«سعير»... حرّمتها التوراة واستباحها الاحتلال!

«سعير»... حرّمتها التوراة واستباحها الاحتلال!

بين نور القدس ومَدفن الأنبياء خليل الرحمن، تحط بلدة سعير بجبالها المرسومة بالعنب والزيتون، تقدم وديانها طريقاً للولوج إليها، وتروي بعيونها قلبها والمحيط... فيها جامع النبي «العِيص»، ومن هنا تبدأ حكاية بلدة ملعونةٌ محرمٌ دخولها على اليهود  كما جاء في التوراة، أو حتى قِتال سكانها، فقد سكنها «العيص» الأخ التوأم للنبي يعقوب أبناء النبي إسحق عليهم السلام، محرّمات وقفت عاجزةً أمامَ استباحة الاحتلال للبلدة؛ قتلاً، واقتحاماً، ومصادرة لأراضيها، وهدماً لمنازلها. 

 

تمسكوا جزئياً بالوصية الدينية فلم يسكنها الإسرائيليون ربما، إلا أنهم أحاطوها بالاستيطان... التزامٌ ملعونٌ بعيدٌ عن مطالِبِهم الشَرسة: الاعتراف بـ«الدولة اليهودية»... التزام تُبَدِّدُه أطماعهم! 

إلى الجنوب
إلى ذلك الجزء البعيد من فلسطين، اتجهتُ حيث المسافة المستحيلة التي فرضها الاحتلال، ومع ذلك بقيَت مسافة ممتلئة بالروح، مُتوّقة بالحب إلى الجنوب؛ يبدأُ من الخليل ثم يتداخل بالغرب قليلاً حيث رائحة غزة المحاصرة والمُبعدة قسراً والقريبة بحكم الحقيقة الثابتة، هي ما بقيَ لنا من الساحل، ثم إلى بئر السبع المشمولة بالحصار الغزي، وصحراء النقب التي لم يُبقِ الاحتلال لنا منها شيئاً، فأتبعها إلى ما يسمى اليوم «دولة إسرائيل»، التي مارست اضطهادها على سكانها البدو بمزاجية مفرطة، وينتهي الجنوب بأم الرشراش الواقعة على البحر الأحمر في خليج العقبة، الذي تشترك فيه أربع دول هي الأردن والسعودية ومصر وفلسطين، هذه المدينة اليوم هي «إيلات» الإسرائيلية، تلتصق حدودها مع مدينتي طابا المصرية والعقبة الأردنية. 
هذا هو الجنوب الذي لم يستطع أحد أن يغني له مثل جنوب لبنان، ففيه عذابات كثيرة لا يكفيها لحن واحد. التصق الجنوب بذاكرتي وأنا في طريقي إلى بلدة سعير التابعة لمحافظة الخليل، طريق يستحيل أن تكتمل إلى كل الجنوب، فالسيارة التي أستقلها مسموح بها في الضفة، ولأخترق حدود «إسرائيل» فأنا أحتاج إلى تصريح خاص وسيارة برقم إسرائيلي، وهو تصريح لا يشمل غزة ولا أم الرشراش، والفرصة مهيأة يومياً لسقوط أمطار من تصاريح أخرى وأخرى وأخرى... من يدري؟!

المسافة... تحت الاحتلال
عادة ما تكون المسافة بين مدينة وأخرى محددة وواضحة، تقاس بالساعة والكيلومترات، لكن الأمر هنا يشبه تقلبات الطقس، وتوقعاته المجنونة، كونه خاضعاً لفعل الاحتلال وبامتياز. ساعتان تفصلان رام الله عن الخليل، لكن الحواجز الإسرائيلية الثابتة والطيارة، ومزاج الجنود، واللجوء إلى طرق التفافية... كلها أمور تضاعف الوقت، عدا عن إغلاق القدس التي عبرها تصبح المسافة أقصر بكثير.
مررنا بقرى القدس التي أخرجها جدار الضم والفصل العنصري من قلب المدينة، ومنها العيزرية وأبوديس والسواحرة الشرقية، هذه لوحة إسرائيلية تشير إلى مستوطنة «معاليه أدوميم» التي تعمل الحكومة الإسرائيلية على توسعتها وضمها لمدينة القدس على حساب أراضي وممتلكات الفلسطينيين، أراقب امتدادها بصمت. نتوقف عند حاجز «الكونتينر» الذي يفصل الوسط عن الجنوب، ثم ننحدر باتجاه وادي النار، أشهر الأودية الفلسطينية، وادٍ مُتعرِّج وشديد الانحدار، لذا تكثر فيه الحوادث. نصل بلدة العبيدية التابعة لبيت لحم، يلتفت الركّاب تلقائياً إلى اليمين، تبزغ الشمس من جديد، نعم إنها أشعة القبة الذهبية للقدس، التي لم يستطع الجدار حجبها... نقترب من الخليل... وصلنا «سعير».

