ثلاثية زمن البوح

ثلاثية زمن البوح

لطالما‭ ‬يطرح‭ ‬الناقد‭ ‬الأدبي‭ ‬القارئ‭ ‬لرواية‭ ‬ما‭ - ‬سرًّا‭ ‬أو‭ ‬علانية‭ - ‬دوافع‭ ‬الكاتب‭ ‬فيما‭ ‬خطّ‭ ‬وكتب،‭ ‬وقد‭ ‬يلجأ‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬والتحليل‭ ‬بمحيط‭ ‬الكاتب‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والفردي،‭ ‬فيُسقط‭ ‬عليها‭ ‬أحداثًا،‭ ‬ويربط‭ ‬الأخرى‭ ‬ببعضها‭ ‬البعض‭. ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬صحة‭ ‬ما‭ ‬يتوصل‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬نتيجة،‭ ‬فإن‭ ‬دافع‭ ‬الكاتب‭ ‬الحقيقي‭ ‬للكتابة‭ ‬يظل‭ ‬سببًا‭ ‬شخصيًّا‭ ‬وخاصًّا‭ ‬به‭. ‬

 

في‭ ‬العمل‭ ‬الأدبي‭ ‬اثلاثية‭ ‬زمن‭ ‬البوحب‭ ‬للأديب‭ ‬والروائي‭ ‬الكويتي‭ ‬حمد‭ ‬الحمد،‭ ‬يكشف‭ ‬الكاتب‭ ‬بنفسه‭ ‬عن‭ ‬دوافعه‭ ‬في‭ ‬إصدار‭ ‬الثلاثية،‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬ثلاث‭ ‬روايات‭ ‬منفصلة ‭ )‬زمن‭ ‬البوح‭ - ‬البدايات‭ ‬1997،‭ ‬زمن‭ ‬البوح‭ - ‬التحولات‭ ‬2009،‭ ‬زمن‭ ‬البوح‭ - ‬الحكايات‭( ‬2017‭ ‬بأنها‭ ‬«محاولة‭ ‬لرسم‭ ‬ملامح‭ ‬أحداث‭ ‬اجتماعية‭ ‬وسياسية‭ ‬وفكرية‭ ‬مرت‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الكويتي‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬العقد‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬حتى‭ ‬العقدين‭ ‬الأول‭ ‬والثاني‭ ‬من‭ ‬الألفية‭ ‬الجديدة،‭ ‬وعلى‭ ‬الورق‭ ‬نجد‭ ‬مسارات‭ ‬حياة‭ ‬وليد‭ ‬ومنال»‭.‬

القارئ‭ ‬للثلاثية‭ ‬يشعر‭ ‬باتصال‭ ‬وثيق‭ ‬بين‭ ‬الروايات‭ ‬الثلاث،‭ ‬وكأن‭ ‬الكاتب‭ ‬نسج‭ ‬سلسلة‭ ‬الأحداث،‭ ‬وحاك‭ ‬الشخصيات،‭ ‬وصنع‭ ‬الحبكات‭ ‬في‭ ‬ذهنه‭ ‬مع‭ ‬خطه‭ ‬للكلمة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬الأولى؛‭ ‬زمن‭ ‬البوح‭ - ‬البدايات‭. ‬

ففي‭ ‬الأجزاء‭ ‬الثلاثة،‭ ‬الشخصيتان‭ ‬الرئيستان‭ ‬هما‭ ‬منال‭ ‬ووليد،‭ ‬مع‭ ‬شخوص‭ ‬تظهر‭ ‬وتختفي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬جزء،‭ ‬تبعًا‭ ‬للحبكة‭ ‬الدرامية‭ ‬والنّسق‭ ‬الروائي،‭ ‬كما‭ ‬تعيش‭ ‬الشخصيتان‭ ‬مراحلهما‭ ‬العمرية‭ ‬تدريجيّا‭ ‬مع‭ ‬قارئ‭ ‬الثلاثية‭.  ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬ذكر‭ ‬أن‭ ‬الرواية‭ ‬الأولى‭ )‬زمن‭ ‬البوح‭ ‬-‭ ‬البدايات‭( ‬ قد‭ ‬فازت‭ ‬بالمركز‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬جائزة‭ ‬الأمير‭ ‬خالد‭ ‬الفيصل‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬أبها‭ ‬السعودية‭ ‬عام‭ ‬1998‭.‬

 

