الأدب الشعبي المفهوم والأنواع

الأدب الشعبي المفهوم والأنواع

قبل التطرق لمفهوم الأدب الشعبي لابد أن نصحح بعض الأفكار التي تحاول المفاضلة بين الثقافة الشعبية والعالمية، فكثيرون هم من ينظرون إلى الثقافة الشعبية على أنها أقل مستوى من الثقافة العالمية. ومرد ذلك بالنسبة إليهم يعود إلى اللغة الدارجة التي أبدع بها هذا الأدب وأيضاً الأشخاص الذين أنتجوه أغلبهم أميون جاهلون بالقراءة والكتابة، لكن هذه الأعذار لا يمكن أخذها بعين الاعتبار، لأن «الدارجة» هي أيضاً لغة أدبية، بدليل القصائد، والأمثال، والحكايات، والألغاز التي وصلت إلينا، والمتأمل فيها يجد أن هذا الإنسان المغربي البسيط استطاع أن يبدع لنا بكل ما في كلمة إبداع من معنى فناً يفتخر به يحمل كل مقومات الجمال الإبداعي. 

«الحقيقة أن الأدب الشعبي لا يقل فنية وقيمة عن الأدب الرسمي، وأن المفاضلة المتحيزة بينهما لمصلحة الأدب الرسمي هي عملية مفتعلة، ولا تقوم على أي أساس علمي أو فني مقنع».
 وبالنسبة إليّ، لا يمكن تغليب كفة الثقافة العالمة على الثقافة الشعبية، بل أضعهما في خطين متوازيين، فالمثل الشعبي يقابله المثل العربي الفصيح، والحكاية الشعبية تقابلها القصة القصيرة، واللغز الشعبي يقابله المثل العربي، والقصيدة الزجلية تقابل القصيدة العربية مع اختلاف بسيط في بعض المميزات والخصائص، فلكل خصوصياته التي تميزه نوعاً ما عن الآخر.
يبين لنا هذا التمييز أننا أمام نسقين يلتقيان في الخصوصيات الكلية، ويختلفان في بعض الجزئيات البسيطة، إضافة إلى أن كلاً منهما يبني لنفسه مساره الخاص، ولكنهما يلتقيان في كونهما يجسدان - كل بطريقته - ما يعتمل في المجتمع الذي تبلورا وازدهرا في نطاقه. 
وهذا ما أكده سعيد يقطين في قوله «إذا تجاوزنا التصنيفات الثنائية للثقافة إلى عالمية وشعبية، وتعاملنا مع الثقافة باعتبارها نسقاً مركباً من الأنساق الفرعية، فإننا سنلاحظ أن كل ما أدرج تحت مفهوم الثقافة الشعبية عندما نتأمله جيداً نجده لا يختلف في عديد من مواصفاته ومتخيلاته عما يتجسد في الثقافة العالمية، فالإنسان الشعبي منتج بعض تجليات هذه الثقافة، وإن لم يكن جزءاً من المؤسسة الثقافية الرسمية، فهو على اتصال بها وله صور ما عنها، لذلك نجده يحاكــــيها حيناً أو يعارضها أحياناً، وقد تتداخل المحاكاة والمعارضة في آن، فنجد أنفسنا أمام أسلوب يقوم على التحويل وفق الرؤية الخاصة التي يتمثل من خلالها الواقع وهو يعيشها ويتفاعل معها».

