8 عروض وندوات تطبيقية في جمعية الثقافة والفنون السعودية صراعات نفسية تلقي بظلالها على «ملتقى المونودراما» في الدمام

على مدى 3 أيام متتالية خلال شهر سبتمبر الماضي، شهد فرع الجمعية السعودية للثقافة والفنون بالدمام «ملتقى المونودراما» بمشاركة 8 عروض مسرحية و8 ندوات تطبيقية، بحضور ما يزيد على 250 متفرجًا يوميًا.
سعى الملتقى خلال ثلاثة أيام إلى أن يجمع التجارب المسرحية التي تنتــمي لمسرح المونودراما )مسرح المــــمثل الواحد) ، بهدف تنشيط الحراك المسرحي واكتشاف إمكانات الشباب المسرحية في مجال المونــودراما، والتعريف بهذا النوع المسرحي وتقريبه من الجمهور، حيث تقدم للمشاركة 15 عرضًا مسرحيًّا، من داخل المملكة وخارجها، وانتهت اللجنة المنظمة للملتقى إلى استيفاء 8 من العروض المتقدمة للمشاركة، وهي: «الشرقي الذي فقد» لفرقة إبحار، تأليف وإخراج ياسر الحسن، و«أبوالأذنين» لفرقــــة رتــــاج، مــــن تألــــيف عمر البدران وإخراج خالـــد الخميــــس، و«البلا أوراق» لفرقة الرياض المسرحية، تأليف عباس الحايك وإخراج حسين الفيفي، و«غوايات البهاء» لفرقة نورس المسرحية، من تأليف موفق مسعود وإخراج كميل العلي، و«بارانويا» لشركة بلاك لايت، من تأليف عباس الحايك وإخراج محمد جميل، و«ربيع آخر» لفرقة نورس المسرحية، تأليف وإخراج ليــن السيوفي، و«وجود» لفرقــــة همســــات شهرزاد، تأليف نصار النصار وإخراج مريام بوخمسين، و«الحصرم» لمؤسسة أقواس الدوائر، من تأليف عبدالباقي البخيت وإخراج راشد الورثان.
ملتقى من دون مسابقات
أكد مدير جمعية الثقافة والفنون بالدمام، يوسف الحربي، أن الملتقى يهدف إلى فتح الباب للمسرحيين الشباب ليختبروا إمكاناتهم المسرحية ضمن هذا الشكل من العروض.
وقال: يعد «ملتقى المونودراما» الأول مختبرًا مسرحيًّا حقيقيًّا للفعل والنص والأداء والرؤية الإخراجية المسرحية، إضافة إلى كونه مختبرًا للتلقي، حيث كان الجميع شركاء في تلقّي العروض، ومن خلاله استطاع المسرحيون الشباب اختبار إمكاناتهم ضمن هذا الشكل المسرحي، بينما أكد مدير بيت المسرح، الكاتب عباس الحايك، أنهم حرصوا على أن يكون الملتقى الأول من دون مسابقة ومنافسة على الجوائز، وذلك لإيمانهم بأن جميع الفرق بمخرجيها ومؤلفيها وممثليها هم الفائزون.
العروض المسرحية وندواتها التطبيقية
بدأت العروض المسرحية بعرض «الشرقي الذي فقد» لفرقة إبحار، وهي من تأليف وإخراج وتمثيل الفنان ياسر الحسن، الذي قدّم عملًا على مدار 45 دقيقة يتناول قصة بحار عربي يعمل على ظهر سفينة قراصنة برتغاليون، والتي عمل عليها بعد إنقاذه من سفينته التي غرقت في البحر، جسّد الحسن في أثناء العرض حالة الصراع في الإبقاء على هويته من الضياع، ومستعرضًا ذكرياته مع مريم الفتاة التي أحبها.
بينما كان العرض الثاني لفرقة الرياض المسرحية بعنوان «البلا أوراق» من تأليف عباس الحايك وإخراج حسين الفيفي، وتمثيل عبدالعزيز العبدان الذي جسّد معاناة من يعيش بلا هوية أو جنسية، وكيف يشعر بأنه مُلاحق من الجهات الأمنية التي تلاحق المخالفين لنظام الإقامة، ويجد نفسه يعشق فتاة لا يستطيع أن يتقدم لها بسبب وضعه الاجتماعي، في حين توغل العرض أكثر من خلال محاولة بطل المسرحية تقمص دور شخصية في رواية يقرأها خلال اختبائه عن أنظار ملاحقيه، لدرجة جعلته يعتقد أن نهايته ستكون نهاية بطل الرواية نفسها الذي يموت في نهاية العرض بطلقة رصاص.
وقدمت فرقة رتاج العرض الثالث بعنوان «أبو الأذنين» مختلفًا عن سابقيه، إذ اعتمد مخرج العمل على استخدام اللغة العامية في هذا العرض، في حين كانت العروض السابقة باللغة العربية الفصحى. وتناول العرض الذي كتبه عمر البدران وأخرجه خالد الخميس، ولعب بطولته دغش الدغيش، قصة رجل يعاني عقدة نفسية سبّبها المجتمع الذي أطلق عليه لقب «أبوالأذنين»، وهو ما تسبب في أن يهرب ويعيش العزلة بما تحمله من معاناة.