زمن‭ ‬البوح‭... ‬بين‭ ‬قلم‭ ‬وريشة

إن‭ ‬القارئ‭ ‬العربي‭ ‬لثلاثية‭ ‬زمن‭ ‬البوح،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬معرفته‭ ‬بالكاتب،‭ ‬فإنه‭ ‬يتلمّس‭ ‬توجهه‭ ‬الفكري،‭ ‬وطبيعته‭ ‬الإنسانية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬دار‭ ‬به‭ ‬فكره،‭ ‬وكتبه‭ ‬قلمه،‭ ‬وجسّد‭ ‬عمله‭ ‬الأدبي،‭ ‬وتمثّل‭ ‬في‭: ‬

أولاً‭: ‬المسار‭ ‬الوسطي‭ ‬والمعتدل‭ ‬للكاتب،‭ ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬رواية‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬الثلاث،‭ ‬نجد‭ ‬متناقضات‭ ‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬الحدة‭ ‬والتطرف،‭ ‬وتتراوح‭ ‬بين‭ ‬أقصى‭ ‬اليمين‭ ‬وأقصى‭ ‬اليسار،‭ ‬وما‭ ‬يبيحه‭ ‬أنه‭ ‬واقع‭ ‬مَعيش‭ ‬بشخوصه‭ ‬وأحداثه‭. ‬لكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬نجده‭ ‬يلجم‭ ‬جنوح‭ ‬المتناقضات،‭ ‬إما‭ ‬بتبيان‭ ‬نتائجها‭ ‬السلبية،‭ ‬وإما‭ ‬بإصلاحها‭ ‬وردّها‭ ‬إلى‭ ‬الاعتدال‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سياق‭ ‬الأحداث‭. ‬وذلك‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬نطلق‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬الأدبي،‭ ‬ثلاثية‭ ‬الوسطية‭ ‬والاتزان‭.‬

ثانياً‭: ‬النظرة‭ ‬التفاؤلية‭ ‬للكاتب،‭ ‬رغم‭ ‬تعقّد‭ ‬الأحداث‭ ‬وتأزمها‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان،‭ ‬فإن‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الرواية،‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يتسلل‭ ‬الفرح‭ ‬إلى‭ ‬نفس‭ ‬القارئ،‭ ‬وكأنها‭ ‬موافقة‭ ‬منه‭ ‬لخاتمة‭ ‬سعيدة،‭ ‬وإن‭ ‬تخلل‭ ‬الأحداث‭ ‬بعض‭ ‬المواقف‭ ‬الحزينة‭ ‬فهي‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الإسهاب‭ ‬والمماطلة،‭ ‬وموظفة‭ ‬لخدمة‭ ‬الحدث‭ ‬والبناء‭ ‬الكلي‭ ‬للرواية‭.‬

ثالثاً‭: ‬إلمام‭ ‬الكاتب‭ ‬وإحاطته‭ ‬بقضايا‭ ‬المرأة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وهمومها،‭ ‬التي‭ ‬اندلعت‭ ‬من‭ ‬سطوة‭ ‬المجتمع‭ ‬الذكوري،‭ ‬والنظرة‭ ‬المجتمعية‭ ‬لها‭ ‬حين‭ ‬تخرق‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مألوف‭ ‬ومتعارَف‭ ‬عليه،‭ ‬بدءًا‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬ظاهري‭ ‬كاللبس،‭ ‬والسيجارة،‭ ‬وانتهاء‭ ‬بالزواج‭ ‬المختلط‭ ‬والثقة‭ ‬العالية‭ ‬بالنفس‭ ‬والتحرر‭. ‬

