سلفادور دالي يرسم بالكلمات نيويورك والحرب

سلفادور دالي  يرسم بالكلمات نيويورك والحرب

تضاعف إيماني بعبقرية سلفادور دالي عندما قرأت روايته «وجوه خبيئة». فهذا الفنان الاستثنائي في تاريخ الفن، بدا في الرواية كاتباً من الدرجة الأولى، سواء في تشييد العمارة الروائية أو في بناء المشهديات، أو في الغوص في أغوار  الشخصيات، وبالطبع في التخييل الذي لا يفتأ يغدق نعماءه على القراءة، لكأن الكاتب يرسم، والرحمة لنزار قباني الذي أبدع الرسم بالكلمات.

كانت المفاجأة أن هذا الفنان التجريبي جداً، والحداثي جداً، بدا في الرواية كلاسيكياً جداً، وإن تكن كلاسيكيته مطعّمة بحداثيته. وقد ازداد كل ذلك توكيداً عندما قرأت ما كتب من سيرته (الحياة السرية)، حيث تحضر الرواية بقوة، لكأنما «الحياة السرية» سيرة روائية أو رواية سيرية. ومن فيضانها الذي لا يدع  للكتابة عنها إلا أن تستعير كتابتها، ثمة ما يخاطب يومنا العربي والعالمي، الأول في بؤرة ما يعصف بنا منذ 2011، والثاني في البؤرة الأمريكية التي تلخص العالم، وهي التي تكاد تتلخص في نيويورك.

