فصاحة اللسان
ترويج البضاعة بالشعر

انقطع "ربيعة بن عامر" والملقب بـ"مسكين الدرامي" إلى الزهد والعبادة، والاتصال بالملأ الأعلى عابداً وقد هجر الشعر والشعراء وانتهى به الأمر إلى التوحد بلا انقطاع.

في عهد انعزاله قدم تاجر إلى المدينة يبيع خمر النساء حيث يسترن وجوههن بها. كان الزمن زمن كساد ولا قدرة لأحد على البيع والشراء فكسدت بضاعة التاجر وخاف الخسران والعودة بخفي حنين فأشارت عليه جماعة من الناس: لا يساعدك في بيعها إلا مسكين الدرامي الشاعر الشهير بالصوت الجميل والظرف.

توجه التاجر إلى "مسكين" وقص عليه قصته، فأجابه مسكين، بأنه هجر الشعر وانقطع للعبادة وأصبح على حاله الذي يراه.

حزن التاجر حزنا واغتم بسبب كساد بضاعته، وحين رأى مسكين هموم التاجر صعب عليه أمر الرجل فغادر المسجد وقد استعاد شكل الشاعر القديم بإهابه وخطابه ومباهاته بنفسه ثم وقف في السوق المزدحم مجلجلاً صوب صخب الناس الذين فوجئوا به بينهم ينشد شعراً:

قل للمليحة في الخمار الأسود	ماذا فعلت بناسك متعبد
قد كان شمر للصلاة ثيابه	حتى قعدت له بباب المسجد
ردي عليه ثيابه وصلاته	لا تقتليه بحق دين محمد

بعد هذه القصيدة انتشر بين الناس أن "الدرامي" قد أحب امرأة ذات خمار أسود، وأنه قد عاد لتعاطي الشعر فخرجب نساء المدينة تطلب الخمار الأسود حتى نفدت بضاعة التاجر بأضعاف ثمنها، عند ذلك عاد إلى بلده مجبوراً خاطره.

فصاحة امرأة وألمعية الرشيد

دخلت على الرشيد امرأة تحمل له الكراهية وحقد النفس وسواد القلب، والجماعة تلتف حول الرشيد.

حين لمح الرشيد المرأة أمامه انتبه وقال :

ما تريدين؟

أجابته : يا أمير المؤمنين أقر الله عينك، وفرحك بما أتاك وأم سعدك.

صاح الجميع بفصاحة المرأة إلا الرشيد فسألها:

من تكونين أيتها المرأة؟

فقالت : من آل برمك ، ممن قتلتهم ، وسلبت أموالهم.

فأجاب: أما الرجال فقد مضى فيهم أمر الله، وأما المال فمرده إليك.

ثم التفت للجمع قائلاً:

أتفهمون ما أجابت به المرأة؟

قالوا: لقد قالت كل الخير يا أمير المؤمنين.

فقال : ما أظنكم فهمتم شيئا.

أما قولها:" أقر الله عينك " أي أسكنها، فالعين لا تسكن إلا بالعمى ، وأما قولها:" فرحك بما آتاك " فأخذته من قوله تعالي: حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة وأما قولها: "وأتم الله سعدك" فأخذته من قول الشاعر :

إذا تم أمر بدا نقصه

ترقب زوالا إذا قيل تم

فتعجب القوم من بداهة الرشيد وسعة أفقه.

الأعمى يثقب اللؤلوة

مجلس "المهدي" ملتقى والشعر والشعراء ، وخلف الستائر جوار يضربن بالنغم الشفيف ، والألحان الذائبة في النور، والحاشية جمع من المتذوقين للحياة وللأدب ، وضوء القناديل يشع على الحيطان بنور يسطع فيضيء الطنافس وسجاجيد العجم، وستائر المخمل ، ومقاصير خشب السنديان.

دخل" يزيد بن منصور" خال الخليفة وكانت به غفلة وحماقة و"بشار" يجلس بين يدي الأمير ينشد قصيدة من الشعر مجلجلاً بصوت له صدى في الأركان . قال يزيد لبشار متسائلاً:

يا شيخ ما صناعتك؟

فاندهش "بشار" من سؤال الرجل ثم أجابه ساخراً :

أثقب اللؤلؤ.

فضحك المهدي وكنه تدارك الأمر وصاح في بشار:

اغرب عن وجهي أتسخر من خالي؟ فقال بشار:

- ما الذي أفعله يا أمير المؤمنين ، يرى شيخاً أعمى ينشد الخليفة بالشعر ثم يسأل ما صناعته!

هالك لا محالة

استقامت صفوف المصلين في المسجد الكبير ووقف الأعرابي مستشرفا القبلة في الصف الأول خلف الإمام.

كبر الأمام وبدأت التلاوة وجاء صوته ألم نهلك الأولينفتأخر بالأعرابي إلى الصف الآخر ، ثم قرأ الإمام كذلك نفعل بالمجرمين وكان البدوي اسمه مجرم فانزعج حتى ارتعدت فصائله فترك الصلاة وأخذ يعدو صارخاً:

والله ما المطلوب غيري.

فلقيه بعض الأعراب فقالوا له: مالك يا مجرم؟

فقال: إن الإمام أهلك الأولين والآخرين وأراد أن يهلكني في الجملة والله لا أراه بعد اليوم.

 

 

أعلى الصفحة

|

الصفحة الرئيسية