شِعريَّةُ المرَض في التراثِ الشعريَّ العربيَّ

شِعريَّةُ المرَض  في التراثِ الشعريَّ العربيَّ

لم‭ ‬يحظ‭ ‬فن‭ ‬من‭ ‬فنون‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬بكثرة‭ ‬الدراسات‭ ‬وتنوعها،‭ ‬سواء‭ ‬القديمة‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬الحديثة،‭ ‬مثلما‭ ‬حظي‭ ‬الشعر‭ ‬العربي،‭ ‬إذ‭ ‬يعد‭ ‬المرجع‭ ‬الموثوق‭ ‬به‭ ‬لأساليب‭ ‬العرب‭ ‬البلاغية‭ ‬والبيانية‭, ‬والمصدر‭ ‬الأصيل‭ ‬لمفرداتهم‭ ‬اللغوية‭ ‬وطرقهم‭ ‬التعبيرية،‭ ‬فضلا‭ ‬عما‭ ‬يحويه‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬مآثر‭ ‬العرب‭ ‬ومفاخرها‭ ‬وأحداث‭ ‬أيامها‭ ‬ووقائعها‭, ‬فهو‭ ‬الوثيقة‭ ‬الرسمية‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬دونت‭ ‬تاريخ‭ ‬العرب‭ ‬الوجداني‭ ‬والاجتماعي‭ ‬منذ‭ ‬بزوغ‭ ‬الجنس‭ ‬العربي‭ ‬ونبوغ‭ ‬عقليته‭.‬

ففي ديوان الشعر العربي صفحات طويلة لم تقرأ بعد، ولم تجد لها في كتب الدارسين وأبحاثهم مجالًا ومتسعًا، مع ما لها من أهمية في الكشف عن بعض الجوانب الخفية في شعرنا العربي، ومن ذلك ما قيل في وصف المرض وتشخيصه من قصائد وأشعار ذات خصائص نادرة المثال، قلما نجد لها نظيرًا في أشعار الشعراء، لما تتسم به من طرافة في المعاني والأغراض، ورقَّة في المشاعر والأحاسيس، وروعة في التعابير والأساليب.

وإذا علمنا أن الشعر العربي هو شاهد عدل على أن الطب العربي كان قد شب عن الطوق باكرًا، فإنه ينبغي علينا الاحتفاء بهذا الميدان، لما يزخر به من أبعاد إنسانية، وعواطف متدفقة، وأحاسيس نبيلة، وتجارب متباينة في مرارتها وحلاوتها.

فالطب فرع من فروع العلم، وهو بإجماع اللغويين والمتأدبين: علاج الجسم والنفس. والطبيب أو الطب (بتشديد الطاء وفتحها): هو العالم بالطب (بتشديد الطاء وكسرها)، والمتطبب: الذي يتعاطى علم الطب. وليس بطبيب حقيقي. 

والحقيقة أن ميدان الطب قد أفاد منه الشعراء حين يمموا ساحته أيما فائدة، فعلوا من ألفاظه، ونهلوا من أساليبه، وحاكوا في تصويرهم الأدبي صورًا طبية، وصبوا هذا كله في قوالب وأشكال فنية رائعة، تنبئ عن ثقافتهم، وروعة تجربتهم، وحرصهم على اصطياد الأفكار والصور من شتى المصادر.

ومن بين ما حوى ديوان الشعر بين أبوابه وأغراضه التي نظم الشعراء فيها قصائدهم بابا لعلم الطب خاصة الناحية التشخيصية، لذا نرى شعراء كبارًا تلمع أسماؤهم في ديوان الشعر العربي طرقوا هذا الباب وتركوا لنا أشعارًا تحتاج بالفعل إلى إحكام العقل وكدّ الذهن (بعيدا عن مجالات الجمال ورؤى الإلهام والخيال التي يحتفل بها الشعراء العرب)، حتى نقدم وصفا لبعض الأمراض والعلل كما وردت في الشعر العربي. 