الحرب العالمية والأهلية
بجسارته المعهودة أعلن دالي أنه مناهض للسياسة وللتاريخ. وعلل ذلك إما بسبقه لعصره، وإما بتخلفه عنه. وكما كان حديث الثورة في التاريخ حديث حرب، كتب دالي عن ثورة برشلونة، عندما تفجرت المذاهب فيها كقنابل يطلقها الاتحاد الإيبيري، وكان إعلان الجمهورية الكاتالونية، وملأ المسلحون الشوارع، فحذر رئيس البنائين: «سينتهي هذا كله بدكتاتورية عسكرية ستضعفنا جميعاً ولن تسمح لنا بالتنفس». وقد فرّ دالي وزوجته وملهمته غالا من برشلونة، لكن الصحف أدركته في اليوم التالي على الحدود الفرنسية بنبأ إخماد الثورة، وقتل قادتها أو اعتقالهم، وها هو الموال الكاتالوني لايزال يترجّع، بينما فريق برشلونة لا يفتأ يعزز تربعه على عرش كرة القدم.
في صورة لا يرسمها أو يكتبها إلا من هو مثل دالي، الذي لا يني يجزم: ليس لي مثيل يقرن بين كرة البينغ بونغ والحرب. فالكرة تبدو للفنان أو الكاتب مثل رأس موت صغير... فارغة وكارثية في عبثيتها، تجسد السياسة «المسلوخة»! أما الصمت بعد جَمجمة الكرة فهو يجعل دالي يحس باقتراب «وحشية تاريخنا المسلحة العظيمة، وحشية حربنا الأهلية القادمة». وقد تنبأ دالي بالحرب الإسبانية في لوحته التي رسمها في باريس وسماها «نذير الحرب الأهلية»، وفيها تخرج من جسم بشري ضخم ناميات هائلة من الأذرع والسيقان، تمزق إحداها الأخرى في هذيان من الخنق الذاتي. وفي خلفية هذه «الهندسة من اللحم المسعور» الذي تلتهمه جائحةٌ نرجسية وبيولوجية، رسم دالي منظراً طبيعياً جيولوجياً، وزخرف البنية الطرية لكتلة اللحم في الحرب الأهلية ببعض الفاصولياء المسلوقة!
عن الحرب الأهلية الإسبانية، يخاطب ما كتبه دالي قبل أكثر من سبعين سنة، تلك الحرب الأهلية التي اكتوى بها لبنان (1975-1990)، فالجزائر في العشرية الأخيرة من القرن الماضي، فالعراق وسورية واليمن وليبيا منذ خمس سنوات، وإلى يوم عسى ألا يكون بعيداً. يقول دالي إن الماضي قد نُبش، ورُفع لينهض على قدميه، وسار بين الأموات الأحياء، وكان مسلحاً، وتعلم الناس أن يحب أحدهم الآخر بأن يقتل أحدهم الآخر، ومن جميع أجزاء إسبانيا انبعثت رائحة «اللحم الروحاني» المقطّع.
كان الشعب الإسباني (أو اللبناني أو الجزائري أو السوري أو...) عندما يلتهم أحدهم الآخر، يقاتلون من دون وعي منهم، وبشكل جماعي، من أجل التقاليد المتقدة التي تشكل بلدهم. كانوا جميعاً يقاتلون بشجاعة وفخر، صليبيّي الإيمان: الملحدون والمؤمنون والقديسون والمجرمون والجلادون وحفارو القبور ونابشوها. والناس في الحرب الأهلية يقتل أحدهم الآخر، ليس من أجل الأفكار فقط، بل من أجل أسباب فردية أيضاً، من جراء اضطراب شخصية المرء. وقد بدت الحرب لدالي أشبه بعراك أولاد على زاوية شارع، لكن هذا الشجار بدأ يصدر كثيراً من الضجيج، وأصبح واقعياً أكثر مما يجب.
ما تحتاج إليه بلادنا – قال لدالي صديق ثوري حارب من أجل الجمهورية – هو التخلص من فرانكو، وأن تعود إسبانيا ملكية دستورية. 
 لقد انطلق الفوضويون الإسبان – يكتب دالي – إلى الشوارع المدمرة، رافعين لافتاتهم السوداء وعليها «يحيا الموت». 
أقبل دالي على الرسم اثنتي عشرة ساعة في اليوم، عندما فرّ من الثورة إلى استراحة في جبال البيرينيه. وعمل في أثناء الحرب بجد، كما لم يعمل من قبل، مفعماً بإحساس حارق من المسؤولية الفكرية. وبالمضيّ إلى ما بعد الحرب تفجر دالي غيظاً مما عده الفقر الروحي لهذه الحقبة: فقر انعدام الشكل الفردي الذي ابتلعه انعدام شكل الجماعة، فقر الحضارة الذي يدمر المرء ويجعله عبداً للشك في حريته الجديدة. إنه الفقر الذي أدبر عن الفخامة المقدسة للهندسة المعمارية، وأقبل على الهندسة بعمومها، وهي التي يعدها دالي الأكثر انحطاطاً. ويندب دالي الحرية الفردية التي أبدلتها مرحلة ما بعد الحرب بالإيمان بطغيان اليوتوبيات المالية. أما الفقر الأيديولوجي والمجاعة الروحية لحقبة ما بعد الحرب، فهما ما سيحملان وزر الحرب القادمة.
يرى دالي أوربا ما بعد الحرب ميتةً بسبب تجاربها الثورية والسياسية والجمالية والأخلاقية التي التهمتها بالتدريج. كما يرى أوربا، في مقام آخر، على وشك أن تموت بسبب غياب الجمال السياسي، وبسبب التصلب الأيديولوجي والتزمت الأخلاقي، والشك والعسف والكآبة، ونقص الفلسفة الكونية، ونقص الإيمان، وبسبب تكاثر المذاهب وفوضاها: التكعيبية والدادائية والمستقبلية والسريالية والشيوعية والاشتراكية القومية وكثير سواها. فلكل من هذه المذاهب قادة وأبطال وأنصار، وكل منها يدعي معرفة الحقيقة، لكن الحقيقة الوحيدة التي قدمتها المذاهب، كانت، كما يحكم دالي، هي أنه ما إن تُنسى – وكم كانت تُنسى بسرعة – حتى لا يبقى بين أطلالها إلا أفراد معدودون. 