قرية بحجم مدينة
هذه المرة أدخل البلدة من مفرق النبي يونس بدلاً من وادي سعير الذي أغلقته قوّات الاحتلال، وتكرر الأمر لمداخل أخرى لاسيما خلال هبّة القدس الحالية، هي بحجم مدينة، فقد حدثنا الدكتور كايد جرادات رئيس البلدية بأن البلدة مكونة من مجالس اندماجية عدة منذ عام 2005، مثل بيت عنون والعديسة وكْوازيبا وراس الطويل والدوارة ووادي الريم، يقطنها نحو 26 ألف مواطن مقيم عدا عن 12 ألفاً يعيشون بين رام الله والقدس والشتات، هي بلدة يعمل سكانها بنسبة 30 في المائة في الزراعة، عدا عن العمل في الحكومة وفي إسرائيل والمحاجر وتربية المواشي.
أشار المهندس نضال جبارين ابن البلد العامل في مؤسسة دولية، الذي أشرف على إعداد هذه الجولة, إلى أن عائلات البلدة تقسم إلى قسمين: المشاعلة والوهيبات، ويضم كل منهما عدداً من العائلات، يسكنون في مناطق محددة، فهذه منطقة المشاعلة تقطنها عائلات الجرادات والجبارين والفروخ، أما القسم الثاني فيضم مثلاً الكوازبة والشلالدة وهكذا، ويفصل القسمين شارع مُعبّد وعين سعير.

قرية كبيرة... تُفرحها صورة
وصلنا العين، التي تسمى أيضاً عين سانت هيلانة، وهي أشهر عيون البلدة التي قامت والدة الإمبراطور قسطنطين الكبير بإصلاحات عدة فيها، ولا يزال الدكتور كايد يذكر أهالي القرى المجاورة عندما كانوا يأتون على الحمير من الشيوخ وحلحول والعروب إلى عين الماء. 
تعد فكرة التقاط صورة في البلدة مثيرة لانتباه المارة، فماذا إذا كانت المصورة هي المرأة الوحيدة بلا حجاب؟! كانت أنظارهم ترنو إلي، تعلو وجوههم علامات استفهام عدة، ما إن أمسكت بالكاميرا حتى تحرروا من صمتهم، فركض بعضهم ليكونوا قطعة من الصورة، قالها الكبار أيضاً: «صورينا». قرية كبيرة تفرحها صورة وتتوق إليها، هي قرية تريد أن تعيش.

من نبيذها... إلى زيتها
تدلّت عناقيد العنب من الدوالي المنتشرة بهدوء كأنها أنثى في صمتها وبصخب كأنها فتوّة في قمتها، تقول الأغنية الشعبية: «تْلولَحي يا دالية على غصون العالية، تلولحي عرضين وطول، تلولحي، لأقدر أطول». نعم تشتهر محافظة الخليل بالعنب، فيما تميزت سعير بشهرتها خلال الفترة البيزنطية بتصديرها للنبيذ، لكن مساحات العنب قلّت لمصلحة الاهتمام بزراعة الزيتون، التي بدأت في ثمانينيات القرن الماضي، ويعد زيت الجنوب إجمالاً من أجود الأنواع في فلسطين. 
مررنا بمزارعها المترامية وهي جزء من المساحة الكلية للبلدة البالغة 147 ألف دونم، لكن مخطط البلدية هو سبعة آلاف دونم، ولا تستطيع البلدية تأمين الخدمات المطلوبة للمزارع، فشبكة المياه لا تصلهم والآبار لا تكفي لإشباع المحاصيل. 
ومن مذاق عنبها العسلي، إلى ذهبها الأبيض وما تشتهر به من حجر يسمى «النجاصة» ولجودته بات يصدر إلى الدول العربية، وهذه المحاجر برغم مضارها البيئية، فإنها تشغل نحو 500 عامل، عدا عن الأعمال الناتجة عن هذا القطاع من مناشير وشاحنات ناقلة وعوائد ذلك على الاقتصاد الوطني. يعمل في البلدة نحو ألفي عامل في إسرائيل، فيما يخاطر نحو ألف بالعمل بلا تصاريح إسرائيلية، ويبقى عدد كبير من الشباب في رحلة بحث موجعة عن عمل.