بقي أن نذكر أن قصائد الشاعر أثناء المرض تُنتج لأن أعراض المرض تطغى على مشاعره فلا يستطيع أن يتجاهلها أثناء كتابته للشعر:

 

الصحة‭ ‬العامة

يقول عنترة: 

المال‭ ‬للمرء‭ ‬في‭ ‬معيشته

خيرٌ‭ ‬من‭ ‬الوالدين‭ ‬والولد

وإن‭ ‬تدم‭ ‬نعمةٌ‭ ‬عليه‭ ‬تجد

خيرًا‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬صحة‭ ‬الجسد‭ ‬

وما‭ ‬بمن‭ ‬نال‭ ‬فضل‭ ‬عافيةٍ‭ 

وقوت‭ ‬يومٍ‭ ‬فقرٌ‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭.‬

وقال بشار بن برد: 

إني‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬جمع‭ ‬المال‭ ‬يعجبني

فليس‭ ‬يعدل‭ ‬عندي‭ ‬صحة‭ ‬الجسد

في‭ ‬المال‭ ‬زينٌ‭ ‬وفي‭ ‬الأولاد‭ ‬مكرمةٌ

والسقم‭ ‬ينسيك‭ ‬ذكر‭ ‬المال‭ ‬والولد‭.‬

وما أروع قول ابن حزم عندما اعتراه المرض: 

أأكتمه‭ ‬ويكشفه‭ ‬شهيق

يلازمني‭ ‬وإطراق‭ ‬طويل؟‭!‬

ووجه‭ ‬شاهدات‭ ‬الحزن‭ ‬فيه

وجسم‭ ‬كالخيال‭ ‬ضَنٍ‭ ‬نحيل‭ ‬

وأثبت‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬المرء‭ ‬يومًا

بلا‭ ‬شك‭ ‬إذا‭ ‬صح‭ ‬الدليل

 

الحُمى‭ ‬

يصف المتنبي مقدم الحمى وسريانها في الجسد الذي لا يكف عن المقاومة، فالحمى تنتابه وقت النوم، وتمنعه الرقاد ولذيذ النوم، فهي تصيبه ليلا وعندما يطلع النهار وتريد مفارقته تبكي مدامعها سجاما، دلالة على ما تجده من التعرق الشديد عندما تفارقه فيقول: 

وزائرتي‭ ‬كأن‭ ‬بها‭ ‬حياء

فليس‭ ‬تزور‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الظلام‭ ‬

بذلت‭ ‬لها‭ ‬المظارف‭ ‬والحشايا

فعافتها‭ ‬وباتت‭ ‬في‭ ‬عظامي

يضيق‭ ‬الجلد‭ ‬عن‭ ‬نفسي‭ ‬وعنها

‭ ‬فتوسعه‭ ‬بأنواع‭ ‬السقام‭ ‬

كأن‭ ‬الصبح‭ ‬يطردها‭ ‬فتجري

مدامعها‭ ‬بأربعة‭ ‬سجام‭ ‬

أراقب‭ ‬وقتها‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬شوق

مراقبة‭ ‬المشوق‭ ‬المستهام

ويصدق‭ ‬وعدها‭ ‬والصدق‭ ‬شر

إذا‭ ‬ألقاك‭ ‬في‭ ‬الكرب‭ ‬العظام‭.‬

ومع هجمة الحمى يتبدل لون العليل، فيميل إلى الشحوب والاصفرار، وإذا ما انتهت نوبة الحمى أعقبها صداع مزعج في الرأس، يقول أبوهلال العسكري: 

وأخبر‭ ‬أني‭ ‬رحت‭ ‬في‭ ‬حلة‭ ‬الضنى

ليالي‭ ‬عشر‭ ‬إضامها‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬عشر

تنفضني‭ ‬الحمى‭ ‬ضحى‭ ‬وعشية

كما‭ ‬انتفضت‭ ‬في‭ ‬الدجن‭ ‬قادمتا‭ ‬نسر

تذر‭ ‬على‭ ‬الورس‭ ‬في‭ ‬وضح‭ ‬الضحى

وتبدله‭ ‬بالزعفران‭ ‬لدى‭ ‬العصر

إذا‭ ‬انصرفت‭ ‬جاء‭ ‬الصداع‭ ‬مشمرا

فآبى‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الأذية‭ ‬والشر‭.‬

والعماد الكاتب يصف الحرارة التي كانت تنتابه نهارا فيقول:

