المراهقون وقيمة العمل الصيفي

المراهقون وقيمة العمل الصيفي

لطالما يتطلع المراهقون إلى وصول فصل الصيف قبل شهور من قدومه، وتدغدغ أحلامهم فكرة النوم لوقت متأخر وفرص اللهو والمرح والاسترخاء بعيداً عن هموم الدروس والفروض المدرسية. وفي المقابل، يتساءل الآباء عن كيفية وضع البرامج الصيفية لأطفالهم. وتتعدد الخيارات، هل يجب تقويتهم في بعض المواد الأكاديمية أم ممارسة الرياضة؟ هل يجب تعليمهم الموسيقى أم الرسم؟ هل يجب إلحاقهم بمخيم صيفي كامل البرنامج والأنشطة أم تركهم على حريتهم ليأخذوا قسطاً من الراحة وإيجاد وسائل اللهو بأنفسهم؟ 
ومع ذلك، يمكن القول إن تحقيق التوازن بين حرية الصيف في سن المراهقة والعمل الصيفي هو أحد أفضل القرارات حاضراً ومستقبلاً.

يمكن للوظيفة الصيفية أن تكون مرحلة تحضيرية للحياة المهنية المستقبلية. يبدأ اكتساب الخبرات لدى المراهقين مع البحث والاستفسار عن العمل حتى لو لم ينته بهم المطاف بالحصول على الوظيفة المنشودة. ومن ثم يأتي تعلّم كيفية إكمال الطلبات وتقديمها، وكيفية إنشاء السيرة الذاتية، والبحث عن مراجع للتوظيف والقدرة على التعامل بنجاح مع المقابلة وتقديم أنفسهم للآخرين بطريقة لائقة. ويمكن أيضاً للمراهقين التعلم من زملائهم في العمل خلال ممارسة الوظيفة ومواصلة تطوير التفكير النقدي ومهارات حل المشكلات. 
كما أن المنافسة تفرض عليهم بذل مزيد من الجهد والمثابرة من أجل التفوق. ومع ذلك يكون اكتساب مهارات مفيدة جداً عندما يحين الوقت لدخولهم القوى العاملة البالغة.
 ومع كل هذه الخبرات، يزيد لدى المراهقين احتمال إيجاد وظيفة في السنة اللاحقة بنسبة 86 في المائة، وذلك حسب تقرير عن العمالة الصيفية أصدره عام 2015 مصرف «جي بي مورجان» الأمريكي. 
كما أن العمل الصيفي يمكن أن يكون مفيدا جداً عند تخرجهم في الجامعة، حيث إن عدم العثور على عمل خلال سنوات المراهقة لا يعني فقط نقصاً في المدخول في الأجل القريب، كما أشارت دراسة صدرت عن برنامج السياسة الحضرية لمؤسسة بروكينجز، بل سيصبح العثور على وظيفة عندما يصبح المراهق راشداً أصعب إذا لم يكن قد عمل خلال سنوات المراهقة. 
وقد ذكر إيشوار خاتيوادا، وهو مؤلف مشارك في الدراسة ومدير مشارك للبحوث بمركز سوق العمل في شمال شرق آسيا، أن «الأبحاث تشير إلى أن الذين يعملون في مرحلة المدرسة الثانوية يتقاضون رواتب أفضل بما يتراوح بين 10 و15 في المائة عندما يتخرجون في الجامعة».
كما يمكن للوظيفة الصيفية أن تساعد المراهقين على اختيار مسار وظيفي محتمل، وتكون بمنزلة نقطة انطلاق في الاتجاه الصحيح. 
إن العمل الصيفي يعد وقتاً رائعاً للمراهقين لتجربة أشياء مختلفة، وبذلك يتعلمون أشياء كثيرة عن أنفسهم، ويكتشفون ما يتمتعون به وأين تكمن ميولهم الفعلية.
 قد لا يكون العمل في بيع الآيس كريم الوظيفة الحلم بالنسبة إلى المراهق، لكنه سيعرف كثيراً عن قدرته على التفاعل مع الآخرين مثلاً. ومن جهة أخرى، إذا كان المراهق يدرك اهتماماته الفعلية، فقد يحول العمل الصيفي إلى مرحلة تحضيرية وخبرة عملية يمكن إضافتها إلى سيرته الذاتية. 
فعلى سبيل المثال، إذا كان المراهق مهتماً بالمبيعات، فقد يضع أمامه هدف الحصول على وظيفة بيع في أحد المتاجر، وإذا كان مهتماً بالتدريس أو العمل مع الأطفال، فقد يبحث عن عمل في مخيم صيفي. 

