسألة التحديث في عمان.
فعلى الرغم من أن التحديث في عمان جاء متأخرًا نسبيًّا لعوامل موضوعية تتعلق بالاقتصاد وتخلّف البلد الطويل - وفق الباحث - فإن عمان شأنها شأن قطر والإمارات نمت وتطورت بسرعة، حيث شكّل التعليم الركيزة الأساسية للتحديث والحداثة في هذا البلد، فحققت إنجازات مهمة في ميدان التحديث، كما تناول الباحث معجزة الأفلاج واللبان، ليصل إلى أن السلطنة من الدول التي تشهد توافقًا اجتماعيًّا في تاريخها المعاصر، فقد ربط الباحث ذلك بأمرين؛ تجلّى الأول في توافق مكونات الشعب العماني. أما الثاني، فيرتبط بسياسة الدولة التي تنهج عدم التمييز والتهميش، مما أسهم في تحديث وحداثة السلطنة.

دولة الإمارات 
انطلق الباحث في تناوله لدولة الإمارات من مرحلة قبل التحديث، وقد رصد ذلك من زاوية تاريخية، جاءت بعدها حركة إصلاحية، وهذا ما فصل فيه الباحث القول من خلال تناوله للحركة الإصلاحية في دبي، حيث تزامنت هذه الحركة مع ما عرفته بقية دول الخليج (الكويت، البحرين). لينتقل الباحث إلى تناول الحداثة في دولة الإمارات، مؤكدًا أنها ومؤسساتها، تستفيد من تجارب الآخرين، مما جعلها توفر الوقت والإمكانات، كما ساهمت مؤسسات المجتمع المدني، ودور الصحافة والثقافة بصورة عامة في حركة التحديث.
وتناول الباحث قضايا محورية ساهمت في هذا التحديث، أهمها دور اتحاد الإمارات في التطور، ومواجهة الخلل في التركيبة السكانية، والتطور الاقتصادي، والمرأة والتحديث في دولة الإمارات، والتطور الاجتماعي، وظاهرة دولة الإمارات، ليخلص إلى أن تجربة إمارة دبي التجارية تستحق التأمل والدراسة، ذلك أن نجاحها ليس بسبب تشجيع الاستثمار العقاري فقط، بل لأسباب أخرى أساسها نجاح الإدارة في هذه الإمارة. 
إن التطور - وفق الباحث - يحتاج إلى أمرين؛ إرادة وإدارة جيدة، وهذا هو سبب تأخّرنا حداثيًا.

المشتركات الحداثية في دول الخليج 
حاول الباحث في هذا الفصل، تحديد ذلك المشترك بين دول منطقة الخليج العربي، حيث ركّز أساسًا على موقعها الاستراتيجي، ومناطقها الملاحية. كما أن جلّ هذه الدول كان ينادي بالديمقراطية والحياة الدستورية، والتخلص من الهيمنة الاستعمارية البريطانية.
وبعد تناول ما هو مشترك بين هذه الدول، طرح الباحث السؤال التالي: ماذا عن مستقبل دول الخليج العربية؟ لإضاءة هذا السؤال المحوري، أورد دراسة اقتصادية أعدها فاهان زانويان، تتناول قضايا مستقبلية أساسية في دول الخليج، بعد حقبة الازدهار النفطي.
ويخلص التميمي إلى أنه من المتوقع أن تعرف منطقة الخليج مشكلات تعثّر التحديث في المنطقة، لأنه كان يفتقد الرؤية الاستراتيجية التي كان يفترض أن يكون للحداثة دور أساسيّ فيها، حيث يمكن الاهتمام بالحداثة حتى يتحقق نوع من التوازن بين التحديث والحداثة أولاً، ثم يكون للحداثة دورها الأساسي في مستقبل المنطقة تدريجيًا. بهذا، يجب التفكير - وفق الباحث - في إطار الحداثة في المستقبل، وفي رحلة ما بعد النفط، والإجابة عن السؤال: ماذا بنينا من مشروعات استراتيجية مستفيدين من عائدات الثروة النفطية في هذه المراحل التاريخية الاستثنائية؟  يعد كتاب الحداثة والتحديث في دول الخليج العربية من بين أهم الأعمال المتميّزة - وفق تصوّرنا -  حيث أثار قضية جوهرية ترتبط بمنطقة الخليج العربي خاصة، والوطن العربي عامة، كما شكّل إضافة متميزة للرصيد البحثي العربي ■