«النقد الـمسرحي العربي»... إطلالة على بدايته وتطوره

«النقد الـمسرحي العربي»...  إطلالة على بدايته وتطوره

لعل أبرز الدراسات الجادة والمتميزة، التي قدمت مجموعة من الرؤى عن بدايات النقد المسرحي في الوطن العربي، ورصدت التطورات التي عرفها من مرحلة إلى أخرى، دراسة الناقد والباحث المغربي د.حسن المنيعي الموسومة بـ: «النقد المسرحي العربي...  إطلالة على بدايته وتطوره»، وهي الدراسة التي يسعى من خلالها - كما يذكر  -  إلى تقديم إطلالة على تطور النقد المسرحي العربي، مع الوقوف على خطاب تلقيه لمشروع تأصيل الحركة المسرحية العربية.

 يضعنا د. حسن المنيعي أمام مقاربة جديدة، ومتعمقة لقضايا النقد المسرحي العربي، حيث يتساءل لدى رصده للممارسات الأولى للنقد المسرحي الأدبي العربي، ماذا كان رد فعل النقد المسرحي تجاه هذا الفن الجديد الذي يسعى إلى خلق علاقات قوية مع المجتمع، وإلى الحرص على أن يظل دوماً في تفاعل مع أوضاعه الحياتية، والسياسية، والاقتصادية؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تطلبت من المؤلف القيام بجرد تاريخي لحركة النقد الحديث في العالم العربي، وذلك للوقوف على أبعادها (حركة النقد) المسرحية، مشيراً إلى أن هذا النقد «ارتبط في الغالب بأوضاع المسرح العربي الذي كان يعيش من حين لآخر حالات تأرجح بين الازدهار، والانحسار، كما ارتبط أيضاً بندرة النقاد المتخصصين، وهذا ما دفع الكثير من الباحثين إلى التأكيد على عدم وجود نقد مسرحي عربي حقيقي في مرحلة التأسيس، في حين ظهر نقد بديل يهتم بالنص المسرحي، من حيث هو كتابة أدبية.
لقد ألحَّ النقاد في المرحلة الأولى على ضرورة إنتاج حركة مسرحية عربية ترتكز على الاقتباس والترجمة، نظراً لوجود نصوص جاهزة للإعداد المسرحي، وفي المرحلة الثانية تم تعميق العلاقة بالمسرح عن طريق الاطلاع على الكتابات الأوربية، وتقليد مجموعة من النماذج المتميزة منها.
وبالنسبة إلى ميلاد النقد المسرحي الأدبي، فالدكتور المنيعي، يشير إلى أنه عندما كتب أحمد شوقي مسرحياته متأثراً بأساليب الأدباء الفرنسيين، والبريطانيين، الذين ينتمون إلى المدرسة الكلاسيكية من أمثال: راسين، وكورني، وشكسبير، عرف المسرح العربي تطورات، وقفزة نوعية في مجال الكتابة الشعرية الدرامية، بيد أن النقد كان قاسياً مع هذه القفزة، فقد لمس فيها حدثاً يكتسي أهمية كبيرة، ولكنه قد يتعرض لانحسار مع الزمن، كون الأسلوب الشعري الدرامي الذي نهجه أحمد شوقي يتناقض مع أذواق الجماهير، التي لم تكن مؤهلة لتلقي موضوعات شعرية بعيدة عن القضايا الحيوية، والجوهرية.
 ووفق منظور مؤلف الكتاب، فميلاد النقد المسرحي ارتبط لاحقاً بالتحولات التي أحدثتها ثورة يوليو 1952م، والتي كان من نتائجها تحديث مناهج التعليم، وبرمجة مادة المسرح في الجامعة من خلال الدروس التي كان يلقيها د. محمد مندور على طلبته، ومن جانب آخر فهذه الثورة خولت للمسرح العربي تحقيق إنجازات مهمة في جل البلدان العربية التي تخلصت من هيمنة الاستعمار الأجنبي، فقد سارعوا إلى إنتاج أعمال درامية تعالج مواضيع إنسانية حساسة، وذلك من منظور جمالي متطور يعكس تشبعهم بالأساليب الدرامية الغربية، كما عكس مستقبلاً نضجهم، وطموحهم، إلى إيجاد صيغة مسرحية عربية، ومهّد إلى بروز حداثة المسرح العربي انطلاقاً من بداية سبعينيات القرن الماضي.
 أما النقد الذي يجمع بين ما هو أدبي وفني، فقد أخذت بشائره تظهر من حين إلى آخر ابتداءً من منتصف خمسينيات القرن الماضي، وذلك في دراسات نقدية تؤشر إلى تقنية الإخراج، والديكور، وأداء الممثلين والموسيقى كما يذكر د. المنيعي.
قدم المؤلف مجموعة من نماذج النقد المسرحي الأدبي الفني، حيث يعتبر الناقد محمد مندور الرائد الأول في مجال النقد المسرحي الأدبي والفني معاً، ويعده مؤسس الدرس المسرحي في مصر، وقد تميز بخصائص محددة في نقده المسرحي، فقد كان ينطلق من نظرية أرسطو حول التراجيديا، ليصل إلى نظرية برتولد برشت حول المسرح الملحمي، كما كان يبرز في نقده مدى اطلاعه على أهم التيارات التي ارتبطت بالمسرح كالكلاسيكية، والرومانسية، والرمزية، والواقعية الاشتراكية، والتعبيرية، والوجودية، والعبث، للدراما... إلخ. 
 وقد توقف د. المنيعي مع تجربة جورج طرابيشي، الذي قرأ أعمال توفيق الحكيم، وفسَّر أبعادها، وعبر د. المنيعي عن رؤيته لهذه التجارب، بأنها تمثل مؤسسة للنقد المسرحي الأدبي، والتي ركزت في الغالب على دراسة الإنتاج الدرامي لتوفيق الحكيم من منظور الواقعية الاشتراكية حصراً، أو مطعمة بمنهج نفساني.
 
تطور النقد الـمسرحي العربي
يرى المؤلف أن منهج النقد الواقعي الاشتراكي هو الذي ساد في عدد من الدول العربية، ولاسيما في سورية التي شهدت في سنة 1974م ظهور كتاب: «الأدب والأيديولوجيا في سورية 1967 - 1973م» لنبيل سليمان وبوعلي ياسين، وقد أثار هذا الكتاب كثيراً من الجدل بسبب خطابه النقدي الصارم، فهو يرصد في الأساس الأيديولوجيا التي يقحمها الأدباء في إنتاجهم، أو التي ينطلقون منها.
تناول د. المنيعي في كتابه عوامل تحول الخطاب النقدي المسرحي، ولاحظ أنه كان أدبياً في معظم مقارباته، وكان تواقاً إلى تطوير أدواته، وذلك من حيث التوحيد بين ما هو أدبي وفني ويرجع د.المنيعي نضج الخطاب النقدي المسرحي، الذي لم يعد يقيم الإنتاج المسرحي من خلال معايير تقليدية تهتم ببنية النص، وتماسك أطرافه، إلى الاطلاع على النظرية الغربية وشعرياتها، فقد أكد أن النقد المسرحي العربي عرف جملة من التحولات، وأضحى يهتم بشكل العرض، وجمالياته (كتابة وإخراجاً وتمثيلاً)، وهذا ما فتح المجال لازدهاره، وتنوع مجالاته المعرفية، وذلك في ظل تبلور حداثة مسرحية عربية، بدأ زمنها الحقيقي في نهاية ثمانينيات القرن المنصرم ■