ما بعد الحرب المجنونة
يسأل دالي غالا عما تقول ساعة التاريخ بعد الحرب، فتأتي النبوءة بساعة الفرد: «ساعتك يا سلفادور» توشك أن تقرع، بينما انحطت حساسية الرجال الذين حولتهم الحرب إلى همجيين. لقد خرج الناس من الحرب: ظهور من الرصاص، قلوب كيميائية من تلفزيونات الدم. والخوف الخوف أن نخرج نحن عرب اليوم من حربنا المجنونة على هذه الهيئة، وأن نكون كما رسم دالي الإنسان في فرنسا بعد الحرب: هو هو كما كان بانتظارها: تضخم الشعور الجبان بالخمول، وبالدوران حول الذات، مترافقاً مع بعض المتعة المنحرفة من جراء معرفة المرء أن الجيران التاريخيين (الإسبان) قد ذبح بعضهم بعضاً، في واحدة من أكثر الحروب رعباً في التاريخ.
من التجليات التي لا تحصى لإبداع دالي في رسم الشخصية الروائية في اللحظة الحرجة القصوى، كلحظة الحرب، لا أنسى كيف رسمت كلمات الفنان في رواية «وجوه خبيئة» دخيلة الطيار الذي يخاطب بيتكا بأنه لم يشعر قط في حياته كما شعر عندما أصبح وجهاً لوجه مع العدو. وإذا كان الطيار قد أصبح منذ ذلك اليوم ذلك الشيء الغامض الذي يسمى بطلاً، فهو ينفي عن البطولة أي جرأة، ففي الحرب لا يفكر المرء أبداً بأنه سيموت. وحين يمسك ببندقيته الآلية بقوة، يشعر كأن ارتداداتها تجعل براغيث خوفه تقفز هاربة. ويكتب – يرسم دالي أن المهم في المعركة الجوية هو أن المرء يشعر بأنه يصبح مرة أخرى قطرة من زلال بيضة، من حياة غريزية قابلة للعطب في مركز قذيفة، وسط السماء، وحيث يبدأ الدماغ بالعمل فتغذي جناحي الطائرة الانقباضات والانبساطات في قلب الطيار، والمكونات الكيميائية لعصارته، ونقرأ: حسناً، ليس هذا عملاً أدبياً. فأنت تشعر حقاً من أعمق نقطة في أحشائك إلى رؤوس أظفارك، أنك أنت العيون والمكونات الداخلية لطائرتك، وعندئذٍ، لن تكون باريس موجودة ولا السريالية، فكل مخاوفك ونظرياتك وتناقضات أفكارك والندامة، كل شيء يختفي ليفسح للتدفق الغاضب، لحزمة النار التي تندفع من المدفع الأوتوماتيكي.
وفي رواية «وجوه خبيئة» يدقق دالي في ما بين السياسة والحرب، معرياً الخبث والمكر الذي يسم السياسيين، إذ تدخل السياسة في ما يسميه الطور القمري، طور الغبش والبرق، فيكون من العسير ألا تخطئ في تبيّن ضياء الوجوه الأليفة، وانعكاسات الخيانة والجاسوسية عليها. ويشبه دالي ما في الحرب والسياسة من شراسة وتضافر الشجاعة والولاء والخيانة بتمثال سيرابيس من الذهب الخالص الساطع، وهو الوحيد المزروع في قلب الصحراء، عارضاً ظلاً حزيناً متطاولاً يتلاشى على حدود الرمل الذي كان جافاً متعطشاً للدم الجديد للتاريخ.
أي سرد هذا؟ أي رسم بالكلمات؟