وزائرة‭ ‬وليس‭ ‬بها‭ ‬حياء

فليس‭ ‬تزور‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬النهار

أتت‭ ‬والقلب‭ ‬في‭ ‬وهج‭ ‬اشتياق

ليظهر‭ ‬ما‭ ‬أواري‭ ‬من‭ ‬أواري‭ ‬

ولو‭ ‬عرفت‭ ‬لظى‭ ‬سطوات‭ ‬عزمي

لكانت‭ ‬من‭ ‬سطاي‭ ‬على‭ ‬حذار

تقيم‭ ‬فحين‭ ‬تبصر‭ ‬من‭ ‬أناتي

ثبات‭ ‬الطود‭ ‬تسرع‭ ‬في‭ ‬الفرار

أيا‭ ‬شمس‭ ‬الملوك‭ ‬بقيت‭ ‬شمسا

تنير‭ ‬على‭ ‬الممالك‭ ‬والديار

أحمَّاك‭ ‬استعارت‭ ‬لفح‭ ‬نار

لعزمك‭ ‬لم‭ ‬تزل‭ ‬ذات‭ ‬استعار‭.‬

النقرس (زيادة حمض البوليك في الدم)

يقول الشاعر شاكيا إلى الله من ألم أصابعه من داء النقرس:

أشكو‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬ما‭ ‬أصبت‭ ‬به

من‭ ‬ألم‭ ‬أنامل‭ ‬القدم‭ ‬

كأنني‭ ‬لم‭ ‬أطأ‭ ‬بها‭ ‬كبدا

من‭ ‬حاسد‭ ‬سر‭ ‬قلبه‭ ‬ألمي‭.‬

ومن المعروف أن النقرس يصيب ذوي النعمة والترف، لذلك يسمى داء الملوك، ولكن الشاعر العربي رقيق الحال يتعجب من إصابته فيقول:

أقام‭ ‬بأرض‭ ‬الشام‭ ‬فاختل‭ ‬جانبي

ومطلبه‭ ‬بالشام‭ ‬غير‭ ‬قريب

ولاسيما‭ ‬من‭ ‬مفلس‭ ‬حلفُ‭ ‬نقرس

أما‭ ‬نقرس‭ ‬في‭ ‬مفلس‭ ‬بعجيب؟

 

آلام‭ ‬الركبة

يقول جرير في آلام الركبة: 

تحن‭ ‬العظام‭ ‬الراجفات‭ ‬من‭ ‬البلى

وليس‭ ‬لداء‭ ‬الركبتين‭ ‬طبيب‭.‬

وقال أعرابي يصف هذه الحالة:

أشكو‭ ‬إليك‭ ‬وجعًا‭ ‬بركبتي

وهدجانًا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬مشيتي

كهدجان‭ ‬الرأل‭ ‬خلف‭ ‬الهيقة‭.‬

(الرأل ولد النعام والهيقة أنثى النعام).

 

الطاعون

نزل الطاعون بلبنان عام 1907م فقال فيه الشاعر أسعد رستم:

إن‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يجدي‭ ‬بك‭ ‬القانون

فالحامض‭ ‬الفينيك‭ ‬والصابون

يا‭ ‬أيها‭ ‬الطاعون‭ ‬إن‭ ‬بلادنا

منظومة‭ ‬ومناخها‭ ‬موزون

حتى‭ ‬جنابك‭ ‬جئت‭ ‬كي‭ ‬تقضي‭ ‬الشتا

فيها،‭ ‬فأنت‭ ‬إذًا‭ ‬لها‭ ‬مديون

أمن‭ ‬العدالة‭ ‬أن‭ ‬تقيم‭ ‬بأرضها

ضيفًا‭ ‬وتقتل‭ ‬أهلها‭ ‬يا‭ ‬دون؟

 

الجدري

يقول شاعرنا العربي واصفا الجدري: 

وجهه‭ ‬للحسن‭ ‬معدن

فتأمل‭ ‬وتبيَّن‭ ‬

نقط‭ ‬من‭ ‬جدري

كدباقي‭ ‬معين‭.‬

 