 بحثاً عن قارئ!
عند «أم المدارس» توقفنا، التقطنا صورة للمدرسة، صرخ طفلان: «صَورينا»، وافقت، استعَدّا صامتين للصورة، رَجوتُهما الابتسام، فرفعا شارة النصر. هذه هي أقدم مدرسة في البلدة أُسست عام 1935م، وهي اليوم مدرسة الشهيد عبدالقادر جرادات، وهناك سبع عشرة مدرسة أخرى.
كان التعليم قبلها في الكتاتيب، حدثنا عنه الأستاذ المتقاعد علي سلمان داوود، الذي كان أحد أساتذة رئيس البلدية للغة العربية، وهكذا بدأ حديث الذكريات؛ الكُتَّاب عبارة عن غرفتين يدرس فيهما اثنان وثلاثون طالباً وطالبة، من بين الأساتذة مصطفى السفاريني من طولكرم وحمدان الأطرش، اعتاد الطلبة على إحضار الفطور من بيض وخبز وعنب للأساتذة كونهم ضيوفاً غرباء عن البلدة. ضحك جرادات وهو يقول: «كانت العصاة أداة التربية، بل كان الآباء يطلبون من الأساتذة ضرب أبنائهم، لأن الرغبة في تعليمهم كانت كبيرة!». ويضيف: «مَن تصله رسالة من ابنه الذي يدرس في الخارج، كان يجوب البلدة بحثاً عمن يقرأها».

الجمعية بلدية
أخبرني الأستاذ علي داوود أنه من مؤسسي جمعية سعير الخيرية عام 1963، التي كانت تنظم جوانب النشاط الثقافي والاجتماعي ومد شبكة المياه في البلدة، وهكذا دار الحديث عن رحلة التأسيس وافتتاح  روضة للأطفال وبناء غرف صفيّة ومدرسة للبنين، كانت تفكر الجمعية في كل ما يمكن أن يخدم البلدة، فصنعت رفوفاً للأحذية في الجامع، وأنارت مقرها بالطاقة الشمسية قبل الكهرباء، وواجهت ضغوط  الاحتلال لتحويلها إلى بلدية تابعة له فيما يسمى «روابط القرى»، إلا أن الجمعية رفضت بشكل قاطع، وكان لها موقفها السياسي... هي فلسطينية قلباً وقالباً، وكان تأسيس أول مجلس بلدي بعد قيام السلطة الفلسطينية عام 1997.

كنعانية الاسم... متعددة الحضارات
سَعِير بفتح أولها وكسر ثانيها، التي تقوم على موقع بلدة صَعير أو صَيعور، هي كلمة كنعانية تعني «صغير»، وترجح المراجع التاريخية أن اسمها يعود إلى جد سكان المنطقة «سعير الحوري» الذي سكنها قبل الكنعانيين. وفي العهد الروماني أضحت «سيور» مشتقة من «سار» الأرامية وتعني الصخر الشاهق، ويشيع بين الناس أن سعير هي النار ولهيبها، وهو ما ذكره محمد وجدي في «دائرة معارف القرن العشرين». وذكرت في المراجع العبرية بكسر السين نسبة للنبي العيص الذي سكنها وتعني الشعر الكثيف.

بلاد أدوم
مشينا في بلاد أدوم أنا ونضال جبارين الذي رافقني طوال الجولة، ينطلق كل يوم في رحلة عبثية إلى مكان عمله في بلدة الرام التابعة للقدس والواقعة خارج الجدار، تبعد عنه القدس نصف الساعة، لكن عليه الالتفاف عبر بيت لحم ورام الله. طريقٌ طويلة تشبه الحضارات التي مرّت على البلدة.
هنا عاش الحوريون ثم الكنعانيون فالأدوميون، وأصبحت جزءاً من أرض أدوم والتي تعني «أحمر» في إشارة إلى النبي العيص أو عيسو الذي كان لونه أحمر. وجاء في العهد القديم – سفر التكوين -: «هؤلاء بنو سعير الحوري سكان الأرض وهؤلاء هم الملوك الذين ملكوا في أرض أدوم قبلما مَلَك مَلِكٌ لبني إسرائيل».
مررنا على جامع النبي العيص في البلدة، حيث مقامه أيضاً، قيل إنه مدفون هنا، وكتب التاريخ أن المقام هو قيمة معنوية وليس قبراً.

