الكويـــت أهمية جغرافية المكان

الكويـــت أهمية جغرافية المكان

الموقع الجغرافي لأي دولة له أثر في تكوين خصائص شعبها، فسكان الصحراء يختلفون عن سكان أودية الأنهار، وهؤلاء وأولئك يختلفون عن سكان الجبال أو الذين يعيشون على سواحل البحار والخلجان، وكذلك تختلف خصائص السكان حسب المناخ، فالذين يعيشون في المناطق الباردة غير الذين يعيشون في المناطق الحارة، وهؤلاء يختلفون عن الذين يعيشون في المناخ المعتدل.

لعبت الظروف الجغرافية دوراً في حياة الشعوب أثناء الحروب أو في السلام، وعندما نتحدث عن تطور بلد من البلدان نبدأ بدراسة جغرافيته ثم دور الناس في ذلك البلد، وكيفية ملاءمة الظروف واستغلالها.
والأمثلة على أهمية المكان في حياة السكان واضحة في أودية الأنهار، مثل النيل والفرات وغيرهما، وللطقس أهمية في سيبيريا أو في إفريقيا، والجبال في الصين والهند وغيرهما، وسياسياً عندما طرحت الحركة الصهيونية فكرة مشروع وطنها القومي كانت أول خطوة في المشروع هي مدى توافر مصادر المياه العذبة، خاصة في فلسطين. ولذلك وضعت شعارها من النيل إلى الفرات، وخاضت بعد قيامها حروباً من أجل التوسع والوصول إلى مصادر المياه العربية العذبة.
وهذا لم يكن المثل الوحيد على أهمية المكان، فدارسو التاريخ في أي عصر من العصور يضعون أهمية للمكان في وقوع الأحداث، ثم يبدأون في دراسة الحدث التاريخي وتأثيره والنتائج المترتبة عليه، ومن هنا نعرف مدى علاقة التاريخ بالجغرافيا. 
إن العلاقة بين التاريخ والجغرافيا علاقة عضوية، فلا تاريخ من دون جغرافيا، كما أن خصائص المكان مؤثرة في أحداث التاريخ، لكن لابد من ملاحظة أن هناك اختلافاً جوهرياً في تغيير البيئة الجغرافية بفعل عوامل طبيعية أو بفعل الإنسان، والتغير في أحداث التاريخ  لا يعني أن التغير في الجغرافيا بالدرجة نفسها، ولكن عندما نتحدث عن أحداث ووقائع تاريخية تبدو من الوهلة الأولى أهمية المكان الذي تقع فيه تلك الأحداث، ومدى تأثير وتأثر كل منهما بالآخر، فجغرافية مصر مثلاً في شمال إفريقيا، ولكن تاريخها مرتبط بالشرق الأوسط.  والمناطق التي تقع على البحار تختلف عن المناطق الداخلية البعيدة عنها في مكونها السكاني والاقتصادي وغيره، ومن هنا نجد أن لكل بلد تاريخه وخصائصه، وأن بعض الدول تجمع في جغرافيتها خصائص مختلفة، وتجمع بين البيئات المتنوعة الصحراء أو البحر وأودية الأنهار، ونجد أن خصائص السكان في كل واحدة من تلك البيئات في المكان الواحد مختلفة.
ولما كانت الهجرة السكانية عموداً فقرياً في حياة البشر الاجتماعية، فإن انتقال المهاجرين من مكان إلى آخر يفرض عليهم التكيّف مع البيئة المكانية الجديدة، وإلا فلا حياة لهم فيها. وهناك ثلاثة عوامل أساسية في التأثير الجغرافي على التاريخ، هي: الطبيعة، وما تواجهه من تغيرات جيولوجية، والحروب وما تحدثه من متغيرات في المكان عبر الزمان، كذلك يدخل عامل ثالث يتعلق بالإنسان ودوره في الجغرافيا والتاريخ، فقد استطاع فعل الكثير في المكان والزمان، الأمر الذي يجعل الفصل بين الجغرافية والتاريخ مستحيلاً.

أهمية الخليج العربي المكانية
يشكل الخليج العربي أحد الممرات المائية العالمية المهمة منذ آلاف السنين، وقد استخدمته القوى الدولية منذ عهد الإسكندر الأكبر في الألف الثالث قبل الميلاد، ويعتبر الذراع اليمنى للمحيط الهندي، في الوقت الذي يشكل فيه البحر الأحمر الذراع اليسرى لذلك المحيط، ومن خلال تنافس القوى الدولية على الخليج العربي، خاصة في التاريخ الحديث والمعاصر ولقرون خلت، نكشف تلك الأهمية، فمكان ومكانة الخليج العربي منحاه تلك الأهمية الاستراتيجية، وذلك يعني أنها مستمرة عبر الزمان، قبل النفط، وفي المرحلة النفطية وبعدها.
لقد كانت للخليج العربي أهمية تجارية في السابق، وأصبحت له أهمية خاصة في العصر النفطي، واكتساب الخليج لتلك الأهمية الاستراتيجية يعني اكتساب الدول التي تقع عليه الأهمية نفسها، ومنها الكويت التي تقع على رأسه. 
إن أهمية الخليج العربي ليست خاصة بدوله، بل تمتد تلك الأهمية عالمياً، إذ إن تجارة الشرق كانت تعبر في طريقها إلى الغرب عن طريق الخليج العربي والبحر الأحمر والعكس، وكان لمكان العالم العربي كجسر للعبور بين الشرق والغرب أهمية خاصة، لكن ما يلاحظ من قراءة التاريخ أن الدول المتشاطئة للخليج العربي والبحر الأحمر كانت استفادتها من هذين الممرين المائيين محدودة، في الوقت الذي كانت فيه استفادة الدول والقوى الدولية منهما أساسية، خاصة في المجال التجاري البحري، وأخيراً في تصدير النفط من دول الخليج العربية وإيران والعراق.
وبطبيعة الحال، كانت أهمية الكويت التي تقع في أقصى شمال الخليج العربي، ولاتزال، تؤخذ بالحسبان إقليمياً ودولياً، خاصة في القرن العشرين.

الأهمية الاستراتيجية لموقع الكويت
قلنا إن الكويت تقع في الجزء الشمالي من الخليج العربي، وعلى رأسه، وتجمع في أهميتها بين أهمية الخليج والجزيرة العربية جغرافياً واقتصادياً، خاصة في مجال التجارة، وهذا المكان في مثلث إقليمي بعد قيام الدول وتحديد حدودها في المنطقة، وهي إيران والعراق والمملكة العربية السعودية، وهي بلد صغير، تحددت حدودها الأساسية عام 1913م، وبرغم صغر حجمها، فإنها تتمتع بأهمية كبيرة بحكم الموقع، وتجمع بين بيئتي الصحراء والبحر، وقد لعبتا دوراً مهماً في تكوينها السكاني، وفي اقتصادها قبل النفط، والمهم في المكان الذي تحتله الكويت أنه هيأ لها استمرارية الوجود والبقاء، على الرغم من المتغيرات التاريخية التي أحاطت بها عبر مراحل التاريخ المختلفة، خاصة من دول الإقليم المحيط بها. وموقع الكويت له أهمية استراتيجية، وذلك يعني أن تلك الأهمية دائمة، وكانت كذلك قبل النفط وفي العصر النفطي وستبقى بعد النفط.
هناك دول منحها المكان أهمية تاريخية، وهي عديدة في العالم، مثل تركيا بين أوربا والشرق الأوسط. وقدر للكويت أن تكون مساحتها صغيرة نسبياً قياساً إلى مساحة جيرانها، إلا أن أهميتها باقية ومستمرة حتى لو تغيرت الحدود بقيام كيان خليجي موحد في المستقبل. وعندما نتحدث عن التاريخ التجاري للكويت قبل النفط، نتحدث عن تجارة بحرية وبرية، وعلى الرغم من محدودية المنتجات لديها، إلا أنها لعبت دوراً في النقل التجاري مع المناطق المجاورة والبعيدة، مثل الهند وشرق إفريقيا، وقد تغير الوضع الاقتصادي بفعل النفط، ولكن أهميتها المكانية لم تتغير.

إيجابيات وسلبيات الموقع الجغرافي
إن إحدى مشكلات بعض الدول صغر مساحتها كاليابان والكويت وسنغافورة وغيرها، وهذا يتطلب تقوية المقومات الأخرى لهذه الدول، ويجب ألا تكون المساحة مشكلة أمام تلك الدول، فالعالم المعاصر تم تحديد دوله، ووضعت خرائطها، ولا مجال بعد اليوم للتوسع أو تغيير تلك الحدود، ولهذا هناك دول كبيرة المساحة ودول متوسطة وأخرى صغيرة، وعلى سكان هذه الدول أن يتكيفوا مع ذلك، لأن الدول جميعها تعاني مشكلات؛ سواء كانت كبيرة أو متوسطة أو صغيرة، والمهم هو كيف تدار شؤون تلك الدول، وقد تكون المساحة كبيرة وعدد السكان قليلاً، وقد تكون المساحة صغيرة وعدد السكان كبيراً، والموارد في الحالتين قد تكون مشكلة إذا لم تتوافر لتلك الدول إدارة جيدة ذات رؤية استراتيجية.
ومن الدول صغيرة المساحة ولديها كثافة سكانية اليابان، التي أصبحت بعد الحرب العالمية الثانية نموذجاً للنهضة بفعل الإدارة الجيدة والفكر الاستراتيجي لديها.
ومن المؤكد أن الدول صغيرة المساحة تواجه مشكلات أساسية، كما أنها تتمتع بميزات إيجابية كثيرة، ونظراً إلى مشكلة المساحة، تسعى هذه الدول إلى تعويض ذلك بالتركيز على مقومات أخرى، كما فعل اليابانيون وغيرهم.
وسنحاول رصد بعض الإيجابيات والسلبيات لدى الدول الصغيرة المساحة ومنها الكويت، والإجابة عن سؤال أساسي حول تقوية المقومات الأخرى لهذه الدول، ومن السلبيات أن تكون هدفاً لأطماع الدول الأقوى منها في المقومات. أما الإيجابيات التي تتمتع بها الدول الصغيرة، فهي: أن الوضع الجيو- سياسي لها قد يمنحها فرصة الحياة والبقاء، حتى لو كان موقعها حساساً ومحاطاً بقوى كبيرة مختلفة التوجهات والمصالح الدائمة.
إن صغر مساحة البلد وقلة عدد السكان يعطيانه فرصة أكبر لتكييف الموارد، وتوفير الاحتياجات الأساسية للسكان، حتى لو كانت تلك الموارد شحيحة ومحدودة. ويمكن للدول الصغيرة أن تلعب دوراً سياسياً وثقافياً مهماً في الوقت الذي لم تستطع فيه الدول الأكبر منها مساحة وسكاناً فعل ذلك.
عندما تدرك الدول الصغيرة خصوصية حجمها لابد أن تقوم  بتقوية مقوماتها لتعويض مشكلة صغر المساحة وقلة عدد السكان بتحسين إدارة شؤونها لتكون لديها مكانة سياسية وثقافية إقليمياً ودولياً تعوضها عن مشكلة المساحة أو غيرها، والكويت منذ منتصف القرن العشرين تقوم بذلك الدور، ويمكن أن تكون نموذجاً للدول الصغيرة ذات المكانة الكبيرة.
إن صغر المساحة وقلة عدد السكان يؤديان إلى سهولة إدارة البلاد، والمقدرة على حل المشكلات في حدود الإمكانات المتاحة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. أما في مجال السلبيات التي تعانيها الدول صغيرة المساحة، فهي: قلة عدد السكان، مما يؤدي إلى قلة في القوة العاملة، وقلة الموارد البشرية لمجالات التنمية المختلفة، وقد تستعين تلك الدول بالوافدين، مثل حالة الكويت. ويفرز ذلك مشكلات أخرى عديدة عليها أن تستعد لمواجهتها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وبما أن  المساحة وعدد السكان لأي بلد مقومان أساسيان للمجتمع والدولة كالكويت، فإن قضايا عديدة تتعلق بالمشكلة لابد من دراستها، والتغلب عليها في عالم مضطرب ومتغير، وحالة الكويت نموذج لذلك.