رابعاً‭: ‬اللغة‭ ‬وأسلوب‭ ‬الكتابة،‭ ‬حيث‭ ‬المفردة‭ ‬العربية‭ ‬السلسة،‭ ‬والأسلوب‭ ‬البعيد‭ ‬عن‭ ‬التكلف،‭ ‬والمناسب‭ ‬لشريحة‭ ‬القراء‭ ‬العريضة‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭. ‬وإن‭ ‬أدرج‭ ‬الحوار‭ ‬باللهجة‭ ‬الكويتية،‭ ‬فقد‭ ‬اجتهد‭ ‬الكاتب‭ ‬بأن‭ ‬تكون‭ ‬واضحة‭ ‬ومفهومة،‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬لا‭ ‬ينحصر‭ ‬في‭ ‬وطنه‭ ‬الكويت‭. ‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬القارئ‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يتمعن‭ ‬في‭ ‬غلاف‭ ‬الثلاثية،‭ ‬الذي‭ ‬اختير‭ ‬بدقة‭ ‬وعناية‭ ‬فائقتين،‭ ‬وجاء‭ ‬من‭ ‬لوحة‭ ‬رسمتها‭ ‬ريشة‭ ‬الفنانة‭ ‬التشكيلية‭ ‬البحرينية‭ ‬مياسة‭ ‬بنت‭ ‬سلطان‭ ‬السويدي،‭ ‬جسّدت‭ ‬هيئة‭ ‬إنسان‭ ‬منعدم‭ ‬الملامح،‭ ‬يميل‭ ‬برأسه‭ ‬على‭ ‬كتفه‭ ‬اليمنى،‭ ‬ويعتليه‭ ‬طير‭ ‬بحجم‭ ‬واضح،‭ ‬بينما‭ ‬أسفل‭ ‬كتفه‭ ‬اليسرى‭ ‬رموز‭ ‬صغيرة‭ ‬لاح‭ ‬فيها‭ ‬اللونان‭ ‬الأخضر‭ ‬والأحمر،‭ ‬برزا‭ ‬وسط‭ ‬عتمة‭ ‬التدرج‭ ‬اللوني‭ ‬للأسود‭ ‬والبني‭ ‬اللذين‭ ‬اكتسحا‭ ‬هيئة‭ ‬الإنسان‭ ‬والطير‭. ‬

وبعيدًا‭ ‬أيضًا‭ ‬عمّا‭ ‬تعنيه‭ ‬الفنانة‭ ‬بلوحتها،‭ ‬فإن‭ ‬قارئ‭ ‬الثلاثية‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يتفلسف‭ ‬قليلاً،‭ ‬ويجنح‭ ‬بتصوراته،‭ ‬ليلمح‭ ‬رسالة‭ ‬الثلاثية‭ ‬الضمنية،‭ ‬وما‭ ‬دفع‭ ‬الكاتب‭ ‬للكتابة‭ ‬ورغب‭ ‬في‭ ‬توصيله‭ ‬لقارئها،‭ ‬وهي‭ ‬الميل‭ ‬الفطري‭ ‬للإنسان‭ ‬للاعتدال‭ ‬والسلام‭. ‬

 

زمن‭ ‬البوح‭ - ‬البدايات‭ (‬1997‭)‬

في‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬البدايات،‭ ‬وهــــو‭ ‬الأطول(‭ ‬198‭ ‬صفحة ), ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬مساحة‭ ‬كبيرة‭ ‬لمنال‭ ‬ووليد‭ ‬في‭ ‬الأحداث،‭ ‬حيث‭ ‬يعرّف‭ ‬الكاتب‭ ‬القارئ‭ ‬بهما،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬نشأة‭ ‬ومسار‭ ‬كل‭ ‬منهما،‭ ‬ومن‭ ‬خلالهما‭ ‬يتكشف‭ ‬واقع‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬والظرف‭ ‬المكاني‭ ‬المتناول‭ ‬بالسرد،‭ ‬حيث‭ ‬العقد‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬الألفية‭ ‬الثانية،‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الكويت،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬في‭ ‬أروقة‭ ‬مبنى‭ ‬صحيفة‭ ‬الشروق،‭ ‬وتظهر‭ ‬الشخصيتان‭ ‬الرئيستان‭ ‬في‭ ‬العشرينيات‭ ‬من‭ ‬العمر،‭ ‬طموحتين،‭ ‬كلاهما‭ ‬يستكمل‭ ‬دراساته‭ ‬العليا‭ ‬بكلية‭ ‬الإعلام،‭ ‬ويخضعان‭ ‬لدورة‭ ‬تدريب‭ ‬في‭ ‬الصحيفة‭ ‬لمدة‭ ‬عام‭. ‬