مفهوم الأدب الشعبي
إن كل من يسمع كلمة أدب يتجه بفكره مباشرة إلى الأدب الرسمي، في حين أن هذه الكلمة تحمل في طياتها كل ما أنتجه الإنسان من آثار أدبية، سواء منها التي قيلت باللغة العربية أو اللغة الدارجة، فكلاهما، كما سبق ذكره، يحمل كل مقومات اللغة الأدبية. والبحث في التراث الشعبي من خلال آثاره الفكرية والإبداعية كفيل بأن يفتح آفاق ارتياد عطاء إنساني عريض كان له دوره المتميز في إغناء أدبنا العربي ومنح الحضارة العربية هويتها الإنسانية.
 وهكذا، كان علينا أن نكشف عن هذا التراث في جزئياته وكلياته، فمن يقرأ كتب الأقدمين ومجالسهم منذ عصر الجاحظ والتوحيدي والأصفهاني والثعالبي والحموي وغيرهم، يجدها مفعمة بالروح الشعبية بشكل واضح وصريح لا التواء فيه، فهو إذن فن تمتد جذوره آلاف السنين. وقد أصبح يتعرض في عصرنا الحالي إلى اندثار سريع يوجب علينا أن نقوم بحفظه وتدوينه بكل الطرق والوسائل الحديثة في التدوين والتوثيق، حتى نترك مادة للأجيال القادمة قبل أن تتداخل الثقافة الإنسانية بفعل وسائل الإعلام الحديثة وتنشأ عنها ثقافة محايدة لا تمثل أحداً.
وهكذا، فالتراث الشعبي هو «ما أنتجه الشعب بأفراده وجماعاته خلال الأجيال وفي مختلف المجالات، به أكد وجـــــوده وحقه في الحياة وصراعه من أجل الأحسن والأفضل، وأثبت قدرته على ممارسة العقل والروح والعاطفة والذوق، فهو بهذا يعتبر الوثيقة التي يقدم بها الشعب نفسه مبرزاً مجموع مكتسباته؛ سواء تلكم التي اكتسبها بتجاربه الخاصة فكانت بنت ظروفه البيئية، أو تلكم التي انتقلت إليه نتيجة اتصاله بغيره فاقتبسها كما هي أو طورها حتى توافق مزاجه وفطرته، ومبرزاً كذلك مجموع الأنماط التي يمارسها في شعوره ولاوعيه، وفي توافق مع نفسه وبيئته، وهي أنماط مرتبطة بالأرض التي يعيش عليها أو متطلعة لما وراء المكان والزمان وما فوق الطبيعة».
إن مفهوم الأدب الشعبي مفهوم متراكب المعاني، فاسمه يدل على أنه الأدب الموجه إلى عامة الناس، أي إلى الشعب، في مقابل الأدب الموجه إلى الخاصــــة، أي إلى الفــــئة المثقـــفة من المجتمع، فعندما نقول «الأدب الشعبي» نقصد به ذلك الأدب الذي ينطلق من الشـــعب ليـــعود إليه فيجسد بذلك همومه ومـــشاعره وتطلعاته.
وكما هو معلوم، فإن أهم ما يميز الأدب الشعبي هو اعتماده على التقاليد الشفوية، بحيث يعتمد في ترويجه وتداوله على الحكي والرواية، وذلك في أماكن خاصة مثل الساحات العمومية والأسواق والحفلات الشعبية كالمواسم والمسامرات الخاصة، ويرتكز بالخصوص على الصوت في نقله والتعبير عنه، فهو يعترف بصوت صاحبه أو راويه في الغالب، فيستقطب إليه فئة عريضة من المجتمع متعطشة إلى هذا النوع الأدبي.
غير أن هذه الشفوية ستفقد نكهتها بسبب تدوينه وظهور وسائل الإعلام السمعية البصرية، ثم إن التطور الحقيقي لكل مجتمع يجب أن يتم من خلاله، وذلك بتطوير هذا الموروث بعد المعرفة الدقيقة، فأدبنــا الشعبي غني متنوع بتنوع طبيعة أرض المغرب بين جبال شامخة وهضاب ناتئة وأنهر جارية وشطآن منبسطة وسهول فيحاء ورمال مترامية الأطراف، إذا عرفنا هذا، تجلى لنا ما يمكن أن يسود فنوننا الشعبية من تنوع. إذاً فما هي أنواع الأدب الشعبي؟

أنواع الأدب الشعبي
كثيرة هي أنواع الأدب الشعبي، وسنحاول المرور على بعضها بعجالة، حتى نتعرف عليها أكثر:

أ. المثَل الشعبي
لم يُجمع الباحثون والدارسون على تعريف محدد للمثل الشعبي، وذلك لأن الدراسات الفلكلورية لم تستقر بعد، ولا عجب في ذلك، لأن هذا الأخير يلتقي مع عديد من الأنماط الأدبية الشعبية في كثير من الخصائص الفنية المتميزة، فهو يلتقي مثلاً مع النكتة الشعبية في الإيجاز وبساطة التركيب مع جودة التشبيه ودقة التعبير عن الواقع المألوف بأسلوب واضح. 
كما أن اللغز الشعبي والحكمة المأثورة يلتقيان مع المثل في كل هذه العناصر فيما عدا عنصر الوضوح، وإن كانت الحكمة المأثورة يُعرف قائلها، بينما المثل لا يُعرف صاحبه. 
فالمثل والحكمة «قد يكونان شيئاً واحداً هدفهما تعليمي، وهو الوعظ وتقرير أصول قضايا السلوك وقواعد المعرفة والمعتقدات والتشريع الشعبي والمبادئ الفنية والذوق، إلى آخر هذه المناحي المختلفة من النشاط الإنساني». فالمثل جملة بلاغية موجزة منغمة تحمل بين ثناياها حكمة الجماعة هدفها تعليمي بالدرجة الأولى. هكذا، فالمثل يصدر عن أحد أفراد الجماعة في وضعية اجتماعية معينة استدعت ذكر هذا المثل، ونأخذ على سبيل المثال «صياد النعامة يلقاها يلقاها»، فهذا المثل لم يأت عبثاً، ولكن قيل في الصياد الذي كان يحاول اقتناص طائر النعامة، لكن كل محاولاته كانت تبوء بالفشل، ففكر في حيلة يقتنص بها غنيمته، وذات يوم تخفّى في زي مصنوع من ريش النعام، ودخل بين النعام حتى يسهل عليه اقتناصه، فإذا بأحد الصيادين جاء لاقتناصه، فهرب كل النعام وبقي «الصياد /النعامة» فقتله الصياد، ظناً منه أنه نعامة. فهذا المثال يبين لنا أن هذا المثل كانت له ظروفه التي قيل فيها، فأصبح يتداول بين الناس، خاصة في القضايا التي تستعمل فيها الحيلة والمكر.

ب. القصص الشعبي
إن القصص الشعبي بالمغرب، كسائر أنواع الأدب الشعبي الأخرى، لا يُعرف قائله أو منتجه، فهو يصبح من إنتاج وإبداع المجتمع، الذي يقوم ببث كل أخلاقه ومعتقداته انطلاقاً من إفراز مثل هذا النوع من الأدب.
وبصورة أوضح، نجد داخل هذه الحكايات روح الشعب، فمن خلالها يمكن أن نؤرخ لطريقة عيشه وتفكيره وحتى فلسفته في الحياة، فضلاً عن الجانب الفني الذي تكشف عنه هذه الحكايات ذاتها.
وقد ساد على سائر المنظرين لهذا الأدب والمهتمين به إطلاق اسم الحكاية الشعبية، لكن هذا الاسم لن يعدو عند مصطفى يعلى، ونبيلة إبراهيم، سوى نوع من أنواع القصص الشعبي.
فالقصص الشعبي ينقسم إلى أربعة أقسام؛ الحكاية الشعبية، والحكاية العجيبة، والحكاية الخرافية، والحكاية المرحة.

الحكاية الشعبية
انطلاقاً من اسمها يمكن استنتاج كثير من الأمور، من مثل أنها تجسد الشعب بالدرجة الأولى، فشخصياتها شخصيات بشرية تتصارع فيما بينها طبقياً وسياسياً، فيكون الصراع محتدماً بين الأشرار والأخيار. وتتميز الحكاية الشعبية ببساطتها وموضوعيتها «فليس فيها خوارق إلا لماماً ومن دون مبالغة، بل إنها تصور جوانب الحياة المختلفة التي تحياها الجماعات وتبلور المثل المتوخاة في المجتمع بحسّ أخلاقي ووعظي قلما يغيب عن مغزى الحكاية». ونجد ذاكرتنا الشعبية حبلى بهذا النوع، من مثل حكاية «هاينة والغول».

الحكاية العجيبة
إن أهم صفة تتميز بها هذه الحكاية هي صفة العجب والغرابة، وذلك لأن شخصياتها وحتى الأمكنة أحياناً تكتسي صفة الغرابة، «إذ إن الحكاية العجيبة لا تبتعد عن ذلك المعنى بمحمولاته المشحونة غرابة وإثارة وإدهاشاً، وعليه فمن المتوقع ألا تواجهنا الحكاية العجيبة إلا بما ليس في الحسبان، أي بما هو خارق فوق الطبيعة»، وهناك أمثلة كثيرة في هذا الصدد من أهمها حكاية «مولاي النحاس».