مهارة التعاطف مع الآخرين
 يعطي العمل الصيفي فرصة للمراهقين لاكتساب عديد من المهارات الحياتية، مثل اكتشاف أنفسهم وبناء الثقة بالنفس وتعزيز وغرس الاستقلالية. 
وقد أشار ريتشارد فايسبورد، المحاضر والباحث في كلية هارفارد للتعليم العالي إلى أن «العمل الصيفي يعطي المراهقين دروساً اجتماعية مهمة في كيفية التعامل مع الناس، حيث يرى المراهق كيف يعمل الناس بجد، وكيف يمكن أن يتعامل الناس معه بفظاظة وعدم اكتراث أحياناً». 
ويشكل العمل فرصة لهم للقاء والاختلاط مع الآخرين خارج محيطهم العائلي والمدرسي، الأمر الذي يعلمهم التعاطف مع الآخرين. 
تقول ميشيل بوربا، مؤلفة كتاب «الابتعاد عن الأنانية... لماذا ينجح الأطفال المتعاطفون في هذا العالم المرتكز على حب الذات؟»:
«نحن أكثر عرضة للتعاطف مع أولئك الذين هم في مركزنا الاجتماعي نفسه». 
وبما أن الأطفال الأكثر تميزاً يعيشون في مجتمعات نخبوية، فإن تعرضهم لطبقات مختلفة يمكن أن يكون أفضل لهم، وأن فرصة الوظيفة الصيفية تؤمن لهم هذا التعرض الذي يساعدهم على معرفة أن الآخرين لديهم المشاعر والاحتياجات نفسها.  وتؤكد بوربا أن «للتعاطف مع الآخرين أهمية كبيرة في بناء الشخصية لأنه يُكسب المرونة»، ولكنها تضيف أن «التعاطف هو فعل وليس أمنية، وعلينا أن نعمل للحصول عليه».
وعندما قامت بوربا بمقابلة 500 مراهق، وهي تحضر لكتابها، وسألتهم عما ساعدهم أكثر في أن يصبحوا أكثر تعاطفاً، أفادت الأغلبية بأنه التعرض لآراء مختلفة.
 
يسهل الدخول إلى الجامعات
لن يتعلم المراهقون أهمية العمل الشاق، والموثوقية وإدارة الوقت من خلال العمل الصيفي فقط، وإنما أيضاً يكتسبون الخبرة في العمل التي ستكون محط تقدير من الجامعات وأرباب العمل في المستقبل.  أما بالنسبة إلى القبول في الجامعات، فقد أصبحت الخبرة العملية من الأمور المهمة التي تحب الجامعات أن ترصدها في طلبات الدخول التي تتلقاها. 
وقالت مستشارة الكلية المستقلة في مدينة نيويورك، سوزان وارنر: «إن الكليات تجد الخبرة العملية الميزة الأكثر جاذبية في مقدرات الطلاب». 
كما أشارت الموظفة السابقة في دائرة القبول في جامعة ستانفورد الأمريكية، إيرينا سميث، إلى طالبة كتبت مقالة أرفقتها مع طلب الدخول، تحدثت فيها عن الصيف التي عملت فيه في مجال الوجبات السريعة. 
وقالت سميث لمجلة أتلانتيك: «بالنظر إلى عدد الطلبات الهائل التي كنت أراها، لمع طلب تلك الفتاة كقطعة ألماس في بركة المتقدمين للدخول إلى جامعة هارفارد». وتم قبول الطالبة في عديد من الكليات، ليس بسبب الوظيفة، ولكن بسبب الطريقة التي شاهدت بها العالم مع دخولها العالم المهني وترجمتها في مقالتها. 