إلا‭ ‬أنهما‭ ‬يتصادمان‭ ‬باختلافاتهما‭ ‬التي‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬جذرية،‭ ‬فمنال‭ ‬يغلب‭ ‬عليها‭ ‬الطابع‭ ‬الغربي‭ ‬بالشكل‭ ‬وأسلوب‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية،‭ ‬منفتحة،‭ ‬ومرهفة‭ ‬الأحاسيس،‭ ‬من‭ ‬أسرة‭ ‬ميسورة‭ ‬الحال،‭ ‬وأيضًا‭ ‬منفتحة‭ ‬ومتقبلة‭ ‬لابنتها‭ ‬شكليًا‭ ‬وفكريًّا‭. ‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬يميل‭ ‬وليد،‭ ‬التقليدي‭ ‬والملتزم‭ ‬بالعادات‭ ‬والتقاليد،‭ ‬وبالخط‭ ‬الإسلامي،‭ ‬فكريًا‭ ‬لأحد‭ ‬التنظيمات‭ ‬الدينية،‭ ‬قيادي‭ ‬بطبعه،‭ ‬وصارم،‭ ‬من‭ ‬أسرة‭ ‬محافظة‭. ‬تناقض‭ ‬منال‭ ‬ووليد‭ ‬كشفه‭ ‬حدث‭ ‬بسيط‭ ‬أدرجه‭ ‬الكاتب،‭ ‬وهو‭ ‬استماع‭ ‬منال‭ ‬للموسيقى‭ ‬في‭ ‬المكتب‭ ‬الصغير‭ ‬الذي‭ ‬يجمعها‭ ‬بوليد‭.‬

وعليه‭ ‬يدور‭ ‬الحوار‭ ‬وتسلسل‭ ‬بأحداث‭ ‬أكبر‭ ‬تبيّن‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬الفكر‭ ‬التقليدي‭ ‬الديني‭ ‬المتطرف،‭ ‬والفكر‭ ‬المنفتح‭ ‬المتحرر،‭ ‬ويستعين‭ ‬الكاتب‭ ‬بأحداث‭ ‬لشخوص‭ ‬أخرى‭ ‬توسّع‭ ‬دائرة‭ ‬الأحداث،‭ ‬مثل‭ )‬سهاد‭ ‬شعرت‭ ‬بتحركات‭ ‬زهران‭ ‬ورأته‭ ‬وهو‭ ‬يكاد‭ ‬يلصق‭ ‬كتفه‭ ‬بكتفها‭)‬،‭ (‬منال‭ ‬بدأت‭ ‬واثقة‭ ‬بنفسها‭ ‬وهي‭ ‬تصافح‭ ‬الحضور‭ ‬وتبتسم‭ ‬لهم‭)‬،‭ (‬ورئيس‭ ‬التحرير‭ ‬يقول‭: ‬«الاحتشام‭ ‬حرية‭ ‬شخصية»،‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬علمانيين‭... ‬لكن‭ ‬فيه‭ ‬ناس‭ ‬تكتب‭ ‬رأي‭ ‬مخالف) . ‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬قدّم‭ ‬الفكر‭ ‬الديني‭ ‬المتطرف،‭ ‬وبدا‭ ‬واضحًا‭ ‬في‭ ‬تصرفات‭ ‬وليد‭ ‬وحواراته‭ ‬مثل‭ )‬أنا‭ ‬شخصيًا‭ ‬ما‭ ‬أحب‭ ‬الموسيقى‭ ‬ولا‭ ‬أستسيغها،‭ ‬وأحس‭ ‬أنها‭ ‬تشوش‭ ‬أفكاري‭ ‬وتلهيني‭ ‬عن‭ ‬أشياء‭ ‬أهم‭... ‬وهي‭...‬،‭ ‬مثل‭ ‬العبادة‭(‬،‭ ‬و‭)‬أنت‭ ‬عشت‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬مختلفة‭ ‬وأنا‭ ‬عشت‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬أخرى،‭ ‬والشرق‭ ‬والغرب‭ ‬لا‭ ‬يلتقيان)‭‬،‭ ‬ وكذلك‭ ‬عبدالهادي،‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬بدت‭ ‬معتدلة،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬تطرفت‭ ‬إثر‭ ‬موت‭ ‬أحد‭ ‬زملائه‭ ‬في‭ ‬العمل‭ )‬وراح‭ ‬يلصق‭ ‬أوراقًا‭ ‬سوداء‭ ‬على‭ ‬واجهة‭ ‬مكتبه‭ ‬الزجاجية،‭ ‬وعرف‭ ‬وليد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬رؤية‭ ‬الفتيات‭ ‬اللاتي‭ ‬يعبُرن‭ ‬الممرات‭ ‬الداخلية). ‬

وينهي‭ ‬الكاتب‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الرواية‭ ‬بمعالجة‭ ‬محببة‭ ‬لدى‭ ‬القراء،‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬هدم‭ ‬التناقضات‭ ‬وصراعات‭ ‬العمل‭ ‬بين‭ ‬الاثنين،‭ ‬حين‭ ‬أشعل‭ ‬شرارة‭ ‬الحب‭ ‬بين‭ ‬منال‭ ‬ووليد،‭ ‬لتنصهر‭ ‬الاختلافات،‭ ‬وتذوب،‭ ‬وتوثّق‭ ‬بعلاقة‭ ‬زواج‭ ‬متينة‭ ‬الأواصر،‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الاتزان‭ ‬بين‭ ‬أطرافها‭. ‬