الجرَب

وصف الصاحب بن عباد الجرَب بأنه نجوم تطلع في الجلد في بيت يداعب به صديقه أبا العلاء الأسدي فقال:

أَبَا‭ ‬الْعَلاَءِ‭ ‬مَلِيْكَ‭ ‬الهزلِ‭ ‬والجِدِّ

كَيْفَ‭ ‬النُّجُومُ‭ ‬التي‭ ‬تَطْلُعْنَ‭ ‬فِي‭ ‬الْجِلْدِ؟‭! ‬

وقال الفرزدق:

أنا‭ ‬القطران‭ ‬والشعراء‭ ‬جربى

وفي‭ ‬القطران‭ ‬للجربى‭ ‬شفاء‭.‬

 

آلام‭ ‬الأسنان‭ ‬

وصف شاعرنا العربي آلام الأسنان قائلا:

يا‭ ‬من‭ ‬يبات‭ ‬الليل‭ ‬في‭ ‬تألمه

سهران‭ ‬من‭ ‬نار‭ ‬تشب‭ ‬في‭ ‬فمه‭ ‬

ما‭ ‬ذاك‭ ‬إلا‭ ‬ورم‭ ‬في‭ ‬اللثة

ربما‭ ‬غير‭ ‬طعم‭ ‬الفكهة‭ ‬

تورُّم‭ ‬في‭ ‬أسفل‭ ‬الأسنان

كأن‭ ‬فيه‭ ‬لهيب‭ ‬النيران‭ ‬

وربما‭ ‬صيَّر‭ ‬سقف‭ ‬الحلق‭ 

كأنه‭ ‬احرق‭ ‬أي‭ ‬حرق‭. ‬

والخوارزمي يصف وجع الضرس فيقول:

وما‭ ‬أصبحت‭ ‬إلا‭ ‬مثل‭ ‬ضرس‭ 

تآكل‭ ‬فهو‭ ‬موجود‭ ‬فقيد

ففي‭ ‬تركي‭ ‬له‭ ‬داء‭ ‬دوي

وفي‭ ‬قلعي‭ ‬له‭ ‬ألم‭ ‬شديد‭.‬

أما صفي الدين الحلي فيقول في خلع ضرسه:

لحى‭ ‬الله‭ ‬الطبيب‭ ‬فقد‭ ‬تعدَّى‭ ‬

وجاء‭ ‬لقاع‭ ‬ضرسك‭ ‬بالمحال

أعاق‭ ‬الظبي‭ ‬عن‭ ‬كلتا‭ ‬يديه‭ ‬

وسلَّط‭ ‬كلبتين‭ ‬على‭ ‬غزال‭.‬

(الكلابات: آلة تستعمل في قلع الأضراس).

 

التِهابُ‭ ‬اللوْزَتَين‭ ‬

يقول الشاعر محيي الدين عيسى، وقد مر بتجربة التهاب اللوزتين:

التهاب‭ ‬اللوزتين‭  

نقمة‭ ‬في‭ ‬نقمتين

أضنتا‭ ‬جسمي‭ ‬فعانيـ

ـتُ‭ ‬الحِمَام‭ ‬لليلتين

لم‭ ‬تذق‭ ‬طعم‭ ‬الكرى‭ ‬من

فرط‭ ‬ما‭ ‬قاسيت‭ ‬عيني

سدتا‭ ‬حلقي‭ ‬كسد

شيد‭ ‬بين‭ ‬الصدفتين

فيئست‭ ‬العيش‭ ‬أن‭ ‬اليـ‭ ‬

أس‭ ‬إحدى‭ ‬الراحتين

فإذا‭ ‬رمتَ‭ ‬طعامًا

لقمة‭ ‬أو‭ ‬لقمتين

كنت‭ ‬كالبالع‭ ‬موسى

حددت‭ ‬من‭ ‬طرفين

أشتهي‭ ‬الماء‭ ‬وأين‭ ‬الـ

ماءُ‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬الجمرتين

فإذا‭ ‬ما‭ ‬رمته‭ ‬أحسـ

ـبُ‭ ‬أنْ‭ ‬قد‭ ‬حان‭ ‬حيني

وحديثي‭ ‬ليس‭ ‬يجـ

ــتاز‭ ‬حدود‭ ‬الشفتين

عائدي‭ ‬قد‭ ‬يدرك‭ ‬الـ

ــمعنى‭ ‬بتحريك‭ ‬اليدين

وجوابي‭ ‬هز‭ ‬رأسي

أو‭ ‬بفــــعـــل‭ ‬الــحـــاجــــبين

أنا‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬أسطع‭ ‬القو

ل‭ ‬فــــــــــــــــــمـــــــــــــــــــــا‭ ‬ذاك‭ ‬بـــــــــــــــشــــــــــــيــــــــــــــن

ما‭ ‬اكتفى‭ ‬دهري‭ ‬ببلوى

فرماني‭ ‬باثنتين

زارت‭ ‬الــــــــــــــحــــــــــــــمــــــــــــى‭ ‬فــــــــــــــــــــــــــــــدارت

بينهما‭ ‬الحرب‭ ‬وبيني

جندها‭ ‬النار‭ ‬وجندي

عبرات‭ ‬ملء‭ ‬عيني

وزفير‭ ‬يتوالى

مئة‭ ‬في‭ ‬لحظتين

وشهيق‭ ‬كدت‭ ‬لا

أواصله‭ ‬للرئتين

ودوي‭ ‬وطــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــنـــــــــــــــــــــــــــــــــــين

دائب‭ ‬في‭ ‬المسمعين

بت‭ ‬أخشى‭ ‬منه‭ ‬أن

يخرق‭ ‬سد‭ ‬الطبلتين

فكأني‭ ‬غرض‭ ‬الدهر‭ ‬

تقاضاني‭ ‬بدين

كيف‭ ‬لا‭ ‬أشكو‭ ‬وقد

حاربني‭ ‬من‭ ‬جهتين؟‭!‬

 

أمراض‭ ‬القلب

< مرض شرايين القلب النفسية

في البداية يقول المجنون واصفًا هذا المرض

 وقد علم منذ البداية أنه مقتول بحبها:

خليلي‭ ‬أمّا‭ ‬حُب‭ ‬ليلى‭ ‬فقاتلي

فمن‭ ‬لي‭ ‬بليلى‭ ‬قبل‭ ‬موتِ‭ ‬علانيا‭. 

ويقول محدثًا قلبه الذي أودى به الحب ولم يجد طبيبًا له:

ألا‭ ‬أيها‭ ‬القلب‭ ‬الذي‭ ‬لجّ‭ ‬هائمًا

بليلى‭ ‬وليدًا‭ ‬لم‭ ‬تقطع‭ ‬تمائمه

أفق‭ ‬قد‭ ‬أفاق‭ ‬العاشقون‭ ‬وقد

أبى‭  ‬لما‭ ‬بك‭ ‬أن‭ ‬تلقى‭ ‬طبيبًا‭ ‬تلائمه‭.‬

وهذان البيتان اللذان يعطيان وصفًا جيدًا لأعراض الذبحة الصدرية والجلطة القلبية حين قال:

كأن‭ ‬فؤادي‭ ‬في‭ ‬مخالب‭ ‬طائر

إذا‭ ‬ذكرتْ‭ ‬ليلي‭ ‬يشدٌ‭ ‬به‭ ‬قبضا

كأن‭ ‬فجاجَ‭ ‬الأرضِ‭ ‬حلقة‭ ‬خاتمٍ

عليّ‭ ‬فما‭ ‬تزدادُ‭ ‬طولًا‭ ‬ولا‭ ‬عرضًا‭.‬

 

جلطة‭ ‬المخ

للشاعر حلمي سالم ديوان أسماه «مدائح جلطة المخ» 

يقول في إحدى قصائده التي تصف بوضوح هذا المرض:

  ‬‮«‬الكف‭ ‬التي‭ ‬ضلت‭ ‬مسارها‭ ‬إلى‭ ‬النقطة‭ ‬العمياء

والقدم‭ ‬التي‭ ‬دبَّت‭ ‬طوال‭ ‬عامين

من‭ ‬ميدان‭ ‬الرماية‭!‬

إلى‭ ‬التجمع‭ ‬الخامس

كيف‭ ‬لانت‭ ‬فلا‭ ‬تقوى‭ ‬على‭ ‬السعي

بين‭ ‬سجادة‭ ‬ومخدة؟‭!‬‮»‬

ويقول‭ ‬فى‭ ‬قصيدة‭ ‬أخرى‭: ‬

‮«‬ستذهبينْ

ولمْ‭ ‬تنشطِِ‭ ‬الدورةُ‭ ‬الدمويّةُ

في‭ ‬الرَّجل‭ ‬الذي‭ ‬أسماكِ‭ ‬مُهرةً

مفكوكةَ‭ ‬السَّرجِ

وأقام‭ ‬مسرحًا‭ ‬رومانيًا‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬السويس

ووضعَ‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬درجةٍ‭ ‬عشرةَ‭ ‬ولدانٍ‭ ‬مُخلّدين

كلُّ‭ ‬ولدٍ‭ ‬في‭ ‬يده‭ ‬خمسةُ‭ ‬ناياتٍ

وثلاثةُ‭ ‬دفوفٍ‭ ‬وعُودان

وأمام‭ ‬كل‭ ‬ولدٍ

حاملٌ‭ ‬عليه‭ ‬نوتةٌ‭ ‬للحنٍ‭ ‬حزين‮»‬‭.‬

 

الزهايمر

يقول الشاعر صالح الكواز الحلّي:

قلبى‭ ‬خزانة‭ ‬كل‭ ‬علم‭ ‬

كان‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الشباب

وأتى‭ ‬المشيبُ‭ ‬فكدتُ‭ ‬

أنسى‭ ‬فيه‭ ‬فاتحة‭ ‬الكتابِ‭.‬

ويحكى‭ ‬أنه‭ ‬ذات‭ ‬مساء‭ ‬التقت‭ ‬فتاة‭ ‬بالشاعر‭ ‬بدوي‭ ‬الجبل‭. ‬كانا‭ ‬صديقين‭ ‬قديمين‭. ‬نادته‭ ‬باسمه‭ ‬ولم‭ ‬يدعها‭ ‬باسمها،‭ ‬فأنكرت‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬نفسها‭ ‬وهمست‭ ‬له‭: ‬أنسيت‭ ‬اسمي؟‭! ‬أطرق‭ ‬قليلًا‭ ‬ثم‭ ‬قال‭: ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬نسيته،‭ ‬ثم‭ ‬غادرا‭ ‬المكان‭ ‬بعد‭ ‬اكتمال‭ ‬اللقاء،‭ ‬لكن‭ ‬سؤالها‭ ‬لم‭ ‬يغادر‭ ‬قلب‭ ‬شاعرنا‭. ‬فكتب‭ ‬إليها‭:‬
‭ ‬قالت‭: ‬نسيت‭ ‬اسمي؟‭ ‬فقلت‭ ‬لها‭: ‬اُعذُري‭ .‬

ذهب‭ ‬الشبابُ‭ ‬الغضُّ‭ ‬وانقطع‭ ‬الرجا

ذهني‭ ‬تَيَبَّس‭ ‬طينُهُ‭.. ‬حتى‭ ‬غدتْ‭ ‬

تتدحرج‭ ‬الأسماء‭ ‬فيه‭ ‬تدحرجا‭. 

 

السرطان

في ديوان «الغرفة رقم 8» لأمل دنقل – أشهر شاعر معاصر أصيب بالمرض اللعين (السرطان) –
( الغرفة رقم 8 هي الغرفة التي كان يقيم بها أمل في المعهد القومي للأورام) نقرأ كتابة مختلفة لأمل دنقل, استمرارًا للرحلة الإبداعية برهافة وإشراق أكبر، خفّت تلك الجَلَبة في النص, وتعمَّق مكانها تأمل وجودي أكثر حضورًا عن ذي قبل في الحياة والموت والطبيعة.