الحكاية الخرافية
لقد تميزت الحكاية الخرافيــــة بالقصر وشدة التكثيف، لكن أحداثها ومواقفـــها يمكن إسقاطها على الواقع، حيث إنها ترتجي بالضرورة بلورة الهدف الأخلاقي والوعظي، وغالباً ما تنتهي بـ «حكمة أو كلام مأثور» أو ما شابه ذلك، وكأنه الخلاصة الدقيقة للحكاية الخرافية، ومن أمثلتها حكاية «الديب والقنفذ».

الحكاية المرحة
هي حكاية تنتقد وضعية الواقع الاجتماعي بأسلوب هزلي ساخر يثير الضحك، وهي أيضاً تتميز بالإيجاز والقصر، وأغلب هذه الحكايات «ارتبطت بشخصية جحا الضاحكة التي علقت عليها مفارقات وطرائف ونوادر شعوب مختلفة كثيرة».
ج. اللغز الشعبي 
كلمة لغز تعني في الدارجة المغربية «خبيرة»، وقد يختلف اسمها من منطقة إلى أخرى. ويعتبر اللغز لوناً من ألوان الأدب الشعبي التي صمدت في وجه النسيان وبقيت تتداول إلى أن وصلت إلينا، وهو عبارة موجزة تحمل في ثناياها معاني بعيدة لا يدركها إلا الذي يستطيع فك رموز هذه «الخبيرة».
 واللغز في جوهره استعارة، والاستعارة تنشأ نتيجة التقدم العقلي في إدراك الترابط والمقارنة وإدراك أوجه الشبه والاختلاف، على أن اللغز - فضلاً عن ذلك - يحتوي على عنصر الفكاهة التي تنجم عن احتواء اللغز لعنصر المفاجأة، فنقول مثلاً «حاجيتك ما جيتك على اللي كتبدا بالتا والتا من الشياخ اللي فاتو عندو ميات امراة وثلاثة ربيباتو».
ففي هذا اللغز نجد وصفاً دقيقاً للسبحة، فالمتأمل الذي يدقق أكثر في «الخبيرة» هو الذي يستطيع فك رموزها.

د. النكتة
استطاع الإنسان الشعبي بروحه المرحة والطيبة أن ينتج لنا عدداً هائلاً من النكت التي كانت تنتج إما عن تجربة واقعية خرجت عن إطارها الصحيح، فأصبحت تجربة مضحكة، وإما نتيجة تلك التجمعات التي كان يعقدها الناس بعد يوم طويل من العمل والكد والجهد، ليأتي وقت السمر والضحك والمرح، فتخلق هذه النكت انطلاقاً من هذه الرغبة في كسر الروتين اليومي.  
فالنكتة نتاج أدبي ينبع من دافع جمعي شأنها شأن الحكاية الخرافية، والحكاية الشعبية، والأسطورة، واللغز، إلى غير ذلك. ولكنها تتميز عن هذه الأشكال بأنها قد تعين، في يسر، على تحديد الزمان والمكان اللذين نشأت فيهما. والنكتة ليس هدفها الوحيد هو الضحك، بل تكون لها أهداف معينة، فهي تعالج قضايا مجتمعية إما سياسية أو اقتصادية أو حتى ثقافية، فتساهم بالتالي في إثارة الانتباه إلى قضية معينة.

هـ. الأغنية الشعبية
تعتبر الأغنية الشعبية من أهم ألـــوان التراث الشعـــــبي وأكــــثره تداولاً وترويــــجاً، وقــــد تعددت أنماطها وأنواعها بتنوع المجال الطبيــــعي والثقافي للمغرب، فنجد الملحون والطقطوقة والدقة والهيت والعيوط واعبيدات الرمى.
وقد لعبت كل هذه الأنماط دوراً كبيراً في تطور الموسيقى بالمغرب، فهي تعد كنزاً زاخراً بأغنى التركيبات اللحنية والإيقاعية، وتشكل جانباً ضخماً من تراثنا الموسيقي التقليدي، ويرى الأستاذ عبدالعزيز بن عبدالجليل أن «الموسيقى الشعبية المغربية تنطوي على أهمية قصوى في سائر ميادين المعرفة، فهي مصدر غني للمؤلف الموسيقي ينبع من ينابيعه التي لا تنضب، ومرجع آمن لدارس الآداب الإنسانية ومؤرخ العادات والطقوس الشعبية والقيم الاجتماعية، وهي صورة تعكس جانباً مهماً من جوانب حياة الشعب في لحظات إبداعية وفترات مرحة، وتؤجج عواطفه».
 وهي، لمكانتها المرموقة بين الفنون الموسيقية المتداولة، تعد بحق المجال الطبيعي والمفضل الذي نستطيع ركوبه لتحقيق النهضة الموسيقية المنشودة، وتمتاز الموسيقى الشعبية المغربية بتنوعها وتباين أشكالها، كما سبق الذكر، لكننا سنعرج على نوعين متميزين في الأغنية الشعبية المغربية هما: عبيدات الرمى والعيطة.