حرام على اليهود
ذُكرت سعير في الإنجيل والتوراة، ففي سفر التثنية (33 - 2): «جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران»،  ووفق التوراة فقد طلب الله منهم ألا يحاربوا بني عيسو أو العيص لأنهم أخوة (2 - 4): «وأوصى الشعب قائلًا: أنتم مارون بتخم إخوتكم بني عيسو الساكنين في سعير، فيخافون منكم، فاحترزوا جدًا. لا تهجموا عليهم. لأني لا أعطيكم من أرضهم ولا وطأة قدم، لأني لعيسو قد أعطيت جبل سعير ميراثًا». وجاء أيضاً (1-42): «فَقَالَ الرَّبُّ لِي: قُلْ لَهُمْ: لاَ تَصْعَدُوا وَلاَ تُحَارِبُوا، لأَنِّي لَسْتُ فِي وَسَطِكُمْ لِئَلاَّ تَنْكَسِرُوا أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ. (1-43) فَكَلَّمْتُكُمْ وَلَمْ تَسْمَعُوا بَلْ عَصَيْتُمْ قَوْلَ الرَّبِّ وَطَغَيْتُمْ، وَصَعِدْتُمْ إِلَى الْجَبَلِ» أي جبل سعير، وأيضاً (1-44): «وَكَسَرُوكُمْ فِي سِعِيرَ إِلَى حُرْمَةَ. (1-45) فَرَجَعْتُمْ وَبَكَيْتُمْ أَمَامَ الرَّبِّ، وَلَمْ يَسْمَعِ الرَّبُّ لِصَوْتِكُمْ وَلاَ أَصْغَى إِلَيْكُمْ».
وهكذا لم يسكنها الإسرائيليون إلى اليوم، وبنوا مستوطنتين على أرض الــــشـــــيــــوخ المحاذية «متساد أصفر» عام 1983 ومستوطنة «متساد شمعون» عام 1991، لكن هذا لا يعني أنهم لم يصادروا مئات الدونمات من سعير لتوسيع الاستيطان... شيء من التحايل على التوراة، فالسكن يختلف عن التوسع... سبحان الله!

وحلال ذبحها!
القرية الفاصلة بين اثنين من أقدس أحلام الفلسطينيين، بين القدس والخليل هي قلعة الشهداء في هبّة القدس الحالية، رفعت إلى السماء أكثر من اثني عشر شهيداً منذ أكتوبر الماضي، استشهد أبناء العمومة والأخوة في هذه البلدة، فقد رحل رائد وإياد جرادات في يوم واحد بعد ثلاثة أسابيع من انطلاقة الهبّة، ثم عبدالله ومحمود من حمولة الشلالدة، فأحمد الكوازبة وبعد يومين لحق به أربعة شهداء في يوم واحد بينهم ابن عمه مهند، هكذا كان المشهد ثنائياً أو جماعياً في الاستشهاد. هذه هي البلدة المحرّمة على اليهود، فماذا لو لم تكن كذلك؟! تهاجمها القوات الإسرائيلية ليلاً وتطلق نيرانها، تغلق شوارعها بالسواتر الترابية وتوزع إخطارات الهدم، وهدم المنازل الواقعة في مناطق (جيم)، وتلك التي تعود لمعتقلي السجون الإسرائيلية... وهكذا كان آخر الشهداء عريف جرادات من ذوي الاحتياجات الخاصة.
 
