مكانة اللغة العربية في الدولة العثمانية

مكانة اللغة العربية في الدولة العثمانية

حظيت‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بمكانة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬كلغة‭ ‬للتأليف‭ ‬والتدريس،‭ ‬وظلت‭ ‬محافظة‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المكانة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تنافسها‭ ‬أو‭ ‬تنازعها‭ ‬لغة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬اللغة‭ ‬التركية‭ ‬لغة‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭. ‬والواقع‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بوصفها‭ ‬لغة‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬قد‭ ‬احتلت‭ ‬المرتبة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬جهود‭ ‬التأليف‭ ‬والتدريس‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬العثمانية،‭ ‬وأصبحت‭ ‬لغة‭ ‬التعليم‭ ‬بها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المقررات‭ ‬الدراسية‭ ‬خصصت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬لدروس‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬شرط‭ ‬أساسي‭ ‬للحياة‭ ‬الدراسية‭ ‬العثمانية‭ ‬بكاملها‭. ‬

بلغت‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬تلك‭ ‬المكانة‭ ‬العالية‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الإسلامية‭ ‬عامة‭ ‬والمدرسة‭ ‬العثمانية‭ ‬بخاصة،‭ ‬لأن‭ ‬الغاية‭ ‬الأساسية‭ ‬للتعليم‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬تعليم‭ ‬المجتمع‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بكل‭ ‬جوانبها،‭ ‬لذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬لغة‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬وتخرج‭ ‬الفقهاء‭ ‬والقضاة‭ ‬والمدرسين‭ ‬الذين‭ ‬يتولون‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬مفاصل‭ ‬الدولة‭ ‬المختلفة‭. ‬ولأن‭ ‬الفقه‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬يستمد‭ ‬أحكامه‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬والسنة،‭ ‬لذا‭ ‬كان‭ ‬يلزم‭ ‬لدراسته‭ ‬الإلمام‭ ‬الجيد‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المصادر‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬بذلك‭ ‬احتلت‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬موقعًا‭ ‬مهمًا‭ ‬بين‭ ‬علوم‭ ‬الآلة‭ ‬وهي‭ ‬علوم‭ ‬الكلام‭ ‬والمنطق‭ ‬والبلاغة،‭ ‬والهيئة‭ ‬والفلسفة،‭ ‬والتاريخ،‭ ‬والجغرافيا،‭ ‬والنحو،‭ ‬والصرف‭ ‬والحساب،‭ ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬تعد‭ ‬الطالب‭ ‬وتؤهله‭ ‬لدراسة‭ ‬علوم‭ ‬القرآن‭ ‬والتفسير‭ ‬والحديث،‭ ‬والفقه،‭ ‬وهي‭ ‬العلوم‭ ‬المعروفة‭ ‬باسم‭ ‬العلوم‭ ‬العالية‭.‬

ولم‭ ‬تحظ‭ ‬اللغة‭ ‬التركية‭ ‬ولا‭ ‬الفارسية‭ ‬بالاهتمام‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المدارس،‭ ‬وإن‭ ‬وجدت‭ ‬اللغة‭ ‬التركية‭ ‬مكانًا‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬مكاتب‭ ‬الصبيان‭ ‬الخاصة‭ ‬بتعليم‭ ‬الأطفال،‭ ‬وهي‭ ‬مدارس‭ ‬كانت‭ ‬تشبه‭ ‬الكتاتيب‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬التركية‭ ‬قد‭ ‬استخدمت‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬الشفهي،‭ ‬وفي‭ ‬تدريس‭ ‬تلك‭ ‬المواد‭ ‬التي‭ ‬كُتبت‭ ‬أساساً‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭.‬