إن البعض يرى أن صغر المساحة وقلة عدد السكان، رحمة، لأن الدول الكبيرة تعاني مشكلات كثيرة لا تعانيها الدول الصغيرة، لكن تجارب الصين والهند وغيرهما أثبتت عكس ذلك، وأن الدول الصغيرة لديها مشكلاتها وهمومها السياسية والاقتصادية أيضاً. ومهما تحدثنا عن تقوية مقومات القوة للدول الصغيرة، فهي محدودة بينما هي متاحة أكثر أمام الدول الأكبر مساحة وسكاناً، واستيراد مقومات بديلة قد تكون مكلفة، وهي ليست دائمة كالمقوم السكاني. 
ولدى الدول الكبرى مساحة وسكان وتنوع اقتصادي، وقوة بشرية أكثر من الدول الصغيرة، ويمكن القول في هذا الصدد إن هناك دولاً صغيرة تنمو وتتطور أفضل من دول كبرى عديدة، مثلما نقول إن هناك دولاً فقيرة لديها القدرة على التطور، وإن دولاً كبيرة غنية ولكنها لا تتطور، والأمثلة في مجتمعاتنا ودولنا المعاصرة تدلل على ذلك. ويسوق البعض أمثلة من التاريخ الحديث، تدل على أن هناك دولاً صغيرة أصبح لها شأن كبير، فالبرتغال دولة أوربية صغيرة أصبح لها شأن ودور في الكشوف الجغرافية، وكانت في مقدم الدول في القرن السادس عشر، وبريطانيا هذه الجزيرة الصغيرة في أوربا سيطرت على ثلاثة أرباع الكرة الأرضية في مرحلة تاريخية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، وهناك دول كبيرة مساحة وسكاناً تعاني مشكلات أساسية اقتصادية واجتماعية وسياسية، مثل الهند والصين ودول إفريقية وآسيوية أخرى. يبقى من المهم أن نذكر أن مقومي الإدارة والإرادة مهمان للدول عموماً والدول الصغيرة، خاصة عندما تعي أن صغر المساحة وقلة عدد السكان لديها مشكلتان أساسيتان يجب أن تواجههما بعقلانية وعلمية.
ويمكننا أن نجد الكويت في هذا الخضم دولة ذات الإمكانات والمقومات المحدودة، على الرغم من عائداتها النفطية الكبيرة ومشكلاتها عديدة، على الرغم من غناها، وفي مقدمها جغرافيتها على رأس الخليج في مثلث خطر جيو سياسياً كما ذكرنا، وكانت معظم مشكلاتها خارجية.
وقد أدرك الفرنسيون والهولنديون والإنجليز أهمية دول نامية ومتخلفة للصناعة والتجارة في بلادهم، فقاموا بحركة الاستعمار، وسيطروا على دول وموانئ وجزر لأهميتها الاستراتيجية بفكر سياسي استعماري استراتيجي، وجلبوا الخيرات لبلدانهم في فترات تاريخية مهمة.
إن وعي وإدراك القيمة الحقيقية للمكان يعدان نقلة نوعية تاريخية، لكن الفرص التاريخية تحتاج إلى من يعيها ويستغلها، والكويت دولة صغيرة تقع في مكان حساس علينا أن ندرك أهميته، وهو مهم لشعبها وللشعوب المجاورة التي هي بدورها ينبغي أن تدرك أهمية المكان لديها، وتعرف إلى أي مدى يجب أن تستفيد منه لحسابها، وليس على حساب غيرها.
تبقى نقطة في هذا السياق: هل يمكن تطوير وتغيير المكان؟ نجد أنفسنا أحياناً غير قادرين على الإجابة عن أسئلة كهذا السؤال، ولكن لابد من مواجهته. ويرى البعض أن تغيير المكان بالحرب، كما فعل ويفعل الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، أو يرى بعض الطغاة التغيير للمكان بالحرب، بيد أن هناك مجالات أخرى لتغيير مكانة المكان إلى الأفضل، وتجربة دولة الإمارات بعد اتحادها عام 1971 دليل على ذلك، وأن الاتجاه الصحيح للتغلب على مشكلة المكان هو بالتفكير للاستفادة من المقومات الأخرى لتطور فكرة المكان بالتعاون والتحالف والتوافق في إطار المصالح المشتركة مثل دول الخليج العربية. إن مصدر القوة الأساسي لأي دولة هو الموقع والموارد الاقتصادية، ونحن معنيون هنا أساساً بالموقع، والحالة التي ندرسها هي الكويت، ولذلك من أسرار الأهمية الاستراتيجية للكويت أو على رأسها موقعها، والذي ينظر إلى خريطة منطقة الخليج العربي يلفت نظره أولاً مدخل الخليج، ووسطه ونهايته، حيث تتمتع الكويت بجغرافية المكان. 
