مطبخ مولانا رمضان العالَم السِّحري للمرأة العربية

مولانا رمضان... إمبراطور الشهور وسلطان الخيرات وسفينة البركات والطقوس الموغلة في القدم، والمرأة العربية هي الملكة التي تحب أن تستقبل هذا الإمبراطور، وتظهر خلال أيامه قدراتها وخصوصيتها وطقوسها، بما يليق بسلطان عزيز عليها تنتظره بشغف ومحبة، وكملكة متوجة في بيتها ومطبخها. فعلاقة المرأة العربية بشهر رمضان علاقة حب وتقديس وبهجة وسحر لا ينتهي.
المرأة الخليجية... زينة البيت وبهجته
تنتظر المرأة الخليجية شهر رمضان بشغف وحب كبير، وذلك لإظهار طقوسها ومميزاتها، حيث تجدد كثيراً من المظاهر في حياتها، فتبدأ التحضيرات له قبل أسابيع من حلوله، وتشتري أواني جديدة وتعدّ الملابس التراثية لها ولأسرتها، كما تزيّن البيت بالأثاث الجديد والمصابيح والألوان، وتشعل البخور في كل مكان حولها، وتنثر العطور.
وقديماً كان النساء يتعاونَّ في دق الحَبّ (طحن الدقيق) أمام البيوت، وقد كست وجوههن الفرحة والبهجة في انتظار هذا الشهر، كما يجب أن تؤمِّن المرأة كل مستلزمات بيتها من الدقيق والحبوب والبهارات والعطور طوال الشهر.
واعتادت المرأة في الإمارات تفصيل ثياب جديدة لها ولأبنائها وبناتها في رمضان، ويرجع ذلك إلى عادة قديمة تُمارس داخل البيت، حيث تحصل البنات على كناديرهن (الزي الإماراتي)، والأولاد على كنادير بيضاء (جلباب أبيض)، أو في حدود إمكانات الأسرة.
المرأة فارسة «الغبقة»
«الغبقة» التي تعرف عند أهل الخليج بأنها عشاء رمضاني متأخر يسبق السحور، وعادةً هي اسم وليمة تؤكل عند منتصف الليل، وهي كلمة عربية صحيحة، جاءت من الغبوق، وهو حليب الناقة الذي يُشرب ليلاً، وعكسه الصبوح الذي يشرب من حليب الناقة صباحاً.
وتجتهد المرأة الخليجية في تجهيز الغبقة والاهتمام بها في عادة لا تنقطع طوال أيام شهر رمضان.
المرأة وليالي القرقيعان
في أيام الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر من رمضان تحتفل المرأة الخليجية بليالي القرقيعان، حيث يُلبسن الأطفال الصغار الذكور الملابس التقليدية الشعبية، كالعباءة والعقال والدشداشة، وعليها الصديري و«الخريطة» (كيس معلّق في الرقبة وبه خيط يشد على الصدر)، وترتدي الفتيات الصغيرات «الدراعات» (فساتين تقليدية) و«البختق» (غطاء أسود شفاف للرأس وبه بعض النقوش الذهبية)، ويتزينّ بالحلي التقليدية.
ويطوف الأطفال على بيوت الأقارب والجيران بعد الإفطار وحتى السحور، منشدين الأغاني بأصوات عالية، وهم يطرقون أبواب المنازل لتفتح لهم ربة المنزل وتعطيهم خلطة «القرقيعان» من حلوى ومكسرات في الأكياس التي يحملونها.
والقرقعة هي الصوت المنبعث من احتكاك الأواني الحديدية التي يحملون فيها الحلويات، ويغني الأطفال في تجوالهم مجموعة من الأناشيد التراثية الخليجية، منها ما تنشده البنات: قرقيعان وقرقيعان، بين اقصير ورميضان... عادت عليكم صيام، كل سنة وكل عام.
يالله سلّم ولدهم (اسم الولد أو البنت)، يالله خله لأمه... عسى البقعة ما اتخمه، ولا توازي على أمه.
وتختلف مسميات هذه الليلة في دول الخليج، فنجدها باسم قرقيعان في العراق والكويت والسعودية، وباسم «قرقاعون» في البحرين، و«قرنقعوه» أو «الكرنكعوة» في قطر، و«القرنقشوه» أو «الطَلْبة» في سلطنة عمان، وفي الإمارات يطلق عليها «حق الليلة» أو «حق الله».