ويمضي دنقل في تأمل الموت من خلال المشهد المحيط به, فيقول في قصيدة زهور، حيث تتحدث له الزهرات الجميلة عن ساعة إعدامها لحظة القطف:

‮«‬تتحدث‭ ‬لي‭ ‬الزهرات

الجميلة

أن‭ ‬أعينها‭ ‬اتسعت‭ ‬–‭ ‬دهشة

لحظة‭ ‬القطف

لحظة‭ ‬القصف

لحظة‭ ‬إعدامها‭ ‬في‭ ‬الخميلة

تتحدث‭ ‬لي

أنها‭ ‬سقطت‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬عرشها‭ ‬في‭ ‬البساتين

ثم‭ ‬أفاقت‭ ‬على‭ ‬عرضها‭ ‬في‭ ‬زجاج‭ ‬الدكاكين

أو‭ ‬بين‭ ‬أيدي‭ ‬المنادين

حتى‭ ‬اشترتها‭ ‬اليد‭ ‬المتفضلة‭ ‬العابرة

كل‭ ‬باقة

بين‭ ‬إغفاءة‭ ‬وإفاقة

تتنفس‭ ‬مثلي‭ - ‬بالكاد‭ - ‬ثانية‭.. ‬ثانية

وعلى‭ ‬صدرها‭ ‬حملت‭ ‬راضية

اسم‭ ‬قاتلها‭ ‬في‭ ‬بطاقة‭!!‬‮»‬

- أما الشاعر والسياسي والدبلوماسي غازي القصيبي فقد أصيب بسرطان المعدة وقال عنه:

أغالب‭ ‬الليل‭ ‬الحزين‭ ‬الطويل

‭ ‬أغالب‭ ‬الداء‭ ‬المقيم‭ ‬الوبيل‭ ‬

أغالب‭ ‬الآلام‭ ‬مهما‭ ‬طغت

بحسبي‭ ‬الله‭ ‬ونعم‭ ‬الوكيل‭. ‬

أمراض‭ ‬الشيخوخة‭ ‬والشيب‭ (‬الهرم‭)‬

من الشيخوخة يشكو شاعرنا قائلا:

أصبحت‭ ‬لا‭ ‬أحمل‭ ‬السلاح‭ ‬ولا

أملك‭ ‬رأس‭ ‬البعيران‭ ‬نفرا

والذئب‭ ‬أخشاه‭ ‬إن‭ ‬مررت‭ ‬به

وحدي‭ ‬وأخشى‭ ‬الرياح‭ ‬والمطر‭. ‬

وآخر حزين على ما صار إليه حاله في هرمه فيقول: 

كفى‭ ‬حزنا‭ ‬أني‭ ‬أدب‭ ‬على‭ ‬العصا‭  

فيأمن‭ ‬ويبغضني‭ ‬أهلي

ويوصى‭ ‬بي‭ ‬الوغد‭ ‬الضعيف‭ ‬مخافة‭  

علي‭ ‬وما‭ ‬قام‭ ‬الحواضن‭ ‬عن‭ ‬مثلي‭ ‬

أُقم‭ ‬العصا‭ ‬بالرجل‭ ‬والرجل‭ ‬بالعصا‭ 

فما‭ ‬عدلت‭ ‬ميلي‭ ‬عصاي‭ ‬ولا‭ ‬رجلي‭.‬

وقال أعشى بني ربيعة:

فإما‭ ‬تريني‭ ‬حليف‭ ‬العصا‭ ‬

فقد‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬وثبة‭ ‬خامعا

وساومني‭ ‬الهرم‭ ‬حتى‭ ‬اشترى‭ ‬

شبابي،‭ ‬وكنت‭ ‬له‭ ‬مانعًا‭.‬

أما الشاعر المخضرم لبيد بن ربيعة فكان من أكثر الشعراء معاناة من آلام ظهره الذي انحنى بسبب تقدم عمره، ومما يروى له عندما بلغ عشرًا ومئة سنة قوله:

أليس‭ ‬ورائي‭ ‬أن‭ ‬تراخت‭ ‬منيتي‭ ‬

لزوم‭ ‬العصا‭ ‬تُحني‭ ‬عليها‭ ‬الأصابع

أخبِّر‭ ‬أخبار‭ ‬القرون‭ ‬التي‭ ‬مضت

أدبُّ‭ ‬كأني‭ ‬كلما‭ ‬قمت‭ ‬راكع‭.‬

 

الأمراض‭ ‬النفسية‭ ‬‮«‬الاكتئاب‮»‬‭ ‬

مع أن هذه الأمراض لم يتعرف بها إلا في العصر الحديث، إلا أن الشاعر العربي القديم أسبق في تشخيص هذه الأمراض والحديث عنها. 