 

زمن‭ ‬البوح‭ - ‬التحولات‭ (‬2009‭)‬

يحمل‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الثلاثية‭ ‬عنوان‭ ‬التحولات،‭ ‬يجد‭ ‬به‭ ‬القارئ‭ ‬كمًّا‭ ‬هائلاً‭ ‬من‭ ‬تحولات‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬منال‭ ‬ووليد‭ ‬الزوجية،‭ ‬بل‭ ‬وتغيّرات‭ ‬جذرية‭ ‬أظهرتهما‭ ‬معتدلين‭ ‬ومتجانسين‭ ‬بشكل‭ ‬متكامل‭ ‬ومتناغم‭. ‬وقارئ‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬يستوعب‭ - ‬دون‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬البدايات‭ - ‬التحول‭ ‬الحاصل‭ ‬لدى‭ ‬الشخصيتين‭ ‬الرئيستين،‭ ‬فمنال‭ ‬غدت‭ ‬زوجة‭ ‬وأمًّا‭ ‬لولد‭ ‬وابنتين،‭ ‬مدرّسة‭ ‬متقاعدة،‭ ‬تبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬44‭ ‬عامًا،‭ ‬محجبة،‭ ‬ولم‭ ‬تكمل‭ ‬دراساتها‭ ‬العليا‭!‬

بينما‭ ‬وليد‭ ‬نال‭ ‬شهادة‭ ‬الدكتوراه،‭ ‬وأصبح‭ ‬مدير‭ ‬قسم‭ ‬بالكلية‭ ‬التطبيقية‭. ‬ويتضح‭ ‬خضوع‭ ‬منال‭ ‬ومسايرتها‭ ‬لرغبات‭ ‬زوجها‭ ‬وتوجهه‭ ‬الفكري،‭ ‬بينما‭ ‬هو‭ ‬أصبح‭ ‬أكثر‭ ‬مرونة‭ ‬وأقل‭ ‬تطرفًا‭. ‬ولم‭ ‬يقدّم‭ ‬الكاتب‭ ‬تفسيرًا‭ ‬لهذا‭ ‬التغيير،‭ ‬فقد‭ ‬اكتفى‭ ‬بالإشارة‭ ‬إلى‭ ‬الحب‭ ‬والتفاهم‭ ‬المتبادل‭ ‬بينهما‭.‬

ومن‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬بدا‭ ‬فيها‭ ‬وليد‭ ‬هيّنًا،‭ ‬توقّعه‭ ‬مستقبل‭ ‬ابنته‭ ‬الكبرى‭ ‬شروق‭ )‬أتوقع‭ ‬بتصير‭ ‬دكتورة‭ ‬أو‭ ‬وزيرة‭( ‬وتقبّله‭ ‬لرغبة‭ ‬ابنه‭ ‬بأن‭ ‬يصبح‭ ‬موسيقيًّا‭. ‬

في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬منال‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬تشددًا‭ ‬مع‭ ‬أبنائها‭ )‬الرقابة‭ ‬الصارمة‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬على‭ ‬مشاهدة‭ ‬القنوات‭ ‬التلفزيونية،‭ ‬مراقبته‭ ‬وهو‭ ‬يجلس‭ ‬أمام‭ ‬الإنترنت)‭‬،‭ ‬والقرار‭ ‬الذي‭ ‬اتخذته‭ ‬على‭ )‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬إلا‭ ‬جهاز‭ ‬تلفزيون‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬الصالة‭ ‬الرئيسة‭.( 

وفي‭ ‬أحداث‭ ‬أخرى‭ ‬يظهر‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬التنشئة‭ ‬الأولى‭ ‬لوليد‭ ‬ومنال‭ ‬كعادة‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬وقوة‭ ‬الطبع‭ ‬الذي‭ ‬يغلب‭ ‬التطبع،‭ ‬فهو‭ ‬يرفض‭ ‬جلوسها‭ ‬المتكرر‭ ‬في‭ ‬المقاهي،‭ ‬وهي‭ ‬تصرّح‭ ‬مازحة‭ ‬برفضها‭ ‬تعدد‭ ‬الزوجات،‭ ‬كما‭ ‬تلقي‭ ‬عليه‭ ‬اللوم‭ ‬بعدم‭ ‬حصولها‭ ‬على‭ ‬الماجستير‭. ‬

وتعود‭ ‬مسألة‭ ‬التناقض‭ ‬الفكري‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬من‭ ‬الثلاثية‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬أوسع‭ ‬من‭ ‬الجزء‭ ‬الأول،‭ ‬ففي‭ ‬الكلية‭ ‬التطبيقية،‭ ‬تبرز‭ ‬تيارات‭ ‬فكرية‭ ‬مختلفة،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬بانتخابات‭ ‬رابطة‭ ‬الأساتذة،‭ ‬يمثّلها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬وليد‭ ‬المتدين‭ ‬الملتحي،‭ ‬فواز‭ ‬القبَلي‭ ‬الليبرالي،‭ ‬هديل‭ ‬السافرة‭ ‬التي‭ ‬تتحدر‭ ‬من‭ ‬أسرة‭ ‬تجار‭ ‬حضرية،‭ ‬وحمزة‭ ‬من‭ ‬المذهب‭ ‬الشيعي‭.‬

وحتى‭ ‬يعيد‭ ‬الكاتب‭ ‬الأحداث‭ ‬المتناقضة‭ ‬إلى‭ ‬سياقها‭ ‬المعتدل،‭ ‬فإنه‭ ‬يلجأ‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ومتانتها‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الكويتي،‭ ‬فالصداقة‭ ‬بين‭ ‬وليد‭ ‬وفواز‭ ‬كانت‭ ‬كفيلة‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬مستقبلهما‭ ‬الوظيفي‭ ‬واستقرارهما‭ ‬الأسري،‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬واجهه‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬مع‭ ‬ولديهما‭. ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الحب‭ ‬الذي‭ ‬جمع‭ ‬فواز‭ ‬القبلي‭ ‬وهديل‭ ‬السافرة،‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬نمط‭ ‬للتعايش‭ ‬بين‭ ‬اختلاف‭ ‬عادات‭ ‬وتقاليد‭ ‬لكل‭ ‬منهما،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬للمال‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬استمراره،‭ ‬حسب‭ ‬قراءتنا‭ ‬للرواية‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬يطرح‭ ‬الكاتب‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬قضايا‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الكويتي،‭ ‬المتمثلة‭ ‬بزواج‭ ‬الكويتية‭ ‬سارة‭ ‬من‭ ‬أجنبي،‭ ‬والذي‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬نتاج‭ ‬تعليم‭ ‬خاص‭ ‬مختلط،‭ ‬سحق‭ ‬تمايز‭ ‬الجنسية‭ ‬والهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬بين‭ ‬طلابه،‭ ‬كما‭ ‬يعرض‭ ‬الكاتب‭ ‬مستقبل‭ ‬الأبناء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الزواج،‭ ‬لاعتبار‭ ‬أن‭ ‬جنسية‭ ‬الأبناء‭ ‬تتبع‭ ‬الأب،‭ ‬وبالتالي‭ ‬معاملتهم‭ ‬كمقيمين‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬الأم‭.‬

وعادة‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬الانفصال‭ ‬هو‭ ‬الحل‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬لإمكان‭ ‬حصول‭ ‬أبناء‭ ‬الكويتية‭ ‬المطلقة‭ ‬على‭ ‬جنسيتها،‭ ‬وضمان‭ ‬حياة‭ ‬أفضل‭ ‬لهم‭. ‬ويطرح‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬هديل‭ ‬وفواز،‭ ‬قضية‭ ‬تأخر‭ ‬سن‭ ‬الزواج‭ ‬لاعتبارات‭ ‬مختلفة،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬ساقته‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬التفاوت‭ ‬بالانتماءات‭ ‬والطبقات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬القبائل‭ ‬والتجار،‭ ‬وإن‭ ‬شهد‭ ‬توافقًا‭ ‬فكريًّا‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭. 

وامتدادًا‭ ‬للنظرة‭ ‬التفاؤلية‭ ‬للكاتب،‭ ‬نجده‭ ‬يرسم‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬نهايات‭ ‬جميلة‭ ‬لعلاقة‭ ‬فواز‭ ‬وهديل،‭ ‬ولسارة‭ ‬أيضًا‭. ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬يتفق‭ ‬مع‭ ‬أغلب‭ ‬القراء‭ ‬الراغبين‭ ‬بنهايات‭ ‬سعيدة‭ ‬للأحداث‭. ‬

 