أمريكا – نيويورك
يخاطب دالي نيويورك بقوله: «أنت مصر، لكنك مصر انقلب باطنها ظاهرها». ويوضح ذلك بأن الأهرامات بنيت من العبودية حتى الموت، بينما بنت نيويورك أهراماتها من الديمقراطية مع أنابيب برتقال عمودية من ناطحات سحاب، تلتقي جميعاً في نقطة الحرية التي بلا حدود.
هذه الصورة السحرية التي رسمها دالي لنيويورك تعبر عن افتتانه بها منذ أن لاقاها: «لقد رسمتْ أمامي باللون الأبيض العاجي الوردي الصدئ، وبدت كقطعة جبن روكفور هائلة». ولأنه يحب هذه الجبنة الفرنسية، فقد جزم بأن نيويورك ترحب به. ولا ينسى دالي في لقائه الأول بها «فخر كريستوف كولومبس الكاتالوني» الذي يجري في عروقه، لذلك أدى التحية «لعظمة العلم الأمريكي الكونية وأصالته البكر».
نيويورك في عيني دالي هي حارس غرانيتي يواجه آسيا، وهي بعث الحلم الأطلسي، وهي أطلنتس الوعي الباطن. وكيفما تكون نيويورك، فليس بخافٍ على دالي أن كاتدرائياتها تحيك في ظلال البنوك الضخمة، الجوارب والقفازات لتوائم الزنوج، ولطيور السنونو التي ثملت بالكوكاكولا، وضاعت في مطابخ الأحياء الإيطالية القذرة، وتعلقت بحواف الطاولات مثل ربطات العنق اليهودية السوداء الغارقة في المطر، منتظرةً ضربة مفاجئة من «مكواة» الانتخابات القادمة، لتجعلها مقرمشة مثل قطعة من لحم الخنزير المقدد.
من الوله إلى النقد اللاذع والساخر، تصيب سردية نيويورك هذه المرء بالدوار وهو يلهث من عبارة/ صورة إلى عبارة / صورة، وكل واحدة تمور بفكريتها. وكان صيت دالي قد سبقه إلى نيويورك التي استقبلته كما يرغب. وفيها كانت له جولات مع محلات عرض الأزياء، لذلك يخاطب المدينة بقوله: «نيويورك: إن دمى عرض أزيائك مقطوعة الرأس غارقة في النوم سلفاً، وتريق كل دمها الدائم الذي يتدفق مثل النوافير الجراحية للدعاية داخل واجهات العرض المتألقة بالأضواء الكهربائية، الملونة بالسريالية التي تغط في نوم عميق».
أذهلت دالي عروض واجهات المحلات التجارية التي تحاول أن تقلده في الجادة النيويوركية الخامسة. وكان يمقت دمى العرض العصرية المريعة الصلبة، وغير «القابلة للأكل». لقد أصابه بالضياع الضجيج المرافق لمدينة ميكانيكية هائلة. ولعل ما كتبه عن الشعر في نيويورك يعبر عن جوهر تجربته الروحية والإبداعية والعملية والحياتية النيويوركية. فقبل أن يذهب إلى النوم في ليلته الثانية فيها، وفي غشاوة النعاس، راحت تتضارب الصور النيويوركية التي رآها في اليوم الأول، فجزم: لا، وألف لا، ليس الشعر في نيويورك كما أخبرت عنه أوربا. ليس في جماليات الخطوط الزائفة العقيمة لصلابة «روكفيلر سنتر». ليس الثلاجات التي يُرثى لها، ويرغب متذوقو الجمال الأوربيون «البغيضون» أن يقفلوها على البقايا غير الصالحة لزيفهم الحديث الشاب – يكتب!
ويكتب أن الشعر في نيويورك قديم وعنيف كالعالم في حد ذاته، وهو ليس جماليات هادئة، بل مادة حية وهائجة. ليس من النيكل، بل هو رئات متشعبة، وطرق الأنفاق إلى نيويورك لا تسير على سكك حديدية، بل على سكك الرئات المتشعبة، وهذا التعبير، يذكر دالي أنه اقتبس فكرته عن ريموند راسل الذي يعده أعظم كاتب فرنسي تخيلي.
والآن، لنتأمل بعيني دالي كيف تتخذ ناطحات السحاب في نيويورك كل مساء أشكالاً مجسمة عملاقة من لوحة ميليت المسماة أنجيلوس، مستعدة لأداء الوظيفة الجنسية، ولأن تفترس الواحدة منها الأخرى قبل الجماع، كسرب من حشرات فرس النبي: «إن الرغبة الدموية غير المشبعة هي التي تضيئها وتسبب دوران الحرارة المركزية والشعر المركزي ضمن بنيتها العظمية الحديدية».
تلك هي شعرية العمارة النيويوركية. لكن دالي يتابع أن الشعر في نيويورك ليس مزيفاً، بل حقيقياً، وهو ليس ميكانيكي الإيقاع، بل هو زئير الأسد الذي أيقظ دالي في صباحه النيويوركي الأول. والشعر في نيويورك هو حنين الشرق والغرب، وهو أرغن وعصاب قوطي، ومخطوطة عاكسة للنور في هيئة مقطوعة موسيقية، وواجهة مبنى يتصاعد منه الدخان، ومصاص دماء اصطناعي، وذوق فارسي ينثر مع عطسته رذاذ معدن البرونز الذهبي. إنه بوق يجذبك بقوة حتى الموت. ويندفع دالي بحرارة مؤكداً أن الشعر في نيويورك أرغن، أرغن، أرغن، أرغن رئات العجول، أرغن القوميات، أرغن بابل، أرغن ذوق الواقعية السيئ، أرغن ما قبل الخليقة العذري، وذاك الأرغن الضخم العاجي الأحمر الذي لا يخدش السماء، بل يدوي فيها ببوصلة انقباض أنشودة علم الأحياء وانبساطها.
لا يخفى الجذر السوريالي في هذا المفهوم الدالي للشعر في الكتابة والحياة والعمران والطبيعة... هكذا يوالي رسم نيويورك كهرم دائري، وككرة من اللحم المدبب الذي يشير إلى القمة، إنها كرة أحشاء الألفية المتبلورة، والياقوت الأحمر التذكاري غير الصقيل. 
يروي دالي أنه كان يتمشى وحيداً وسط نيويورك في صباحات مشرقة، يحدوه رغيف خبزه الفرنسي الذي ابتدعته مخيلته في باريس بطول 15م. وأظهرته المخيلة التي طالما وصفت بالجنون، في العواصم الأوربية بطول 30م، ثم في أمريكا بطول 45م. وبعد ابتداع هذا الرغيف الهائل جاءت أرغفة الخبز الدالية، لتأكل الأخبار الأخرى عن أحداث العالم السياسية والجنسية. إنها بيضة كولومبس، كما يسمي خبزه الذي سيصنع منه «عناصر سريالية» كمحبرة الخبز السريالية: ليس أسهل من ثقب فتحتين أنيقتين في قفا الرغيف، وتثبيت محبرة في كل ثقب، تتلون تدريجياً عبر الاستخدام، مع مستطيل – حمالة صغيرة للأقلام.