والهم‭ ‬يخترم‭ ‬الجسيم‭ ‬نحافة

ويشيب‭ ‬ناصية‭ ‬الصبيُ‭ ‬ويهرم‭.‬

 

مرض‭ ‬الشره‭ ‬الغذائي

يقول الشاعر العربي واصفًا مريض الشره الغذائي:

يا‭ ‬آكلا‭ ‬ما‭ ‬اشتهاه

وشاتم‭ ‬الطب‭ ‬والطبيب‭ ‬

ثمار‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬غرست‭ ‬تجني

فانتظر‭ ‬السقم‭ ‬عن‭ ‬قريب‭ ‬

يجتمع‭ ‬الداء‭ ‬كل‭ ‬يوم‭  

أغذية‭ ‬السوء‭ ‬كالذنوب‭. ‬

أو قول عامر بن الظرب العدواني: 

وربة‭ ‬أكلة‭ ‬منعت‭ ‬أخاها‭ 

بلذة‭ ‬ساعة‭ ‬أكلات‭ ‬دهر‭ ‬

وكم‭ ‬من‭ ‬طالب‭ ‬يسعى‭ ‬لشيء‭ ‬

وفيه‭ ‬هلاكه‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬يدري‭.‬

 

السكر

يقول الشاعر علي بن صالح الغامدي:

ما‭ ‬عاد‭ ‬للعسل‭ ‬الصافي‭ ‬لذائذه‭ 

ولا‭ ‬السكاكر‭ ‬رمز‭ ‬العيد‭ ‬تعتبر

فقد‭ ‬غدا‭ ‬السكر‭ ‬الملعون‭ ‬علتنا

البدو‭ ‬سيَّان‭ ‬في‭ ‬بلواه‭ ‬والحضر‭.‬

يشكو الشاعر من السكر وحرمانه للمصاب من ملذات الحياة, وأن المرض أصاب الجميع من بدو وحضر.

 

شحوب‭ ‬الجلد‭ (‬الأنيميا‭) ‬

علامة‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬اعتلال‭ ‬الجسم

يقول شاعرنا العربي القديم.

تقول‭ ‬سليمى‭ ‬ما‭ ‬لجسمك‭ ‬شاحبا‭  

كأنك‭ ‬يحميك‭ ‬الطعام‭ ‬طبيب‭. ‬

وهذا آخر ينفي أن تكون قلة الطعام سببا لهزاله فيقول:

وفي‭ ‬جسم‭ ‬راعيها‭ ‬شحوب‭ ‬كأنه‭ ‬

هزال‭ ‬وما‭ ‬من‭ ‬قلة‭ ‬الطعم‭ ‬يهزل‭.‬

وبعد.. لم يبق إلا الدعاء للمريض بالشفاء والعافية ونردد قول أبي تمام حين دعا للمريض بالصحة ومخبرًا عن صحة خلقه:

يخرج‭ ‬من‭ ‬جسمك‭ ‬السقام‭ ‬كما‭ 

أخرج‭ ‬ذم‭ ‬الفعال‭ ‬من‭ ‬عنقك

يسح‭ ‬سحًا‭ ‬عليك‭ ‬حتى‭ ‬يرى‭  

خلقك‭ ‬فيها‭ ‬أصح‭ ‬من‭ ‬خلقك‭. ‬

ونقول أيضا كما قال الشاعر:

نبئت‭ ‬أنك‭ ‬معتل‭ ‬فقلت‭ ‬لهم‭   

نفسي‭ ‬الفداء‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬محذور

يا‭ ‬ليت‭ ‬علته‭ ‬بي‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬له‭   

أجر‭ ‬العليل‭ ‬وأني‭ ‬غير‭ ‬مأجور‭ .‬