زمن‭ ‬البوح‭ - ‬الحكايات‭ (‬2017‭)‬

في‭ ‬الجزء‭ ‬الثالث،‭ ‬الحكايات،‭ ‬وهو‭ ‬فعلا‭ ‬مليء‭ ‬بالقصص‭ ‬والحكايات،‭ ‬لمصائر‭ ‬شخصيات‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الثلاثية،‭ ‬مثل‭ )‬فواز،‭ ‬هديل،‭ ‬سارة)‭ ‬،‭ ‬والتي‭ ‬تروى‭ ‬بلسان‭ ‬وليد‭ ‬ومنال،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اضطرت‭ ‬منال‭ ‬لترك‭ ‬زوجها،‭ ‬ومرافقة‭ ‬ابنتها‭ ‬شروق‭ ‬للدراسة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬يوزع‭ ‬الكاتب‭ ‬هذه‭ ‬الحكايات‭ ‬بشكل‭ ‬منظم‭ ‬ومتوال،‭ ‬بحيث‭ ‬تجذب‭ ‬القارئ‭ ‬ولا‭ ‬تدع‭ ‬له‭ ‬مجالًا‭ ‬للملل‭. ‬

اللافت‭ ‬للنظر‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬تطرّق‭ ‬الكاتب‭ ‬فيه‭ ‬لبعض‭ ‬المشكلات‭ ‬النفسية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تصيب‭ ‬الإنسان‭ ‬بمراحل‭ ‬حياته‭ ‬المختلفة،‭ ‬إثر‭ ‬الصعاب‭ ‬والظروف‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬مسيرته،‭ ‬كالتفكير‭ ‬والقلق‭ ‬والخوف،‭ ‬التي‭ ‬لازمَت‭ ‬منال‭ ‬على‭ ‬أبنائها،‭ ‬بعد‭ ‬فقدانها‭ ‬أختها‭ ‬إثر‭ ‬سفرها‭ ‬وحدها،‭ ‬وجعلها‭ ‬تبدو‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬عمرها‭.‬

والعزلة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬حاصرت‭ ‬فواز‭ ‬بعد‭ ‬خسارته‭ ‬الانتخابات،‭ ‬وفقدانه‭ ‬زوجته‭ ‬الثانية‭ ‬هديل،‭ ‬وسفر‭ ‬ابنه‭ ‬راشد‭ ‬للجهاد،‭ ‬وانقطاع‭ ‬أخباره‭. ‬والغضب‭ ‬الذي‭ ‬تفجّر‭ ‬في‭ ‬منال‭ ‬جراء‭ ‬مكالمة‭ ‬من‭ ‬جارتها‭ ‬النمّامة،‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬ابنها‭ ‬خالد‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬التلفاز‭ ‬يعزف‭ ‬الكمان‭. ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬يقدم‭ ‬الكاتب‭ ‬الحل‭ ‬لذلك،‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬وخفيّ،‭ ‬تمثّل‭ ‬في‭ ‬الانغماس‭ ‬بعمل‭ ‬تحبه‭ ‬النفس‭.‬

‭ ‬فمنال‭ ‬التي‭ ‬رافقت‭ ‬ابنتها،‭ ‬احتكت‭ ‬بعائلة‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬زوجين‭ ‬مسنيّن‭ ‬في‭ ‬بوسطن،‭ ‬وتعلمت‭ ‬منهما‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة‭ ‬أهمها‭ ‬التدوين‭ ‬وكتابة‭ ‬اليوميات،‭ ‬ومنها‭ ‬أصدرت‭ ‬أول‭ ‬كتاب‭ ‬لها،‭ ‬وأصبحت‭ ‬كاتبة‭ ‬لا‭ ‬تستغني‭ ‬عن‭ ‬مفكرتها‭ ‬وقلمها،‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬تعويض‭ ‬لما‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬تحقيقه‭ ‬في‭ ‬صباها‭. ‬أما‭ ‬الدكتور‭ ‬فواز،‭ ‬فعاد‭ ‬للعمل‭ ‬الأكاديمي،‭ ‬والتدريس،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اطمأن‭ ‬على‭ ‬ابنه،‭ ‬واستشعر‭ ‬مدى‭ ‬قرب‭ ‬صديقه‭ ‬وليد‭ ‬منه،‭ ‬وحرصه‭ ‬عليه‭ ‬وعلى‭ ‬صحته‭. ‬وحول‭ ‬موقف‭ ‬منال‭ ‬من‭ ‬موهبة‭ ‬ابنها‭ ‬الموسيقية،‭ ‬فعالجته‭ ‬باقتناعها‭ ‬بأن‭ ‬ابنها‭ )‬يعرف‭ ‬مستقبله‭... ‬وهذا‭ ‬ولدنا‭ ‬نفتخر‭ ‬فيه‭ ‬ونفتخر‭ ‬بظهوره‭ ‬في‭ ‬التلفزيون)‭. ‬