نساء العنب... وآلهة الحرب
في مكان فيه كل هذا العنب، تبدع النساء في الاستفادة منه، فهو ليس فاكهة أو وجبة غداء، فقد حدثتنا عبلة الفروخ عضو المجلس البلدي، أن النساء «السعيريات» يحولن العنب إلى دبس وزبيب وعِنَّبية وهي مربى العنب، الذي لشدّة حلاوته الطبيعية يتم طبخه بلا حاجة لإضافة السكر بخلاف أنواع المربى الأخرى، وعَنْ طَبيخ «مربى عصير العنب»، وطبق حلو اسمه «الشدّة» وهو مكون من دبس وسبعة بهارات وقمح محمص وزيت زيتون بلدي حُرْ تطبخ جميعها لسبع ساعات، وتقدم للمرأة المرضعة، كما أنها إجمالاً تمنح الجسد طاقة تكفي ليوم كامل، طاقة يحتاجونها لقضاء يوم كامل في الزراعة.
وفي بلدة حلحول المجاورة، تشارك عبـــلة في مهرجان العنب، ولـــــدى القـــــرية عشـــر نساء أصبحن عضوات في الغرفة التجارية، يديرن تجمعاً للتصنـــيع الغـــــذائي فــــي منطقة بيت عنون، على أطراف سعير، حيث نصب الاحتلال حاجزاً وصار من أخطر مناطق التماس.  أخذني نضال هناك واستطعت تخيل كل قصص القتل واستعادة كل الأخبار العاجلة عن شهداء وجرحى البلدة. وقد لا يكون اختيار هذا المكان صدفة، لأن بيت عنون المرتبط بالحضارة البيزنطية هو اسم لآلهة الحرب والحب، لكنهم طبعاً لا يعرفون الحب.

ثاني أقدم بلدة في العالم
أهل القرية يرون ربما تمجيداً وربما جهلاً أن بلدتهم هي ثاني أقدم بلدة في العالم، وورد ذلك في بعض الكتب عن البلدة، لكن محمد جرادات ابن القرية والخبير في علم الآثار أكد لنا أن أقدم الشواهد فيها عمره ستة آلاف عام، أي من العصر الحجري النحاسي، وهو كهوف في بيت عنون ووادي الشرق وليست أبنية مثل أريحا أقدم مدن العالم، عمرها أكثر من عشرة آلاف عام. أشار لنا محمد إلى أن سعير ذكرت بلغة الرحالة مثل ياقوت الحموي وبطرس البستاني ومراد الدباغ وفيليب حتّي وعبدالغني النابلسي. 
فوجئت خلال الجولة وأنا أرى بقايا كنائس وقبور رومانية، بل إن البلدة البعيدة عن المشهد السياحي الفلسطيني تحتوي على تسعين موقعاً أثرياً تقع في مساحة تزيد على مائة كيلومتر مربع، وتصل حدود القرية إلى البحر الميت شرقاً، وتلتقي بالخليل والقدس وبيت لحم، وفيها مقابر من العصر البرونزي المتوسط في منطقة العديسة وبئر الجرادات المعروفة ومغاور منقورة في الصخر، فيما توجد دلائل العصر الحديدي الأول والثاني في الفترة الفارسية في منطقة رأس الطويل، وحسب محمد فقد قام الأردنيون وبعدهم الإسرائيليون بعمليات تنقيب، ليتبين وجود مدينة مسورة، مما قد يعني أنه مفتاح المواقع في سعير.
في البلدة قبور رومانية هي عبارة عن حجرات في الصـــخر، توضع فيــــها الجـــثث، وبعد أن تتحلل تنـــقل بقايـــاها إلى صناديق حجرية ويعاد استخدام الحجرات، المقبرة تستخدم إلى يومنا هذا على الطريقة الإسلامية طبعاً.

مقلوبة «العنب»... المنوّمة!
البلدة التي تشتهر باللحوم، فيذبحون عشرات الأغنام في أعراسهم، ولا يعرفون وجبة للضيف غير المنسف المزين بقطع كبيرة من لحم الخروف، استطعت لأول مرة في التاريخ أن أتذوق فيها وجبة أخرى، رفضت مسبقاً كل دعوات الغداء، فكانت نهاية الجولة في منزل عائلة نضال، وإذ بمقلوبة ورق عنب والكوسة تهبط مثل طائرة تأتي نجدة للجوعى! نعم هذا هو موسم العنب، وهذه هي الوجبة المكررة، فمرة باللحم ومرة بالدجاج ومرة بالكوسة ومرة بالباذنجان... وطبعاً المشروب اليومي لاستمرار «خفة الظل» وقوة الدم في كل سعير هو عصير العنب... وهكذا كان مصيري «النوم» في سيارة العودة ■

 

 

قبة مسجد بلدة سعير المعروف باسم مسجد النبي العيص عليه السلام

 

تظهر مدرسة عبدالقادر جرادات أقصى يسار الصورة