تجمعات نسائية
اعتادت نساء الإمارات التجمع كل يوم في بيت إحدى الجارات خلال شهر رمضان، لطحن الحَبّ وإعداد الهريس، والخبيص، والبلاليط، وخبز رقاق، واللقيمات، وكذلك تنظيف المنزل وإعداده بصورة تليق بالشهر الكريم، وقد يتطلب الأمر تبديل أثاث البيت، إضافة إلى العادة الرمضانية المتمثلة في تبادل وجبات الإفطار بين البيوت قبيل إطلاق المدفع مباشرة، أو التجمع في مكان واحد، وتأتي كل واحدة تحمل معها طبقاً شهياً أعدته لهذه المناسبة، وسط الفرحة بشهر الخيرات.
وتتميز مجالس النساء في رمضان بأجوائهن الخاصة، حيث يتجمعن في أحد البيوت قبل صلاة العشاء ويصلين معاً، ويتناولن التمور والأطعمة الخفيفة مما تجود به الضيافة، وتدور بينهن أكواب القهوة، وقد يحضر مجالسهن صغار الصبية، بينما تجلس الفتيات للاستماع إلى حكايات النساء الكبيرات في السن للاستفادة من تجاربهن في الحياة، ويسمى مكان هذا الاجتماع في السعودية «الهرجة».
«سيدنا رمضان» في المغرب العربي
«ريحة رمضان» و«يوم القرش» و«عواشر مبروكة»، مسميات تطلقها المرأة المغربية، لاستقبال «سيدنا رمضان»، وهو الاسم الذي يطلقونه على شهر رمضان في المغرب العربي، كناية عن تفضيله على بقية أشهر السنة.
وكان النساء يجتمعن فوق سطوح منازلهن في انتظار رؤية هلال الأول من رمضان، لتطلق الزغاريد فرحاً بقدومه.
وبمجرد أن يتأكد دخول الشهر، تنطلق ألسنة أهل المغرب بالتهنئات قائلين: «عواشر مبروكة»، والعبارة تقال بالعامية المغربية وخاصة بالنساء، وتعني «أيام مباركة» للشهر الكريم بعواشره الثلاث: عشرة الرحمة، وعشرة المغفرة، وعشرة العتق من النار.
ويطلق الجزائريون على الفترة التي تسبق رمضان «ريحة رمضان»، وتبدأ النساء بإعادة ترتيب المنزل، وتنظيفه، وتنظيمه بما يسمى
بـ «التغيير الموسمي»، ويعاد طلاء جدران المنازل، وتجهز غرفة «بيت القعاد»، التي يتم استقبال الضيوف فيها، ويستقبل التونسيون رمضان بما يعرف بـ «يوم القَرش»، حيث تعد النساء أجود أنواع الحلويات فيه.
وتهتم ربة البيت المغربية إلى حد كبير بزينة البيت وتجهيزه لاستقبال الضيوف من الأهل والجيران، حيث تزدان أركان المنزل بالزهور الطبيعية والأعشاب الخضراء، وتعبق أرجاؤه برائحة طيبة، وتقوم الأم المغربية بقصّ الحكايات الدينية على الصغار طوال الأمسيات الرمضانية، وتجتمع الفتيات والسيدات في سهرات رمضانية تسمَّى «البوقالات»، حيث تدور أحاديث السمر وقراءة الطالع وتبادل الأمثال والقصص الشعبية.
وفي ليلة القدر تقوم السيدات والفتيات بتزيين البيوت ويرتدين اللباس التقليدي «كالكاراكو»، ويرسمن الحناء على الأيادي.
وتلبس الفتيات دون سن البلوغ فستاناً جديداً أو «تكشيطة» (لباس نسائي تقليدي مغربي)، كما تكسو أيديهن نقوش الحناء، وتمتلئ حقائبهن الصغيرة بالتمر والجوز والمكسرات.
«حق الملح»... الهدية التونسية المميزة
تنفرد المرأة التونسية بعادة تميزها عن السيدات في أي دولة أخرى، وهي «حق الملح»، وهي عبارة عن هدية يقدمها الزوج لزوجته في عيد الفطر.
وهذه الهدية تكون في العادة قطعة ذهبية، اعترافاً بالتضحيات التي بذلتها من أجل إسعاد الأسرة طوال شهر رمضان.
وسميت الهدية بحق الملح، لأن النساء في تونس، رغم صيامهن، يتذوقن درجة ملوحة الطعام دون ابتلاعه، حرصاً على أن يكون مذاق الطبخ مناسباً للأسرة، وتعود هذه العادة التونسية إلى زمن بعيد.
«تكريزة» رمضان في الشام
تعرف أجواء وعبادات وطقوس رمضان وسط الشاميين باسم «تكريزة رمضان»، ويبدو التصاق تلك الطقوس بالمرأة السورية، فيطلق أهل الشام، وخاصة السوريين، على العشر الأولى من شهر رمضان «المرق»، لاهتمام الأسر بموائد الإفطار والأكلات الشهية، أما العَشر الوُسْطَى منه فيسمونها «الخِرَق»، أي لشراء ثياب وكسوة العيد ولوازمه، وأما العَشر الأواخر من الشهر فيسمونها «صر الورق»، حيث تنهمك النسوة بإعداد حلوى العيد، خصوصاً المعمول المحشو بالجوز أو الفستق الحلبي.
المرأة المصرية... شمعة مولانا رمضان
يعد شهر رمضان العالَم السحري للمرأة المصرية، سواء في الريف أو المدينة أو الصحراء، فلها طقوس مميزة جداً لاستقبال مولانا رمضان، هذا الضيف العزيز على قلبها وبيتها، فنجد في الشمال حيث بدو مطروح، الذين يستطلعون الهلال بأنفسهم، وما تكاد الرؤية تثبت حتى يشعلون النيران العالية، ليعلم بدو المنطقة والمناطق المجاورة بقدومه، ثم تجمع «كبيرة النجع» أو «زوجة شيخ القبيلة»، 30 حبة أو حصاة لعدّ وحساب أيام الشهر الكريم.
وكانت النساء قبل رمضان تعد وجبة «القديد»، حيث تذبح كل عائلة شاة من قطيعها، ويوضع الملح على لحمها وينشر في الشمس فترات طويلة، ليكون خزين الشهر من اللحوم، وكذلك تخزين «الرُب» الذي يصنع من التمر، وهو يشبه العسل الأسود في الشكل والطعم.
ونجد في محافظة الغربية بدلتا مصر أن عدداً من النساء يقمن بمهنة المسحراتي، تلك المهنة التي يمتهنها الرجال فقط في الموروث الشعبي عن رمضان.
المرأة شمعة فانوس رمضان
تتعدد القصص عن أصل الفانوس المصري، ومنها ما يروى أنه خلال العصر الفاطمي، لم يكن يُسمح للنساء بترك بيوتهن إلا في شهر رمضان، وكان يسبقهن غلام يحمل فانوساً لتنبيه الرجال إلى وجود سيدة في الطريق لكي يبتعدوا، وهكذا كانت النساء يستمتعن بالخروج، وفي الوقت نفسه لا يراهن الرجال. وبعد أن أصبحت للسيدات حرية الخروج في أي وقت، ظل الناس متمسكين بتقليد الفانوس، حيث يحمل الأطفال الفوانيس ويمشون في الشوارع ويغنون.
موكب الرؤية عيد للنساء بمصر
يذكر الباحث التراثي الراحل عبدالحميد حواس في كتابه القيّم «رسالة في بركة رمضان الجمعية» هذه الطقوس الغريبة للمرأة المصرية، حيث يذكر أنه كان يطلق على الاحتفال بموكب الرؤية «عيد النسوان»، وذلك لأن النساء يعتبرن أن الليلة ليلتهن، ولابد لكل منهن المشاركة في الاحتفال والتوجه للفرجة على الموكب الذي يمتّد من المسجد الجامع إلى جبل المقطم، ثم لبيت الوالي في القلعة للاحتفال بقدوم رمضان، والمدهش أن البعض منهن كن يشترطن في وثيقة عقد الزواج حقهن في الخروج للاحتفاء بليلة الرؤية، حيث لا يستطيع الرجل أن يسأل نساءه أين كنّ في تلك الليلة، وذلك لعلمهم باحتفالهن بها.
كما أن النساء بعد أن ينتهين من أعمالهن وإفطار أسرتهن، كانت لديهن رخصة أو سماح اجتماعي تخفف فيه قبضة الهيمنة الرجالية، تمكنهن من الحركة المستقلة أو تنظيم ملتقياتهن الدورية مع صديقاتهن.
وفي الاحتفال بليلة القدر تتجمع نساء مدينة رشيد أعلى أسطح المنازل، ويقضين الوقت حتى الفجر بين الحديث الديني وترديد الأدعية وتقليب وجوههن في السماء، آملات أن تنفتح لهن «طاقة القدر»، ويستجاب لهن الدعاء.
أما أغرب طقس للمرأة في رمضان فإنه يحدث بدولة أوغندا، التي يطلق عليها جوهرة إفريقيا وقلبها، حيث هناك عادة غريبة في هذا الشهر لدى قبائل «اللانجو» بمنطقة شمال وسط أوغندا، فمن عاداتهم ضرب الزوجات عند غروب الشمس على رؤوسهن بشكل يومي!
وقد انتقلت هذه العادة إلى المسلمين من الأصول نفسها، فأصبحت الزوجات يُضربن على رؤوسهن قبل الإفطار، وبرضا تام، ثم تجهز المرأة الإفطار، وهو عبارة عن طبقين أو ثلاثة، إضافة إلى شوربة الموز.
كل عام ورمضان كريم، وكل نسائنا بخير وعطاء وبهجة■