ويكفي‭ ‬أن‭ ‬نلقي‭ ‬نظرة‭ ‬على‭ ‬أسماء‭ ‬الكتب‭ ‬الخاصة‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تدرس‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬العثمانية‭ ‬ــ‭ ‬دون‭ ‬ذكر‭ ‬للكتب‭ ‬الأخرى‭ ‬الخاصة‭ ‬بعلوم‭ ‬التفسير‭ ‬والفقه‭ ‬والمنطق‭ ‬وعلم‭ ‬الكلام‭ ‬المكتوبة‭ ‬هي‭ ‬أيضًا‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬ــ‭ ‬لنعرف‭ ‬مدى‭ ‬عظم‭ ‬الاهتمام‭ ‬الذي‭ ‬حظيت‭ ‬به‭ ‬تلك‭ ‬اللغة‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية،‭ ‬فالطالب‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬التعليم‭ ‬الأولى‭ ‬كان‭ ‬يدرس‭ ‬في‭ ‬الصرف‭ ‬كتب‭ ‬‮«‬المقصود‮»‬‭ ‬‮«‬وعزى‮»‬‭ ‬‮«‬ومراح‭ ‬الأرواح‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬النحو‭ ‬يدرس‭ ‬كتب‭ ‬‮«‬العوامل‮»‬‭ ‬و«المصباح‮»‬‭ ‬و«الكافية‮»‬،‭ ‬و«ألفية‭ ‬بن‭ ‬مالك‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬المرحلة‭ ‬المتوسطة‭ ‬كان‭ ‬الطالب‭ ‬يدرس‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬مفتاح‭ ‬العلوم‮»‬‭ ‬للسكاكي‭ ‬و«الكافية‮»‬‭ ‬في‭ ‬النحو‭ ‬لابن‭ ‬حاجب‭. ‬

 

لغة‭ ‬التعليم

وقد‭ ‬تمتعت‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بتلك‭ ‬المكانة‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية،‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬الولايات‭ ‬العربية‭ ‬تحت‭ ‬الحكم‭ ‬العثماني،‭ ‬فالتعليم‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬تقاليد‭ ‬وطرائق‭ ‬ومؤسسات‭ ‬متشابهة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الولايات‭ ‬العربية‭ ‬قبل‭ ‬دخول‭ ‬الحكم‭ ‬العثماني‭ ‬إليها،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬تلك‭ ‬التقاليد‭ ‬تختلف‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬عما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬أراضي‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬نفسها،‭ ‬لأن‭ ‬التعليم‭ ‬كان‭ ‬دينياً‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬كانت‭ ‬دولة‭ ‬إسلامية‭ ‬تماثل‭ ‬بنيتها‭ ‬الفكرية‭ ‬البنية‭ ‬الفكرية‭ ‬للولايات‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬حوزتها‭. ‬

أيضًا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬اللغة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬غريبة‭ ‬عن‭ ‬البنية‭ ‬الفكرية‭ ‬للدولة‭ ‬العثمانية،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬العثمانية‭ ‬ذاتها‭. ‬وقد‭ ‬ظلت‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬حريصة‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬تحت‭ ‬حكمها،‭ ‬ولم‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬اللغة‭ ‬التركية‭ ‬لغة‭ ‬رسمية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الولايات،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬بقيت‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬لغة‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬العربية‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬العلماء‭ ‬العثمانيين‭ ‬المرسلين‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬يعلّموا‭ ‬ويدرّسوا‭ ‬بتلك‭ ‬اللغة‭.‬

وقد‭ ‬أصبحت‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬لغة‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬حاجي‭ ‬باشا‭ (‬ت‭ ‬819هـ‭/‬1417م‭) ‬اعتذر‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬التسهيل‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يتعلق‭ ‬بعلم‭ ‬الطب‭ ‬والذي‭ ‬رتبه‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬أقسام‭: ‬الأول‭ ‬في‭ ‬الطب‭ ‬النظري‭ ‬والعملي،‭ ‬والثاني‭ ‬في‭ ‬الأغذية‭ ‬والأشربة‭ ‬والأدوية،‭ ‬والثالث‭ ‬في‭ ‬أسباب‭ ‬الأمراض‭ ‬وعلاماتها،‭ ‬وأبدى‭ ‬أسفه‭ ‬لأنه‭ ‬كتب‭ ‬ذلك‭ ‬الكتاب‭ ‬باللغة‭ ‬التركية‭ ‬حتى‭ ‬يفهمه‭ ‬كل‭ ‬أفراد‭ ‬الشعب،‭ ‬ولم‭ ‬يكتبه‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬لغة‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭. ‬

ولم‭ ‬يقتصر‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬الفترة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية،‭ ‬فقد‭ ‬ظلــــت‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬تحتفظ‭ ‬بتلك‭ ‬المكانة‭ ‬الكبيرة‭ ‬كلغة‭ ‬للعلم‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬تالية،‭ ‬فقد‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬القرنين‭ ‬الخامس‭ ‬عشر‭ ‬والسادس‭ ‬عشر‭ ‬ثلاثمائة‭ ‬وخمسة‭ ‬وعشرون‭ ‬كتاباً‭ ‬في‭ ‬الفلك،‭ ‬وضعها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية،‭ ‬منها‭ ‬مئتان‭ ‬وسبعة‭ ‬كتب‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬وحدها،‭ ‬وستة‭ ‬وستون‭ ‬باللغة‭ ‬التركية،‭ ‬واثنان‭ ‬وخمسون‭ ‬باللغة‭ ‬الفارسية‭. ‬وفي‭ ‬مجال‭ ‬الرياضيات‭ ‬ظهر‭ ‬ستة‭ ‬وأربعون‭ ‬كتاباً‭ ‬منها‭ ‬اثنان‭ ‬وأربعون‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وأربعة‭ ‬فقط‭ ‬باللغة‭ ‬التركية‭. ‬

كما‭ ‬أن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬العثمانيين‭ ‬قد‭ ‬قدموا‭ ‬إسهامات‭ ‬وإضافات‭ ‬مهمة‭ ‬إلى‭ ‬التراث‭ ‬المكتوب‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬أشهرهم‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬مصطفى‭ ‬طاشكوبري‭ ‬زاده‭ (‬901‭-‬968هـ‭/ ‬1495‭-‬1561م‭)‬،‭ ‬قد‭ ‬كتب‭ ‬جميع‭ ‬أعماله‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬يحار‭ ‬المرء‭ ‬من‭ ‬دقتها‭ ‬وبلاغتها‭ ‬مع‭ ‬كون‭ ‬مؤلفها‭ ‬ليس‭ ‬عربي‭ ‬الأصل‭. ‬

وقد‭ ‬ترك‭ ‬طاشكوبري‭ ‬زاده‭ ‬تراثًا‭ ‬ضخمًا‭ ‬من‭ ‬المؤلفات‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬مطبوع‭ ‬ومخطوط‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬كثيرة،‭ ‬مثل‭ ‬السياسة‭ ‬وعلم‭ ‬الكلام‭ ‬والفلسفة‭ ‬والرياضيات‭ ‬وعلم‭ ‬الفلك‭ ‬والفقه‭ ‬واللغة‭ ‬والتصوّف‭ ‬والتفسير‭ ‬وتصنيف‭ ‬العلوم‭ ‬والتاريخ،‭ ‬وغيرها،‭ ‬كلها‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬منها‭ ‬مؤلفات‭ ‬تعد‭ ‬متفردة‭ ‬في‭ ‬بابها‭ ‬مثل‭: ‬كتاب‭ ‬‮«‬الشقائق‭ ‬النعمانية‭ ‬في‭ ‬علماء‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‮»‬‭ (‬مطبوع‭)‬،‭ ‬وكتاب‭ ‬‮«‬مفتاح‭ ‬السعادة‭ ‬ومصباح‭ ‬السيادة‮»‬‭ (‬مطبوع‭)‬،‭ ‬وكتاب‭ ‬‮«‬نوادر‭ ‬الأخبار‭ ‬في‭ ‬مناقب‭ ‬الأخيار‮»‬‭ (‬مخطوط‭). ‬كما‭ ‬جاءت‭ ‬بعض‭ ‬مؤلفاته‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬علوم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬مثل‭: ‬‮«‬الإنصاف‭ ‬في‭ ‬مشاجرة‭ ‬الأسلاف‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬الاستعارتين‭ ‬التمثيلية‭ ‬والتبعية‭ ‬وعدمه‮»‬‭ (‬مطبوع‭)‬،‭ ‬و«مفتاح‭ ‬الإعراب‮»‬‭ (‬مخطوط‭)‬،‭ ‬و«رسالة‭ ‬العناية‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستعارة‭ ‬والكناية‮»‬‭ (‬مخطوط‭). ‬وهناك‭ ‬أيضًا‭ ‬شيخ‭ ‬الإسلام‭ ‬أبو‭ ‬السعود‭ ‬أفندي‭ ‬الذي‭ ‬ترك‭ ‬مؤلفات‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬لعل‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬تفسير‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬المسمى‭ ‬‮«‬إرشاد‭ ‬العقل‭ ‬السليم‭ ‬إلى‭ ‬مزايا‭ ‬الكتاب‭ ‬الكريم‮»‬‭. ‬

وهناك‭ ‬أيضًا‭ ‬كاتب‭ ‬جلبي‭ ‬أو‭ ‬حاجي‭ ‬خليفة‭ ‬الذي‭ ‬ترك‭ ‬كتابًا‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬بابه‭ ‬وهو‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬كشف‭ ‬الظنون‭ ‬عن‭ ‬أسامي‭ ‬الكتب‭ ‬والفنون‮»‬‭. 

