إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي

الجريمة لا تفيد

روبرتو كالفي واحد من ابرز رجال المصارف في روما . اختفى من العاصمة الإيطالية ليظهر مشنوقاً بحبل تحت أحد جسور لندن.

المحققون قالوا : إن كالفي انتحر . وأقفلوا التحقيق، ولكنهم قبل أسابيع قرروا إعادة نبش الجثة، والكشف عليها لمعرفة الإجابة عن السؤال : نحروه أم انتحر؟

الحادثة وقعت عام 1982، وربط بعضهم في ذلك الوقت انتحاره أو نحره بمؤامرة كان الفاتيكان أحد أبطالها ، حيث اختفت عدة ملايين من الدولارات من موازنته بطريقة غامضة.

ما يلفت في إعادة نبش الجثة ليس فتح التحقيق مجدداً لأن شهوداً جدداً كشفوا عن أسرار كانت خافية من تلك المؤامرة ، بل لأن التقنيات العصرية في الكشف عن الجرائم تطورت كثيراً في عقدنا الأخير، وباتت تعمل بمفعول رجعي إذ سوف تتمكن المختبرات الجنائية من معرفة كيف مات روبرتو كالفي قبل 16 عاماً ، وهل قتل أم انتحر، وفي حال تبين أن هنك جريمة فإن المختبر سوف يبحث في بقايا المرحوم كالفي عن أدلة تكشف عن هوية القاتل.

بالطبع كلنا قرأ عن ذلك المختبر الجنائي الذي زعم أن نابليون بونابرت مات مسموماً ، بعد أن قام المختبر بفحص خصلة شعر قيل إنها تعود لنابليون، كما قرأنا كذلك عن جريمة اغتيال الفرعون الصغير توت عنخ آمون التي كشف عنها أحد المختبرات إثر الكشف عن موميائه بعد آلاف السنين.

وقبل قراءة الخبر عن روبرتو كالفي كنت أعتقد أن هذه الاكتشافات المتأخرة هي أقرب إلى السوالف ، يمكنك أن تصدقها أو ترفضها ولكن لا يمكنك بالتأكيد أن تتعامل معها باعتبارها الحقيقة كلها ، حيث يقوم المختبر بدور شاهد العيان لتأكيد الجريمة.

ولكن مع كالفي القضية بدأت تختلف، فالمختبر يزعم، والشرطة تصدق، أن النتائج سوف تكون مؤكدة ، وأن نسبة الخطأ فيها لن تزيد على واحد في المائة ألف، يعني شبه معدومة، وبالتالي فإذا وقعت جريمة، وإذا تم العثور على المجرم، فإن هذا المجرم سوف يدان ويلقى جزءاه حتماًن ولو بعد 16 عاماً.

ويخيل لي أن " أرشيف " الحوادث سوف ينفتح في المرحلة المقبلة على مصراعيه، وسوف يبدأ نبش القبور بالجملة، والمختبر سوف يكون شاهد عيان وبمفعول رجعي، وعندئذ فإن عبارات من نوع " الجريمة الكاملة" سوف تختفي من القاموس، لتأخذ مكانها عبارة "الجريمة لاتفيد" ، ولا نحتاج إلى خيال واسع لنرى ما سوف يحدث إذا كان المرحوم كالفي قد قتل، وأن ثروته يتنعم بها القاتل.

وإذا بقي هذا الباب مفتوحاً فالله وحده يعمل كم ثروة سوف تصادر لأن وراءها جريمة.

 

 

أنور الياسين

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات