بيتُ الراحة
فاز الناشط السنغافوري جاك سيم في يونيو الماضي بجائزة لكسمبورغ للسلام، بعد مسيرة حافلة بالإنجازات الفريدة. فهو مؤسس جمعية بيت الراحة بسنغافورة؛ ومنظمة دورة المياه العالمية، وصاحب مبادرة يوم دورة المياه العالمي، وحاضنة أعمال اأسفل الهرم"، منطلقًا من حلمه بعالم يتمتع فيه كل شخص بدورة مياه نظيفة وآمنة بكل مكان وفي أي وقت؛ حتى باتت رسالته الاستمرار في قيادة حركة عالمية متعاونة تسعى إلى البحث عن حلول جديدة لمشكلات صحية من أجل ضمان شروط الصحة العامة للجميع.
أصبح سيم رجل أعمال ناجحًا منذ بلوغه الرابعة والعشرين؛ واستطاع في الأربعينيات من عمره تحقيق نجاحات مادية واجتماعية واضحة؛ غير أنه شعر بحاجة ملحة إلى تغيير اتجاهه في الحياة. فقد كان يريد أن يردّ الجميل للبشرية، ولهذا قرر أن يعيش حياته وفقًا لشعار اعِشْ حياةً مفيدةب، وينفق وقته بحكمة. وسرعان ما هجر إدارة الأعمال وانطلق في رحلة ممتدة جعلت منه صوتًا مسموعًا ومؤثرًا لفقراء العالم. وراح يناضل من أجل حفظ حقوق وكرامة هؤلاء البسطاء والمهمشين في كل مكان.
اكتشف سيم مدى تجاهل أمر الحمامات وإدراجها في معظم الأحيان تحت بند الموضوعات المحرجة التي لا يُستحسن التطرق إليها. وفي عام 1998 أسس جمعية بيت الراحة التي تتلخص مهمتها في رفع مستوى دورات المياه العامة في سنغافورة والعالم كله. وكانت رؤيته في ذلك الوقت وضع بلده على اخريطة العالمب من خلال إطلاق مبادرة لتوفير حمامات عامة نظيفة.
ومع تقدمه في العمل، تبيّن له وجود جمعيات دورات مياه في بلدان أخرى، لكن بلا قنوات تجمعها وتمكّنها من التعاون وتشارك الخبرات والموارد والتسهيلات.
ونتيجة لذلك أسس في عام 2001 منظمة دورة المياه العالمية، وبعد سنوات أربع، أي في 2005، أسس كلية دورة المياه العالمية، وقبل ذلك بعام حصل سيم على جائزة اخطة سنغافورة الخضراء لعام 2012ب من وكالة البيئة السنغافورية، نظرًا إلى مساهماته في تحسين البيئة؛ وشارك في إطلاق عدد من المنظمات والجمعيات ذات العلاقة بدورات المياه، مثل منظمة دورة المياه الألمانية في برلين؛ وجمعية بيت الراحة الأمريكية.
برامج تعليمية
تسعى جمعية بيت الراحة السنغافورية إلى الوصول للصغار في مراحل التعليم المختلفة عبر برامج ووسائل تفاعل تقدّم أفضل الممارسات المتصلة بالحمامات من حيث النظافة الشخصية والسلوكيات الملائمة لمواجهة مشكلات دورات المياه القذرة، مثل برنامج االحمامات السعيدةب الذي أطلق في 2015 ليخاطب أطفال ما قبل المدرسة.
وتؤمن كلية دورة مياه العالم، من جانب آخر، بضرورة وجود كيان عالمي مستقل لضمان تحقيق أفضل الممارسات والمعايير في تصميم دورة المياه ونظافتها، وتوظيف التكنولوجيا الصحية لترقيتها، واعتبار قضايا عدم توافر دورات مياه كافية وقصور إدارتها وغياب الاهتمام بصيانتها والتوعية بنظافتها لتجنب الأمراض من الجدّية بمكان.
ولهذا تسعى إلى تدريب القائمين على شؤون دورات المياه وبناء قدراتهم وتعزيز إنتاجيتهم في مجالات مثل النظافة والصيانة، والعمل على تغيير السلوكيات الخاطئة، وريادة الأعمال ذات العلاقة؛ وقد نجحت الكلية منذ إنشائها في تدريب آلاف الأشخاص من سنغافورة وبلدان أخرى كالصين وإندونيسيا والهند، على أيدي متخصصين، ومنحهم شهادات تثبت مهارتهم المكتسبة.
وفي إطار محاولات القضاء على الفقر، ساهمت جهود حركة سيم في توفير حاضنات للأعمال؛ كإنشاء مصانع لإنتاج الأدوات الصحية بتمويل بسيط يقدر بألفي دولار يسدد بصورة ميسّرة، كما حدث في كمبوديا خلال عام 2010.
والخطوة التالية التي بدأت بالفعل، استخدام التكنولوجيا لإحداث تجديد في تصاميم دورات المياه، حيث تستطيع معالجة المخلفات والقضاء على الكائنات المسببة للأمراض من ناحية؛ وتساهم من ناحية أخرى في التقليل من استهلاك المياه وخفض تكاليف إعادة تدويرها، واستخدام المخلفات في إنتاج طاقة حيوية، وأجريت في هذا الصدد تجارب ناجحة.