الصراعات النفسية
شهد اليوم الثاني من الملتقى ثلاثة عروض مسرحية أجمعت على الأزمة النفسية التي يعيشها الإنسان، بدأت العروض بمسرحية «غوايات البهاء» لفرقة النورس، من تأليف موفق مسعود وتمثيل وإخراج كميل العلي؛ الذي استطاع أن يلفت الأنظار إلى موهبته في التمثيل والإخراج على حد سواء، إذ تناول في عرضه الصراع النفسي لدى بطل العرض الذي جسّد مفارقات الحياة بين الطفولة البريئة وتجبّر الدكتاتور الذي يشك في جميع من حوله، لدرجة أنه يراهم كالجرذان.
وأبدع مخرج العمل في استخدام المؤثرات الضوئية والصوتية والحركة المسرحية، زاد عليها إبداع الأداء الجسدي للمثل.
وفي العرض الثاني قدمت فرقة همسات شهرزاد مسرحية «وجود» ، تمثيل علي الجلواح، وتأليف نصار النصار، وإخراج مريام بوخمسين، تناولت فيه ما يعيشه بعض الشباب من اهتمام بتفاصيل مادية سطحية، والابتعاد عن الجوهر في العلاقة النفسية والاجتماعية، حيث يجد بطل المسرحية نفسه فاقدًا للذاكرة وسط مكان أشبه بالعدم، ليحاول استرجاع شريط حياته، وليلاحظ أن هناك تفاصيل مكتوبة على جسده لا تعدو عن كونها لماديات؛ كسيارة رياضية وسفر ونقود، في حين لا يجد أي شيء يرمز لشخصيته واسمه، ليتيقن بعدها أنه أضاع عمره في الجري خلف تفاصيل باهتة، في وقت تجاهل فيه نداء أقرب أصدقائه له في وقت حاجته، ليفاجأ بعد عودته من أحد أسفاره بأن صديقه توفي بعد معاناة مع المرض.
أما العرض الثالث والأخير، فقد حمل عنوان «بارانويا» من تقديم فرقة بلاك لايت، وتمثيل محمد جميل، وتأليف عباس الحايك وإخراج صقر القرني، وتناول معاناة موظف مع مديره المباشر المصاب بجنون العظمة والمزاجية في التعامل مع مرؤوسيه، مما جعل بطل المسرحية يدخل في حالة قلق شديد، خوفًا من تصرفات المدير المفاجئة التي حولت حياة جميع الموظفين إلى جحيم لا يطاق.
اضطرابات نفسية
أقيم في اليوم الختامي للملتقى عرضان مسرحيان بدآ بـ «ربيع آخر» لفرقة النورس، وهي من بطولة الفنان حسن العلي وتأليف وإخراج لين السيوفي، في حين شارك في التأليف والتنفيذ الموسيقي عبدالعزيز العباس، وإضاءة محمد اليوسف.
تناول العرض حالة الاضطراب النفسي الذي يعيشه بطل المسرحية «ربيع» بسبب المشكلات الأسرية التي نشأ وسطها، بعد أن تزوج والده زوجة أخرى، في حين بالغت والدته في رعايته والخوف عليه من كل شيء، ليتحول بعدها إلى شخصية مهزوزة تخشى الغرباء، في وقت لا يتردد فيه عن إيذاء المقربين منه من دون رحمة.
وفي العرض الختامي قدمت فرقة أقواس الدوائر مسرحية «الحصرم» من تأليف عبدالباقي بخيت، وسينوغرافيا وإخراج راشد الورثان، وبطولة الفنان معتز العبدالله، الذي استطاع أن ينقل جزءًا كبيرًا من قوة النص إلى خشبة المسرح، يرافقه بذلك ديكور وإضاءة وموسيقى ومكياج جعلت من العرض لوحة متكاملة بنسبة كبيرة جدًا.
وقد زادت حوارات المسرحية المتقنة من عمق الحكاية الذي اتضح بالعزلة الفوضوية في أحد المواقع السيئة التي يعيش فيها بطل العرض، اعتقادًا منه بأن هروبه من المجتمع سيوفّر له الأمان، إلا أن ذلك لم يتحقق، بل جعله يصارع ذاته لإثبات صحة اختياره، رغم اقتناعه بأنه على خطأ.
وفي الندوة التطبيقية، التي أدارها سلطان المقبالي، اتفق الجمهور في مداخلاتهم على قوة نص المسرحية الذي تضمّن لغة شعرية قوية، إضافة إلى كثير من الرمزية والدلالات التي أخذت المتلقين إلى الإحساس بعنوان المسرحية «الحصرم»، الذي يقصد به نهاية الأشياء لدرجة الفناء ■