إن اعتماد الكويت على النفط في التاريخ المعاصر يدفع شعبها للبحث في أهمية وجود مقومات أخرى، وفي مقدمها اكتساب المعرفة والخبرة اللتين توفرهما إمكانات المرحلة النفطية، وقد تعلمنا من التاريخ أن حياة وبقاء الكويت يعودان في الأساس إلى موقعها، حيث الصراع الإقليمي والدولي عليها، فتمت المحافظة على كيانها. 
وكذلك أوصلتنا هذه الدراسة إلى أن للمكان أهمية تاريخية عندما تلتقي الجغرافيا بالتاريخ، وقد خدمت بيئتا البحر والصحراء مقومات الكويت السكانية والاقتصادية. وأهمية مكان وموقع الكويت جزء من أهمية منطقة الخليج العربي كممر مائي دولي، على الرغم من أنه خليج داخلي. ودراسة تاريخ الكويت الحديث والمعاصر توضح أن وجود الكويت كان مهدداً إقليمياً حتى أصبح التهديد واقعاً بالاحتلال العراقي لها في أغسطس 1990م، فما علاقة المكان بتلك الأحداث؟
بنظرة فاحصة لخريطة منطقة الخليج والجزيرة العربية، وموقع الكويت فيها سرعان ما نكتشف أهمية المكان، حيث إن القراءة لتلك الخريطة تقول: إن الكويت محاطة بدول مجاورة لها تاريخ حافل بالحروب والنزاعات. وقد تعرضت خريطة الكويت للتغير بتقليص حدودها لأسباب سياسية واقتصادية، ويتضح ذلك من قراءة لخرائط الكويت بين فترة وأخرى.
إن هذا المكان قد بقي واستمر على الرغم من الاضطرابات التي كانت قريبة من حدوده، لا بل تعرضه لمخاطر تلك الأوضاع.
والتهديد لهذا الكيان استمر لمدة قرن من الزمان، حتى حدث الاحتلال لمحو هذا الكيان من الخريطة، ولم يفلح الغزاة في تحقيق ذلك، لا في مرحلة التهديد ولا في مرحلة الاحتلال. والصراع بين الكيانات المجاورة أو من داخلها كان من عوامل بقاء واستمرار هذا الكيان ورب ضارة نافعة، وهذا درس من التاريخ. 
لقد اتضح أن عصر التوسع والتمدد الجغرافي والعسكري والأيديولوجي قد انتهى، وأن هناك نظاماً دولياً جديداً له دور أساسي في تثبيت الخرائط، واستمرار الكيانات القائمة. ودرس الاحتلال الصدامي للكويت يحتاج التأمل والتفكير به ليس كويتياً فحسب، بل كذلك خليجياً، حتى لا يتكرر الحدث مرة أخرى، لا سمح الله، فقد كان زلزالاً هدد الفكرة القومية وقضى على ما تبقى منها، وانكشفت النزلة الشيفونية لمؤيدي الغزو، كما انكشف الواقع الفكري لما يسمى بالمثقفين العرب الذين أيدوا الغزو، أو وقفوا متفرجين على ما جرى من استعمار عربي لبلد عربي، وظلت الكويت تعاني آثار تلك الجريمة في أثناء الاحتلال وبعد تحريرها، كما أصبحت الأمة كلها تعيد حساباتها وتفكيرها، ولكن النقد لم يأخذ حقه، واكتشفنا أن صدام ليس المجرم الوحيد، وإنما هناك صداميون، وأن الغزو له آثار فكرية أيضاً وكذلك الجغرافيا مهددة.
تبقى ملاحظة للدارسين والباحثين في التاريخ الكويتي، هي أن يهتموا بجغرافية مكان الكويت، وبمقوماتها التي تعوضها عن صغر المساحة، وليكون ذلك التفكير استراتيجياً وليس آنياً .