لا فرق بين غني وفقير
ذكر سيم - الذي لا يزعجه لقب Mr. Toilet - في لقاء مذاع على ايوتيوبب، أن 40 في المئة من سكان العالم لا يملكون دورات مياه ملائمة؛ بينما يمكن أن تتحول مخلفات دورات المياه، إذا ما أُحسنت إدارتها إلى مواد مفيدة كالأسمدة؛ أما غياب دورات المياه أو سوء إدارتها فيعني تفشي الأمراض، مشيرًا إلى أن الذباب الناقل للأمراض لا يميز في نهاية المطاف بين غني وفقير.
وقال سيم في أحد مؤتمرات دورة المياه العالمية السنوية إنه يبحث عن تصميم بسيط للمرحاض يجلب استخدامه الفخر للمستخدمين الفقراء. ويحاول من خلال يوم دورة المياه العالمي، في التاسع عشر من نوفمبر من كل عام، أن يكسر حواجز الحديث علنًا عن هذا الامر لأهميته.
المرحاض الجاف
أصبح الاهتمام بالمرحاض الجاف - الذي لا يستخدم المياه ليحول المخلفات إلى سماد عضوي - من موضوعات تكنولوجيا حماية البيئة التي تدرس في أطروحات علمية، كالدراسة التي استهدفت تصميم مرحاضين جافين؛ الأول لمنزل حضري، والثاني لمنزل ريفي بجامعة لاهتي للعلوم التطبيقية بفنلندا، على أن تستخدم النتائج لتنفيذ مشروع لمصلحة غانا، وتساهم في الترويج لاستخدام هذا النوع من التكنولوجيا لارتفاع مستوى الكلفة/ الفعالية من جهة، وتوفيره لاستهلاك المياه من جهة أخرى.
كما قدمت تصاميم أخرى في فعاليات مؤتمرات جمعية دورة المياه الجافة الدولية بفنلندا التي تعقد كل ثلاث سنوات - منذ 2003 - لمناقشة قضايا الصحة الإيكولوجية وإعادة التدوير. ونفذ أحد التصاميم في نيجيريا بمساعدة منظمة غير حكومية ترعى مبادرة صديقة للنساء؛ وذلك للتخفيف من مشكلة حرمان عشرات الملايين من المرافق الصحية.
دورة مياه الجيل المقبل
في 2011 أطلقت مؤسسة بيل وميليندا غيتس تحدي إعادة اختراع دورة المياه من أجل جلب حلول مستدامة للمشكلات الصحية لمليارين ونصف المليار شخص حول العالم. وقدمت منحًا لتمويل عديد من المشروعات البحثية في معاهد بإفريقيا وآسيا وأوربا وشمال أمريكا؛ إضافة إلى استثمارات بملايين الدولارات لمصلحة مشروعات في الهند والصين لتطوير ادورة مياه الجيل القادمب وخدمة مجتمعات فقيرة.
وشمل هذا التحدي باحثين مجددين في مجال إدارة المخلفات البشرية بمختلف أنحاء العالم. فعلى سبيل المثال، قدّم معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا بالولايات المتحدة تصميمًا لمرحاض يعمل بالطاقة الشمسية يمكن أن يولّد هيدوجين وكهرباء، واستحق التصميم 100 ألف دولار قيمة الجائزة الأولى. وفازت جامعة لوبورو بالمملكة المتحدة بالجائزة الثانية التي بلغت 60 ألفًا، نظير تصميم مرحاض ينتج فحمًا حيويًّا، ومعادن ومياه نظيفة؛ أما الجائزة الثالثة التي بلغت 40 ألفاً، فكانت من نصيب جامعة تورونتو بكندا لمرحاض يعقّم المخلفات الصلبة والسائلة، ويعوض موارد ومياه نظيفة.
وفي معرض لتصاميم مبتكرة لدورات المياه برعاية مؤسسة غيتس، قدمت المؤسسات البحثية المشاركة في التحدي تصاميمها التي تعالج المخلفات وتحولها إلى منتجات مفيدة، كتصميم جامعة دلفت للتكنولوجيا بهولندا، والمعهد الفدرالي السويسري لعلوم وتكنولوجيا المياه، وجامعة ستانفورد التي يحول تصميمها المخلفات البشرية إلى فحم حيوي؛ وجامعة سنغافورة الوطنية التي تستخدم الفحم الحيوي لتجفيف المخلفات البشرية وتحويلها إلى سماد؛ إضافة إلى ما قدمته جامعات ومعاهد أمريكية وبريطانية وهندية وإفريقية وتايلاندية من أجل تحويل المخلفات البشرية إلى مصادر للطاقة والمياه النظيفة وأسمدة مغذية؛ والاستغناء عن توصيل خطوط المياه والكهرباء، وتخفيض تكاليف الاستخدام، وتدشين أعمال ومشروعات جديدة في هذا المجال، وإلهام الجيل الجديد بتصاميم عملية وجذابة تغري بالاستخدام. وشهدت السنوات الأخيرة مراحل تجريبية لتنفيذ التصاميم على أرض الواقع في مناطق عدة كالهند وجنوب إفريقيا.
المرحاض الذكي
من جانب آخر، تسعى اليابان، بطريقتها الخاصة، إلى تطوير دورات مياه صديقة للبيئة وللإنسان، حيث تعمل بتكنولوجيا متقدمة توفر من استهلاك المياه والطاقة، وتسهل الاستخدام بحيث لا يفعل المستخدم سوى الضغط على أزرار لوحة التشغيل لفتح الغطاء والتنظيف والتجفيف، ثم إغلاق الغطاء بعد الاستخدام. وتشتهر ماركة اتوتوب بكثير من مميزات الفعالية والرفاهية بدورات المياه ■