عطش عربي 
يتساءل دالي عما إن كان ثمة شيء جمالي مهين أكثر من هذه المحبرة. ويصف خبزه بأنه مناهض شرس للخبز الإنساني. إنه خبز انتقام الفخامة التخييلية من نفعية العالم العقلاني. إنه خبز جمالي أرستقراطي ارتيابي راق ظاهراتي ويسوعي. وقد قاد دالي هوسه بالخبز إلى فكرة تأسيس مجتمع سري يهدف إلى التشويه الممنهج للحشود. 
لم ينس دالي العرب في سيرته وفي روايته. ومن ذلك ما يذكر من شعوره بـ «عطش عربي» يصعد من الأعماق الحشوية لسلفيته الشمال إفريقية. وهذا العطش يرسمه دالي قادماً على حصان أسود ليمدّن إسبانياً. وحين أغمض دالي عينيه ليسمع ما يحدث بداخله، شعر بدمدمات قصر الحمراء في غرناطة تطن في مركز فناء معدته المظلل بالسرو. ولأنه كان يشعر بالعطش كعربي، شعر أيضاً بالولوع بالقتال، مثل العربي، فعن أي عربي هو هذا الحديث؟ عن واحد من أجداد دالي أم عن واحد من عرب القرن الحادي والعشرين؟
بعد سبعين سنة من نشر دالي لسيرته، وهو لم يبلغ الأربعين، يرمينا بنيويورك / أمريكا زمننا، بعدما رمانا بحروب زمننا، فهل سيزيدنا ذلك وعياً بما نحن فيه وما نحن مقبلون عليه، أم سيجعلنا نزداد شبهاً بكائنات سلفادور دالي الشوهاء؟ ■

 

من أعمال دالي

 

المفاهيم والأفكار كما عبر عنها دالي في لوحاته