دروس مالية
هناك درس إضافي مهم للعمل الصيفي، فالمراهقون الذين يختارون العمل في وظيفة صيفية يتعلمون مهارات عديدة في التدبير المالي ومعرفة قيمة العمل وتقدير مردوده المادي.
 وبطبيعة الحال، فإدارة المال هي المهارة الأكثر وضوحاً التي يتعلمها الشاب في سن المراهقة.
 وفي مجتمع لم يعد فيه حمل النقود ضرورياً، بل تم استبدال بطاقة بلاستيكية به لشراء ما نريده، تبدو الحاجة إلى معرفة إدارة المال أكثر إلحاحاً. 
والعمل الصيفي هو فرصة لا تقدر بثمن للمراهق في هذا المجال عندما يعرف أنه عمل ثلاث ساعات للحصول على المال للذهاب إلى السينما أو لشراء لعبة فيديو مثلاً. وهذا الأمر يساعده على فهم قيمة المال بطريقة أفضل بكثير من المحاضرات التي قد يلقيها عليه والداه حول قيمة المال، ويدرك أن المال لا «ينمو على الأشجار»، وأن الحصول عليه يتطلب العمل الجاد وتحمل المسؤولية. إن الحصول على راتب مادي يعطي شعوراً بالإنجاز، كما يسمح للشباب بالحصول على بعض الاستقلالية المادية عن الأسرة، الأمر الذي يمكن أن يساعدهم في تمهيد الطريق الناجح إلى مرحلة البلوغ.
ومع الدخل المكتسب تأتي مسؤولية وضع الميزانية والخطة المالية. إن تحديد ما يريد الأطفال إنفاقه من المال وما يحتاجون إليه من أجل الحفظ والادخار هو ممارسة جيدة، وعلى الأهل هنا اتخاذ هذا الدخل الخارجي الذي يجنيه أولادهم فرصة لإعطائهم دروساً حقيقية عن المال وكيفية إدارته. 
ومن المجدي البحث معهم عن المصرف الأفضل لهم الذي يقدم الحد الأدنى من الرسوم وقليل من المتطلبات. ومن هنا يمكن تعليمهم فتح حساب توفير وحساب جارٍ والحصول على بطاقة الخصم، مع شرح كيفية عمل هذه الحسابات المختلفة، والتشديد على الإشارة إلى أنه على الرغم من أن بطاقات السحب الآلي قد لا تعطي الإحساس بأنها عملة نقدية، ولكنها تحل محلها، لأن المال يأتي مباشرة من الحساب.
 كما يمكن أن نبين لهم كيفية تتبع الرسوم ومراقبة مسار رصيد حسابهم الذي يمكن إجراؤه من خلال هواتفهم الذكية واكتساب عادة التحقق من رصيدهم على هواتفهم قبل أن ينفد.
كما يمكن التحدث معهم عن فرص لاستثمار مدخراتهم، وربما مع وضع هدف كبير، مثل شراء سيارة أو الادخار لتحصيل تعليمهم الجامعي. 
والوقت بالطبع، هو إلى جانب المراهقين عندما يتعلق الأمر بالاستثمار بسوق الأسهم أو أي استثمارات أخرى بعيدة الأمد.
 إن الوظيفة الصيفية هي من أهم الأمور التي يمكن أن يقوم بها المراهق، فعليه النهوض في الصباح خلال وقت معين، وإدارة وقته وماله، والالتزام بجدول زمني لم يضعه لا هو ولا أهله. 
ولا ننسى فائدة إضافية أخرى، وهي أنه عليهم وضع هواتفهم الخليوية جانباً .