وقد‭ ‬ظل‭ ‬اهتمام‭ ‬العثمانيين‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬دون‭ ‬انقطاع‭ ‬حتى‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬فالسلطان‭ ‬عبدالحميد‭ ‬الثاني‭ ‬أدخل‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬مناهج‭ ‬الدراسة‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬المدنية،‭ ‬وشجع‭ ‬استخدام‭ ‬اللغة‭ ‬العربيـــــة‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الثقافـــية‭ ‬والإدارية،‭ ‬وحاول‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬فــــي‭ ‬مركــــز‭ ‬مساوٍ‭ ‬للغة‭ ‬التركية‭ ‬كلغة‭ ‬رسمية‭ ‬للدولة‭ ‬يشهد‭ ‬على‭ ‬ذلـــــك‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬كتاب‭ ‬أُلف‭ ‬في‭ ‬البلاغة‭ ‬التركية‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬سعيد‭ ‬باشا‭ ‬الديار‭ ‬بكري‭ (‬ت‭ ‬1309‭ ‬هـ‭/‬1891م‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬ألف‭ ‬كتاباً‭ ‬أسماه‭ ‬‮«‬مـــيزان‭ ‬الأدب‮»‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬مفتاح‭ ‬العلوم‮»‬‭ ‬للسكاكي‭ ‬في‭ ‬البلاغة‭ ‬العربية‭ ‬قد‭ ‬جرى‭ ‬تدريسه‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬العثمانية‭ ‬منذ‭ ‬نشأتها،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬إحدى‭ ‬المدارس‭ ‬قد‭ ‬سميت‭ ‬باسمه‭ ‬وأطلق‭ ‬عليها‭ ‬مدارس‭ ‬المفتاح‭.‬

وفي‭ ‬الختام‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الادعاء‭ ‬بأن‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬قد‭ ‬سعت‭ ‬لفرض‭ ‬لغتها‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬سيطرت‭ ‬عليه‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬922هـ‭/ ‬1516م‭ ‬لعدة‭ ‬قـــرون‭ ‬هو‭ ‬ادعاء‭ ‬كما‭ ‬أوضحنا‭ ‬فـــيما‭ ‬سبق‭ ‬لا‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬حقائـــق‭ ‬تاريخية‭ ‬ثابتـــــة،‭ ‬بل‭ ‬ينطلــــق‭ ‬من‭ ‬تحيز‭ ‬واضح‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬نجحت‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬وصون‭ ‬مقدساته‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الزعــــم‭ ‬بأن‭ ‬الـــــدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬قد‭ ‬اتخذت‭ ‬إجراءات‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬منع‭ ‬الجهود‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الولايات‭ ‬هو‭ ‬تحليل‭ ‬سطحي‭ ‬لا‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬أساس‭ ‬علمي،‭ ‬فهناك‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬الحديثة‭ ‬لمؤرخين‭ ‬جادين‭ ‬قامت‭ ‬بنقد‭ ‬السرديات‭ ‬المهيمنة‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬وصف‭ ‬الدكتورة‭ ‬نيللي‭ ‬حنا،‭ ‬وخلصت‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬الولايات‭ ‬العربية‭ ‬تحت‭ ‬الحكم‭ ‬العثماني‭ ‬شهدت‭ ‬ضعفًا‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬العلمي‭ ‬والفكري‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يحمل‭ ‬إرهاصات‭ ‬نهضة‭ ‬علمية‭ ‬وفكرية‭ ‬ما‭ ‬لبثت‭ ‬أن‭ ‬تشكلت‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬وتم‭ ‬خنقها‭ ‬مع‭ ‬مقدم‭ ‬الحملة‭ ‬الفرنسية‭ ‬أواخر‭ ‬ذلك‭ ‬القرن‭. ‬

ويبقى‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬كانت‭ ‬تجربة‭ ‬بشرية‭ ‬لا‭ ‬تخلـــو‭ ‬من‭ ‬أخطاء‭, ‬ولكن‭ ‬أن‭ ‬يقتــــرن‭ ‬بها‭ ‬كـــــل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬سلبي‭ ‬فهذا‭ ‬أمر‭ ‬يخالف‭ ‬الإنصاف‭ ‬التاريخي‭ ‬والعلمي‭ ‬اللذين‭ ‬يليقان‭ ‬بالبحث‭ ‬العلمي‭ ‬المتجرد  ■