في‭ ‬رواية‭ ‬الحكايات،‭ ‬يتلمس‭ ‬القارئ‭ ‬معايشة‭ ‬الكاتب‭ ‬للواقع‭ ‬العربي،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬تعرّض‭ ‬بلاد‭ ‬عربية‭ ‬لمشكلات‭ ‬سياسية،‭ ‬حيث‭ ‬يظهر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شخصيتيه‭ )‬راشد،‭ ‬منال‭ ( ‬تلمّس‭ ‬المواطن‭ ‬الكويتي‭ ‬لما‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬الآخر‭ ‬العربي،‭ ‬والأجنبي‭ ‬الغربي‭. ‬ولكلاهما‭ ‬تحرُّك‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬الإرهاب،‭ ‬لكن‭ ‬بطرق‭ ‬مختلفة،‭ ‬فراشد‭ ‬مثلًا‭ ‬انساق‭ ‬كغيره‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬إلى‭ ‬الانضمام‭ ‬للجهات‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬الجهاد‭ ‬والإسلام،‭ ‬فأرهق‭ ‬أسرته‭ ‬وأضر‭ ‬بنفسه،‭ ‬ولم‭ ‬يحقق‭ ‬نتيجة‭ ‬تُذكر‭.‬

بينما‭ ‬لجأت‭ ‬منال‭ ‬إلى‭ ‬الحوار‭ ‬والحديث‭ ‬الحسَن،‭ ‬والتقارب‭ ‬الفكري،‭ ‬مع‭ ‬جاريها‭ ‬الزوجين‭ ‬المسنين‭ ‬في‭ ‬بوسطن،‭ ‬فنتج‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬علاقة‭ ‬صداقة‭ ‬متينة،‭ ‬وتصحيح‭ ‬للمفاهيم‭ ‬الخاطئة‭ ‬عن‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين،‭ ‬وتقبّل‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬للآخر‭. ‬

 

خاتمة‭ ‬بالموسيقى‭ ‬والأدب

القارئ‭ ‬المتمعن‭ ‬للثلاثية‭ ‬يجد‭ ‬ترابطًا‭ ‬مذهلًا‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬ابتدأ‭ ‬به‭ ‬الكاتب‭ ‬وما‭ ‬انتهى‭ ‬إليه،‭ ‬فالموسيقى‭ ‬التي‭ ‬أثارت‭ ‬حفيظة‭ ‬منال‭ ‬ووليد،‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ )‬البدايات)‭‬،‭  ‬كانت‭ ‬خير‭ ‬ختام‭ ‬للجزء‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬الثلاثية،‭ ‬حيث‭ ‬ادوزنتب‭ ‬نغمات‭ ‬علاقتهما‭ ‬وهذّبتها،‭ ‬وهيأتهما‭ ‬لاستقبال‭ ‬موهبة‭ ‬ابنهما‭ ‬خالد‭ ‬حفيد‭ ‬النهّام‭ )‬وهو‭ ‬مطرب‭ ‬السفينة‭( ‬بقبول‭ ‬وأريحية‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬لتوجد‭ ‬لولا‭ ‬سلسلة‭ ‬الأحداث‭ ‬المتتالية‭. ‬

والمكان‭ ‬الذي‭ ‬ضمهما،‭ ‬وهو‭ ‬مبنى‭ ‬صحيفة‭ ‬الشروق‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الأول،‭ ‬لم‭ ‬يختلف‭ ‬كثيرًا‭ ‬في‭ ‬مجاله‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬نبراس‭ ‬للنشر‭ ‬الذي‭ ‬أشرف‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬منال‭ ‬الأول،‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأدب‭ ‬والعمل‭ ‬الصحفي‭. ‬

لقد‭ ‬شهدت‭ ‬الثلاثية‭ ‬ختامًا‭ ‬منسجمًا‭ ‬ومترابطًا،‭ ‬وإن‭ ‬تغيرت‭ ‬الشخصيات‭ ‬وميولها،‭ ‬واستجدت‭ ‬أحداث‭ ‬وانحرفت‭ ‬عن‭ ‬أصولها،‭ ‬فقد‭ ‬شكلت‭ ‬بوح‭ ‬الزمن‭ ‬لقارئها‭ ■‬