فن «عبيدات الرمى» - (عبيد الرماة) 
عرّف الأستاذ عبدالعزيز بن عبدالجليل «عبيدات الرمى» بقــوله «هم مجموعة من الممثلين يمارسون الفرجات في قالب مـــسرحي وبهلوانـــي وريـــاضي في آن واحـــد، وهم كممارسي مسرح البساط لا يستغنون عن الموسيقى، باعتبار أنها عنصر درامي مكمل للعمل الفني الذي يمارسونه، غير أنهم يتـــــناولونـــــها من وجه واحد هو المصاحبة الإلقائيـــة والإيقاعية».
وإذا عمقنا النظر فـــي حياة النــــاس في البادية المغربية، فإننا سنلاحظ ميلهم للرقص والغناء أكثر ليأتي التمثيل في الدرجة الثانية والجمع بين التمثيل والرقص في فن «عبيدات الرمى»، يجعل المستمع إليهم لا يمل من الإنصات إليهم، ويقول علال لخديمي: «وخلال جهاد الشاوية كان بعض المجاهدين يحملون المقص والطارة والطعريجة ويغنون، ويثيرون حماس إخوانهم المجاهدين ويمجدون أعمالهم البطولية، حتى إذا جد الجد وحمي وطيس المعركة، علّقوا الأدوات الموســـــيقية المذكــورة على السروج، وحملوا البنادق، واشــتهر من هؤلاء مجاهد يسمى الرداد، وآخر يسمى الزموري».
وهكذا، فالآلات التي كان يستعملها «عبيدات الرمى» في غنائهم هي الطارة والمقص والطعريجة، إضافة إلى أن اعبيدات الرمى كانوا مجاهدين بالدجة الأولى «وتتأكد علاقتهم بالجهاد في مواضيع القصائد والأشعار المغناة، فشعرهم يتناول الفرس، وأنواعه، وأعماله، ويتوسل إلى الله لطلب العون ويمجد الرجال وأعمالهم البطولية، ويصبح الفرس أحياناً مخاطباً من طرف المرأة التي استشهد زوجها وابنها».
 
فن العيطة
تعددت أنماط العيطة حسب المناطق، حيث اختلفت باختلافها فنجد العيطة الملالية، والمرساوية، والحصباوية بعبدة، والحوزية بالرحامنة، والحوز والزعرية في «مدينة الرماني»، وقد عرفها الإدريسي بقوله: «هي الفن البدوي الموجود الآن، والمحفوظ لدى أهل البادية وسكان الفلوات من العرب».
 وقد أورد شوتان تعريفاً للعيطة في معرض حديثه عن الموسيقى الشعبية بصفة عامة، حيث يقول إن العيطة «تعني النداء، وهي عبارة عن قصيدة ذات أسلوب بدوي تنتمي للبدو والرحل»، ويضيف أن «العيطة هي في الأصل صياح، وهي في أغلب الحالات تنتشر في المدن ذات التكوين البدوي، كالبيضاء ومراكش».
والملاحظ أن شوتان والإدريسي قد اتفقا على أن أصل العيطة هو البادية، لكننا نجد أن شوتان يعرّفها بأنها عبارة عن قصيدة ذات أسلوب بدوي، خلافاً للقصيدة الحضرية، أي «الكريحة».
أما بالنسبة إلى الآلات الموسيقية التي تستعمل في هذا اللون من تراثنا الشفهي، فهي الكمنجة، والطعريجة، والبندير، ومن أهم رموز العيطة بوشعيب البيضاوي، والحاجة الحمداوية التي تعد علماً من أعلام الغناء الشعبي المغربي، إذ عملت على نشر العيطة بين الجماهير الشعبية على أوسع نطاق، وساعدها على ذلك انتشار الشريط المسموع .